|
|
التاريخ: حزيران ٣, ٢٠٢٠ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
تونس: اعتصام للمعارضة يطالب بتنحي الغنوشي |
قيادات «النهضة» تستعد لمرحلة ما بعد الغنوشي |
تونس: المنجي السعيداني
نظمت فعاليات سياسية معارضة في تونس أمس، اعتصاماً في ساحة باردو بالعاصمة قبالة البرلمان، تطالب بتنحي زعيم حركة «النهضة» راشد الغنوشي عن رئاسة البرلمان. ويأتي هذا الاعتصام الذي رفضت أحزاب عدة المشاركة فيه، ضمن سلسلة تحركات تنادي بتغيير النظام السياسي في البلاد. ومن المفترض استئناف الاعتصام يوم 14 يونيو (حزيران) الحالي، تاريخ الرفع الشامل للحجر الصحي في البلاد.
وتزامنت الوقفة الاحتجاجية الحالية مع وقفات أخرى نظمت في عدد من الولايات التونسية، للتعبير عن رفضهم لما يحدث في المشهدين السياسي والبرلماني، والتمهيد لاعتصام 14 يونيو، الذي يفترض أن تحدد فيه مطالب المعارضة، لتُعرض على استفتاء شعبي.
وجاء تحرك المعارضة أمس قبل يومين من جلسة «مساءلة برلمانية» للغنوشي. وربط متابعون للشأن التونسي الاحتجاجات الحالية التي سماها البعض «اعتصام الرحيل 2»، باحتجاجات عام 2013 التي نجم عنها إبعاد حركة «النهضة» عن الحكم.
وأكدت مصادر سياسية معارضة أن حركة «النهضة» أظهرت خشية مفرطة من الاعتصام الذي ينادي بإقامة «الجمهورية الثالثة» احتجاجاً على انحراف البرلمان وأخطاء رئيسه الغنوشي، وآخرها اتصاله الهاتفي بحكومة «الوفاق» الليبية برئاسة فائز السراج. وتربط «النهضة» بين الاعتصام وبين التطورات الحاصلة في المشهد البرلماني، لتقول إنها «تتعرض لهجمة شرسة، انتقلت منها لتنصب على رئيسها، لغاية إقصائها من المشهد تدريجياً»، وهي تخشى -وفق مراقبين- إعادة سيناريو عام 2013، حين تم إخراجها من الحكم.
وقالت فاطمة المسدي، وهي برلمانية سابقة، ومن متزعمي الاعتصام الحالي: «اليوم هو افتتاح التحركات التي سيتم تنفيذها في اعتصام الرحيل، وسيكون الافتتاح الرسمي للاعتصام يوم 14 يونيو». وأضافت في كلمة أمام الحضور، أن «كل الناس تتسابق للإطاحة بالنظام السياسي المتعفن، وتغيير النظام السياسي الحالي. كل طرف في اتجاه؛ لكن نقطة الالتقاء واحدة، والجميع لديه التوجه نفسه».
في السياق ذاته، قال المحامي عماد بن حليمة، وهو من بين منظمي الاعتصام، إن مطالب المحتجين عديدة، أبرزها حل البرلمان التونسي. وأشار إلى أن اختيار تاريخ الأول من يونيو، يذكِّر التونسيين بعيد نصر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة على المستعمر الفرنسي، وعودته من فرنسا مظفراً سنة 1955. واعتبر بن حليمة أن كل الأحزاب التونسية التي تجاوز عددها 200 لم توفر شيئاً من مطالب الثورة؛ بل ساهمت في مزيد من تأزم الأوضاع، ونشر الإحباط بين التونسيين، على حد قوله.
وعلى الرغم من الخلافات الحادة بين حركة «النهضة» و«الحزب الدستوري الحر» الذي تتزعمه عبير موسى، فقد تبرأ مجدي بوذينة البرلماني عن «الدستوري الحر» من الاحتجاج الحالي قائلاً إنه لا علاقة لحزبه باعتصام باردو.
في السياق ذاته، أكد المنجي الرحوي، القيادي بحزب «الوطنيين الديمقراطيين الموحد»، أن حزبه لن ينخرط في هذا الاعتصام، مشيراً إلى أن الجهات الداعية له غير واضحة، وأن مطالبها كذلك غير واضحة.
من ناحيته، قال خالد شوكات، القيادي السابق في حركة «نداء تونس»، إن تونس ليست في حاجة لتأجيج الصراعات السياسية والآيديولوجية، مضيفاً أنه «من غير المعقول تخريب وطننا بأيدينا».
في غضون ذلك، وعلى أثر وفاة والد عبير موسى، وجَّه راشد الغنوشي رسالة تعزية لها ولعائلتها. وفي المقابل، قالت موسى موجهة كلامها لوالدها، وهو قائد أمني: «لن أخذلك، وسأواصل المشوار بكل ثبات لإنقاذ الدولة التي تعب جيلكم من أجل بنائها. النضال مستمر».
قيادات «النهضة» تستعد لمرحلة ما بعد الغنوشي
الاجتماع المرتقب للحركة سيركز على مناقشة «شرعية القيادة الحالية»
السبت 30 مايو 2020
تنتظر قيادات من حركة «النهضة» التونسية (إسلامية) ما سيتمخض عنه اجتماع مجلس شورى الحركة، المنتظر عقده في السادس من يونيو (حزيران) المقبل، والذي سيخصص لتحديد موعد المؤتمر الانتخابي الحادي عشر للحزب، وما سيفرزه من قرارات حول تسمية القيادة الحالية لراشد الغنوشي، وإن كانت «قيادة مرحلة»، أو «قيادة مؤقتة»، في انتظار انتخاب قيادة جديدة. كما سينظر الاجتماع المرتقب الذي وُصف بـ«الحاسم»، في مسألة شرعية القيادة الحالية، بحكم انتهاء المدة القانونية بحلول موعد المؤتمر الحادي عشر الذي كان مقرراً، وفق النظام الداخلي للحركة، في شهر مايو (أيار) الحالي.
وكان مكتب مجلس شورى الحركة قد اجتمع الخميس الماضي، للنظر في موعد انعقاد المجلس الافتراضي الذي سيحدد تاريخ المؤتمر. ومن النقاط المطروحة على جدول أعمال شورى «النهضة» مناقشة محاور المؤتمر، وتنقيح القانون الأساسي للحركة، في حال رغبت قيادات مجلس الشورى وأعضاء المكتب التنفيذي في التمديد للغنوشي.
لكن وخلافاً لتوقعات عدد من القيادات السياسية بالتجديد للغنوشي لمواصلة قيادة الحركة، وتثبيت وجودها السياسي في تونس، دعت قيادات أطلقت على نفسها «مجموعة الوحدة والتجديد» إلى ضرورة عقد المؤتمر الحادي عشر قبل نهاية السنة الحالية، وإدارة حوار داخلي معمق حول مختلف القضايا الفكرية والسياسية والاستراتيجية التي تخص الحركة، وبناء توافقات صلبة، تحفظ وحدتها، وتدعم مناخ الثقة بين «النهضويين» قبل الذهاب إلى المؤتمر؛ مؤكدة وجود «خلافٍ داخلي ظل يتفاقم منذ انعقاد المؤتمر العاشر سنة 2016»، وهي خلافات أثرت على صورة الحركة، وعمقت الانطباع السلبي لدى الرأي العام عن الأحزاب والطبقة السياسية، حسب تعبيرها.
وتضم هذه المجموعة أسماء وازنة في حركة «النهضة»، أبرزهم عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى، ومختار اللموشي نائب رئيس مجلس الشورى، ورفيق عبد السلام مسؤول مكتب العلاقات الخارجية وصهر الغنوشي؛ إضافة إلى نور الدين العرباوي مسؤول المكتب السياسي، ومحمد زريق نائب رئيس الكتلة البرلمانية، وهي كلها أسماء لها وزنها على مستوى القرار السياسي والتوجهات الكبرى للحركة.
ورغم تأكيد هذه المجموعة على الدور التاريخي لراشد الغنوشي، فإنها طالبت بـ«ضمان تداول القيادة داخل الحركة، بما يسمح بتجديد نخبها»؛ مشددة على أهمية «المرافقة الفاعلة للوضع القيادي الجديد بعد المؤتمر، والحرص على نجاح مهمة الغنوشي على رأس البرلمان، والالتزام بالأسس الأخلاقية والثوابت القيمية الكبرى التي قامت عليها حركة «النهضة».
وانتقدت «مجموعة الوحدة والتجديد»: «تراكم بعض السلبيات والأخطاء داخل الحركة خلال السنوات الأخيرة»، والاضطراب الذي شاب الخط السياسي أحياناً، وضعف الأداء المؤسساتي، وابتعاد بعض الرموز والقيادات عن الانضباط، وخروج الخلافات الداخلية عن نطاقها المقبول والمعقول.
كما بينت القيادات الموقعة على بيان تناقلته وسائل إعلام محلية ودولية، أن قضايا «النهضة»: «أعمق من مجرد اختزالها في انتقال القيادة، واستبعاد زعيمها من أي دور مستقبلي داخل الحركة، والدفع بعدم الالتزام بمبدأ التداول، كما ينص على ذلك النظام الأساسي»، ودعت في المقابل إلى ضرورة الانفتاح على مختلف الآراء داخل الحزب، ورعاية الاختلاف، وحسن إدارته، وضبط آلياته، والاحتكام للمؤسسات، مع الحرص على إقامة «علاقات أخوة وتعاون، واحترام متبادل بين القيادات وسائر منتسبي الحزب، وإنصاف مناضلي الحركة عبر استكمال مسار العدالة الانتقالية، والتركيز على قضايا الحكم وتوسيع قاعدته، والهوية الاجتماعية والاقتصادية للحزب، والاستجابة للاستحقاقات المقبلة».
ومن شأن هذه التوصيات التي وردت على شكل مطالب، أن ترفع النقاش السياسي داخل الحركة؛ خصوصاً بعد أن عرفت استقالات كثيرة لبعض القيادات، وفي مقدمتها زياد العذري الأمين العام للحزب، وعبد الحميد الجلاصي القيادي البارز؛ علاوة على استقالة حمادي الجبالي رئيس الحكومة السابق، ورياض الشعبيب رئيس المؤتمر التاسع لحركة «النهضة».
وتولى الغنوشي (79 سنة) رئاسة «النهضة» خلال الدورتين السابقتين لمدة ثماني سنوات، ولا يسمح النظام الداخلي للحزب بالتجديد له، وهو ما قد يجعل مسألة التجديد خلافية ومثيرة للنزاعات؛ خصوصاً بعد الانتقادات العديدة التي طالت تدبيره للبرلمان، والتي أدت إلى تشنج مختلف مكونات الائتلاف الحاكم، وتوتر العلاقة مع المعارضة، إثر انحيازه العلني إلى طرف سياسي في ليبيا على حساب بقية أطراف المعادلة السياسية هناك.
ويتوقع عدد من المراقبين للشأن السياسي المحلي أن يشكل المؤتمر «حدثاً استثنائياً في تاريخ الحركة»، بحكم أنه سيناقش الأزمة الداخلية التي تعيشها «النهضة» منذ مدة، والتي تتعلق بإدارة الحزب للحكم، والمنافسة بين القيادات الطامحة لخلافة الغنوشي. |
|