|
|
التاريخ: كانون الأول ١٥, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
تونس: رئيس الحكومة المكلّف أمام 3 سيناريوهات... «أحلاها مرّ» |
لماذا فشل الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة التونسية الجديدة؟ |
تونس: المنجي السعيداني
بدأ الحبيب الجملي، رئيس الحكومة التونسية المكلف، أمس، شهره الثاني من مفاوضات تشكيل الحكومة، على أمل التوصل إلى إقناع عدد من الأطراف السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بدعم الائتلاف الحاكم المنتظر، واعتماد مبدأ «التصويت المفيد»، حتى وإن لم تحصل هذه الأحزاب على حقائب وزارية ضمن تركيبة الحكومة.
وفي ظل المشكلات الكثيرة التي عرفتها مشاورات الأسابيع الأربعة الماضية، تُطرح أمام رئيس الحكومة المكلف ثلاثة سيناريوهات لتأليف حكومة طال انتظارها من طرف التونسيين، «أحلاها مرّ»، حسب تعبير بعض المحللين السياسيين، خصوصاً في ظل ارتفاع منسوب التحركات الاجتماعية المتكررة، والمظاهرات التي تطالب الحكومة بتدخلات عاجلة لضمان مشاريع تنمية وفرص تشغيل.
ويتضمن السيناريو الأول الذي يُطرح على الحبيب الجملي الموافقة على شروط بعض الأحزاب السياسية المنسحبة من المفاوضات (حزبي التيار الديمقراطي، وحركة الشعب)، غير أن هذا السيناريو قد يعقّد، حسب بعض المتابعين للشأن المحلي، المشهد السياسي من جديد، خصوصاً في ظل مطالبة حركة «النهضة» الفائزة بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، والجملي نفسه، بضرورة حياد وزارات السيادة. وهذا السيناريو قد يمكّن الحكومة من ضمانات أكبر للاستقرار إذا ما تحقق، غير أنه يجعل الجملي ومن ورائه «النهضة» يتنازلان عن أحد أهم شروط المفاوضات، وهو تحييد وزارات الداخلية والعدل والدفاع والخارجية، وتمكين شخصيات مستقلة من هذه الحقائب الوزارية، ولذلك فإن هذا التراجع أو التنازل الكبير يبقى مستبعَداً بشكل كبير، نتيجة تخوف عدة أطراف سياسية من خطر تسييس الوزارات المذكورة، وإمكانية استعمالها لتصفية حسابات سياسية قديمة.
وقد يلجأ الجملي إلى السيناريو الثاني، أي إشراك حزب «قلب تونس» في الائتلاف الحكومي تحت الضغوط المتواصلة، ويتراجع عن قرار رفض مشاركته في الائتلاف الحاكم، وبذلك يتم قطع الطريق أمام المطالب المجحفة لبعض الأحزاب السياسية. وهذا السيناريو سبق أن لجأت إليه حركة «النهضة» حين دخلت بثقلها لتمكين رئيسها راشد الغنوشي من منصب رئيس البرلمان، حيث اعتمدت على أصوات النواب الممثلين لحزب «قلب تونس» (38 صوتاً)، وفي المقابل مكّنت هذا الحزب من منصب النائب الأول لرئيس البرلمان عبر انتخاب القيادية سميرة الشواشي. وهذا السيناريو يبقى ممكناً في ظل ما عدّته حركة «النهضة»، التي رشحت الجملي لتشكيل الحكومة، «تعنتاً وتهديداً للمصلحة الوطنية»، لكنّ بعض المراقبين يرون أن «النهضة» قد تتجاوز تلك العقبة من خلال الإعلان عن «تقارب الضرورة» مع حزب نبيل القروي.
أما السيناريو الثالث، فيتمثل في إمكانية إعلان رئيس الحكومة المكلف فشله في تشكيل الائتلاف الحاكم بحلول منتصف شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، ومن ثم التوجه إلى رئيس الجمهورية لاختيار «الشخصية الأقدر» على تشكيل الحكومة، وهذا السيناريو يظل هو الأقرب للتنفيذ، وفق المحلل السياسي التونسي خليل الحناشي، وفي هذه الحالة يعود الجميع لتطبيق الفصل 89 من دستور 2014. وقد دعت حركة الشعب (قومي) إلى هذا السيناريو منذ البداية. غير أن رئيس الجمهورية تجاهل هذا المقترح، كما أن عدداً من الأحزاب السياسية عدّه غير منطقي لتنافيه مع أحكام الدستور، وطالبت بالاعتماد على نتائج انتخابات 2019 في تشكيل الحكومة المقبلة.
وكان الجملي قد تعهد عند تكليفه رسمياً بإنهاء المشاورات، مع انتهاء المهلة الدستورية الأولى (مقدرة بشهر واحد)، وعندما طلب مهلة ثانية من الرئيس قيس سعيد، اعتبر أن الفترة السابقة التي خصّصت للمفاوضات «لم تكن إهداراً للوقت، بل لضبط الإجراءات، ووضع آليات ومنهجية جديدة في إدارة العمل الحكومي»، وهو ما سيسهم في إنجاح عمل الحكومة المقبلة، على حد تعبيره.
ويرى عدد من المتابعين أن خيار تدخل رئيس الجمهورية قيس سعيد بات وارداً أكثر من أي وقت مضى، وذلك في ظل تزايد المخاوف من تكرار ظاهرة «العزوف السياسي»، الذي حدثت طيلة الأسابيع الأربعة الماضية، وهي مخاوف جعلت خبر طرح رئيس الجمهورية مبادرة سياسية جديدة في كلمة يتوجه بها إلى التونسيين خلال الذكرى التاسعة لثورة 17 ديسمبر (كانون الأول) 2011 حدثاً تنتظره الساحة السياسية بشدة، وهو ما يُخفي تأزم المشهد والتخوف غير المسبوق من فشل الجزء الثاني من مفاوضات تشكيل الحكومة.
لماذا فشل الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة التونسية الجديدة؟
الجملي طلب مهلة شهر إضافي دون وجود ضمانات حقيقية تؤكد أنه سينجح في مهمته
السبت 14 ديسمبر 2019
تونس: المنجي السعيداني
طلب الحبيب الجملي، رئيس الحكومة المكلف، من الرئيس التونسي قيس سعيد تمديد المهلة الدستورية المخصصة لتشكيل الحكومة لشهر آخر، مؤكداً أنه «في حاجة لمهلة إضافية»، حتى إن لم تلح في الأفق علامات تؤكد أنه سينجح في مهمته خلال الشهر الإضافي المنشود. وبحلول يوم غد (الأحد)، سيكون الجملي قد قضى شهراً كاملاً في التشاور والتفاوض مع مختلف الأطراف السياسية والشخصيات الوطنية، وعدد من الخبراء من تونس وخارجها، لكن أمله في جمع الأفرقاء، وتشكيل حكومة تحظى بدعم سياسي واسع، تبخر بإعلان حزبي التيار الديمقراطي (يسار) وحركة الشعب (قومي) عن انسحابهما من المفاوضات المؤدية إلى تشكيل الائتلاف الحاكم الذي تتزعمه حركة النهضة (إسلامي)، وهذا ما جعل الجملي لا يجازف بإعلان أي تشكيلة حكومية، سواء حكومة كفاءات أو حكومة مصغرة، وذلك دون ضمان أكبر عدد من أصوات نواب البرلمان لصالحه. ومع بداية المهلة الجديدة (مدتها شهر واحد ينتهي منتصف شهر يناير المقبل)، يبقى السؤال الجوهري الذي يطرحه جل التونسيين: لماذا فشل الجملي في هندسة التشكيلة الحكومية؟ وهل الخلل يكمن في القيادات السياسية الباحثة عن تموقع سياسي دون التفكير في مصلحة الوطن أم أن الجملي نفسه بات جزءاً من المشكل، بالنظر إلى أنه عمد إلى توسيع المشاورات لتشمل كل الأطياف السياسية، حتى تلك التي لا وزن لها على المستوى السياسي، مما جعله يتوه في زحمة الجلسات، على حد قول بعض المتابعين للشأن السياسي المحلي؟
لكن المشكلة بدأت قبل ذلك بعدة أسابيع. فقد عبر أكثر من طرف سياسي واجتماعي (اتحاد الشغل) عن تحفظه على ترشيح الجملي من قبل حركة النهضة، الفائزة في الانتخابات البرلمانية، وشكك في استقلالية قراره عن «النهضة»، وقدرته على جمع الأضداد حول مشروع سياسي متكامل، خصوصاً أن ترشيحه جاء من قبل حركة النهضة التي لا تحظى بقبول سياسي من قبل عدد كبير من الأفرقاء السياسيين.
ويبدو أن فشل رئيس الحكومة المكلف، بحسب عدد من المحللين السياسيين، راجع إلى عدة أسباب: أولها حصول معظم الأحزاب الممثلة في البرلمان على عدد ضعيف من المقاعد البرلمانية، مقارنة بانتخابات 2014، حيث حصلت حركة النهضة، الحزب الفائز بالمرتبة الأولى، على 52 مقعداً برلمانياً، علماً بأنها مطالبة ببلوغ 109 أصوات للحصول على الأغلبية المطلقة التي تخول المصادقة على الحكومة. غير أن الجملي نفسه يطمح في تجاوز هذه الأغلبية، وتحقيق أكثر من 150 صوتاً من إجمالي 217 مقعداً في البرلمان التونسي.
وبالمقارنة مع انتخابات 2014، فقد حصلت النهضة على 69 مقعداً برلمانياً، فيما حصل حليفها السياسي (حزب النداء) على 86 مقعداً، مما مكنهما معاً من بلوغ 135 صوتاً داخل البرلمان، كما تمكنا عبر «سياسة التوافق» بين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي من خلق أرضية تعايش سياسي.
وبعد الإعلان عن نتائج انتخابات 2019، وقبيل انطلاق المشاورات التي بدأها الجملي، حاولت «النهضة» التحاور مع الأحزاب السياسية القريبة من توجهاتها السياسية والآيديولوجية، غير أن تلك الأحزاب وضعت سلسلة من الشروط التعجيزية التي لا يمكن أن توافق عليها الحركة، خصوصاً بالنسبة للتيار الديمقراطي الذي يتزعمه محمد عبو، والذي تمسك بالحصول على 3 حقائب وزارية (الداخلية والعدل والإصلاح الإداري). أما حركة الشعب التي كان مرشحة للمشاركة في الائتلاف الحاكم، فقد حاولت القفز على نتائج انتخابات 2019، بالمرور مباشرة إلى «حكومة الرئيس»، أي أن الرئيس يعين رئيس حكومة، عوضاً عن الترشيح الذي يقدمه الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية، وهو ما رفضته حركة النهضة بشدة. وعلاوة على ذلك، فإن بقية الأحزاب التي كان من الممكن أن تشارك في الائتلاف الحاكم رفعت «اللاءات» منذ البداية ضد حزب «قلب تونس» (38 مقعداً برلمانياً) بسبب شبهة الفساد التي تلاحق رئيسه نبيل القروي، وهو ما جعل هذا الحزب مستبعداً من قبل جل الأحزاب السياسية.
أما الحزب الدستوري الحر (17 مقعداً برلمانياً)، الذي تتزعمه عبير موسي القيادية السابقة في حزب التجمع، فيعد «مستبعداً»، خصوصاً من قبل حركة النهضة، بسبب ماضيه السياسي المرتبط بحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل (حزب بن علي)، كما أن خطابه الرافض لبعض الأحزاب ذات النفس الثوري، مثل «التيار الديمقراطي»، يجعل إمكانية التعايش السياسي معه صعبة، إن لم تكن مستحيلة، بحسب مراقبين.
وبخصوص التوقعات المستقبلية التي قد تطبع المشهد السياسي المقبل، قال زهير المغزاوي، رئيس حركة الشعب، لـ«الشرق الأوسط» إن عجز الحبيب الجملي عن تشكيل الحكومة «يخفي وراءه مسؤولية حركة النهضة عن النتائج السلبية التي عرفتها خلال فترة حكمها مع شركائها السياسيين منذ سنة 2011»، مبرزاً أن ذلك يهدر الوقت على التونسيين الذين «انتظروا طوال شهر كامل لمعرفة مصير الحكومة المقبلة»، وأن مقترح «حركة الشعب» يظل هو «الحل الأمثل»، على حد تعبيره.
وكانت بعض التسريبات الأولية قد توقعت أن يعين الرئيس قيس سعيد «الشخصية الأقدر» على تشكيل حكومة جديدة، في حال الإقرار بالفشل في تشكيل حكومة بعد مرور شهرين متتاليين، مشيرة إلى إمكانية العودة إلى يوسف الشاهد، رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية، الذي يواصل عمل الحكومة ويدشن المشاريع ويعين المسؤولين في الحكومة خلال هذه الفترة الزمنية، بما ينبئ بأنه معني بمواصلة رئاسة الحكومة حتى الرمق الأخير.
وكان قيس سعيد قد حمله (الشاهد) بعض الرسائل السياسية إلى كل من الجزائر وفرنسا، إثر إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية في الدور الثاني أمام نبيل القروي، وهو ما رجح هذه التوقعات بقوة. |
|