التاريخ: حزيران ٢٦, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
الجزائر: إدانة أويحيى بالسجن 12 عاماً في «قضية فساد»
المعركة تشتد بين الإسلاميين ورئيس لجنة صياغة الدستور
الجزائر: بوعلام غمراسة
يواجه رئيس الوزراء الجزائري السابق أحمد أويحيى عقوبة سجن شديدة، هي الثانية في ظرف أشهر، وذلك بعد إدانته في قضية فساد مرتبطة برجل أعمال كبير. وفي غضون ذلك، قال مراقبون إن التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس عبد المجيد تبون ليلة أول من أمس، لا يعكس جدية في مواجهة الأزمة المالية الخانقة، التي زادت حدتها بسبب تداعيات جائحة «كورونا» على الاقتصاد.

وأدانت محكمة الجنح بالعاصمة أمس أويحيى بـ12 سنة سجنا في قضية رجل الأعمال مراد عولمي، مالك شركة لتركيب وبيع سيارات ألمانية، الذي حكمت عليه بعشر سنوات سجنا. فيما تمت إدانة شقيقه المسجون بـ7 سنوات سجنا، وزوجته 20 سنة سجنا غيابيا، مع إصدار أمر دولي بالقبض عليها. وكانت نفس العقوبة أيضا من نصيب وزير الصناعة عبد السلام بوشوراب الهارب من القضاء في حكم القانون.

وتمثلت وقائع القضية في «تبييض أموال»، و«تهريب مال عام إلى الخارج»، و«التهرب من دفع الضرائب، و«منح قروض من مصارف حكومية بدافع المنفعة لرجل أعمال»، و«تطويع الوظيفة الحكومية لمصلحة خاصة».

وقال أويحيى خلال استجوابه من طرف القاضي إن «كل السياسات في مجال الاستثمار الصناعي، وخاصة نشاط تركيب السيارات، وضعها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وأنا ما كنت سوى منفذ لها من موقعي كرئيس للوزراء. كما كنت أرفع يوميا تقريرا للرئيس عن كل أعمال الحكومة». وطرح بمناسبة هذه التصريحات، من جديد، مطلب سابق لمحامين بإحضار الرئيس السابق للمحاكمة، أو على الأقل لسماعه بخصوص قضايا فساد كبيرة طالت المال العام خلال فترة حكمه.

وبهذا الخصوص قال المحلل السياسي إبراهيم سعدي: «لأن أويحيى أكثر من يكرهه الجزائريون من بين المسؤولين السابقين، أريد أن يقدم بالأساس قربانا للشعب في سبيل استمرار النظام، والحقيقة أن مسؤوليته فيما أصاب الجزائر أقل بكثير من مسؤولية بوتفليقة».

وكان القضاء قد أدان أويحيى في سبتمبر (أيلول) الماضي، بـ15 سنة سجنا، كما نطق أيضا بأحكام ثقيلة بحق مسؤولين كبار في عهد بوتفليقة، وتم تثبيت هذه الأحكام مطلع العام بمحكمة الاستئناف. إلى ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية، قوي بوحنية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المنطق العددي غلب على التغيير الحكومي»، الذي أحدثه الرئيس تبون، بعد 6 أشهر من تعيين حكومته الجديدة. ويقصد المحلل السياسي كثرة عدد الوزارات (41 بعدما كانت 39). وذكر قوي بهذا الخصوص أن الجزائر «بحاجة إلى حكومة حرب لأن الأزمة المالية والمشكلة الاقتصادية التي خلفتها جائحة (كورونا)، هي بمثابة حرب معلنة علينا. لذلك كان ينبغي اختيار 15 إلى 20 وزيرا على أقصى تقدير، تعهد إليهم القطاعات التي تعاني من مشكلات كبيرة». مبرزا أن المرحلة لا تقتضي شخصيات سياسية، «إنما يجب ضخ دماء جديدة»، وكان يشير ضمنا إلى تعيين خبير شؤون الطاقة عبد المجيد عطار وزيرا للطاقة، علما بأنه كان عضوا بالحكومة قبل نحو 20 سنة وعاد إلى الشأن العام.

واللافت أن غالبية الأحزاب الموالية للسلطة والمعارضة لها تحاشت أمس إبداء موقف من التعديل الحكومي، كما لو أنها عجزت عن فهم أهدافه. فلا هو تغيير سياسي، بحكم عدم اختيار مسؤولين من أحزاب ولا شخصيات معروفة في الساحة السياسية، ولا هو تغيير دعم الطاقم الحكومي بكفاءات مشهود لها بالاقتدار في القطاعات التي عهدت إليها.

واللافت في التعديل الحكومي رحيل وزير المالية عبد الرحمن راوية، الذي ارتبطت الفترة القصيرة التي سير فيها هذا القطاع الاستراتيجي برفع أسعار الوقود، وتم استخلافه بمحافظ البنك المركزي أيمن بن عبد الرحمن. كما عين محمد عرقاب وزيرا للمناجم، وهو منصب تم استحداثه، وترك مكانه كوزير للطاقة لعطار. وعزل الرئيس وزير الزراعة والتنمية الريفية شريف عماري، وعوضه بعبد الحميد حمدان، أحد كوادر القطاع. وجرى فصل النقل عن الأشغال العامة، مع احتفاظ الوزير فاروق شيالي بالقطاع الثاني، واختيار لزهر هاني مدير شركة النقل البحري الحكومية، وزيرا للنقل. فيما غادر شمس الدين شيتور وزارة التعليم العالي، وعين على رأس وزارة جديدة سميت الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، واختير بدله في التعليم العالي، عبد الباقي بن زيان رئيس جامعة وهران (غرب).

كما رحل حسان مرموري من وزارة السياحة، وعين بدله محمد حميدو، وهو إطار بالقطاع. علما بأن مرموري كان ضمن طاقم حملة تبون في «رئاسية» نهاية العام الماضي. كما اختار الرئيس بطلة الجودو سابقا سليمة سواكري، خلفا لبطل العالم في نصف المسافات الطويلة نور الدين مرسلي، كسكرتيرة دولة للنخبة الرياضية. وعين شريف بلميهوب كوزير منتدب لدى رئيس الوزراء مكلف بالاستشراف، خلفا لبشير مصطفى، الذي كان كاتب دولة للإحصاء والاستشراف. أما البرلماني (الصحافي سابقا) سمير شعابنة فعين وزيرا منتدبا للمهاجرين، بدل رشيد بلادهان. فيما تمت تنحية سليم دادة كسكرتير دولة مكلف بالإنتاج الثقافي، مع إلغاء المنصب من الحكومة. أما لطفي بن أحمد، الوزير المنتدب للصناعة الصيدلانية، فتمت ترقيته إلى وزير لنفس القطاع.

المعركة تشتد بين الإسلاميين ورئيس لجنة صياغة الدستور
قبل أسبوع من انتهاء تسلم الرئاسة مقترحات الأحزاب والجمعيات

الأربعاء 24 يونيو 2020 
تحول الجدل حول وثيقة التعديل الدستوري، التي تطرحها الرئاسة الجزائرية للنقاش، من التحفظ على مضمون المقترحات، خاصة ما تعلق بإبقائها على صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة، إلى رفض «اللجنة» التي صاغت هذه التعديلات، وتحديداً رئيسها رجل القانون أحمد لعرابة، الذي يتعرض لهجوم شديد، قبل أسبوع من إغلاق باب تسلم الرئاسة ملاحظات واقتراحات الأحزاب والشخصيات السياسية والجمعيات، بخصوص المشروع.

وصرح عبد الله جاب الله، رئيس «جبهة العدالة والتنمية الإسلامية»، في اتصال به، بأن «لجنة الخبراء لم تكن متوازنة في تركيبتها البشرية. فقد ضمت متشبعين بالثقافة الغربية، وخاصة الفرنسية، وعلى رأسهم رئيسها الذي أكد أنه يريد دستوراً لمواطنين وليس مؤمنين، وبأنه يريد دستوراً يتيح للجزائري أن يكون من ديانة أخرى غير الإسلام. إنه اعتداء على دين الأمة».

وذكر جاب الله أنه أعد تقريراً عن «كامل العيوب التي وردت في مسودة المراجعة الدستورية، وأنا على استعداد لتنظيم مناظرة تلفزيونية مع رئيس اللجنة لمناقشة الوثيقة وموادها، ولإظهار بأن هذا المشروع لا يصلح للمجتمع الجزائري». مشيراً إلى أن «كثرة الجهات التي أرسلت لها الوثيقة، تسببت في تمييع المسعى، الذي كان ينبغي أن يتعاطى معه أهل التخصص فقط».

وأعلن لعرابة الأسبوع الماضي عن رفع دعوى قضائية ضد إمام المسجد وأستاذ الفقه الإسلامي الشهير، فارس مسدور، بعد أن قال عنه في فضائية خاصة، إنه «شخص مفصول عن المجتمع الجزائري المسلم، ويعيش أسلوب حياة فرنسية داخل عائلته»، مؤكداً أنه «ليس مؤهلاً لوضع دستور يحفظ قيم المجتمع». وغضب لعرابة بشدة من كلام مسدور، حسب مقربين منه.

من جهته، نشر عبد الرزاق مقري، رئيس «حركة مجتمع السلم» الإسلامية، بموقعها الإلكتروني أمس، أن تصريحات لعرابة حول الإسلام والمواطنة في الدستور، «أحدثت ضجة كبيرة عند قطاعات واسعة جداً من الجزائريين، المتمسكين بالهوية الجزائرية والمرجعية النوفمبرية (ثورة نوفمبر/تشرين الثاني 1954 ضد الاستعمار)، وكانت كثيراً من مواقف الجزائريين منه مبدئية قيمية، لم تبحث في الخلفيات السياسية لتلك التصريحات، وهل هي مواقف شخصية معزولة لرجل وجد نفسه يشرف على كتابة الوثيقة الأساسية للجزائريين والدولة الجزائرية؟ أم هو تعبير عن توجه النظام السياسي كله؟».

وبحسب مقري، فإنه «لا شك أن تلك المواقف الشعبية المبدئية القوية مهمة، ومن شأنها أن تحصن البلد من العبث بهويته ومرجعياته، غير أن التمعن في الخلفيات السياسية المتحالفة مع الأبعاد الآيديولوجية في أروقة الحكم، تكشف ما هو أخطر وأفدح، وهو ما يتعلق بسيادة البلد واستقلالية قراره».

وقال بهذا الخصوص «لقد حاولت شخصيات ومؤسسات في الدولة ترقيع ما صرح به لعرابة فلم تفلح، كما أن التكذيب الذي جاء في بيان لجنة إعداد الدستور (نفى أن يكون قال كلاماً مسيئاً للدين)، وما صرح به المعني بنفسه في وسائل الإعلام لا يمكن أن يمحي كلاماً صريحاً واضحاً، يمثل تحرشاً غير مسبوق بالهوية من مسؤول يتحدث باسم الدولة، وكذلك ما شرحه في طبيعة النظام السياسي»، في إشارة إلى تصريحات لعرابة حول «عدم إمكانية تغيير النظام السياسي، من رئاسي بصلاحيات واسعة في يد الرئيس، إلى برلماني يكون فيه البرلمان سلطة رقابة حقيقية على السلطة التنفيذية».

وتابع مقري موضحاً «من حق أي شخصية عمومية أن تحتج وتجزع حين يُحرف كلامها، أو يُكذب عليها أو تُقوَّل ما لم تقل، بل من حقها أن تقاضي من يفعل ذلك، وظاهرة التحريف والتشويه موجودة في بلادنا فعلاً. لكن ما قاله لعرابة صريح فصيح لا غموض فيه». وكان يقصد نفي لعرابة ما نسب له في حوار مع صحيفة، فُهم منه أن «المواطنة والدين لا يلتقيان».