|
|
التاريخ: نيسان ٢٨, ٢٠٢٠ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
«فيتو» شيعي يعيد تشكيلة الكاظمي إلى المربع الأول |
الأزمة المالية تدفع العراق إلى قصر الإنفاق على الرواتب |
بغداد: «الشرق الأوسط»
في تطور لافت يتعلق بمسار تشكيل الحكومة العراقية الجديدة؛ رهنت الولايات المتحدة الأميركية إمكانية تجديدها شراء العراق للغاز الإيراني لتشغيل محطاته بعد نهاية مهلة الشهر، بإمكانية تشكيل حكومة ذات مصداقية.
وزارة الكهرباء العراقية أعلنت في بيان أمس أن «قرار إعفاء العراق من العقوبات الأميركية على إيران الذي بموجبه يستورد العراق الطاقة والغاز لتشغيل المحطات، صدر بداية لمدة 6 أشهر، ثم قلصت الفترة خلال التمديد الأول لـ4 أشهر ثم 3 أشهر، ثم لـ45 يوماً، وكانت مدة الإعفاء الأخير 30 يوماً». الوزارة توقعت أنه «سيتم تمديد الإعفاء مرة أخرى بموجب ما قدمناه من خطط ودفوعات فنية، لأن وزارة الكهرباء غير قادرة حالياً على الوصول للاكتفاء الذاتي من الطاقة إلا بتحقيق مجموعة من الشروط؛ ومنها أن تكون الوزارة كاملة الصلاحيات لتمضي بإجراء التعاقدات العالمية، ومشاركة القطاع الخاص، وتستحصل أموال الجباية، لقاء صناعة الطاقة، وسقوف زمنية لتأهيل محطات الإنتاج، وخطط نقل الطاقة وتأهيل شبكات التوزيع».
لكن الأميركيين كان لهم رأي آخر بدا لافتاً في ظل الجدل المحتدم في العراق؛ سواء لجهة تشكيل الحكومة الحالية الذي بدأ يتجه نحو التعقيد بسبب إصرار الكتل السياسية على المحاصصة، ولجهة مواجهة استحقاقات آتية قاسية على العراقيين، وهي الصيف الساخن بلا كهرباء في حال رفضت واشنطن التمديد، واحتمال عدم قدرة الدولة على تسديد رواتب الموظفين البالغة نحو ملياري ونصف المليار دولار شهرياً نتيجة انخفاض أسعار النفط. وطبقاً لمسؤول بوزارة الخارجية الأميركية؛ فإن الولايات المتحدة جددت استثناءً يسمح للعراق باستيراد الكهرباء من إيران، لكن لفترة أقصر هذه المرة. وأضاف المسؤول أن «واشنطن ستعيد تقييم إمكانية تجديد الاستثناء مرة أخرى فور تشكيل حكومة ذات مصداقية في العراق»، مشيراً إلى أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو «منح هذا التمديد القصير للاستثناء لإتاحة الوقت أمام تشكيل حكومة ذات مصداقية في العراق».
الحكومة ذات المصداقية التي كُلف مدير جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي تشكيلها عادت لتصطدم بإرادة الكتل والقوى السياسية التي ترفض التنازل عن حصصها الوزارية في التشكيلة المقترحة. الكاظمي لا يزال يصارع على أكثر من جبهة بعد أن حاول اتباع آلية لتقسيم الوزارات تقوم على منح ما نسبته 30 في المائة للكتل السياسية، و30 في المائة للشارع المتظاهر، و30 في المائة له هو شخصياً. وفيما بدا أنه حسم أمره مع الكرد والسُنّة والمتظاهرين طبقاً للقائمة الأخيرة التي قدمها إلى زعامات الكتل، فإن «الفيتو» الشيعي على القائمة أعاد ترتيب سلّم الأولويات من جديد. السُنّة أعلنوا أنهم لن يتنازلوا عن حصصهم الوزارية، بينما الكرد، الذين وجهت لهم بغداد ضربة جديدة بإيقاف الرواتب ما لم تتسلم النفط، لا يبدو أنهم في وضع يسمح لهم بفرض فؤاد حسين وزيراً للمالية في الحكومة الجديدة.
ويبدو السياسي العراقي وعضو البرلمان السابق حيدر الملا متشائماً في رؤيته حيال مسار تشكيل الحكومة في حديثه لـ«الشرق الأوسط» لجهة أن «مطالب الكتل السياسية التي بدأت تضعها أمام رئيس الوزراء المكلف تمثل تراجعاً عن دعمها وتأييدها له؛ مما يجعل الوضع غير مطمئن بالكامل». لكن عضو البرلمان العراقي عن «تحالف القوى العراقية» محمد الكربولي يرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «الجميع لا يزال داعماً للكاظمي، لكن المشكلة تكمن في توزيع الحصص حيث يتركز الخلاف الآن». وبشأن ما إذا كانت فرص الكاظمي ما زالت قوية للتمرير، يقول الكربولي: «نعم يمضي داخل البرلمان، لا سيما أنه الآن بصدد تسوية خلافاته مع الكتل الشيعية، والتي يبدو أنها قطعت شوطاً جيداً في إطار التفاهمات».
وحول ما إذا كانت هناك خلافات داخل المكون السُنّي، يقول الكربولي إن «لدى السنّة من يمثلهم في البرلمان ومن يدافع عن حقوقهم التي يعرفها الجميع والتي لا نساوم عليها أيا كانت الأسباب».
في السياق ذاته؛ فإن حيدر الملا يرى أن «الكاظمي كان حظي بدعم واسع، وهو ما جعلنا نعتقد أن عملية تمريره سوف تكون في غاية السهولة، لكن هناك تعقيدات ظهرت داخل البيوت والمكونات السياسية والعرقية والطائفية لم تكن متوقَّعة هي التي باتت تؤثر، مما يقلل حظوظه كثيراً ما لم تحصل تغييرات في المواقف خلال اليومين المقبلين».
وكان رئيس «كتلة الفتح» في البرلمان العراقي محمد الغبان اتهم في تغريدة أمس المكلف تشكيل الحكومة بأنه «متردد ولا يستطيع الحسم». لكن السياسي العراقي المستقل عزت الشابندر تكفّل بالرد على تغريدة الغبان، قائلاً في تغريدة مماثلة على «تويتر»: «أسوأ شيء بالمتصدي هو أن أغلب قيادات الشيعة وافقت على تكليفه وهي لا تؤمن به». وأضاف الشابندر أن «الأسوأ هو أن القيادات الشيعية ليس أقل منه تردداً وضعفاً في الحسم»، مبيناً كذلك أن «الأسوأ من المكلف هي القيادات الشيعية الخرفة والمتهالكة على الدنيا والوضيعة في مطالباتها من المكلف، والتي أضاعت ما يقرب من ستة أشهر وهي عاجزة عن الاتفاق على مرشح كفوء نزيه قوي لقيادة المرحلة».
الأزمة المالية تدفع العراق إلى قصر الإنفاق على الرواتب
مخاوف من خفض الأجور وإرغام الموظفين على قبول «الادخار الإجباري»
بغداد: فاضل النشمي
تسيطر مخاوف كبيرة هذه الأيام على معظم الشرائح الاجتماعية العراقية، وخاصة الموظفين والمتقاعدين الذين تساورهم الشكوك من عدم قدرة الحكومة الاتحادية على تأمين مرتباتهم خلال الأشهر القليلة المقبلة، بسبب الأزمة المالية التي تلوح في أفق البلاد والناجمة عن انهيار أسعار النفط الذي يعد مصدر الدخل الرئيس ويرفد الموازنة العامة بأكثر من 90 في المائة من مواردها المالية.
ولم تساعد التطمينات التي يطلقها بعض المسؤولين الحكوميين في تبديد تلك المخاوف، ونظراً لعدم «وضوحها ووثقيتها» أسهمت ربما، في تكريس حالة الهلع التي يشعر بها معظم العراقيين حيال مستقبلهم الاقتصادي والمالي، خاصة مع الأحاديث الشائعة عن عزم الحكومة استقطاع نسب مرتفعة من رواتب الموظفين وإرغامهم على القبول بمبدأ «الادخار الإجباري» لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتوقعة.
ولعل التعليمات التي أصدرتها وزارة المالية، أمس، المتعلقة بإيقاف تمويل الموافقات السابقة كافة المتعلقة بصرف الأموال وحصر التمويل برواتب الموظفين والمتقاعدين، تكشف بما لا يقبل التأويل عن حجم المشاكل المالية والاقتصادية التي تتربص بالبلاد.
ووجه الكتاب الصادر عن مدير عام دائرة الموازنة في وزارة المالية بإيقاف تمويل الموافقات السابقة كافة المتعلقة بصرف الأموال وحصر التمويل للرواتب والرواتب التقاعدية، نظراً «لشحة السيولة النقدية لشهر أبريل (نيسان) بسبب انخفاض أسعار النفط». بحسب الكتاب الصادر الذي يؤكد أن التوجيه استند إلى أوامر من رئيس الوزراء.
ويشدد كتاب المالية على حصر «التمويل للرواتب والرواتب التقاعدية وشبكة الحماية الاجتماعية ورواتب الشركات ورواتب المنح وأجور التنظيفات وأجور المختارين وتمويل وزارة الصحة ودوائر الصحة في عموم المحافظات».
وفي حين يرجح معظم الاقتصاديين لجوء الحكومة إلى خفض رواتب الموظفين في الأشهر المقبلة، استبعدت اللجنة المالية في مجلس النواب، أمس، ذلك وأكدت عدم ورود توجيه من الحكومة بهذا الشأن.
وقال عضو اللجنة أحمد الصفار في تصريحات، إن «اللجنة المالية وضعت معايير الهدف منها تحقيق العدالة في توزيع الثروات على أن يقلل الفرق بين الراتب الأعلى والراتب الأدنى، فضلاً عن تخفيض المخصصات». وتابع، أن «الخبراء أكدوا أن أسعار النفط ستعاود الانتعاش، وأن الأزمة قصيرة، لكن في حال استمرارها سيتم الاستعانة بوسائل أخرى منها الاقتراض من البنك المركزي وتقليل النفقات غير الضرورية، بالإضافة إلى إيقاف الاستثمار والتركيز على تأمين الرواتب».
غير أن أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد إحسان جبر، يستبعد قدرة الحكومة على الاقتراض ويرجح خفض رواتب الموظفين في الأشهر المقبلة. ويقول جبر لـ«الشرق الأوسط»، إن «البلاد واجهت أزمة أقل حدة في عام 2014، لكنها تغلبت عليها عبر الإقراض الداخلي لنحو 16 تريليون دينار عراقي، لكن إمكانية الاقتراض هذه غير متوفرة اليوم، لأسباب كثيرة، منها أن 80 في المائة من العملة المحلية موجودة في منازل المواطنين وخارج الجهاز المصرفي، اتصور أن الحكومة استنفذت سابقاً قدرة الاقتراض الداخلي».
وتوقع جبر أن تكون «الحكومة قادر على تأمين رواتب الموظفين وبقية الشرائح حتى شهر يونيو (حزيران) المقبل، ثم ستلجأ بعد ذلك إلى خصم المرتبات بنسبة 35 في المائة، وحسب معدل المرتبات بالنسبة لكبار الموظفين والأقل منهم». ويرى أن «قضايا التوظيف الجديدة والاستثمار والمشاريع أصبحت من التاريخ في ظل انخفاض أسعار النفط وما سبقه من فساد واستنزاف كامل لثروات البلاد».
ويلاحظ مراقبون محليون، أن المخاوف السكانية لا تأتي من انهيار أسعار النفط فقط، إنما أيضاً، من كساد الأسواق وتوقف حركة العمل نتيجة وباء كورونا؛ لذلك نجد أن أعداداً كبيرة من المواطنين العراقيين تقدموا مؤخراً لطلب الإعانة الاجتماعية البالغة (30) ألف دينار للفرد الواحد. وكشفت بعض إحصاءات صادرة عن وزارة التخطيط عن أن إجمالي المتقدمين تجاوز الـ15 مليون مواطن.
ولا تقتصر المخاوف السكانية من الأزمة الاقتصادية المقبلة واحتمال تخفيض أجور الموظفين على محافظات العراق العربية وحسب، بل تمتد لتشمل الموظفين وعموم المواطنين في محافظات إقليم كردستان لإجراء مماثل بالنسبة لقطع الرواتب من الحكومة الاتحادية، خاصة بعد تجدد الخلافات بينها وبين حكومة الإقليم بشأن كميات النفط.
وكانت أمانة مجلس الوزراء، وجهت منتصف الشهر الحالي، كتاباً إلى وزارة المالية تأمر بوقف صرف الرواتب بسبب عدم إيفاء إقليم كردستان بالتزاماته في ميزانية البلاد المالية لعام 2019 والمتمثلة بتسليم 250 ألف برميل يومياً من النفط.
بدورها، عبرت حكومة إقليم كردستان، عن رفضها استخدام مسألة رواتب الموظفين والعاملين في الإقليم بالقطاع العام «كورقة ضغط» سياسية. وقال المتحدث باسم الحكومة جوتيار عادل خلال مؤتمر صحافي عقد، أمس، عقب اجتماع الكتل الكردستانية في البرلمان العراقي مع الوفد الحكومي المفاوض للحكومة الاتحادية، إن «الاجتماع كان إيجابياً، وقد تم التوصل خلاله إلى مجموعة من النقاط منها استمرار التنسيق والتعاون بين الكتل الكردستانية في البرلمان العراقي واللجنة التفاوضية». وأضاف عادل، أنه «تم التأكيد في الاجتماع على عدم جواز استخدام مسألة رواتب الموظفين وقوت شعب كردستان كورقة ضغط تستخدم في المزايدات السياسية، وأن حكومة إقليم كردستان ملتزمة بالاتفاقات المالية والنفطية في إطار ما تمخضت عنه التفاهمات مع الحكومة الاتحادية في نهاية عام 2019». |
|