|
|
التاريخ: كانون الأول ٦, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
غياب الثقة يقوّض فرص حل الأزمة العراقية |
بغداد: فاضل النشمي
إذا جاز تلخيص الأزمة السياسية التي يمر بها العراق، فلن يجد المراقب عنواناً أدق من عامل غياب الثقة الذي يطرح علامات استفهام حول إمكانية تحقيق انفراجة عاجلة في الأزمة الراهنة بين قوى السلطة والحراك الاحتجاجي.
فالحديث عن انكسار «جرّة» الثقة بين المواطنين العراقيين وحكامهم وقواهم السياسية، تأكد عبر المظاهرات التي انطلقت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وهو لا يأتي من باب التهويل الإعلامي الذي يرمي إلى تعميق الفجوة بين المواطنين، ويهدف إلى وضع القوى السياسية دائماً في مرمى الاستياء الشعبي، بل يجد هذا الحديث صداه في أحاديث كثيرة لزعماء سياسيين كشفوا بصراحة ووضوح عن ذلك الخلل القاتل في العلاقة بين الشعب والسلطات.
وتحدث رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي نهاية أكتوبر الماضي عن «فقدان الثقة الشعبي العميق بالعملية السياسية»، ووصفها بـ«الأضحوكة الكبرى». أما زعيم حزب «الدعوة» و«ائتلاف دولة القانون» الذي شغل منصب رئاسة الوزراء لدورتين متتاليتين نوري المالكي، فقد قال في مارس (آذار) 2014، في مقابلة تلفزيونية، إن «هذه الطبقة السياسية وأنا منهم، ينبغي ألا يكون لها دور في رسم خريطة العملية السياسية في العراق؛ لأنهم فشلوا فشلاً ذريعاً». وأضاف: «ينبغي أن يبرز جيل آخر بخلفية الوعي لما حصل وخلفية الأخطاء التي ارتكبوها (الساسة)».
واعترف زعيم تحالف «الفتح» التابع لـ«الحشد الشعبي» هادي العامري في يوليو (تموز) 2018، علناً بالفجوة بين الشعب والقوى السياسية نتيجة تقصير الأخيرة على المستويات كافة. وقال في مؤتمر عقد حينذاك: «أعترف بأنني أول من قصّر بحق هذا الشعب، وأطلب منه المسامحة عما جرى منا، أنا أقدّم ذنوبي أمامكم، أعترف أننا قصرنا بحق هذا الشعب، وعليه أن يعفو عنا».
غير أن مطلب بروز «جيل آخر» الذي طالب به المالكي يصطدم اليوم وبقوة بحالة الممانعة التي تبديها قوى السلطة حيال مطالب المتظاهرين وتمسك تلك القوى بمكتسباتها وعدم إبداء المرونة الكافية للتوصل إلى صيغة اتفاق ينهي حالة الانسداد شبه التام التي تعاني منها البلاد.
ففي مقابل مطالب المحتجين المتمثلة بتعديل قانون الانتخابات بما يخدم عملية تمثيل عادلة للمواطنين وتأسيس مفوضية مستقلة للانتخابات، وصولاً إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، تتمسك قوى السلطة باستمرار عمل الدورة البرلمانية الحالية وإجراء الانتخابات العامة بعد انتهائها في عام 2022.
ويرى عدد غير قليل من المراقبين، أن انعدام الثقة بين المتظاهرين وقوى السلطة هو حجر الأساس الذي تستند إليه حالة الانغلاق الراهنة، ما قد يضعف في النتيجة الأخيرة إمكانية أن تشهد البلاد حلاً قريباً لأزمتها.
ويعبر الناشط محمد الربيعي عن حالة عدم الثقة بين المتظاهرين وقوى السلطة بالقول: «المشكلة أننا لا نثق بهم مطلقاً حتى لو قاموا بإجراءات صحيحة، وهو أمر مستبعد بالنسبة لنا». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن «انعدام الثقة بيننا وبينهم لم تحدث بين يوم وليلة، إنما يشهد لها تاريخ ممتد لعقد ونصف العقد من سوء الإدارة والفساد والأكاذيب المتواصلة. لن نخسر شيئاً في النهاية وسنستمر لحين تحقيق المطالب، وهم من سيخسر في النهاية».
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، إياد العنبر، أن «أزمة الثقة بين جمهور الاحتجاجات والحكومة والقوى السياسية الداعمة لها تتوسع يومياً». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن تعالي الحكومة عن مطالب المتظاهرين، ومحاولتها تحريف مسار المطالب من استقالة الحكومة إلى الوعود بتعديل وزاري والحديث عن حزم إصلاحات، والاستمرار باستخدام العنف ضد المتظاهرين، زاد الموضوع تعقيداً».
ويعتقد العنبر، أن مشكلة الثقة بين الجمهور من جانب والقوى السياسية من جانب آخر «ليست نتاج المظاهرات الحالية، وإنما هي تراكم لانفصال الطبقة السياسية عن الجمهور. ولعل أكثر مظاهر ذلك تدني نسبة المشاركة في انتخابات مايو (أيار) 2018، لكن المنظومة السياسية لم تستجب لجرس الإنذار آنذاك».
واعتبر أن «حل مشكلة عدم الثقة يبدأ من خلال تحويل مطالب المتظاهرين إلى ما يشبه الإجماع الوطني لتصحيح مسار شرعية النظام السياسي، وذلك من خلال تشريع قانون انتخابات يضمن التمثيل العادل، وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة حقيقية لا مجرد عنوان. وعلى كل حال، لا شك في أن مسار التحول المرجو صعب ولا يبدو قريب المنال في ظل انعدام الثقة الشعبي الكامل بالجماعة السياسية». |
|