التاريخ: كانون الأول ٢٧, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
حمدوك يعد بتحقيق العدالة ويشيد بالشراكة مع العسكر وشلل في الخرطوم
تعليق المفاوضات في جوبا بعد الاختلاف حول «العلمانية»
الخرطوم: «الشرق الأوسط»
قال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، أمس، إن «دماء الشهداء لن تذهب هدراً»، مؤكداً أن العدالة ستتحقق لقتلى الاحتجاجات التي أدت إلى إطاحة الجيش بالرئيس السابق عمر البشير. وتزايدت المطالبات بالقصاص خلال احتفالات السودانيين بمرور عام على بدء انتفاضتهم. وقال حمدوك أمام مئات الأشخاص إن «الذين واجهوا الرصاص بصدور عارية وجعلوا هذا ممكناً لن تضيع دماؤهم هدراً... لقد شكلنا اللجان القانونية وعدلنا القوانين من أجل العدالة».

وقرب القصر الرئاسي في وسط الخرطوم، تظاهر مئات من الشبان والشابات وهم يحملون أعلام البلاد وصور الذين سقطوا أثناء الاحتجاجات، وهم يهتفون: «الدم مقابل الدم ما نقبل الدية»، ورفعوا لافتات كتب عليها «القصاص للشهداء».

وقتل 177 شخصاً على الأقل جراء قمع الحراك وفق منظمة العفو الدولية، بينهم أكثر من 100 خلال فض اعتصام 3 يونيو (حزيران)، في الخرطوم. إلا أن لجنة الأطباء القريبة من المتظاهرين قدرت الحصيلة يومها بأكثر من 250 قتيلاً. وأغلقت قوات من الجيش وشرطة مكافحة الشغب الطرق المؤدية إلى القصر الرئاسي.

وشدد حمدوك في أول كلمة أمام حشود منذ تشكيل حكومته في سبتمبر (أيلول) الماضي على جلب الذين ارتكبوا جرائم إبادة جماعية إلى العدالة. وقال في هذا السياق: «نؤمن أن جرائم القتل والحرق والإبادة الجماعية لا تسقط بالتقادم». وأشاد حمدوك بالنموذج المبني على الشراكة بين المدنيين والعسكريين في السودان.

ونقلت وكالة السودان للأنباء الليلة الماضية عنه القول إن «النموذج السوداني مبني على الشراكة بين المدنيين والعسكريين، من أجل بناء دولة الديمقراطية وحكم القانون»، مشدداً على أن «التعقيدات والتحديات التي تصاحب عملية إرساء الديمقراطية تحتم المحافظة على هذه الوحدة الوطنية التي كانت سبباً في نجاح الثورة السودانية».

وجدد الإشادة بدور القوات النظامية كافة في «حماية الديمقراطية وانحيازها لخيارات الشعب الثورية». وأكد على المضي في «خلق مشروع وطني يهدف إلى بناء سودان تحفظ فيه كرامة وحرمة دماء الشعب ويقوم على عقد اجتماعي يشمل مكونات الشعب السوداني ويضمن الاستقرار والرفاه ويقوم على إشاعة الحريات واحترام الآخر وإدارة التنوع ومعالجة قضايا التهميش وتحقيق التنمية المتوازنة وإزالة التشوهات في الاقتصاد». كما شدد على «التزام الحكومة الانتقالية بضمان تعزيز حقوق النساء في المجالات كافة مع تطبيق مبدأ التمثيل العادل وتكافؤ الفرص خاصة في هياكل الحكم في الفترة الانتقالية».

وفيما يتعلق بمكافحة الفساد، أوضح أن «الإطار العام لأولويات الحكومة الانتقالية يتضمن حزمة إجراءات، من بينها إنشاء مفوضية قومية مستقلة مختصة بمكافحة الفساد المالي والإداري، وضرورة وضع النُظم المحاسبية لضبط الأداء المالي في مؤسسات الدولة، واسترداد الممتلكات والأموال المنهوبة بواسطة مؤسسات وأفراد النظام السابق».

والأسبوع الماضي، طالب تاج السر الحبر النائب العام، القوات النظامية برفع الحصانة عن أفرادها حال طلبت النيابة العامة ذلك. وقال: «لقد أبدت الأجهزة المساعدة استعدادها للتعاون، إلا أننا تأكيدا لمبدأ المساواة أمام القانون، نطلب أن تلتزم الأجهزة بإسقاط الحصانة متى طلبت النيابة العامة ذلك». ويحظى عناصر الجيش والشرطة وجهاز المخابرات العامة وعناصر قوات الدعم السريع بالحصانة.

من جهته، قال مجدي الجيزولي، المحلل في «ريفت إنستيتيوت»، إن طبيعة السلطة الحالية الموزعة بين عسكريين ومدنيين «تشكل عائقاً أمام تحقيقات ذات صدقية». وللمرة الأولى، خاطب زعيم حركة تحمل السلاح ضد الحكومة مئات تجمعوا في ساحة قاعة الصداقة (مركز المؤتمرات) على ضفة النيل الأزرق.

وقال عبد الواحد محمد نور، عبر سكايب من باريس، مطالباً المحتجين بممارسة ضغوط على الحكومة لتسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وأصدرت الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية أثناء النزاع الذي اندلع في إقليم دارفور في غرب البلاد منذ عام 2003. وقد أسفر النزاع عن مقتل 300 ألف شخص وتشريد 2.5 مليون آخرين من منازلهم، وفق للأمم المتحدة. وقال نور: «يجب على الجميع الوقوف معنا لكي يسلموا البشير ومجموعته إلى لمحكمة الجنائية الدولية». ولم تعلن الحكومة الانتقالية الناجمة عن اتفاق بين المدنيين والعسكريين في أغسطس (آب) الماضي موقفاً واضحاً إزاء تسليم البشير إلى الجنائية.

شلل في الخرطوم بعد إغلاق الجيش للطرق أمام القيادة العامة

الخرطوم: أحمد يونس
أصيب وسط العاصمة السودانية الخرطوم بشلل تام جراء إغلاق قوات عسكرية لعدد من الشوارع المارة بالقرب من القيادة العامة للجيش بصورة مفاجئة، وتحويل حركة السير المعتادة بعيداً عنها، ما اضطر مواطنون قادمون من مناطق شمال الخرطوم للدخول من جهة الجنوب، وقطعوا مسافة طويلة للوصول لأماكن عملهم، وأثناء ذلك ينتظر أن يجيز مجلس الوزراء «اليوم» موازنة عام 2020، وتقديمها لاجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء للإجازة النهائية.
وأثار قرار قيادة الجيش المفاجئ كثيرا من التكهنات، انطلقت على إثرها عدد من الإشاعات التي تتحدث عن محاولة «انقلاب عسكري»، بيد أن المتحدث باسم الجيش العميد عامر محمد الحسن، نفى «إشاعة الانقلاب»، وقال في بيان إن قرار إغلاق الطرق المؤدية أو المارة بالقرب من القيادة العامة، تدبير احترازي مفاجئ، الغرض منه الحيلولة دون تجمع البعض أمام شارع الطابية «الجيش سابقاً».

ووفقا لشهود، لم تحل الإجراءات المتشددة دون خروج بعض أنصار النظام السابق في مظاهرة، للمطالبة بإطلاق سراح رموزهم المحتجزين منذ سقوط النظام، ووصل العشرات منهم قريباً من القصر الجمهوري وسط الخرطوم.

وتناقلت الوسائط أن مجموعة من المحتجين كانوا ينوون الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش أسوة باعتصام 6 أبريل (نيسان) الماضي، والذي أثمر إسقاط نظام الإنقاذ وعزل الرئيس السابق عمر البشير، فيما ذكرت مصادر الصحيفة أن الإسلاميين الموالين للنظام المعزول، كانوا ينوون تنظيم احتجاجات أمام القيادة العامة للجيش والقيام بأعمال عنف هناك.

وبحسب بيان الجيش فإن «القرار اتخذ في إطار تدابير احترازية مفاجئة، لمعالجة اعتزام البعض التجمع في شارع الطابية، ما لا يتوافق مع رؤية القوات المسلحة، بأن يبعد حرم القيادة العامة من التجمعات ذات الصبغة السياسية، التي قد تؤدي إلى إحداث فوضى في هذه المنطقة العسكرية».

وأشرقت شمس أمس الخميس، فوجد المواطنون الطرق المؤدية للقيادة العامة للجيش، أو المارة أمامها مغلقة بسيارات ومصفحات عسكرية، بما في ذلك شارع النيل، وشوارع البلدية والجمهورية، إضافة لشارع «الطابية»، مع انتشار عسكري لافت، ما أثار التكهنات بأن ثمة «محاولة انقلابية»، أو أن النشر الكثيف للقوات وسد الطرقات جزء من انقلاب.

وفرقت قوات تابعة للمجلس العسكري الانتقالي في 3 يونيو (حزيران) الماضي، واستخدم في ذلك عنفاً مفرطاً أدى لإزهاق عشرات الأرواح من المعتصمين السلميين، ورافقته أحداث عنف تضمنت عمليات إخفاء قسري، واغتصابات واعتداءات على المعتصمين، بيد أن قادة من المجلس نفوا ضلوعهم في العملية، واتهموا قادة عسكريين محسوبين على النظام المعزول بتنفيذها على مسؤوليتهم، وسارعوا بإلقاء القبض على بعضهم وبينهم رتب رفيعة.

من جهة أخرى، أرجأ مجلس الوزراء إجازة موازنة عام 2020، على خلفية رفض التحالف الحاكم «قوى إعلان الحرية والتغيير» لمشروع الموازنة المقترحة من قبل وزير المالية، واعتبارها غير معبرة عن «البرنامج الإسعافي» الذي شكلت الحكومة لإنفاذه. واقترح مشروع الموازنة المقدم من وزارة المالية، رفع الدعم عن المحروقات بالتدرج ابتداء من مارس (آذار) القادم بالنسبة لوقود «البنزين»، وأغسطس (آب) المقبل لتحرير وقود «الجازولين».

وقال وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل محمد صالح لـ«الشرق الأوسط»، إن النقاش حول الميزانية سيكتمل اليوم الجمعة، لإجازتها وتقديمها لمجلس السيادة لتجاز في اجتماع مشترك بين المجلسين في وقت قريب.

تعليق المفاوضات السودانية في جوبا بعد الاختلاف حول «العلمانية»

الخرطوم: محمد أمين ياسين
وافقت وساطة جنوب السودان لمحادثات السلام في السودان، على طلب «الحركة الشعبية - شمال»، بقيادة عبد العزيز الحلو، بتعليق المفاوضات مع الحكومة الانتقالية لمدة أسبوعين، أثناء ذلك تقدمت الجبهة الثورية برؤيتها التفاوضية لمسار شمال البلاد. وقال رئيس لجنة الوساطة، توت قلواك، في تصريحات صحافية من مقر التفاوض بعاصمة جنوب السودان (جوبا)، إن وفد «الشعبية» طلب تعليق المفاوضات بغرض التشاور مع قيادات وقواعد الحركة حول بعض القضايا لإكمال رؤيتها حول العملية التفاوضية.

وأشار قلواك الذي يشغل منصب مستشار رئيس حكومة الجنوب للشؤون الأمنية، إلى أن المفاوضات في كل المسارات تمضي بصورة جيدة تمهد للوصول إلى اتفاق سلام شامل.

وعزت الحركة الشعبية طلبها تعليق المفاوضات إلى رفض وفد الحكومة المفاوض النص صراحة على العلمانية. وأضافت في بيان أن تباعد المواقف حول علمانية الدولة وحق تقرير المصير لمنطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق حال دون التوقيع على «اتفاق إعلان المبادئ».

وأكدت «الشعبية» عزمها ورغبتها الأكيدة في استئناف المفاوضات لتحقيق سلام عادل وشامل يخاطب الجذور التاريخية للمشكلة السودانية، وفي مقدمتها بناء دولة علمانية.

وقال رئيس الحركة، عبد العزيز الحلو، خلال مخاطبته طلاب جامعة الخرطوم، عبر «سكايب»، أمس: «إذا رفضت الحكومة مبدأ العلمانية»، فإن حركته ستطالب بـ«حق تقرير المصير لكل الشعوب السودانية».

ودعا الحلو إلى فتح النقاش حول «الوثيقة الدستورية»، مشيراً إلى أن الوثيقة جيدة، ولكن هنالك نواقص نريد أن نكملها من خلال المفاوضات الجارية بمنبر جوبا.

وأضاف: «الوثيقة سكتت عن الشريعة الإسلامية والعلمانية، ونصَّت على مادة تتحدث عن سريان كل القوانين الإسلامية السابقة التي وضعها النظام الإسلامي المعزول».

وأعلن الحلو رفض الحركة للمؤتمر الدستوري الذي تنادي به القوى السياسية، وقال: «نبحث عن بدائل وآليات أخرى لصياغة الدستور الدائم للبلاد».

وأكد استمرار الحركة في المفاوضات بمنبر جوبا في ترتيب أجندة التفاوض في القضايا السياسية والإنسانية والأمنية.

وفي السياق، تسلَّمت الوساطة رؤية «الجبهة الثورية» لقضايا التفاوض حول مسار شمال السودان. ومن جانبه، أشار رئيس الجبهة الثورية، الهادي إدريس، إلى أنه بتقديم مسار الشمال رؤيتهم للوساطة، تكون كل مسارات الجبهة الثورية قد دخلت في التفاوض مع الحكومة الذي يسير بخطى ثابتة. ووقَّعت الحكومة والجبهة الثورية، الثلاثاء الماضي، على اتفاق سلام نهائي حول مسار وسط السودان.

وكانت الحكومة الانتقالية، تسلمت ورقة الاتفاق الإطاري للتفاوض حول مسار شرق السودان، وتعليق التفاوض فيه لثلاثة أسابيع لإتاحة الفرصة لمكونات الإقليم للتشاور في مؤتمر خاص يُعقد خلال أيام.

في غضون ذلك، أكد قيادي بـ«قوى إعلان الحرية والتغيير»، اتفاق المجلس المركزي لقوى «التغيير» على مرشحي 14 ولاية، فيما تبقت 4 ولايات، وهي (الجزيرة وشرق دارفور) وكسلا وبورتسودان.

وقال القيادي الذي فضّل حَجْب اسمه لـ«الشرق الأوسط»: «تم اختيار مرشحي (التجمع الاتحادي)، أيمن خالد والياً لولاية الخرطوم العاصمة، وعز الدين جعفر للولاية الشمالية». وأضاف: «تم إرجاء اختيار مرشحي ولايتي كسلا وبورتسودان الواقعتين شرق البلاد، للتشاور مع مكونات الإقليم المختلفة».

وفي منحى آخر، أشار القيادي إلى أن «قوى إعلان الحرية والتغيير» ستشرع، في القريب العاجل، بتشكيل المجلس التشريعي.

ومن جهة ثانية، أكد القيادي بـ«قوى إعلان الحرية والتغيير»، بابكر فيصل، أن المكون العسكري في مجلس السيادة الانتقالي، ملتزم بما تم الاتفاق عليه في «الوثيقة الدستورية» مع قوى الثورة.

وقال في منتدى سياسي، أمس، إن الحكومة لن تنجح إلا بتحقيق السلام، مشيراً إلى تغيير كبير سيطال هياكل السلطة الانتقالية مجلسي السيادة والوزراء، بعد توقيع اتفاق السلام النهائي مع الحركات المسلحة. وأقر فيصل بوجود بطء في عمل لجنة التحقيق المستقلة بشأن فض اعتصام القيادة، مؤكداً أن قوة «التغيير» لن تتنازل عن «القصاص لكل الشهداء الذين سقطوا خلال الأحداث».