|
|
التاريخ: حزيران ٦, ٢٠٢٠ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
الحكومة التونسية تؤجل التوقيع على وثيقة «الاستقرار والتضامن» |
الغنوشي ينجو من «سحب الثقة»... وحملة إبعاده تتواصل |
تونس: المنجي السعيداني
أعلنت الحكومة التونسية تأجيل جلسة التوقيع على وثيقة «الاستقرار والتضامن الحكومي»، التي كانت مبرمجة أمس بالعاصمة التونسية، إلى موعد لاحق، دون ذكر الأسباب وفق تصريح مكتب الإعلام والاتصال بمصالح رئاسة الحكومة.
ويأتي هذا التأجيل بعد يوم واحد من جلسة مساءلة وسحب الثقة من راشد الغنوشي، رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة (إسلامية)، التي شهدت خلافات حادة وتلاسنات بين مختلف الأطراف السياسية؛ مما جعل معظم ممثلي الأحزاب غير مهيئين للتوافق من جديد، بحسب مراقبين للشأن السياسي المحلي. وهذه هي المرة الثانية التي يتم فيها تأجيل جلسة التوقيع على هذه الوثيقة؛ ما يكشف حجم الخلاف السياسي والبرلماني بين مكونات الائتلاف الحكومي الحالي.
في غضون ذلك، قال رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، إن تونس تجاوزت أزمة فيروس كورونا، وتمكنت من الخروج من المنطقة الصعبة بأخف الأضرار. مؤكداً أن المعركة «تتمثل اليوم في خروج البلاد من الوضع الاقتصادي الهش، والوضع الاجتماعي الصعب والفقر المدقع الذي تعيشه تونس»، وأن ما يجري في البرلمان من ملاسنات واتهامات متبادلة، «يجب أن ينتهي لأنه لا ينفع التونسيين أو تونس في شيء».
وكان رئيس الحكومة قد عرض بعد تفاقم الخلافات داخل مكونات الائتلاف الحكومي، على أحزاب حركة النهضة، والتيار الديمقراطي، وحركة الشعب، وحركة تحيا تونس، وكتلة الإصلاح الوطني، الممثلة لعدد من الأحزاب السياسية الصغيرة، وثيقة تتكون من سبع نقاط، عنوانها «وحدة التضامن الحكومي»، تضمنت مفاهيم لضمان حد أدنى من العمل المشترك، سواء داخل الحكومة أو البرلمان. وكان من المنتظر أن يتم توقيعها في جلسة أولى في 20 من مايو (أيار) الماضي. غير أن حركة النهضة عطلت جلسة التوقيع في اللحظات الأخيرة، مشترطة توسيع الائتلاف الحكومي ليشمل حزب «قلب تونس» المثير للجدل، بسبب اتهام رئيسه نبيل القروي بالتهرب الضريبي وغسل الأموال، وإدخال تعديلات على تركيبة حكومة الفخفاخ. وقد برر الغنوشي هذا المطلب بضرورة خلق توافق سياسي وطني واسع حول الحكومة في ظل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي ستعترضها، ولا تزال «النهضة» متمسكة بالشروط نفسها.
وفي هذا السياق، قال زهير المغزاوي، رئيس حركة الشعب، إن حزبه «كان على استعداد للتوقيع على وثيقة «الاستقرار والتضامن» التي تعد بمثابة ميثاق يجمع مكونات الحكومة، بعد أن تم إدخال مجموعة من التعديلات عليها، غير أن أطرافاً سياسية أخرى أجهضت هذه العملية لحسابات سياسية غير معلنة». مشدداً على أن حركته لن تنسحب من الائتلاف الحكومي وستواصل العمل في الحكومة، وأن بعض الأطراف تحاول إبعاد الحركة عن العمل الحكومي، على حد تعبيره.
في السياق ذاته، قال محمد عمار، النائب عن التيار الديمقراطي، إن حزبه سيوقع على «وثيقة التضامن والاستقرار»؛ إيماناً منه بـ«ضرورة تنقية الأجواء السياسية من جميع مظاهر التوتر والمناكفات».
وتنص «وثيقة الاستقرار والتضامن الحكومي» على نبذ كل أشكال الخطاب السياسي الهادر لكرامة الناس وحرماتهم، والابتعاد عن استخدام معجم التخوين والإقصاء والاستئصال، والالتزام بمبادئ الشفافيّة والنزاهة في تسيير المرفق العام، ومحاربة أشكال الفساد كافة، مع الانخراط الكامل في مقاومة كل ما يعيق تقدم البلاد من مظاهر الإرهاب والجريمة والفساد، وجميع أشكال هدر ثروات البلاد ومقدراتها.
كما تنص على أن تلتزم الأحزاب المشكلة للائتلاف الحاكم بالتضامن الصادق فيما بينها، واعتماد الحوار والتشارك في إدارة الحياة السياسيّة، ودعم استقرار مؤسسات الدولة السياديّة وتضامنها، وتجنب كل أشكال النزاعات والخلافات التي تشل أجهزتها، علاوة على التسليم بعلوية القانون وأحكام القضاء وتحييد المرفق العام، والنأي بالإدارة عن الولاءات والمحسوبية.
الغنوشي ينجو من «سحب الثقة»... وحملة إبعاده تتواصل
رئيس «النهضة» وعد منتقديه بـ«مراجعة نفسه» للوقوف على مواطن الخلل
الجمعة 05 يونيو 2020
تونس: المنجي السعيداني
تمكن راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية ورئيس البرلمان التونسي، من «النجاة» من جلسة المساءلة البرلمانية والمطالبة بسحب الثقة منه، والتي دامت أكثر من 20 ساعة، وانتهت صباح أمس. لكنه لم ينج من سهام منتقديه، الذين ظلوا حتى آخر لحظة من الاجتماع يطالبون برحيله، خاصة من قيادات الحزب الدستوري الحر المعارض، وعدد كبير من النواب، الذين اعتبروا تهنئة الغنوشي لفائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي، «خطأ جسيما وتجاوزا لصلاحيات رئيس البرلمان».
ورفضت الجلسة العامة للبرلمان، التي انتهت صباح أمس، المصادقة على مشروع اللائحة، التي تقدمت بها كتلة الدستوري الحر المعارضة، والتي تتعلق بـ«إعلان رفض البرلمان أي تدخل خارجي في ليبيا ومناهضته»، بهدف تشكيل قاعدة لوجيستية داخل تونس، حيث لم يحصل المشروع على الأغلبية المطلقة (109 أصوات)، بعد أن صوت لفائدة مشروع اللائحة 94 نائبا، فيما اعترض عليه 68 نائبا، واحتفظ 7 نواب بأصواتهم.
وقالت عبير موسى، رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر، إن الغنوشي «ارتكب عدة خروقات منذ توليه رئاسة المجلس، حيث أخرج قوانين بعينها ووضعها على الطاولة للتصويت، مستغلا ظروف أزمة (كورونا) لتمرير مشاريع قوانين، تخدم أجنداته الخاصة».
معتبرة رئيس البرلمان «خطأ في الساحة السياسية التونسية» على حد تعبيرها، وأكدت أن حزبها سيواصل نضاله نحو «تخليص تونس وتحريرها من قبضة الائتلاف الحكومي»، وأنها ستسعى إلى إزاحة الأغلبية الحاكمة من الحكم بالقانون.
وتمسكت موسى بالقول إن الجلسة البرلمانية خصصت لمساءلة رئيس المجلس الغنوشي، بسبب ما سمته خروقات وتجاوزات ارتكبها في ملف السياسة الخارجية لتونس والدبلوماسية البرلمانية، واتهمته مجددا بـ«تنفيذ أجنداته لخدمة تنظيم الإخوان، الذي يبقى مرجع حركة النهضة في مختلف القضايا، وليس مدنية الدولة، وفصل الجانب الدعوي عن السياسي كما تروج لذلك»، على حد قولها.
في السياق ذاته، دعا طارق الفتيتي، نائب رئيس البرلمان، إلى تنقيح النظام الداخلي لمجلس النواب، وإدراج قضية المساءلة وتقنينها حتى لا يبقى أي طرف سياسي فوق المساءلة. واعتبر أن الغنوشي «أخطأ حينما اتصل بالرئيس التركي وبرئيس البرلمان التركي، دون علم المجلس، كما أن تهنئته لفائز السراج مثلت خطأ كذلك»، ودعاه إلى الاعتراف بالخطأ، والالتزام بعدم تكراره.
في المقابل، أكد سيف الدين مخلوف، رئيس «ائتلاف الكرامة»، الإسلامي المناصر لحركة النهضة، أن الإشكال «لا يكمن في شخص رئيس المجلس، بل في العقد الآيديولوجية التي يكنها له بعض الحاقدين»، واعتبر جلسة المساءلة مجرد «مسرحية لتشتيت الجهود، بدل التصديق على القوانين والحوار مع الحكومة حول عدة مشاريع».
من ناحيته، وفي رده على الاتهامات والانتقادات التي وجهت إليه، قال الغنوشي إنه قبل إجراء الحوار ولم يصوت ضد انعقاده خلال اجتماع سابق لمكتب البرلمان، مشددا على أهمية النقاش لإنهاء الخلافات. لكنه أوضح أنه «لا يمكن ولا يجب أن تتناقض الدبلوماسية البرلمانية مع الدبلوماسية الرسمية، التي يضع معالمها رئيس الدولة بالاستشارة مع رئيس الحكومة، وهي تتنزل عبر مؤسسات الدولة ومنها البرلمان».
وأضاف الغنوشي أنه سيقوم بـ«مراجعة نفسه» على ضوء الانتقادات، التي اعتبرها «نصائح» وجهها له النواب خلال جلسة الحوار حول الدبلوماسية البرلمانية. وحذر من إمكانية انتقال الحرب الدائرة في ليبيا إلى تونس، مذكرا بالموقف الرسمي التونسي، الداعي إلى تقريب وجهات النظر بين الليبيين، وبالتجربة التونسية الثرية حول التوافق ونبذ الإقصاء.
في غضون ذلك، عبّر الغنوشي عن أسفه لتوظيف الحرب الليبية في الخلاف البرلماني حول نشاطه الدبلوماسي الأخير، معتبرا أن لذلك «غايات سياسية». موضحا أن «العديد من الأطراف من الداخل والخارج وظفت هذا الموضوع توظيفا سلبيا، فكانت بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة. المعلن هو استهداف رئيس البرلمان ولكن المعني هو استهداف البرلمان ومن ورائه التجربة الديمقراطية. صراع بين الخيار الديمقراطي وخيار الاستبداد».
وردا على الانتقادات التي تمحورت حول دبلوماسيته النشطة، والتي اعتبرت تعدياً على صلاحيات رئيس الجمهورية قيس سعيد، قال الغنوشي: «التكامل واضح بين إدارتي الدولة، وكلاهما داعم للآخر ولا مجال للتنافس وللصراع، فالمطلوب التعاون». مضيفا «لم ننتصر في ليبيا لطرفٍ على طرفٍ آخر، بل كانت أهدافنا واحدة خدمة للمصلحة الوطنيّة، ومن مصلحة تونس أن يعمّ الاستقرار في ليبيا».
وأضاف متوجها لمنتقديه، ومن بينهم رئيسة الحزب الدستوري الحر، التي تتهمه بأنه موال للحلف التركي - القطري: «موضوع تهنئة حكومة الوفاق خلال المكالمة الهاتفية هي تهنئة بروتوكولية، فرضها سياق المكالمة الرمضانية، ولم تخف التذكير بالموقف التونسي من (فض) النزاعات عن طريق الحوار».
وتابع الغنوشي موضحا لوكالة الصحافة الفرنسية: «تونس معنية مباشرة بالحريق الليبي، ولذلك فلا مناص من أجل العمل على حل سلمي... وسأراجع نفسي، وفق انتقاداتكم وآرائكم وملاحظاتكم لأقف على مواطن الخلل من أجل إصلاحها».
إلى ذلك، تظاهر مئات من مناصري الحزب الدستوري الحر، المناهض للإسلاميين، مساء أول من أمس في العاصمة تونس للمطالبة برحيل الغنوشي، متّهمين إياه بتخطي صلاحياته. |
|