| | التاريخ: آب ٢٩, ٢٠٢٠ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | السودان .. خفايا صراع مالي بين حمدوك والبرهان | وائل محمد الحسن
طفت على سطح المشهد السياسي في السودان صراعات داخلية بين المكوّنين المدني والعسكري، مهددةً سلامة المرحلة الانتقالية، كان أبرزها المناوشات الأخيرة حول الشركات التي تتبع للجيش وضرورة إرجاعها لسلطة الحكومة التنفيذية.
ففي آخر خطاب لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك لمناسبة مرور عام على توليه رئاسة الوزراء، قال إن أحد أسباب تفاقم الأزمات وعدم القدرة على المعالجة، أن وزارة المالية تضع يدها على 18% فقط من المال العام، وأن الـ82% هي استثمارات وأموال تتبع للجيش والأجهزة الأمنية الأخرى.
رد من العسكر
وجاء رد رئيس مجلس السيادة والقائد العام لقوات الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، سريعاً وعنيفاً، حيث أكد أن الثورة لم تلبّ طموحات الشعب، ولم يحدث أي تغيير فعلي، بل إن الوضع أصبح أسوأ، كما تحدث عن "حملات منظمة تسعى لتفكيك الجيش ومؤسساته وشركاته الاقتصادية لتفتيت البلاد". ثم كرر القول "الفاشلون يريدون أن يعلّقوا إخفاقاتهم على مؤسسات الجيش".
أسباب الصراع
"النهار العربي " طرحت الموضوع على أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة أم درمان البروفسور صلاح الدين الدومة، الذي أوضح أن الصراع بين حمدوك والبرهان سببه الشركات التي تتبع للجيش والتي تبلغ قرابة 260 شركة تقع خارج سلطة وزارة المالية، وتقوم بالاستثمار في كل القطاعات الاقتصادية ومستثناة من المراجعة الداخلية ودفع الضرائب والجمارك، والتي يرى فيها حمدوك أنها قمة الفساد الإداري.
وقال الدومة إن حمدوك كان ينتظر مقدم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لإثارة هذه القضية معه، معرباً عن اعتقاده أن حمدوك ضغط على الفريق البرهان لأن الولايات المتحدة معنية بذلك، لمعرفة أوجه صرف تلك الأموال والاستثمارات حتى لا تستخدم لتمويل الإرهاب.
أحقية الجيش في الاستثمار
وقال الكاتب الصحافي والمحلل السياسي الأستاذ بكرى المدني لـ"النهار العربي"، إنه لا تبدو النسبة التي جاءت على لسان حمدوك حول سيطرة الجيش على نسبة 82%من المال العام صحيحة، وذلك لأن معظم موارد الدولة وحركة الاقتصاد تدار عبر القطاع الخاص وفق سياسة تحرير الاقتصاد المتّبعة، وذلك لأن جل الصادرات والواردات تقوم بها شركات مملوكة لأفراد، كما أنه ليس من المعقول أن تبلغ قيمة إعفاءات شركات الجيش من الجمارك وحتى الضرائب، إن كانت معفية، هذه النسبة الكبيرة، وقد صدر من الجيش ما يؤكد أن شركاته ليست مستثناة من أي التزامات مالية للدولة.
أما صلاح الدين الدومة فقد أوضح أن من حقهم الاستثمار، ولكن في حدود ضيقة جداً وضمن سلطة وولاية الحكومة ووزارة المالية عليها.
وحول أسباب حدّة ردّة الفعل للمكوّن العسكري، قال الدومة إنها مسرحية سيئة الإخراج، في محاولة لمنع الحكومة من المساس بهذه الشركات.
أما بكري المدني، فقد أشار الى أن ردة فعل الجيش القوية والعنيفة جاءت لأن حمدوك حاول تعليق فشل حكومته على الجيش والإيقاع بين المؤسسة العسكرية والشعب، في مسعى أيضاً لتجريد الجيش من موارده.
وحول تأثيرات هذا الصراع على المشهدين السياسي والاقتصادي، قال الأستاذ بكري المدني لـ"النهار العربي"، إن تأثير الصراع الحالي، إضافة إلى التردي المستمر في الأوضاع الاقتصادية، يمكن أن يقود إلى إطاحة الحكومة الحالية، إما بثورة شعبية أو بمغامرة عسكرية، هذا إن لم يسارع المكوّن العسكري إلى إعلان عزلها والدعوة لتكوين حكومة جديدة.
أما الدومة، فقد أوضح أن التأثيرات الواقعة من دون شك سلبية، ولكن حسمها ليس مستحيلاً، وأن الثورة لا خوف عليها حتى ولو انتقلت الى مرحلة الكفاح المسلح، لأن الثورة تجذرت والشعب أصبح قادراً على انتزاع حقوقه. | |
|