| | التاريخ: آب ٢٤, ٢٠٢٠ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | ديناميكية جديدة في الجيش الجزائري أم نهاية حقبة رجالات | الجزائر-إيمان عويمر
دائماً ما تحظى التغييرات في أعلى هرم المسؤولية بمؤسسة الجيش الجزائري باهتمام شعبي بالغ في البلاد، حتى أنها لا تمر دون اثارة التكهنات والتساؤلات في الصالونات السياسية عن أسبابها وخلفياتها وحتى تداعياتها، تماماً كما حصل قبل أيام، بإعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عن إنهاء مهام بعض القادة العسكريين، بموازاة محاسبة آخرين بسبب تورطهم في قضايا فساد.
وبموجب مراسيم رئاسية وقعها تبون، جرى إنهاء مهام عدة ألوية منهم اللواء عبد القادر لشخم، بصفته رئيسًا لدائرة الإشارة وأنظمة المعلومات والحرب الإلكترونية، واللواء علي عكروم، بصفته رئيسًا لدائرة التنظيم والإمداد لأركان الجيش، واللواء رشيد شواكي، بصفته مديرًا للصناعات العسكرية بوزارة الدفاع الجزائرية.
وتضمنت المراسيم الرئاسية أيضًا إنهاء مهام اللواء محمد تبودلت، بصفته مديرًا مركزيًا للعتاد بوزارة الدفاع الوطني، واللواء سليم قريد، بصفته قائدا للأكاديمية العسكرية لشرشال بالناحية العسكرية الأولى.
بالمقابل، صدرت مراسيم رئاسية أخرى تتضمن تعيين عدّة إطارات في المناصب الشاغرة بالمؤسسة العسكرية، تزامنت مع تعيين قائد جديد للدرك الوطني ومسؤولين بالأجهزة الأمنية الحساسة(المخابرات) خاصة في الأمن الداخلي.
متابعات قضائية
وفي الحادي عشر من أب/ أغسطس 2020، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن إيداع قاضي التحقيق العسكري في مدينة البليدة جنوب الجزائر بالعاصمة، قرميط بونويرة، السكرتير الخاص السابق لرئيس أركان الجيش الراحل القايد صالح، بالإضافة إلى الرائد درويش هشام رهن الحبس المؤقت. بموازاة ذلك، صدر أمر بالقبض على العميد المتقاعد وقائد الدرك الوطني الأسبق غالي بلقصير.
ويواجه هؤلاء "تهم الخيانة العظمى والاستحواذ على معلومات ووثائق سرية لغرض تسليمها لأحد عملاء دولة أجنبية". وكان قرميط بونويرة قد فر إلى تركيا مطلع عام 2020، برفقة أفراد عائلته. وتقول مصادر إعلامية أن ذلك تم "بتواطؤ من الرئيس السابق للمخابرات الداخلية الجنرال واسيني بوعزة، المسجون حاليًا، والجنرال عبدالقادر لشخم رئيس دائرة الإشارة وأنظمة المعلومات والحرب الإلكترونية"، المقال مؤخرًا.
استعادة التوازن
وفي قراءته للتغيرات، يعتقد الباحث الجامعي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية عادل أورابح، أن "هناك نية واضحة نحو خلع كل رجالات ثقة قائد أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، مع محاولة الرئاسة لاستعادة بعض التوازن الذي عرفته العلاقات المدنية-العسكرية قبل مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة".
ويضيف أورابح في تصريح لـ "النهار العربي" أن "تعيين ضباط سامين "تقنيين" في قيادة الأركان، ممن سيروا الجانب العملياتي للحرب على الإرهاب خاصة (تسعينيات القرن الماضي) وبالتالي ميولاتهم نحو الانخراط في الشأن السياسي أقل حدة من سابقيهم. لكن كل هذا متوقف على قدرة الرئيس الجديد في ترجيح منطقه، خاصة وأنه يُعاني من غياب قاعدة سياسية واجتماعية له بالإضافة إلى خياراته الاقتصادية المحدودة في ظل الأزمة المالية التي تمر بها البلاد".
ويربط الداعمون لأطروحة أن التغييرات التي تشهدها المؤسسة العسكرية تُعبر عن نهاية مرحلة، بـ "رد الاعتبار" لبعض الجنرالات، أبرزهم الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، الذي كرّمته قيادة الجيش الجزائري، في الحفل السنوي لكبار الضباط لمناسبة ذكرى استقلال البلاد المصادفة لـخامس يوليو/ تموز من كل سنة، كضيف شرف، بعدما كان خصماً مباشراً لرئيس الأركان السابق أحمد قايد صالح.
ولوحق الجنرال المتقاعد حسين بن حديد بتهمة "المساس بهيئة نظامية ومحاولة إحباط معنويات الجيش" قبل الإفراج المشروط عنه في كانون الثاني (يناير) من عام 2020.
وبرز اسم الراحل قايد صالح في خضم الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر طيلة عام 2019 بعدما دعا إلى تطبيق نص المادة 102 من الدستور التي أدت إلى عزل بوتفليقة وتنحيه من الحكم في الثاني من نيسان (ابريل) 2019، ومنذ ذلك التاريخ أصبح قايد صالح الحاكم الفعلي للبلاد، وسمي بـ"الرجل القوي" في تلك المرحلة، وأقر بموجب ذلك عدّة قرارات منها سجن قيادات عسكرية أبرزهم قائدي جهاز المخابرات الأسبقين الجنرال محمد مدين المعروف باسم توفيق وبشير طرطاق، المتابعين بـ 15 سنة حبساً نافذة.
لكن قايد صالح، توفي في 23 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بعد أربعة أيام من مراسيم تولي عبد المجيد تبون رئاسة البلاد ليخلفه الفريق سعيد شنقريحة القائد السابق للقوات البرية في منصب رئيس للأركان.
صلاحيات دستورية وضخ للدماء
في مقابل ذلك، يرى الباحث والأستاذ في العلوم السياسية في جامعة الجزائر رضوان بوهديل أن "ما يقوم به الرئيس تبون من تغييرات سواءً في المناصب المدنية العليا أو العسكرية هو أمر عادي ويدخل في إطار صلاحياته الدستورية المنصوص عليها في بند المادة 92".
ويوضح بوهديل في تصريحات لـ"النهار العربي" أنه "لا يجب إعطاء تأويلات أكثر من اللازم في اعتقادي، لأن هذه التغييرات كانت تحدث كل سنة في السابق حين يتم إحالة بعض القيادات العسكرية على التقاعد وتحويل آخرين و ما حدث لا يخرج عن هذا الاطار".
ويستبعد الباحث الجزائري، أن "تكون التغييرات لها علافة بتصفية حسابات كما يُحاول البعض الترويج له لأن الانطلاقة من هذا المبدأ يعني أنه لن يبقى ولا عسكري في المؤسسة"، موضحًا "لكن يبدو اليوم أن الجيش كمؤسسة دستورية بحاجة إلى تجديد وضخ دماء جديدة تماشيا مع التحديات الداخلية والخارجية في إطار واحد هو عصرنة المؤسسة العسكرية واحترافيتها والدفع بها للمساهمة في التنمية الاقتصادية و كذا إعطاء صورة جيدة داخلياً و خارجياً".
ومع هذه التغييرات في قيادة أركان الجيش، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية قبل أشهر، عن تنسيق تام بين المؤسسة العسكرية والرئيس عبدالمجيد تبون، في وقت تستعد فيه البلاد لتعديل مسودة الدستور شهر تشرين الأول (اكتوبر) القادم، من المقرر أن يعرض على استفتاء شعبي، يتبعه حل البرلمان والمجالس المنتخبة نهاية عام 2020. | |
|