التاريخ: كانون الأول ٢٠, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
دياب يتعهد تشكيل الحكومة اللبنانية سريعاً في غياب دعم أكثرية النواب السنّة
حسّان دياب... أكاديمي يصل إلى رئاسة الحكومة بدعم «الممانعة»
بيروت: نذير رضا
كلّف الرئيس ميشال عون، الدكتور حسان دياب، تشكيل الحكومة اللبنانية، بعد تسميته من 69 نائباً؛ ستة منهم فقط من السنّة، وبتأييد كل النواب الشيعة (27 نائباً)، وهو ما أظهر أن نواب فريق «8 آذار» وحليفه «التيار الوطني الحر» منحوه أصواتهم، ولم يتمكنوا من إحراز خرق لتسميته من خارج هذا الائتلاف، خصوصاً على ضفة النائب الأسبق وليد جنبلاط.

وفي أول تصريح له بعد تكليفه تشكيل الحكومة، أعلن دياب أنه سيعمل بالاتفاق مع الرئيس ميشال عون، واستناداً إلى الدستور لتكون حكومته على مستوى تطلعات اللبنانيين تحقق مطالبهم وتطمئنهم إلى مستقبلهم وتنقل البلد من حالة عدم التوازن إلى حالة الاستقرار عبر خطة إصلاحية واقعية تأخذ طريقها إلى التنفيذ سريعاً. كما تعهد بالعمل على تشكيل الحكومة «بأسرع وقت ممكن بعد التشاور مع رؤساء الحكومات السابقين والكتل، وسأتوسع في المشاورات لتشمل القوى والأحزاب السياسية والحراك الشعبي».

وشدّد دياب على أن «المرحلة دقيقة وحساسة وتتطلب تضافر جهود القوى، فنحن نواجه أزمة وطنية لا تسمح بترف المعارك السياسية والشخصية بل تحتاج إلى وحدة وطنية تحصّن الوطن»، وقال: «من موقعي كمستقل أتوجه إلى اللبنانيين الذين عبّروا عن وجعهم لأؤكد أن انتفاضتكم أعادت تصويب الحياة السياسية في لبنان وأنتم مصدر السلطات». وأضاف: «أنا مستقل واختصاصي والكل سيكون موجوداً في الحكومة ولكن الأولوية للاختصاصيين، وأعطوني فرصة».

وسئل عن موقف الشارع حيال تكليفه في ظلّ تسمية 6 نواب سنّة له فقط، فأجاب: «إن تكليفي دستوري، وستكون لنا فرصة كبيرة لنتحدث في الإعلام بعدة مناسبات، نحن بصدد العمل لا الكلام، بموضوع الميثاقية لو لم تكن دستورية ما كنا وصلنا إلى هنا»، مشيراً إلى أنه طلب من الرئيس عون «أن نبدأ بالاستشارات يوم السبت لا الاثنين».

ووسط مخاوف من أن تكون «حكومة مواجهة»، رفضت مصادر قريبة من «8 آذار» اتهام الحكومة بأنها حكومة مواجهة، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إنها «حكومة تهدئة وتسوية ومحاولة للخروج من الأزمة للحدّ من الانهيار الاقتصادي، وحصل رئيسها على أغلبية بعملية ديمقراطية عدديّة»، مشدّدة على أن الميثاقية تكون بالتأليف لا بالتكليف.

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن تسمية دياب مرتبطة بعدم مجيء سلام، «وحصلت بتسوية وتغطية مع الفريق الذي امتنع عن التصويت لتحقيق مرحلة انتقالية تحاول تهدئة النفوس والخروج من الأزمة الاقتصادية»، مشيرةً إلى أن الثنائي الشيعي «بقي مع الحريري حتى اللحظة الأخيرة».

وإذ أشارت المصادر إلى أن الخطوة المقبلة ستكون «تشكيل حكومة سريعة»، لافتةً أن ما حصل «لا يبدو أن الحريري يمانعه بمجرد عدم التسمية»، كشفت عن «وعود بأن كتلة (المستقبل) ستعطي الثقة للحكومة» على قاعدة أن مواصفات رئيسها «مثالية» وتنسجم مع الطروحات السابقة، كون الرئيس أكاديمياً وأستاذاً في الجامعة الأميركية وغير متحزب وعلى مسافة من الجميع ولا شبهات فساد عليه.

وانقسمت أصوات النواب في الاستشارات بين 69 صوتاً لدياب، و13 صوتاً للسفير نواف سلام، وصوت واحد لحليمة قعقور، فيما امتنع 42 نائباً عن التصويت، أبرزهم «كتلة المستقبل» وكتلة «الوسط المستقل» برئاسة رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، وكتلة «القوات اللبنانية»، إضافةً إلى النائب تمام سلام وغيرهم.

أما الأصوات التي مُنحت لنواف سلام فهي: 9 أصوات من كتلة «اللقاء الديمقراطي»، و3 أصوات من كتلة «الكتائب» والنائبين نهاد المشنوق وميشال معوض، علماً بأن كتلة جنبلاط (اللقاء الديمقراطي) ميّزت نفسها بالتصويت لسلام.

واللافت أن النواب الشيعة (27 صوتاً) صوّتوا جميعاً لصالح دياب، إلى جانب 6 نواب سنّة، ونائبين درزيين ونائب علوي، إلى جانب كتلة «التيار الوطني الحر» ونواب آخرين. ودفع نقص الأصوات السنّية لصالحه، إلى فتح نقاش حول ميثاقية هذا التصويت، وعبّر عن هذا الموقف النائب نهاد المشنوق بالقول إن «تسمية الدكتور حسان دياب هي تجاوز ميثاقي كبير، وما جرى أيام الرئيس نجيب ميقاتي لا يجوز أن يتكرر، وهو تسبب في حينه بأزمة كبيرة». ودعا دياب «للاعتذار عن قبول التكليف».

وكان رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، قد قال إن «المعايير هي قدرات هذا الشخص وحضوره وصفته التمثيلية، وبصراحة رغم احترامي الشخصي للمطروحين لم نجد أحداً لديه هذه المواصفات وبالتالي لم نسمِّ أحداً واحتجبت عن التسمية».

ولمّح ميقاتي إلى موضوع الميثاقية، قائلاً: «نحن لا نتكلم عن الغطاء السني أو المسيحي، وأذكّركم بأن الرئيس الحريري طلب تأخير الاستشارات لأن (القوات اللبنانية) و(التيار الوطني الحر) رفضا تسميته، وبالتالي هذ الأمر يجب أن يكون رسالة مفادها أننا غير راضين عن التسمية التي هبطت بالمظلة».

في أول تعليق له بعد تكليف حسان دياب تشكيل الحكومة، غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وكتب عبر «تويتر»: «أن تختار قوى (8 آذار) مرشحها وتنجح فهذا ليس بغريب فهم على الأقل لديهم مشروع، لكن أن تخذل قوى (المستقبل) المتسترة بالتكنوقراطية كأنهم خريجو (Silicon Valley) نواف سلام خوفاً من التغيير فهذا يدل على عقمها وإفلاسها».

احتجاجات في مناطق عدة على تكليف دياب... وشعارات مؤيدة للحريري
بيروت: حنان حمدان
سارع المحتجون إلى قطع الطرقات في عدة مناطق لبنانية، فور الإعلان عن تكليف الدكتور حسان دياب بتشكيل الحكومة، وتجمّعوا أمام منزله في تلة الخياط، معبّرين عن رفضهم تكليفه، متحدثين عن عدم ميثاقيته. ووصل عدد من المحتجين على متن دراجات نارية إلى أمام منزله، وأطلقوا شعارات رافضة لتكليفه تشكيل الحكومة، ومؤيدة للرئيس سعد الحريري.

وأفادت «الوكالة الوطنية» بأن عدداً من المتظاهرين تجمعوا في ساحة الشهداء في وسط بيروت، وقُطعت الطريق في قصقص بالإطارات المشتعلة، كذلك في مناطق البربير وفردان وكركول الدروز في بيروت. كما تمّ قطع السير على أوتوستراد الناعمة بالاتجاهين، وعند دوار إيليا في صيدا، وأُقفلت طريق خلدة قبل أن يصل الجيش إلى المكان.

وتوسع قطع الطرقات إلى المناطق، حيث أفادت غرفة التحكم المروري بأن الطرقات المقطوعة ضمن نطاق محافظة الشمال والبقاع في شرق لبنان. وفي قراءة أولية لموقف البعض في الساحات، لا سيما ساحتي الشهداء ورياض الصلح في وسط بيروت، يمكن استنتاج خلاصة مفادها أنّ هناك انقساماً واضحاً في الشارع اللبناني حيال الاستشارات، بين مؤيد لضرورة إجرائها بمعزل عن الأسماء المطروحة، ورافض لها.

وينطلق المؤيدون للاستشارات من إلزامية إجرائها وفقاً للدستور على أنّ تتمّ مناقشة نتائجها فيما بعد. فيما وجد الفريق الآخر الرافض أنّ هذه الاستشارات مرفوضة في الأساس لأنّ الأسماء التي جرت تسميتها محسوبة على فرقاء سياسيين سيعمل الرئيس المكلف على تنفيذ أجنداتهم وفق مصالحهم الخاصة، وبالتالي ستكون هذه الحكومة نسخة جديدة من الحكومات السابقة.

يقول محمود، وهو أحد المتظاهرين المواظبين على النزول إلى ساحات الاعتصام في وسط بيروت، لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «هذه الاستشارات فقدت دستوريتها، إذ تمّ الاتفاق على الأسماء المطروحة قبل إجرائها»، وإنّ «مطالب الثوار لم ولن تتبدل. ووفق هذه الاستشارات فإنّ هناك بوادر تشكيل حكومة من لون واحد كما يراها الثوار، وحتى اللحظة لا يوجد ما يدل على أنّه سيتم تشكيل حكومة اختصاصيين».

واعتبرت سارة في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ «الأسماء المطروحة محسوبة على 8 و14 آذار، وبالتالي لا تمثل الحراك، بل سيسيرون على نفس الخط السياسي للفريقين اللذين لم يتمكنا حتى الساعة من فهم مطالب الثوار ويتعاطيان من منطلق عدم وجود أي أزمة في لبنان ويتغاضيان عن الانهيار الّذي أوصلانا إليه».

حسّان دياب... أكاديمي يصل إلى رئاسة الحكومة بدعم «الممانعة»

بيروت: يوسف دياب
لا يختلف اثنان على أن الدكتور حسّان دياب، الحائز على ثقة أكثرية النواب لتشكيل الحكومة الجديدة، يمتلك صفة رجل التكنوقراط، فهو أكاديمي عريق في الجامعة الأميركية في بيروت، أهّلته مسيرته ليكون نائباً لرئيس الجامعة المذكورة. لكنّه ليس بعيداً عن الطبقة السياسية، إذ كان جزءاً منها، عندما عُيّن وزيراً للتربية الوطنية والتعليم العالي، في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي اتخذت صفة «حكومة اللون الواحد»، و«حكومة 8 آذار»، التي تم تشكيلها وفق خيارات «حزب الله»، وهو يقترب من دخول السراي الحكومي تحت عباءة محور «الممانعة» ومباركته.

يمتلك الدكتور حسّان دياب ما يكفي من الصفات التي تؤهله للموقع السنّي الأول في لبنان (رئاسة الحكومة)، كونه ابن عائلة بيروتية عريقة، من مواليد 6 يناير (كانون الثاني) 1959، وهو متزوّج وله ثلاثة أولاد (بنت وولدان)، ومن العاملين في الجامعة الأميركية في بيروت منذ عام 1985، حيث كان يغادرها لفترات محدودة، لا يفتأ أن يعود إليها، منها مرحلة تعيينه وزيراً للتربية ما بين عامي 2011 و2014.

يحمل رئيس الحكومة المكلّف شهادة البكالوريوس في هندسة الاتصالات، والماجستير بامتياز في هندسة نظم الكومبيوتر، والدكتوراه في هندسة الكومبيوتر، وهو أستاذ مادة الهندسة الكهربائية وهندسة الكومبيوتر في كلية الهندسة والعمارة، ولديه مساهمات بحثية علمية في مجلات علمية دولية ومشاركات في عدد من المؤتمرات في لبنان والخارج، وتبوّأ مناصب أكاديمية، أبرزها العميد المؤسس لكلية الهندسة والرئيس المؤسس في جامعة ظفار بسلطنة عمان عام 2004، ونائب الرئيس للبرامج الخارجية الإقليمية في الجامعة الأميركية في بيروت منذ عام 2006.

بعيداً عن المسيرة الأكاديمية الحافلة، تباين تقييم الشارع اللبناني لحسان دياب، فالسياسيون الموالون للثنائي الشيعي (أمل، وحزب الله) وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون، يجدون فيه الرجل المثالي بما يمتلك من تاريخ وسيرة ذاتية، خصوصاً أنه «يأتي من خارج المنظومة الغارقة بالفساد»، وسارع هذا الفريق إلى نشر مزاياه الحسنة ومناقبه، وكان أبرز المغردين النائب نعمة أفرام الخارج حديثاً من تكتل «لبنان القوي» الذي يقوده الوزير جبران باسيل، إذ نوّه بأداء دياب في المراحل السابقة، وقال: «كلمة حقّ تقال في من رافقني من على مقاعد الجامعة كبروفسور محاضر، لتربطني به لاحقاً علاقة المودّة والاحترام». ورغم أنه لم يسمّه لرئاسة الحكومة، تابع أفرام: «حسان دياب رجل ثقة، مستقل، مختص، كفء ونزيه، وهي صفات جامعة ومطلوبة في اللحظة المصيريّة الحاسمة، والعبرة في التأليف وشكل الحكومة وبرنامجها».

أما الوزير الأسبق وئام وهّاب، فقال في تغريدة له: «لمن يخترع ملفات عن حسان دياب، أقول له فقط للأمانة، إن دياب عندما انتهت حكومة الرئيس ميقاتي أرسل ميقاتي هديّة له من جيبه قيمتها 500 ألف دولار أميركي فأعاد دياب الهديّة وشكر ميقاتي». لكن ميقاتي نفى هذه الرواية جملة وتفصيلاً.

في المقلب الآخر، لم يسلم دياب من الانتقادات التي وجهها إليه معارضو تكليفه، إذ تردد أن اختياره كان بقرار مسبق من الثنائي الشيعي وخصوصاً بتزكية رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي تربطه علاقة قديمة به، وسبق أن زار دياب الرئيس عون أكثر من مرّة في القصر الجمهوري، وتحدثت معلومات عن ترتيبات لشكل الحكومة، قبل اعتذار سعد الحريري بأيام.

وغصّت منصات وسائل التواصل الاجتماعي بمئات التغريدات الرافضة لهذا التكليف، أهمها جاءت من الأستاذ في الجامعة الأميركية الدكتور همام كدارة، الذي روى كيف أن حسان دياب حضر إلى مكتبه وحاول أن يفرض عليه توظيف نجله، وقال له «وظّفه وأنا أدفع راتبه»، وخلص كدارة إلى مخاطبة نجل دياب وقال ساخراً: «موفّق البابا بترؤس حكومة مكافحة الفساد». ولم ينفك ناشطون عن إعادة نبش ملف دياب يوم كان وزيراً للتربية، واتهامهم له بأنه «وثّق إنجازاته في الوزارة بكتاب كلّف الخزينة 70 مليون ليرة» أي نحو 50 ألف دولار، وكيف أنه استبدل باسم مدرسة رسمية كبرى في بيروت، اسم والدته غير آبهٍ بكل الانتقادات التي وُجهت إليه، وأنه وزير التربية الوحيد الذي رفع رسوم التسجيل في الجامعة اللبنانية من 200 ألف ليرة إلى 400 ألف ليرة (280 دولاراً تقريباً) من دون إجراء أي تحسينات في وضع الجامعة.