|
|
التاريخ: أيار ١٤, ٢٠٢٠ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
برلمانيون يحذّرون الرئيس التونسي من «سحب الثقة» منه |
القليبي... رحيل سياسي تونسي بارز |
تونس: المنجي السعيداني
اتهم سيف الدين مخلوف، رئيس كتلة «ائتلاف الكرامة» المعارض، قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية بالتحريض على نواب البرلمان، من خلال محاولة تبرير دعوات العنف والتهديد الموجّهة ضد بعضهم، وقال إن التونسيين «سيسحبون منه الثقة في حال واصل انتقاده، وتدخلاته غير المقبولة في المشهد السياسي والبرلماني»، واتهمه بـ«تبرير دعوات العنف والدم، والتمرد ضد مؤسسات الدولة، وخصوصاً ضد أعضاء البرلمان».
وتوالت الانتقادات الموجّهة للرئيس سعيد حين صرح في مدينة قبلي (جنوب) بأن «الحرية ليست تبادلاً للسب والشتائم، ويجب مقارعة الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة»، داعياً إلى سحب الثقة من أي نائب من نواب الشعب إذا لم يقم بمهامه الموكولة إليه أحسن قيام.
كما انتقد الرئيس سعيد مقترح تعديل الفصل «45» من النظام الداخلي للبرلمان، الذي تتزعمه «حركة النهضة» (إسلامية)، والمتعلق بمنع الانتقال من حزب سياسي إلى آخر خلال الدورة النيابية نفسها، واعتبار من يستقيل من الكتلة البرلمانية الأصلية مستقيلاً من البرلمان ويجب تعويضه، داعياً إلى سحب الوكالة من أي نائب لا يخدم مصالح التونسيين.
وصدرت المواقف الأكثر حدة من بعض الأحزاب التي كانت قريبة من الرئيس سعيد ودعمته في الحملة الانتخابية، التي مكنته من الفوز برئاسة تونس، ومن أبرزها «ائتلاف الكرامة»، حيث أكد مخلوف في تصريح إذاعي أن ما يقوله سعيد «يمثل إنذاراً أخيراً لرئيس الجمهورية قبل تطبيق أفكاره عليه»، في إشارة إلى إمكانية المطالبة بسحب الشرعية منه، عادّاً أن ما يقوم به الرئيس «يعد غير مشروع، وغير مقبول».
وكان الرئيس سعيد قد انتقد مقترح تعديل الفصل «45» من النظام الداخلي للبرلمان، عادّاً أن هذا المقترح «خرق جسيم للدستور، ويجسد مرضاً دستورياً وسياسياً»، مشيراً إلى أن الشعب التونسي «قادر على سحب الوكالة ممن خان الأمانة والوكالة»، على حد تعبيره، وهو ما عُدّ «دعوة للتمرد على أعضاء البرلمان، وتدخلاً من السلطة التنفيذية في شؤون السلطة التشريعية».
ووصف مخلوف خطاب رئيس الجمهورية بـ«الخطير جداً»، واتهمه بمحاولة «تبرير دعوات العنف ضدّ مؤسسات الدولة والسلط المنتخبة»، وقال بهذا الخصوص: «في الوقت الذي انتظر فيه نواب البرلمان ظهور سعيد للتبرؤ من دعوات الفوضى والدم، التي تصدر من بعض أنصاره، وممن أداروا حملته الانتخابية، فوجئوا بخروجه ليقدم لنا نظريات في الشرعية والمشروعية»، على حد تعبيره.
من ناحيتها، أكدت رئاسة الجمهورية أن اتهام قيس سعيد بالتحريض على التمرد على نواب البرلمان بهدف إسقاطه «مجرد اتهامات باطلة»، وأكدت أن رئيس الجمهورية «كان ولا يزال شديد الحرص على استقرار الأوضاع في الدولة في هذه المرحلة الهامة، غير أنه من حق رئيس الدولة أن ينتقد أداء بعض النواب، والقرارات الصادرة عن البرلمان إذا كانت لا ترقى إلى مستوى مطالب الشعب وانتظاراته، لأن سعيّد يؤمن بأن الشعب هو صاحب السيادة والشرعية تنطلق منه وإليه تعود».
في السياق ذاته، عدّ أسامة الخليفي، رئيس كتلة «قلب تونس» المعارض، أن كلام رئيس الجمهورية «تحريضي على النواب»، واصفاً خطاب سعيد بـ«العدواني»، وحمّله مسؤولية السلامة الجسديّة لنواب البرلمان، قائلاً: «نعتبر هذا التحريض على نواب الشعب تحريضاً عدوانيّاً، ويجب التنديد به، وإيقاف نزف تحريض التونسيين بعضهم على بعض».
من جانبه، انتقد عماد الخميري، النائب عن «حركة النهضة» ما وصفها بـ«حملة التحقير، التي تستهدف النظام السياسي الذي اختاره التونسيون بعد ثورة 2011»، ورأى أنها «حملات ممنهجة تلتقي مع أجندات داخلية وخارجية، لا تريد لتونس الاستثمار في النجاحات التي حققتها في عدة ملفات، وعلى رأسها الانتقال الديمقراطي»، كما ندد الخميري بالدعوات «الغريبة والممنهجة التي تستهدف المؤسسات الدستورية، وفي مقدمتها مؤسسة مجلس نواب الشعب ورئاسة مجلس نواب الشعب ككل».
القليبي... رحيل سياسي تونسي بارز
أدار الجامعة العربية في «فترة حرجة» من تاريخها
القاهرة: محمد عبده حسنين تونس: المنجي السعيداني
غيّب الموت، أمس، الشاذلي القليبي، أحد أبرز الوجوه السياسية والثقافية في تاريخ تونس الحديث، والأمين العام الوحيد لجامعة الدول العربية، من خارج مصر.
وشغل القليبي، الذي توفي في مقر إقامته بضاحية قرطاج في العاصمة تونس، عن عمر يناهز 94 عاماً، منصب أمين عام الجامعة لنحو 10 أعوام، وُصفت بـ«فترة حرجة» من تاريخ العمل العربي المشترك، وذلك عندما انتقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس عام 1979؛ بسبب توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل.
وأعلنت الجامعة العربية، أمس، الحداد على رحيل القليبي، وقرر الأمين العام أحمد أبو الغيط «تنكيس العلم»، معتبراً أن «الأمة العربية فقدت سياسياً عروبياً مخلصاً، لعب دوراً مهماً في مرحلة استثنائية من تاريخ الجامعة العربية المعاصر، فضلاً عن اضطلاعه بمهام سياسية كبيرة في بلده تونس».
واجه القليبي خلال ترؤس الجامعة العربية العديد من القضايا العربية الساخنة، حتى تقديم استقالته قبيل اندلاع حرب الخليج الثانية لاعتراضه على «التدخل الأجنبي». وتمكن القليبي خلال تلك الفترة من «الحفاظ على استمرارية عمل الجامعة في ظل الظروف الصعبة التي واجهت العمل العربي المشترك في فترة توليه المسؤولية خلال عقد الثمانينات»، بحسب أبو الغيط، الذي أكد في بيان له أن فترة القليبي «عززت من القدرة المؤسسية الكبيرة للجامعة العربية على البقاء والتكيف مع الأزمات، والاستمرار في خدمة الأمة مهما كانت الظروف».
وبحسب الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن القليبي «سلم الجامعة – بعد عودتها للقاهرة - في وضع معقول من النواحي الهيكلية، بعد أن لعب دوراً كبيراً ومهماً في الحفاظ على الكيان، في وقت مضطرب للمنطقة والعالم العربي».
وعُرف السياسي التونسي البارز بمواقفه العروبية والقومية، وحرصه الدائم على العمل العربي المشترك. ويقول المفكر السياسي المصري الدكتور مصطفى الفقي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القليبي أسهم بشكل واضح في دفع السياسية التونسية نحو التوجه العربي، بسبب أفكاره القومية القوية، خاصة في فترة نقل مقر الجامعة، واستضافة تونس أيضاً مقر منظمة التحرير الفلسطينية».
والقليبي هو الأمين العام الرابع للجامعة بعد عبد الرحمن عزام، وعبد الخالق حسونة، ومحمود رياض، وأعقبه كل من أحمد عصمت عبد المجيد، وعمرو موسى، ونبيل العربي، والأمين الحالي أحمد أبو الغيط، وكلهم من مصر.
ونعى البرلمان العربي القليبي؛ إذ قال مشعل بن فهم السُلمي، رئيس البرلمان العربي، إن «الأمة العربية فقدت بوفاة القليبي شخصية سياسية، كان لها دور تاريخي بارز في قيادة الجامعة العربية، وفي أدق الظروف التي واجهت الشعوب العربية».
ولعب القليبي دوراً في تكوين لجان لتنقية الأجواء العربية، ودعم التعاون العربي - الأفريقي، ومساعي تحقيق الأمن القومي العربي، والمقاطعة العربية لإسرائيل، ودعم الانتفاضة الفلسطينية.
ينتمي الشاذلي القليبي، الذي ولد في 6 سبتمبر (أيلول) 1925، إلى عائلة مرتبطة بـ«الحركة الوطنية»، التي قادها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة. وانتخب عام 1964 عضواً في اللجنة المركزية للحزب الحرّ الدستوري التونسي، وعُين عضواً للديوان السياسي للحزب نفسه في يوليو (تموز) 1968 حتى سبتمبر 1979، كما انتخب نائباً في البرلمان التونسي.
وفي بداية مسيرته السياسية شغل القليبي منصب مدير عام الإذاعة والتلفزة التونسية، كما تقلّد العديد من المناصب الوزارية خلال فترة حكم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، من بينها منصب وزير الثقافة، وأسس خلال فترة إدارته للوزارة مهرجان قرطاج الدولي سنة 1965، إضافة إلى تقلده وزارة الإعلام ما بين عامي 1961 و1979، ومنصب مدير ديوان رئيس الجمهورية.
ويحمل معظم التونسيين «انطباعاً إيجابياً» عن القليبي على المستوى الوطني، فضلاً عن مساهماته البارزة في معظم الصحف والمجلات، حيث كان ينشر العديد من المقالات السياسية والبحوث، وألقى الكثير من المحاضرات الأدبية، وألّف كتباً عدة. كما أصبح عضواً بمجمع اللغة العربية في القاهرة في فبراير (شباط) 1970.
واشتهر القليبي داخل الأوساط الأدبية والسياسية بأنه صاحب آراء صريحة ومتحررة إزاء المشكلات التي كانت تجابه المجتمع العربي، وكانت له مساهمات بارزة في عدد من القضايا الخلافية، مثل إشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام، وقضية المرأة العربية، وقضايا النفط، والنظام الاقتصادي العالمي الجديد، والحوار العربي الأوروبي - الأفريقي.
وعلى المستوى الثقافي كان القليبي، الحاصل على الإجازة في اللغة والآداب العربية، من أهم وأبرز الأصوات الثقافية في تونس، ومثل لمعظم التونسيين أيقونة ثقافية، وعرف بأنه «صانع المؤسسات الأولى لقطاعات الثقافة والإعلام» منذ استقلال تونس عن فرنسا عام 1956. |
|