التاريخ: كانون الأول ١٧, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
«هيومن رايتس ووتش»: الأمن العراقي تعاون مع مرتكبي مجزرة ساحة الخلاني
جريمة مروعة تهز البصرة... وتشييع جنازة ناشط في بغداد
بيروت: «الشرق الأوسط
قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أمس، إن قوات مسلحة غير محددة، بالتعاون على ما يبدو مع قوات الأمن الوطنية والمحلية العراقية، نفّذت سلسلة من عمليات القتل الوحشية في منطقة الاحتجاج الرئيسية ببغداد في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2019.

وقالت المنظمة، في تقرير، إن التقديرات تشير إلى سقوط ما بين 29 و80 قتيلاً، و137 جريحاً، وإن الكهرباء قُطعت عن المنطقة خلال الهجوم، ما جعل من الصعب على المتظاهرين تحديد هوية القَتَلة والفرار إلى بر الأمان. وأضافت: «انسحبت الشرطة والقوات العسكرية، عندما بدأت الميليشيا مجهولة الهوية، التي ارتدى بعض عناصرها زياً موحداً، بإطلاق النار».

وقال خمسة شهود على عمليات القتل لـ«هيومن رايتس ووتش»، عبر الهاتف، إنه في 6 ديسمبر (كانون الأول) كان هناك نحو ألف متظاهر في ساحة الخلاني ببغداد، على بعد 600 متر شمال ميدان التحرير، في مرآب السنك المكون من خمسة طوابق قبالة ساحة الخلاني، الذي شغلوه منذ 16 نوفمبر (تشرين الثاني). ونحو الساعة 7:30 مساء، قالوا إنهم رأوا سبع شاحنات «بيك آب» تسرع إلى ساحة الخلاني، ثم تتباطأ، وبينما كانت المركبات تسير ببطء في الميدان، فتح مسلحون يرتدون زياً أسود عادياً ولباساً مدنياً النيران من بنادق «كلاشنيكوف» ومدافع رشاشة من طراز «بي كي» (P K) فوق المتظاهرين، قبل إنزال الرشاشات وإطلاق النار عليهم مباشرة. في الوقت ذلك، قال الشهود إن المحتجين كانوا يتجمعون سلمياً، ولم يهددوا بأي أعمال عنف.

وأضاف الشهود أنهم رأوا نحو 20 عنصراً من الشرطة الاتحادية وقوات الأمن العراقية، كانوا يحرسون نقطتَي تفتيش في الساحة، يغادرون بالسيارات عند وصول المسلحين. بعد نحو 9 ساعات، الساعة 4:30 صباح 7 ديسمبر (كانون الأول)، غادر المسلحون، وفي غضون بضع دقائق، عادت قوات الأمن.

وحسب الشهود، فإن الكهرباء في ساحة الخلاني ومرآب السنك توقفت لمدة ساعة تقريباً، مع بدء إطلاق النار، وفي ساحة التحرير لبضع دقائق، ما أدى إلى إطفاء إنارة الشوارع. وقال أحدهم: «كل ما كنا نستطيع رؤيته هو ضوء الرصاص». كما أن الكهرباء في مناطق مجاورة مباشرة للساحات لم تنقطع.

وقال الشهود إنه بعد إطلاق النار على الناس في الميدان، توجه الرجال في شاحنات «البيك آب» إلى مرآب السنك. وقال متظاهر إنه كان في الطابق الأول من المرآب مع نحو 150 متظاهراً آخرين عندما سمع صوت إطلاق نار. ثم رأى نحو 30 رجلاً بملابس مدنية يحملون السواطير والعصي يقتحمون المبنى. بعد بضع دقائق، رأى خمس شاحنات صغيرة تنسحب إلى الخارج، ويدخلها رجال يرتدون زياً أسود يحملون أسلحة. بينما كان يهرب عبر الدرج وخرج من المبنى، قال إنه «رأى رجالاً مسلحين يفتحون النار على المتظاهرين داخل المبنى، ويطعنون الآخرين. رأى ما لا يقل عن سبعة محتجين جرحى».

وقال متظاهر في الطابق الثاني، إنه سمع صرخات من الطابق الأول، ورأى المسلحين يظهرون ويطعنون المحتجين الذين حاولوا الوقوف في طريقهم. قال: «رأيت كثيراً من الناس يصابون، ولكن كل ما كان يمكنني التفكير فيه هو كيف أخرج نفسي من هناك».

المتظاهر الذي كان في الطابق الأول، قال إنه عندما خرج اختبأ خلف كتلة خرسانية، وعندما نظر إلى الوراء، رأى مسلحاً يرمي متظاهراً من الطابق الثالث، وآخرين يشعلون إطارات لإغلاق مخارج الطوارئ. وقال شهود آخرون خارج المرآب إنهم رأوا حرائق قادمة من المرآب. وقال المحتج من الطابق الأول: «لا يزال خمسة من أصدقائي مفقودين، ولا أعرف إن كانوا قد ماتوا أو احتجزوا. رأيت المسلحين يحملون الجثث في حافلاتهم وشاحناتهم قبل ساعة واحدة من المغادرة عند 4:30 صباحاً».

وقال متظاهر كان خارج المرآب، إنه رأى 10 متظاهرين، على الأقل، يتعرضون لإطلاق النار من حوله. وقال هو وطبيبان موجودان في ساحة الخلاني، إنهم رأوا عربات «توك توك» (عربات آلية صغيرة) تُستخدم كسيارات الإسعاف حاولت ثلاث مرات الاقتراب من الجرحى لإجلائهم. في كل مرة قام مسلحون داخل المرآب بإلقاء قنابل «مولوتوف» لإيقافها. وقالوا في النهاية إن مجموعة أكبر من المتظاهرين هرعوا إلى الجثث ونقلوا الجرحى.

وقالت المنظمة إن الحكومة العراقية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية حق العراقيين في الحياة، وينبغي لها أن تحدد على وجه السرعة الجماعات وقوات الأمن التي شاركت في عمليات القتل هذه، أو نسقتها، وأن تعلن مرتكبيها، وأن تعوض ضحايا جميع عمليات القتل غير القانونية.

جريمة مروعة تهز البصرة... وتشييع جنازة ناشط في بغداد
ناشطون: لن تكسر «الكواتم» والعبوات اللاصقة عزم الانتفاضة

بغداد: فاضل النشمي
هزت محافظة البصرة أمس، جريمة مروعة راح ضحيتها عائلة كاملة بعد أن قام مسلحون مجهولون بقتلها في منتصف ليلة أمس داخل منزلها في حي المهندسين بمنطقة القبلة.

وقالت مصادر أمنية إن المسلحين «قتلوا رب الأسرة وزوجته وطفلين ونجت طفلة بعمر سنة واحدة».

ونقل مدونون بصريون عن شقيقة المرأة القتيلة قولها إن «مسلحين قاموا بقتل زوج شقيقتها علي عبد السادة خلف (1978) وزوجته بنين عصام الأسدي (1982) وابنتهما الكبرى آية علي (2011) والابن عباس علي (2008)». وظهرت صور مأساوية للعائلة تداولها ناشطون وكان أفرادها ممدين على الأرض مع إصابة قاتلة في الرأس من مسدس. وأظهر النعي الذي تقدم به معهد الأمل للصم والبكم في البصرة للعائلة، أن الابن القتيل عباس علي أحد طلاب هذا المعهد لإصابته بصمم ولادي.

وأثارت مجزرة العائلة البصرية وحوادث الاغتيال الأخرى في بغداد والمحافظات موجة استياء وغضب واسعة، في البصرة وباقي المحافظات، ووجه ناشطون وإعلاميون انتقادات واسعة للسلطات الحكومية التي تظهر عجزا واضحا في الوقوف بوجه الفصائل المسلحة وعصابات الاغتيال بالمسدسات الكاتمة للصوت وعمليات الخطف التي تطال ناشطين وغيرهم من المواطنين العاديين.

وقال الصحافي البصري شهاب أحمد لـ«الشرق الأوسط» إن «موجة من الحزن والخوف سادت البصرة عقب الحادثة، وهناك شعور عام بأن السلطات لا تقوم بما يكفي من الجهود لحماية الناس». وأضاف أن «السلطات تسعى دائما للتلميح بأن قضايا الاغتيال والقتل تتم على خلفيات عشائرية وجنائية، فيما يعرف البصريون أن عمليات كثيرة تقف وراءها عصابات مرتبطة بأجندة سياسية، وخاصة تلك التي تستهدف الناشطين في الحراك الاحتجاجي».

ويؤكد أحمد أن «أربع محاولات اغتيال وقعت في غضون اليومين الأخيرين في البصرة، منها محاولة لاغتيال أمام مسجد في قضاء الزبير وأخرى في منطقة التحسينية واثنتان في مركز المدينة، وهناك من يرى أن العمليات هدفها التأثير على الحراك الاحتجاجي كما فعل حادث اغتيال الناشطين الزوجين سارة وحسين مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي».

وأمهل ناشطو البصرة، أمس، محافظها أسعد العيداني 48 ساعة للكشف عن الجناة وهددوا في القيام بخطوات تصعيدية في حال لم تتخذ حكومته المحلية الإجراءات اللازمة لمنع تكرار حوادث القتل المتواصلة.

وفي ساعة متأخرة من نهار أمس، أعلنت شرطة البصرة إلقاء القبض على اثنين من قتلة العائلة البصرية. وقالت الشرطة في بيان: «خلال أقل من 12 ساعة تم إلقاء القبض على اثنين من الجناة وعرضهما على القاضي المختص وتم توقيفهما وفق المادة 406 (القتل العمد) من قانون العقوبات العراقي». وشدد بيان شرطة البصرة، على «عدم السماح للمجرمين بالعبث بأمن البصرة رغم التحديات الكبيرة».

ونقلت وسائل إعلام محلية عن ناشطين في محافظة البصرة، قولهم إنهم «قرروا البقاء في خيم الاعتصام دون الخروج منها أو العودة للمنازل حذرا من اغتيالهم وتصفيتهم جسديا من قبل مجاميع اغتيال تراقبهم عند خروجهم من خيم الاعتصام والذهاب لمنازلهم».

وكشف الناشطون عن «وجود سيارات يستقلها أشخاص يثيرون الشك والريبة يقومون بمراقبتهم والوقوف على مداخل الاعتصام بسيارات بعضها رباعية الدفع».

وفي بغداد، شيعت أمس، جنازة الناشط المدني محمد الدجيلي بعد قيام جماعة مسلحة باغتياله في منطقة شارع فلسطين بأسلحة رشاشة بعد اعتراض سيارته وسط الشارع وقد أصابت الإطلاقات اثنين من الأصدقاء كانا برفقته. وعرف عن الدجيلي جهوده المكثفة في تجهيز المعتصمين في ساحة التحرير بالمؤن المختلفة. كما أفاد شهود عيان بأن مسلحين مجهولين اختطفوا الناشط المدني غيث الفتلاوي. وأضافوا لوكالة الأنباء الألمانية «أن الناشط غيث الفتلاوي وهو من أهالي قضاء الهندية في كربلاء اختطف من قبل مسلحين مجهولين أثناء عودته من ساحة التحرير ببغداد إلى منزله في كربلاء ولا يزال مصيره مجهولاّ».

وفي محافظة النجف تعرض الناشط المدني ضاري ناصر حسين لمحاولة اغتيال عندما حاول مسلحون دهسه بسيارة بعد عودته إلى منزله من ساحة التظاهر والاعتصام بالمحافظة وتعرض إلى إصابات خطيرة تم نقله على أثرها إلى مستشفى الصدر لتلقي العلاج.

وأصدر «شباب تشرين» أمس، بيانا أعربوا فيه عن عدم تراجعهم عن المظاهرات والاحتجاجات رغم عمليات الاغتيال التي يتعرضون لها واتهموا السلطات بالمشاركة فيها. وجاء في البيان أنه «بعد أن انتهى مسلسل الغاز المسيل للدموع والقنص والرصاص الحي، وعدم جدوى أسلوب الخطف والتغييب والاعتقال، بدأ مشوار كاتم الصوت والعبوات اللاصقة في مشهد يعيد الذاكرة إلى زمن الإرهاب والتجييش الطائفي». وأضاف «نحن كشباب منتفض نعد ذلك من أفعال القوى الفاسدة التي تمسك بالسلطة، لترهيب وتخويف النشطاء والمنتفضين، عبر أساليب بائسة، وهذه الأفعال الجبانة لن تثني العراقيين عن الوجود في ساحات الاحتجاج في بغداد والمحافظات، ولن تكسر عزيمة الانتفاضة، حيث أثبتنا طوال الأسابيع الماضية أننا صامدون ولن نتنازل عن تحقيق مطالبنا المشروعة».

وكانت مفوضية حقوق الإنسان العراقية أشارت أول من أمس، إلى تصاعد خطير في جرائم اغتيال الناشطين والإعلاميين في بغداد والمحافظات.