|
|
التاريخ: أيار ٤, ٢٠٢٠ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
محامون جزائريون يتهمون تبون بـ«التأثير على القضاء» |
حراك الجزائر يبحث عن «عودة جديدة» بعد هدنة |
الجزائر: بوعلام غمراسة
قال محامون جزائريون يدافعون عن الصحافي السجين خالد درارني، مراقب منظمة «مراسلون بلا حدود» والمتهم بـ«التخابر» مع السفارة الفرنسية، إن الرئيس عبد المجيد تبَون «مارس ضغطاً على القضاة ومسَ بسير التحقيق»، في القضية التي تثير جدلاً كبيراً في الجزائر. وذكرت هيئة دفاع عن الصحافي في بيان أن تبَون «بنى موقفه (من الصحافي) على معلومات مغلوطة، فموكلنا لم تتابعه النيابة بتهمة التخابر ولا أي تهمة أخرى تقترب منها، ولا حتى وقائع الملف تحاكي هكذا سياقات». وكان الرئيس قد صرَح الجمعة الماضية، خلال لقاء مع مسؤولي 4 صحف، بثه التلفزيون الحكومي، أن الصحافي درارني، دون ذكره بالاسم، «تصرَف كخبارجي (ناقل للأخبار) عندما توجه إلى إحدى السفارات لنقل أطوار الاستنطاق الذي تعرض له»، في إشارة إلى استجواب الصحافي من قبل الجهاز الأمني، منذ ثلاثة أشهر، بسبب نشاطه الصحافي وانخراطه في الحراك الشعبي المعارض للنظام.
وأثارت كلمتا «خبارجي» و«استنطاق» حفيظة العديد من الصحافيين والحقوقيين، لأن درارني يعمل مراسلاً للقناة التلفزيونية الفرنسية «تي في 5». وأشار تبون إلى ذلك على سبيل أن الصحافي اشتكى للفرنسيين ما وقع له أثناء التحقيق معه، وهي حادثة غير ثابتة، حسب عائلته. كما استنكر الرئيس «ضجة حدثت مؤخرا بسبب ما سمي مساساً بحرية التعبير، بينما يتعلق الأمر بثلاثة أو أربعة صحافيين ينتمون لوسائل إعلام ممولة من الخارج»، في إشارة إلى حجب صحيفتين إلكترونيتين وإذاعة تبث على الإنترنت، بحجة أنهم يتلقون تمويلا من الخارج وأن القانون يمنع ذلك، وهو ما نفاه مسؤولو هذه المؤسسات. وبدوره قال وزير الإعلام عمار بلحيمر، الأسبوع الماضي، إن «هناك صحافيين يزرعون الفتنة»، في إشارة إلى درارني ووسائل الإعلام التي تم حجبها.
وتم إيداع الصحافي درارني رهن الحبس الاحتياطي منذ شهر ونصف الشهر، بتهمتي «المس بالوحدة الوطنية» و«التحريض على التجمهر غير المرخص». وكان بصدد تغطية مظاهرة في العاصمة يوم 7 مارس (آذار) الماضي عندما تم اعتقله ووضعه تحت الرقابة القضائية، ثم بعد أسبوعين أمرت غرفة الاتهام بمحكمة الاستئناف في العاصمة، بسجنه. وأكد بيان المحامين المدافعين عنه أن «التصريحات المتكررة لمسؤولين في وظائف كبيرة حول ملفات مطروحة أمام القضاء، تعد مساساً بالمبادئ المكفولة دستوريا، واهمها قرينة البراءة وكذا الفصل بين السلطات، كما تشكل ضغطا على القضاة وتأثيرا عليهم وتمس بسرية التحقيق. وهي أيضا بمثابة إصدار أحكام وتدخلا مباشرا في عمل القضاة يمنعه قانون العقوبات».
وقد هاجم تبون في اللقاء الصحافي، منظمة «مراسلون بلا حدود» بشدَة، وقال إن أمينها العام «عنصري ويدعي الديمقراطية»، وتحدث عن تاريخ أجداده، غير المشرَف حسب تبون، بالجزائر أيام الاستعمار. وكان يقصد روبير مينار، أمين عام المنظمة سابقاً الذي غادرها منذ 12 سنة، وربما كان الرئيس يعتقد أنه لا يزال يقودها. ومينار رئيس بلدية في فرنسا حاليا فاز في الانتخابات بفضل تحالفه مع اليمين المتطرف. وجاء الردَ من الأمين العام الحالي للمنظمة، كريستوف دولوار، عبر حسابه على «تويتر»، قائلاً إنه «يأسف لاستحضار الماضي في مشكلات تخص الحاضر»، مؤكداً بأن «سجن خالد درارني غير قانوني».
وكتب الصحافي البارز نجيب بلحيمر بخصوص موقف الرئيس، قائلاً «هل وجهت لخالد درارني تهمة التخابر مع دولة أجنبية؟ حسب القرار الذي وضع بموجبه رهن الحبس المؤقت لا وجود لهذه التهمة. كيف يمكن لرئيس دولة أن يوجه اتهاما صريحا بالتخابر لشخص يوجد رهن الحبس ولم تتم محاكمته ولم ترد هذه التهمة في قرار حبسه المؤقت؟ إن هذه الإشارات تمثل تجاوزا صريحا لقرينة البراءة، من طرف من يفترض أنه القاضي الأول في البلاد، وهو تشجيع صريح لحملات التخوين التي طالت جميع المعتقلين والذين لم تثبت على أحد منهم تهمة التخابر، وتمت تبرئة معظمهم من طرف المحاكم، رغم أنهم بقوا في السجن لفترات وصلت إلى ستة شهور».
حراك الجزائر يبحث عن «عودة جديدة» بعد هدنة
السبت 02 مايو 2020
في بداية مارس (آذار) الماضي، أعلن نشطاء الحراك الشعبي بالجزائر عن تعليق المظاهرتين الأسبوعيتين، يومي الثلاثاء المخصص لطلاب الجامعات والجمعة الذي يشمل الاحتجاجات في كامل أنحاء البلاد، خوفاً من انتشار عدوى «كورونا»، مع بداية إحصاء أولى الحالات.
وحققت الأزمة الصحية للسلطة الجديدة، المنبثقة من انتخابات 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019، ما لم تتمكن من تنفيذه منذ أشهر باعتقال المتظاهرين وسجنهم، والضغط على وسائل الإعلام التي رافقت الحراك، بغرض وقفه نهائياً على أساس أنه «يجب ألا يستمر بعدما جسد ما كان يطمح إليه»، وهو إزاحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم، ومحاربة أبرز مساعديه في القضاء. فاستماتة المحتجين لأكثر من عام، وحرصهم على «بناء دولة مدنية بدل الحكم العسكري»، كان أمراً مزعجاً للرئيس الجديد عبد المجيد تبَون، والجيش الذي وجد نفسه من جديد في قلب السياسة، رغم إعلان قادته في عدة مناسبات أنهم طلَقوها بعد دخول البلاد عهد التعددية السياسية قبل 31 عاماً.
ورغم توقف الحراك «مؤقتاً»، كما يحرص على التأكيد نشطاؤه، استمرت الاعتقالات والمحاكمات والاستجوابات في مخافر الشرطة. وشكلت «الهدنة» فرصة للسلطة لـ«تصفية حسابها مع الحراك»، بحسب وليد سغوان الناشط من حي باش جراح الشعبي، بالضاحية الجنوبية للعاصمة، الذي أكد أن «حملة الاعتقالات التي نعيشها منذ شهر تعكس اضطراب نظام الحكم، وخوفه من عودة الحراك أكثر قوة، بعد القضاء على الوباء، ويعكس أيضاً عجز الحكومة عن تسيير الأزمة الصحية، بدليل أن الإصابات والوفيات عندنا جراء الفيروس هي الأكبر في كل أفريقيا والعالم العربي».
وفي ظل استمرار الأزمة الصحية، وعدم وضوح آفاق نهايتها، يطرح السؤال حول مدى قدرة الحراك على بعث الروح في جسده بسبب توقفه طويلاً. ويقول المحلل السياسي زين الدين غبولي: «كانت قدرة الحراك على تعليق احتجاجاته مثيرة للاهتمام، لكن قدرته على العودة إلى الاحتجاجات، واللجوء إلى أدوات ملحة أخرى للنضال السلمي، هي أكثر طرحاً للأسئلة خلال الأسابيع المقبلة. من الواضح اليوم أن احتجاجات يومي الجمعة والثلاثاء غير كافية، خاصة بعد تنصيب تبون رئيساً. ولهذا السبب تم تنظيم بعض الاحتجاجات التصعيدية يوم السبت، وتعرضت لقمع غير عادي. اليوم، ليس السؤال فقط ما إذا كان الحراك سيعود، لكن بأي أشكال سيعود؟».
وبحسب غبولي «لا يمكن للحراك أن يعود إلى ما كان عليه قبل الأزمة. يمكنه فقط أن يتصاعد، ويضع مزيداً من الضغط على السلطة، أو يهدأ ويتلاشى ببطء. ويعتمد ذلك على مدى قدرة الحراك على التنظيم الذاتي، والعمل كبديل لاستجابة السلطة غير المرضية. لذلك أعتقد أن حظوظ الحراك في العودة أكثر قوة متوقف أساساً على ما سيفعله خلال أسبوعي التوّقف المؤقّت».
ويرى المحلل السياسي أن المتظاهرين «واعون لكونهم لم يتمكنّوا من الحصول إلّا على استقالة بوتفليقة، في 02 أبريل (نيسان) 2019، التي كانت في الواقع تحصيل حاصل بمجرد مرور الأسبوع الثاني من الاحتجاجات، وانهيار قاعدة مساندة بوتفليقة. فالجزائريون رغم سقوط بوتفليقة ما زالوا يعانون من قيود على حرّياتهم الفردية والجماعية بشكل أكبر من زمن بوتفليقة، وهم مدركون أن عودتهم لمنازلهم تعني عقوداً من الديكتاتورية، وتفريطاً في المساحات العامة».
وفيما تضجَ حسابات المتظاهرين بالمنصات الرقمية الاجتماعية بالدعوة إلى «الحفاظ على وهج الحراك»، عن طريق التكثيف من نشر الفيديوهات الخاصة بالمظاهرات لما كانت في أوجَها، في انتظار العودة إلى الشارع، تسعى الحكومة إلى «كسب ود الجزائريين»، لتدارك «نقص الشرعية» الناجمة عن معدل تصويت ضعيف في الانتخابات الرئاسية، وذلك بإطلاق أعمال للسيطرة على الوباء، تتمثل في استيراد كميات كبيرة من وسائل الوقاية من الصين، وتجريب بروتوكول العلاج بـ«كلوروكين» على المصابين «نزولاً عند رغبة الجماهير»، زيادة على وعود بصرف منح وعلاوات، ومراجعة أجور الأطباء والممرضين والعاملين بالمستشفيات والمصحات الحكومية. كما أعلنت عن تأجيل دفع الضرائب بالنسبة للمؤسسات، وتدابير أخرى لفائدة مئات الآلاف من الأشخاص الذين يشتغلون بالأجرة اليومية الذين اضطرتهم الأزمة للتوقف عن العمل.
وتواجه الحكومة انتقادات شديدة بسبب «تسامحها الكبير مع المواطنين طمعاً في إرضائهم»، بعد أن قررت التخفيف من إجراءات الحجر الصحي في أول يوم من شهر رمضان. فمشاهد الاكتظاظ، وانعدام وسائل الوقاية، خاصة الكمامات، في الأسواق والفضاءات التجارية، يرعب كثيرين ممن يخشون «مصيراً شبيهاً بإيطاليا» التي استهانت حكومتها بانتشار الوباء في بدايته، فكانت النتيجة مكلفة جداً. |
|