التاريخ: كانون الأول ٢٣, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
العراق في فراغ دستوري... والشارع يغلي
«الاتحادية» العراقية تعيد كرة «الكتلة الأكبر» إلى مرمى الكتل السياسية
بغداد: فاضل النشمي
لم تنتظر جماعات الحراك العراقي طويلاً قبل أن تعلن رفضها التام مرشح تحالف «الفتح» الحشدي قصيّ السهيل لرئاسة الوزراء خلفاً للمستقيل عادل عبد المهدي. وبمجرد إعلان «الفتح»، أول من أمس، رسمياً تقديم السهيل إلى رئيس الجمهورية للمصادقة عليه، شنت جماعات الحراك وعبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة حملات رفض واسعة اقترنت بدعوات للإضراب العام والخروج بمظاهرات مليونية في المحافظات المنتفضة.

وتنظر جماعات الحراك إلى طرح ترشيح وزير التعليم الحالي قصي السهيل المنتمي إلى ائتلاف «دولة القانون» الذي يتزعمه نوري المالكي، بوصفه تحدياً سافراً لإرادة الشعب واستهانة بدماء آلاف الضحايا الذين سقطوا في الاحتجاجات التي انطلقت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. كذلك ينظر إليه بوصفه تحدياً متعمداً لنصائح مرجعية النجف التي يدّعي تحالف «الفتح» التزامه بتوصياتها، خصوصاً بعد أن أوصت خلال خطبة الجمعة الماضية، القوى السياسية بترشيح شخصية سياسية «غير جدلية». وتشير المصادر المطلعة على كواليس الغرف السياسية إلى أن تحالف «الفتح» الذي يضم غالبية القوى والفصائل المسلحة الموالية لإيران يتمسك بقوة باختيار شخصية «موالية وضعيفة» يسهل التحكم بها وتوجيهها الوجهة التي تتناسب مع مصالحها والمصالح الإيرانية في العراق.

كما تؤكد المصادر أن «قوى وفصائل (الفتح) لا ترغب في صعود رئيس وزراء قوي ربما يتجرأ على فتح ملفات القتل والاغتيال التي طالت ناشطين وتتهم شخصيات وجهات مقربة منه بالضلوع فيها، كذلك تخشى أن يقوم الرئيس الجديد وبإسناد من جماعات الحراك بفتح ملفات كبرى ضمنها ملفات الفساد والعمل على حرف مسار علاقات العراق الدبلوماسية بمحيطه الإقليمي والعالم التي لا تتناسب مع توجهات (الفتحاويين)».

وتشير غالبية التوقعات المحلية إلى إمكانية قيام المحتجين بعمليات تصعيد غير مسبوقة في حال أصرت القوى السياسية على اختيار السهيل أو غيره من الشخصيات الحزبية لمنصب رئيس الوزراء.

ومع انتهاء المهلة الدستورية لتعيين رئيس وزراء جديد، أمس، خرج مئات الآلاف من العراقيين، وفي طليعتهم طلاب المدارس والجامعات، في مظاهرات حاشدة شملت بغداد ومحافظات وسط وجنوب البلاد. وباستثناء العاصمة بغداد، شهدت غالبية المحافظات عمليات قطع واسعة للطرقات أدت إلى شلل كبير في حركة التنقل والسير. وتركز غالبية الشعارات التي رفعت خلال المظاهرات على رفض مرشح الفصائل والأحزاب السياسية قصي السهيل لمنصب رئاسة الوزراء.

وتوافد آلاف الطلبة والمتظاهرين منذ ساعات الصباح الأولى إلى ساحة التحرير، وسط بغداد، وتلت تنسيقية طلاب الجامعات الحكومية والأهلية بياناً تعهدت فيه بمواصلة المظاهرات والإضراب عن الدوام لحين تحقيق مطالب المحتجين العادلة. كما تعهدوا بـ«الوقوف وقفة رجل واحد لاقتلاع جذور الطائفية والفساد والإطاحة بالأحزاب ومرتزقتها». وازدادت أعداد المتظاهرين في ساحة التحرير بعد ساعات الظهيرة أمس.

وفي محافظة النجف، قطع المحتجون الطريق الواصلة بينها وبين محافظة كربلاء وبقية المحافظات المجاورة، كما عمدوا إلى إغلاق غالبية المدارس والكليات ودائرة تابعة لوزارة النفط ومؤسسات رسمية أخرى. وأبلغ الصحافي ميثم الشباني «الشرق الأوسط» بأن «عشرات الآلاف من الطلبة والمواطنين خرجوا بمظاهرات حاشدة في محافظة الديوانية». ويؤكد الشباني «إعلان المتظاهرين والطلبة الإضراب العام في المحافظة لحين إسقاط النظام، كما قاموا بقطع الطريق الرابطة بين الديوانية وبغداد، والطريق الأخرى الرابطة مع محافظة النجف القريبة».

كما يؤكد «خروج أعداد غفيرة من المتظاهرين في محافظات القادسية وبابل القريبتين وقيامهم بقطع الطرق والاستمرار في الإضراب وغلق الدوائر الحكومية».

وفي محافظة البصرة الجنوبية أيضاً، خرج آلاف المتظاهرين في وقت مبكر من صباح أمس وقاموا بقطع كثير من الطرقات والتقاطعات الحيوية في المدينة بواسطة الإطارات المحترقة قبل أن تتمكن القوات الأمنية لاحقاً من فتح بعض الطرق الحيوية لتسهيل حركة المرور في المحافظة.

وفي محافظة ميسان التي خرج فيها هي الأخرى آلاف المتظاهرين، حذر ناشطون من إمكانية انفلات الأوضاع الأمنية في حال تواصل عمليات الاغتيال التي تقوم بها جهات مجهولة ضد الناشطين. وتعرض ناشط مدني أول من أمس إلى محاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة، وأكدت مصادر أمنية في ميسان محاولة «مجموعة مسلحة اغتيال الناشط ومدير (مركز الكحلاء الصحي) حسن نعيم محسن، صباح (الأحد)، أثناء قيادته سيارته على الطريق العام بين قضائي الكحلاء وقلعة صالح، وأصيب في عموده الفقري وتم نقله إلى مستشفى الصدر وهو بحالة حرجة».

وفي محافظة ذي قار المجاورة، خرج الآلاف في مظاهرات حاشدة وسط المدينة في ظل حالة من الغضب ضد عمليات الاغتيال التي طالت ناشطين كان آخرهم الناشط علي العصمي. وتشهد ذي قار منذ أسابيع عدة، حالة من الارتباك والفوضى الناجمة عن قطع الجسور والطرقات على خلفية المجزرة التي ارتكبتها السلطات الأمنية ضد المتظاهرين مطلع الشهر الحالي. كما تشهد المدينة ارتفاع وتيرة الاغتيال ضد الناشطين، حيث أكد مصدر في مفوضية حقوق الإنسان في ذي قار، أمس، وقوع 14 محاولة اغتيال لناشطين تسببت في وفاة اثنين منهم.

«الاتحادية» العراقية تعيد كرة «الكتلة الأكبر» إلى مرمى الكتل السياسية
مع دخول العراق مرحلة الفراغ الدستوري

بغداد: حمزة مصطفى
على الرغم من أنه لم يكن متوقعاً أن تسعف المحكمة الاتحادية العراقية، القوى السياسية، بتفسير جديد لمفهوم «الكتلة الأكبر»، فإن رأيها كان بمثابة القشة التي أراد الجميع التمسك بها قبل دخول البلاد مرحلة الفراغ أو الخرق الدستوري، أمس، مع انتهاء مهلة تسمية رئيس للوزراء خلفاً للرئيس المستقيل عادل عبد المهدي.

المحكمة الاتحادية ردت أمس على الكتاب الذي أرسله رئيس الجمهورية برهم صالح، يطلب فيه منها توضيح مفهوم الكتلة الأكبر في محاولة منه لإيجاد مخرج للأزمة السياسية، بما لا يمنح أياً من الكتل التي لها تمثيل في البرلمان العراقي أي أرجحية مريحة. وقالت المحكمة، في بيان، إنها نظرت صباح أمس بكامل أعضائها الطلب «وتوصلت بعد المداولة والتدقيق، وبعد الرجوع إلى أوليات تفسيرها لحكم المادة (76) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 إن تعبير (الكتلة النيابية الأكثر عدداً) الواردة في المادة (76) من الدستور تعني إما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، أو الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية، ودخلت مجلس النواب، وأصبحت مقاعدها بعد دخولها المجلس وحلف أعضائها اليمين الدستورية في الجلسة الأولى الأكثر عدداً من بقية الكتل».

واستناداً إلى هذا التفسير، فإنه في الوقت الذي بات فيه المسار الدستوري واضحاً أمام رئيس الجمهورية بتكليف مرشح الكتلة الأكبر، فإن الكتل السياسية، لا سيما الشيعية منها، دخلت في دائرة جدل جديد بين أن تكون «سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، والفائزة بأعلى الأصوات، هي الكتلة الأكبر، أو «كتلة البناء» التي تتكون من «الفتح» و«دولة القانون» التي تصر على أنها هي الكتلة الأكبر.

وتواجه كلتا الكتلتين مشكلتين. فبالنسبة لـ«سائرون»، فإنها أعلنت أنها «تنازلت عن كونها الأكبر إلى الشعب»، تاركة الخيار لرئيس الجمهورية لاختيار أحد مرشحي ساحات التظاهر. أما «البناء» فإنها تصر على مرشح أطلقت عليه مرجعية النجف تسمية «شخصية جدلية»، وهو ما يعني عدم النصح بترشيحه، في إشارة إلى وزير التعليم العالي قصي السهيل.

الصدر، الذي عاد إلى التغريد والنصح والإرشاد بعد أقل من أسبوع على إعلانه اعتزال منصات التواصل لمدة سنة، حذف تغريدة على حسابه في موقع «تويتر» عدت بمثابة إعادة خلط الأوراق من جديد، حين دعا السهيل إلى عدم الترشح حقناً للدماء. لكن حذف التغريدة، الذي لم تتضح أسبابه، فسره «تحالف البناء»، الداعم للسهيل، بأن الصدر تراجع عن موقفه الرافض للسهيل.

الفراغ الدستوري الذي دخله العراق، بسبب تجاوز المهلة الدستورية، وعدم التوصل إلى اسم مناسب لكي يتم ترشيحه لتشكيل الحكومة، يرى فيه الخبير القانوني أحمد العبادي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لا جديد فيه حيث إن الكتل السياسية، بل وحتى المحكمة الاتحادية، خرقت الدستور، ليس مرة واحدة، بل في كثير من المرات»، مبيناً أن «المشكلة هي أنهم لا يتعاملون مع الدستور بوصفة وثيقة جامعة، ولا يعلى عليها، بل يتصرفون مع الدستور وفق المزاج السياسي لا القانوني». وأوضح العبادي أن «التفسير الأول الذي أقدمت عليه المحكمة الاتحادية عام 2010 كان أقرب إلى التفسير السياسي منه إلى القانوني، وبالتالي خلطت الأوراق منذ ذلك التاريخ، ولم يعد ممكناً بعد اليوم تصحيح ذلك الموقف مهما حاولت القوى السياسية البحث عن حل لهذه المشكلة لدى المحكمة الاتحادية». وأكد العبادي أن «المسألة التي يجري الحديث عنها منذ أكثر من أسبوعين، وهي استقالة رئيس الوزراء، حيث لا يوجد في الواقع نص دستوري يعالج هذه القضية لذلك كثرت التأويلات والتفسيرات».

ورداً على سؤال عما إذا كان هذا خللاً في الدستور، أم لدى الكتل السياسية، يقول العبادي إن «الخلل في هذه المسألة في الدستور، لأنه لم يعالج أموراً كثيرة، منها استقالة الحكومة، وسكت عن أمور أخرى، وجعلها عرضة للتأويلات».

من جهته، يقول السياسي العراقي أثيل النجيفي لـ«الشرق الأوسط»، إن «كل الجدل حول الكتلة الأكبر هو مجرد محاولة لكسب الوقت، وهو نتيجة طبيعية لسوء تقدير الموقف الشعبي». ويضيف النجيفي أن «المحاولات جارية للالتفاف على المطالب بطريقة تبدو دستورية من الظاهر»، مشيراً إلى أن «الأزمة صنعتها الكتلة الأكبر والأصغر معاً، وبالتالي إذا لم يفكروا خارج الصندوق الذي حبسوا أنفسهم فيه، فإن الشعب سيحطم هذا الصندوق وهم في داخله».

إلى ذلك، بحث رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، في أربيل، أمس، مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، الأزمة السياسية، ومحاولات تشكيل الحكومة. وقال بيان مقتضب عن مكتب الحلبوسي، إنه بحث مع بارزاني «المستجدات على الساحة السياسية العراقية، واختيار مرشح لرئاسة الحكومة خلفاً لعادل عبد المهدي».