|
|
التاريخ: تشرين الثاني ٢٢, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
إصرار جنبلاط وجعجع على عدم المشاركة يفقد الحكومة صفتها الجامعة |
بيروت: محمد شقير
يقول مصدر وزاري يواكب عن كثب الاتصالات الجارية لإخراج عملية تشكيل الحكومة الجديدة من التأزّم السياسي الذي يدخل أسبوعه الرابع بأنه من غير الجائز اتهام رئيس الجمهورية ميشال عون بمخالفة الدستور على خلفية عدم دعوته الكتل النيابية للمشاركة في الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف تأليف الحكومة العتيدة، ويعزو السبب إلى خلوّ الدستور من أي نص يُلزمه القيام بهذه الاستشارات فور استقالة رئيس الحكومة.
لكن عدم توجيه التهمة لرئيس الجمهورية بمخالفة الدستور لا يعفيه من مسؤوليته حيال التأخّر في دعوة الكتل النيابية لإنجاز الاستشارات، خصوصا أن البلد يمر في أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة تستدعي منه الإسراع في إعادة الانتظام إلى مؤسسة مجلس الوزراء للقيام بدوره في توفير الحلول لهذه الأزمة العاتية التي بلغت ذروتها فور استقالة الحكومة.
ويرى المصدر الوزاري أن من حق رئيس الجمهورية أن يبدي وجهة نظره لجهة تحديد رؤيته للتركيبة الوزارية، وذلك أسوة بالأطراف السياسية الأخرى التي كانت أدلت بدلوها في هذا الخصوص، ويعتبر أن ما صدر عنه لا يُلزم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة. ويضيف أن الرئيس الحريري كان أول من أبدى وجهة نظره واقترح تشكيل الحكومة من اختصاصيين لفترة زمنية انتقالية لعلها تتمكن من إحداث صدمة سياسية تحاكي من خلالها «الحراك الشعبي»، وتتوجّه إلى المجتمع الدولي لطلب مساعدة لبنان للنهوض من أزمته المالية والاقتصادية من جهة وتشكّل رافعة سياسية لإعادة تعويم مقررات مؤتمر «سيدر» التي يراد منها التأسيس لإنقاذ البلد من هذه الأزمة.
إلا أن وجهة نظر الحريري هذه قوبلت باعتراض من «الثنائي الشيعي» الذي يتشكّل من حركة «أمل» و«حزب الله» تناغماً مع موقف مماثل لرئيس الجمهورية وتلاقياً حول تشكيل حكومة مختلطة من سياسيين وتكنوقراط مطعّمة بممثلين عن «الحراك الشعبي».
وفي هذا السياق، يسأل المصدر الوزاري إذا كان البديل لوجهة نظر الحريري يتراوح بين تشكيل حكومة تكنوسياسية وأخرى من لون واحد في حال تعذّر التوافق على حكومة مطعّمة. ويقول إن الاتصالات لم تنقطع وأن قنوات الاتصال التي تؤمن استمراريتها ما زالت قائمة وإن كانت تجري في معظمها من خلال وسطاء يتنقلون بعيداً عن الأضواء بين الرؤساء الثلاثة، ويؤكد أن الحريري ليس من الذين يقفلون الأبواب في وجه المشاورات الجارية لأن التواصل، خصوصاً في ظل التأزم السياسي والاقتصادي، أكثر من ضرورة لعله يدفع باتجاه التوافق على مخرج للتغلُّب عليه حتى لو ارتأى ألا يكون على رأس الحكومة لما يتمتع به من ثقل ميثاقي وعلاقات دولية وإقليمية يعمل لتوظيفها لإنقاذ البلد.
ويلفت المصدر الوزاري إلى أن الخيار البديل في حال تعذُّر تشكيل حكومة من اختصاصيين يكون في حكومة تكنوسياسية، وهذا ما يفتح الباب أمام السؤال عن إمكانية توفير الغطاء السياسي لمثل هذا النوع من الحكومات والذي لن يتأمّن إلا بتوسيع المشاركة فيها بما يسمح بأن تكون جامعة لئلا تولد معطوبة وتتحوّل إلى حكومة من لون واحد.
ويرى أن الوقوف على رأي الرئيس الحريري في تسمية الرئيس المكلف لقطع الطريق على تكليف شخصية استفزازية بات ضرورياً، وهذا باعتراف معظم الأطراف المعنية بولادتها وقد لا يكون كافياً في حال إصرار رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على قراره بعدم المشاركة فيها والأمر نفسه ينسحب على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
ويعتبر أن صمود جنبلاط وجعجع على موقفهما من شأنه أن يُفقد هذه الحكومة صفتها الجامعة ويقدّمها للرأي العام على أنها من لون واحد، خصوصا أن دعم الحريري لتسمية الرئيس المكلف بالتوافق مع القوى السياسية الرئيسية لا يؤمن لها الميثاقية في غياب حليفيه عنها، إضافة إلى أن دعمه لا يعني بالضرورة أن يتمثّل فيها تيار «المستقبل» انسجاماً مع قناعته بأن تتشكل من اختصاصيين، فكيف سيكون موقفه في ضوء القرار النهائي لجنبلاط وجعجع برفضهما أي حضور لهما في هذه الحكومة.
وبكلام آخر، فإن حكومة من هذا النوع سيتم التعاطي معها على أنها من لون واحد لأن المشاركة فيها - بحسب المصدر الوزاري - ستقتصر على أحادية مسيحية محصورة بحصة رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» في ظل غياب «القوات» و«حزب الكتائب» عنها، وأيضاً على أحادية درزية يمثلها النائب طلال أرسلان في مقابل حضور مميز لـ«الثنائي الشيعي». ناهيك من أن حضور «المستقبل» فيها لن يكون محسوماً لشعوره بأنه سيكون وحيداً في مواجهة الآخرين، وبالتالي ستولد مثل هذه الحكومة وهي ناقصة التمثيل وتفتقد إلى الميثاقية.
ويبقى السؤال، إذا كانت هذه الحكومة هي الوجه الآخر لحكومة اللون الواحد، فهل يوافق رئيس المجلس النيابي نبيه بري على أن يتمثل فيها وهو لا يزال يتمسك بتسمية الحريري لتشكيل الحكومة ويقف ضد أي تشكيلة وزارية يشتم منها بأنها تمثل فريق دون الآخر؟
كما أن «حزب الله» لا يحبّذ تشكيل حكومة من «لون واحد» وهذا ما كان كرره المعاون السياسي لأمينه العام حسين خليل في لقاءاته مع الحريري، مؤكداً في نفس الوقت أن الوضع في البلد لا يحتمل تشكيل حكومة مواجهة.
وعليه كيف سيتصرف الرئيس بري في حال توزّعت مروحة الضغوط بين الداخل والخارج لتأليف حكومة أمر واقع؟ وهل سيصمد «حزب الله» على موقفه الذي كان أبلغه للحريري؟ وأين يقف رئيس الجمهورية باعتبار أن حكومة من هذا القبيل ستقحم البلد في مواجهة سياسية؟ إضافة إلى أنه يفتتح النصف الثاني من ولايته الرئاسية بحكومة تكون أشبه بمجلس إدارة يتولى إدارة الأزمة، فيما يبقى السؤال عن أي «حراك شعبي» يتمثل فيها؟ |
|