التاريخ: كانون ثاني ١٣, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
السودان: أذرع إعلامية للنظام السابق استولت على المال العام
«لجنة تفكيك الإنقاذ» تشدد على مراجعة ملفات الفساد وملكية وسائل الإعلام
الخرطوم: محمد أمين ياسين
وضعت لجنة مكلفة بتفكيك النظام السابق في السودان يدها على ملفات فساد تورطت فيها أذرع إعلامية لذلك النظام، واستيلاء على الملايين من المال العام.

وأصدرت «لجنة تفكيك نظام الإنقاذ وإزالة التمكين ومحاربة الفساد»، المشكلة وفقاً لقانون «تفكيك نظام الثلاثين من يونيو»، الأسبوع الماضي، قرارات بوضع يدها على مجموعة قنوات طيبة، وقناة الشروق، وصحيفتي الرأي العام والسوداني، وإذاعة القرآن، وحجز ممتلكاتها ومقراتها، إضافة لمراجعة حسابات جامعة أفريقيا العالمية. وتعهدت اللجنة بمواصلة مراجعة ملفات الفساد، والتحقيق في ملكية أجهزة الإعلام التابعة للنظام المعزول، دون التأثير على الحريات الصحافية.

وأعطى القانون الذي أجازه المجلس التشريعي المؤقت، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، صلاحيات حجز وضبط الأموال والمنقولات المملوكة لحزب المؤتمر الوطني المحلول، ولرموزه وقادته، وإعادتها للخزينة العامة. ولقي القانون حين صدوره ترحيباً واسعاً.

وقال وكيل وزارة الثقافة والإعلام، الرشيد سعيد، إن القرارات التي صدرت من قبل لجنة تفكيك نظام المعزول عمر البشير قضت بحجز بعض المؤسسات الإعلامية، للتحقيق في ملكيتها ومصادر تمويلها، وليس لسياساتها التحريرية، بهدف استرداد أموال الشعب السوداني المنهوبة.

وأوضح سعيد، في مؤتمر صحافي بالخرطوم أمس، أن بحوزة لجنة تفكيك نظام الإنقاذ وإزالة التمكين وثائق تؤكد تمويل «قناة الشروق» منذ تأسيسها بعشرات ملايين اليوروات، عبر «وحدة تنفيذ السدود» التابعة لرئاسة الجمهورية، وإنها ظلت تتلقى ميزانية تسيير سنوية من القصر الرئاسي طوال السنوات الماضية، منذ إنشائها حتى إيقافها بقرار من اللجنة.

وأكد سعيد أن القناة مسجلة بأسماء أشخاص ينتمون لحزب المؤتمر الوطني المنحل، وهم وزير الإعلام الأسبق ياسر يوسف، ورجل الأعمال جمال الوالي، والفريق السر مدير القناة. وتابع: «كان لا بد من اتخاذ خطوات في هذه الأموال التي تعد ملكاً للشعب السوداني. فعند مراجعة القناة، اتضح أنها بلا أصول، وعليها مديونية تفوق المليون و200 ألف دولار».

ووفقاً لسعيد، فإن اللجنة لن تصفي قناة الشروق بقانون الشركات الذي يتيح لمالكها التحلل عن مسؤولية المديونيات، بل ستعمل على استرداد الأموال التي مولت بها، والمديونية المترتبة عليها، فيما أوضح أن صحيفة «الرأي العام» كانت مملوكة لشركتين تابعتين لحزب المؤتمر الوطني المحلول، بموجب القانون الذي قضى بمصادرته ممتلكاته لصالح وزارة المالية، وأن صفقة قدرها 19 مليار جنيه قضت بتحويل ملكيتها لشخصين، دفع منها فقط 5 مليارات. وتابع: «بما أن الصحيفة مملوكة للحزب المنحل، كان يفترض أن يؤول مبلغ 19 ملياراً لوزارة المالية، بموجب القانون. وبعد استرداد هذه الأموال، سيتم التقرير بشأن الصحيفة».

وأضاف: «لدينا تقارير أمنية تثبت أن من قام بتمويل صفقة تحويل ملكية صحيفة «الرأي العام» هو أحد قادة جهاز الأمن والمخابرات السابقين»، في إشارة إلى رئيس الجهاز صلاح قوش المطلوب بواسطة الإنتربول.

وكشف سعيد شروع المراجع العام في مراجعة حسابات هذه المؤسسات الإعلامية، وأن تقريره المرتقب سيحدد القرارات المناسبة بحقها، وفقاً للقانون. وقال وكيل الإعلام إن «جمعية القرآن الكريم»، المحجوزة بقانون تفكيك نظام الإنقاذ، ليست مجرد جهة دعوية، بل تملك «مناجم للتنقيب عن الذهب»، وإن السلطات ألقت القبض على بعض منسوبيها الذين حاولوا السطو على ممتلكات تخص نشاط الجمعية في التنقيب عن الذهب. وتابع: «لا يعرف أحد أين ذهبت الأموال التي كانت تستثمر فيها جمعية القرآن الكريم (...) كل هذه القضايا سيتولاها القضاء».

وأكد سعيد حصول «شبكة الأندلس»، المالكة لمجموعة قنوات «طيبة»، على «منصة بث غير رسمية» بأوامر مباشرة من الرئيس المعزول، رغم مخالفة ذلك للقانون، ورفض مدير هيئة البث التصديق لها، ورغم أن حقوق البث «حقوق سيادية». و«شبكة الأندلس»، المملوكة لرجل الدين المحسوب على النظام المعزول عبد الحي يوسف، تملك مجموعة «قنوات طيبة» البالغة 12 قناة، التي تبث بمعظم اللغات الأفريقية، مثل الهوسا والأمهرا والتغري وغيرها. وأبلغت دول في الإقليم السلطات السودانية بأنها تعتبر البث بلغاتها مهدداً لأمنها، وداعماً للتيارات الإرهابية فيها، وأنها تدعم نشاطاً معادياً لتلك الدول ينطلق من السودان، ويساعد في زعزعة استقرارها.

وكشف برنامج «الأسرار الكبرى لإخوان السودان»، الذي بثته على حلقات فضائية «العربية»، اعترافات الرئيس المعزول البشير ونائبة الأول الأسبق على عثمان بتمويلهما لقناة «طيبة»، كما اعترف البشير في المحاكمة التي قضت بإدانته بالفساد والثراء الحرام بتقديمه تمويلاً ضخماً للقناة الموقوفة.

وأكد وكيل وزارة الإعلام أن لجنة تفكيك نظام الإنقاذ حصلت على معلومات تؤكد إصدار الرئيس المخلوع توجيهات إلى رجل الأعمال المثير للجدل المحسوب على حزبه جمال الوالي بشراء صحيفة «السوداني»، وأن ملكية الصحيفة نقلت من مالكها الأول وهو في السجن، بالضغط عليه للتخلي عنها أو البقاء في السجن.

وأضاف سعيد: «ما دفع اللجنة للتحقيق في قضية جريدة السوداني هو إعفائها من 50 في المائة من الضرائب المستحقة على الصحيفة بعد نقل ملكيتها، وحصولها على جدولة لديونها عن الطباعة بأقساط مريحة تبلغ 4 مليارات جنيه، وهو ما كان يطالب به المالك الذي أجبر على التنازل عن ملكيتها لجمال الوالي، مما يؤكد التدخلات السياسية». وتابع: «طلبنا من مالك الصحيفة تقديم المعلومات عن مصدر الأموال التي اشترى بها الصحيفة لفريق المراجعة، والبنك الذي تمت عبره العمليات، والشيكات التي أجريت بها المعاملة المالية».

وبدوره، قال عضو لجنة تفكيك النظام المعزول، وجدي صالح، إن لجنته تواصل التحقيق في عدد كبير من الشركات والمؤسسات، وأي أجسام لديها صلة بحزب المؤتمر الوطني المنحل. وتابع: «قناة الشروق تأسست بأموال ضخمة صادرة من رئاسة الجمهورية، ووحدة تنفيذ السدود، وتم تسجيلها باسم جمال الوالي وآخرين، وهذه تعتبر جريمة بتحويل أموال عامة إلى أشخاص، وظلت تتلقى أموال إضافية حتى بعد سقوط النظام».

وأوضح صالح أن اللجنة اتخذت إجراءات تحفظية، ولم تصدر قرار برد الملكية بعد، وذلك لحين صدور تقارير المراجع العام. وقال: «جمعية القرآن الكريم كانت تستنزف 750 مليون جنيه شهرياً من الخزينة العامة، وتملك فندقين ومبنى متعدد الطوابق بحي الرياض الراقي في الخرطوم، وما يقارب 100 سيارة، إضافة إلى دعم دوري كانت تتلقاه من رئاسة الجمهورية». وتابع: «بعد إصدار قرار بحل الجمعية، وحجز أصولها وأموالها، تم القبض على بعض منسوبي الجمعية وهم يحاولون تهريب الآليات التي كانت تستخدمها في تنقيب الذهب بمنطقة بولاية نهر النيل، وتم اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم».

وبحسب صالح، فإن «جامعة أفريقيا العالمية» كانت تتلقى دعماً من وزارة المالية يتجاوز 400 مليار جنيه سوداني سنوياً، وهو أكبر دعم يقدم إلى مؤسسة تعليمية في البلاد، ولا تخضع حساباتها للمراجعة العامة.

و«جامعة أفريقيا العالمية» بدأت مؤسسة إقليمية دعوية ممولة من مجموعة دول باسم «المركز الإسلامي الأفريقي» لتقديم خدماتها لدول أفريقيا، لكن الدول الداعمة أهملتها إثر انقلاب عمر البشير في 1989 الذي سيطر عليها، وحرفها عن مهمتها الأساسية في نشر التسامح والدعوة بالحسني، وراجت تقارير أنها آوت مجموعات إرهابية أفريقية، وتم ضبط عدد من طلابها التابعين لجماعة «بوكو حرام» النيجيرية.