التاريخ: كانون ثاني ٢٠, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
«قمة برلين» تقر خطوات لتطبيق حظر السلاح إلى ليبيا... وتحريك مسار التسوية
تشكيل حكومة جديدة وإطلاق مسار تحويل الهدنة إلى وقف للنار
 برلين: كميل الطويل 
 اختتمت في العاصمة الألمانية برلين، أمس، القمة الدولية الإقليمية المخصصة لليبيا، باتفاق على تطبيق حظر إرسال السلاح لليبيا وتحريك مسار التسوية، وأيضاً على تشكيل لجنة عسكرية من 5 ضباط من حكومة «الوفاق» و5 آخرين من «الجيش الوطني الليبي» بهدف تحويل الهدنة الحالية إلى وقف دائم لإطلاق النار.

وعقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس، والمبعوث الأممي الخاص لليبيا غسان سلامة، مؤتمراً صحافياً ختامياً، مساء أمس، أُعلنت خلاله أبرز الخلاصات التي انتهت إليها قمة برلين، التي استمرت يوماً واحداً.

وقالت ميركل للصحافيين إن القمة شكلت «بداية» لانطلاقة جديدة تسمح بدعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة للسلام، والخطة التي أعدها الأمين العام غوتيريش وممثله الخاص سلامة. وأضافت أنه تمت دعوة 12 طرفاً للمشاركة في القمة، بما في ذلك الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن، مشيرة إلى أن جميع المشاركين يؤمنون بالحاجة إلى «حل سياسي، إذ ليس هناك حل عسكري». وتابعت أن جميع المشاركين أكدوا التزامهم بحظر السلاح في ليبيا، مضيفة أن هذا الالتزام الذي ورد في البيان الختامي سينتقل الآن إلى مجلس الأمن لتبنيه. وتابعت أن المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة «الوفاق» فائز السراج كانا حاضرين في برلين، لكنهما لم يشاركا في القمة.

وتحدثت عن أن الجهد الآن سيركز على تحويل الهدنة إلى وقف دائم للنار، من خلال اللجنة العسكرية «خمسة زائد خمسة»، وشددت على «أننا حصلنا على تعهدات بعدم تقديم سلاح ودعم عسكري للأطراف المتقاتلة... لدينا الآن عملية ملزمة». أما غوتيريش، فقال إن الأطراف في برلين «أرسلت إشارة إلى نيتها العمل على حل الأزمة الليبية». وقال: «ليس هناك حل عسكري. جميع المشاركين أكدوا ذلك. وجميع المشاركين أكدوا التزامهم عدم التدخل في النزاع الليبي». وأشار أيضاً إلى التزام دولي بحظر السلاح، وإلى التزام آخر بالعودة إلى المسار السياسي الليبي. وقال هايكو ماس، من جهته: «إننا حققنا الهدف من عقد المؤتمر، ولدينا الآن مفتاح حل الأزمة. ستكون هناك لجنة متابعة تتولى الإشراف على تنفيذ الالتزامات التي تم الاتفاق عليها». أما غسان سلامة فتحدث عن «3 مسارات نحاول أن ندفع بها... اليوم كان يوماً عظيماً، ولجنة المتابعة ستتابع عملية تنفيذ الالتزامات».

وكان رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي قال في ختام القمة إنه تم التوافق على اللجنة العسكرية التي ستتشكل من طرفي النزاع الليبي، فيما أكد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، استعداد بلاده لاستضافة حوار بين الأطراف الليبية، مطالباً بـ«خريطة طريق واضحة المعالم وملزمة للطرفين، تشمل تثبيت الهدنة والكف عن تزويد الأطراف الليبية بالسلاح... ودعوتهم إلى طاولة المفاوضات لحل الأزمة عبر الحوار» الذي عرض استضافته.

وانعقدت «قمة برلين» على وقع تباينات بين الأطراف المشاركة فيها، وفي ظل غياب ليبي لافت عن الجلسة الجماعية للقادة، إذ لم يشارك فيها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» فائز السراج ولا قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، على رغم وجودهما في العاصمة الألمانية. لكن المستشارة ميركل ووزير خارجيتها عقدا لقاءات معهما بشكل منفصل في مقر المستشارية.

واختتمت القمة مساء ببيان مشترك، علماً بأنها عُقدت برعاية ألمانية ـ أممية وحضرها 11 زعيماً وممثلو هيئات دولية وإقليمية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي). وإلى جانب ميركل، ضمت قائمة المشاركين رؤساء روسيا فلاديمير بوتين وفرنسا إيمانويل ماكرون وتركيا رجب طيب إردوغان ومصر عبد الفتاح السيسي والجزائر عبد المجيد تبون ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون وآخرين.

وبعد التقاط صورة تذكارية للقادة المشاركين، جلس أعضاء الوفود حول طاولة مستديرة حيث جرت النقاشات في جلسات مغلقة.

وكانت ليبيا محور سلسلة من اللقاءات التي جرت على هامش القمة، وسط تلميح غربي إلى استعداد للدخول طرفاً في مراقبة وقف النار، وهو ما يعني إبعاد تركيا عن مسعاها لأن تكون طرفاً فيه، علماً أن هذه النقطة كانت إحدى الإشكاليات التي نسفت الجهود التي بذلتها موسكو قبل أيام (في 13 يناير (كانون الثاني) الجاري) عندما استضافت السراج وحفتر. وامتنع الأخير عن توقيع مسودة اتفاق عرضتها موسكو آنذاك لرفضه أن تكون تركيا طرفاً في مراقبة وقف النار.

وشكّلت ليبيا، وكذلك سوريا، محوراً أساسياً في لقاء جمع الرئيس فلاديمير بوتين بنظيره التركي رجب طيب إردوغان. وقال بوتين في اللقاء، بحسب ما نقلت قناة «روسيا اليوم»، إن «تركيا وروسيا حققتا خطوة جيدة جداً بالدعوة إلى الهدنة في ليبيا»، مضيفاً: «لم نتمكن من حل جميع المسائل بشأن ليبيا في موسكو، حيث لم يدعم أحد الطرفين الاتفاق ولكن يجب المضي قدماً في هذا الاتجاه». أما إردوغان فقال إن «تحقيق السلام في ليبيا يتطلب ضمان الهدنة ووقف سياسة حفتر العدوانية»، في مؤشر آخر إلى إصراره على السير في سياسته الليبية من خلال دعم حكومة «الوفاق» ضد «الجيش الوطني».

وعقد إردوغان أيضاً على هامش القمة لقاء مع فائز السراج الذي طالب بانسحاب قوات المشير خليفة حفتر من الأراضي التي سيطرت عليها في عملية تقدمها نحو طرابلس، بحسب ما قالت حكومة «الوفاق» في بيان أمس. وتناول اللقاء بينهما موضوع وقف إطلاق النار في ليبيا، وهو أمر يراهن المبعوث الدولي الخاص للأمم المتحدة، غسان سلامة، على تثبيته وجعله منطلقاً نحو إعادة الحوار الليبي – الليبي بين السراج وحفتر.

وكان موضوعا الهدنة و«المرتزقة» محوراً أساسياً في كلمة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون أمام قمة برلين، إذ قال إن على الأمم المتحدة التفاوض على بنود هدنة في ليبيا دون أن يفرض أي من الجانبين شروطاً مسبقة، مضيفاً أنه يشعر بقلق كبير من وصول قوات سورية وأجنبية إلى طرابلس، ومطالباً بإنهاء ذلك فوراً. وأكدت الرئاسة الفرنسية، في هذا الإطار، أن الرئيس ماكرون عقد محادثات مع حفتر على هامش قمة برلين، لكنها لم توضح ما دار بينهما.

كذلك عقد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو سلسلة لقاءات قبل افتتاح القمة شملت الرئيس السيسي. وقالت الخارجية الأميركية إنهما «اتفقا على الحاجة العاجلة لوقف دائم لإطلاق النار والعودة إلى عملية سياسية تسهلها الأمم المتحدة»، مضيفة أن «الوزير بومبيو شدد على التأثير المزعزع للاستقرار للتدخلات الخارجية في ليبيا». وكانت هذه النقطة أيضاً محور نقاشات أجراها بومبيو مع وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد. إذ أوضحت الخارجية الأميركية أنهما «ناقشا النزاع المستمر في ليبيا، وشدد الوزير بومبيو على الحاجة إلى وقف دائم للنار، والعودة إلى عملية سياسية تسهلها الأمم المتحدة، وإنهاء كل التدخلات الخارجية في ليبيا». كما التقى بومبيو بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو حيث ناقشا، بحسب وزارة الخارجية الأميركية، «ليبيا وسوريا وقضايا ثنائية متنوعة»، وأضافت أنهما «اتفقا على الحاجة العاجلة لوقف دائم لإطلاق النار والعودة إلى عملية سياسية تسهلها الأمم المتحدة». وكان لافتاً أن الخارجية الأميركية نقلت عن بومبيو تعبيره في اللقاء عن «القلق إزاء التدخل العسكري الأجنبي في النزاع»، علماً أن تركيا معنية بهذا الأمر بالطبع كونها متورطة في إرسال قوات ومقاتلين سوريين موالين لها من سوريا إلى ليبيا. كذلك التقى بومبيو على هامش القمة وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل ووزير خارجية ألمانيا هايكو ماس. وكان لافتاً أيضاً على هامش القمة الحديث عن دور غربي في مراقبة وقف النار في ليبيا.

فقد قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لقناة «سكاي نيوز»: «إذا تم التوصل لوقف إطلاق نار، فنعم بالتأكيد يمكننا أن نقوم بدور نجيده جيداً، وهو إرسال أشخاص وخبراء لمراقبة وقف إطلاق النار». وأضاف: «النزاعات بالوكالة تنتهي فقط عندما يقرر الوكلاء الخارجيون أنهم يريدون وضع حد لها». 
 
تشكيل حكومة جديدة وإطلاق مسار تحويل الهدنة إلى وقف للنار 
 
صدر عن قمة برلين ليل أمس بيان ختامي من تسع صفحات تناول الاتفاق الذي تم بين الدول المشاركة والتعهدات التي قطعتها في خصوص التزام تنفيذ حظر السلاح على ليبيا بموجب قرارات مجلس الأمن وأيضاً الخطوات التي سيتم البدء بها من أجل إطلاق مسار التسوية في ليبيا.

ولكن بالإضافة إلى البيان الختامي، صدر ملحق إضافي من أربع صفحات شرح بالتفصيل موضوع «السلال الليبية» التي ستعمل عليها بعثة الأمم المتحدة الخاصة بليبيا والتي يقودها المبعوث الدولي غسان سلامة.

وتتألف هذه «السلال» من المواضيع الآتية:

سياسياً: تنص الوثيقة على أن الليبيين جميعاً يريدون توحيد أجهزة بلادهم التنفيذية والسيادية والاقتصادية والمالية والأمنية والعسكرية، وعلى أن بعثة الأمم المتحدة منخرطة في {استشارات مكثفة مع الأطراف الليبية، وأعضاء في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة} ومع أطراف محلية أخرى بهدف {استكشاف خيارات إعادة تأسيس فرع تنفيذي فاعل}، في إشارة إلى إعادة تأسيس الحكومة الليبية.

وأوضح النص في هذا المجال أنه بناء على الاتفاق السياسي الليبي (اتفاق الصخيرات)، أطلقن بعثة الأمم المتحدة عملية لتأسيس منتدى للحوار السياسي الليبي على ان ينعقد خارج ليبيا بحلول نهاية يناير (كانون الثاني) الجاري، ويتألف من 40 ممثلاً ليبيا سيتم اختيارهم بناء على مشاورات مع أطراف ليبية أساسية. وأضاف ان المنتدى سينعقد لمناقشة احتمالات اصلاح {المجلس الرئاسي} (يقوده فائز السراج) واختيار رئيس جديد للوزراء ونائبين له وسيكون من مهمته {تشكيل حكومة بناء على التفاهمات التي تم التوصل اليها في نوفمبر 2017 في تونس} في خصوص المجلس الرئاسي والحكومة التابعة له. وأوضح النص أيضاً أن الحكومة الجديدة ستعرض على مجلس النواب (في شرق ليبيا) لنيل الثقة، وأن قيام الحكومة الجديدة {سيتطلب في شكل طبيعي موافقة جميع الأطراف على حل السلطات التنفيذية الحالية}.

وتابع أن مجلس النواب الليبي سيكون عليه بعد ذلك اقرار الشتريعات المطلوبة لانهاء المرحلة الانتقالية، بما في ذلك الانتهاء في تشكيل المفوضية العليا للانتخابات.

 اقتصاديا ومالياً
 
تنص الوثيقة هنا على أهمية توحيد وتعزيز مؤسسات ليبيا الاقتصادية والمالية، وجعلها أكثر شفافية وقادرة على تطبيق الاصلاحات المطلوبة. وتحدث النص في هذا المجال عن تفاصيل خطوات إصلاح وتقوية دور المؤسسة الليبية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار (النصدوق السيادي الليبي).

  الأمن  

تتألف سلة الأمن، بحسب النص، من {سلسلة خطوات تعزز قبول الأطراف الليبية لدعوات الهندنة، ما يؤدي إلى وقف شامل ويمكن المحافظة عليه للأعمال العدائية في ليبيا، واستقرار الوضع الأمني في عموم البلد، وتسريح الفصائل المسلحة، واعادة توحيد مؤسسات الأمن التي تؤكد احتكار الدولة في خصوص (حق) الاستخدام المشروع للقوة}.

ويتألف هذا المسار من خطوة أولى تنص على تأسيس مفوضية عسكرية مشتركة من 5 + 5 من الضباط النظاميين في الجيش أو الشرطة تحت إشراف الامم المتحدة. أما الخطوة الثانية فتنص على تعزيز الهدنة من خلال التسريح الفوري للمقاتلين غير الليبيين من مسرح الحرب. والخطوة الثالثة في هذا المجال تنص على إطلاق مفاوضات تحت مظلة 5 + 5 تمهد لوقف دائم لإطلاق النار.

 حظر السلاح
 
تقع مسؤولية الالتزام بهذا الحظر وفق قرارات مجلس الأمن على لجنة نظام العقوبات في الأمم المتحدة وضمن مسؤولية الدول الأعضاء في المنظمة الدولية. ويشرح النص أن الالتزام بقرارات مجلس الأمن {سيؤدي على خفض عدد الخروقات لحظر السلاح، وسيعمل على أن يكون عاملاً لبناء الثقة لدعم وقف النار}. وأضاف النص أن المشاركين في قمة برلين سيكون مطلوباً منهم الالتزام بتنطبيق حظر السلاح، مشيراً إلى جهود بحرية وجوية وعلى الأرض لتأمين مراقبة تطبيق هذا الحظر والتأكد من عدم وصول أسلحة إلى الأطراف المتقاتلة في ليبيا.

 حقوق الإنسان
 
وتنص السلة الأخيرة على تشجيع احترام حقوق الإنسان الدولية والقانون الدولي وإنشاء جو يساعد العاملين في المجال الإنساني وأفراد الواقم الطبية على الوصول إلى الناس الذين هم في أمس الحاجة إلى مساعدة.