التاريخ: تشرين الثاني ٦, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
الجزائر: طلاب الجامعات يتظاهرون ضد «تطويع القضاء»
القضاء الجزائري يسجن وزيرة سابقة بشبهات فساد
الجزائر: بوعلام غمراسة
ندد العشرات من طلاب الجامعات الجزائرية، أمس، خلال مظاهراتهم الأسبوعية بقانون المحروقات، الذي كانت الحكومة تعرضه على البرلمان في نفس الوقت، وطالبوا بإلغاء انتخابات الرئاسة المقررة في 12 من الشهر المقبل، ووصفوا المرشحين الخمسة لها بـ«العصابات»، مؤكدين دعمهم للقضاة في صراعهم مع الحكومة.

وهاجم الطلاب في المظاهرات، التي نظموها بالقرب بالبرلمان وزير العدل بلقاسم زغماتي الذي يبحث، حسبهم، عن «تطويع جهاز القضاء لمصلحة العصابة»، في إشارة إلى صراعه منذ أسبوع مع مئات القضاة المضربين بسبب حركة تغييرات طالت المناصب، وأثارت سخطهم الشديد.

واستنكر المتظاهرون استمرار اعتقال عشرات المتظاهرين، وإدانة بعضهم بالسجن مع التنفيذ، وأظهروا دعما للقضاة المضربين، علما بأن عدة رفاق لهم جرى إيداعهم السجن من طرف قضاة التحقيق بعدة محاكم، إثر مظاهرات جرت في الأسابيع الماضية. وجابت المظاهرات أغلب شوارع العاصمة، ونظمها أيضا الطلاب في المدن الكبيرة، حيث توجد كليات ومدارس عليا كوهران بالغرب وقسنطينة بالشرق، وتيزي وزو بمنطقة القبائل.

في غضون ذلك، رفع نواب المعارضة بالبرلمان أمس، لافتات بداخله منددة بقانون المحروقات، الذي «تسعى حكومة غير شرعية إلى فرضه إرضاء لشركات نفطية عالمية»، بحسب تعبيرهم.

وتضمن عرض القانون، الذي قدمه وزير الطاقة محمد عرقاب بالبرلمان، أمس، تسهيلات للشركات النفطية العالمية، تتمثل في تقاسم الإنتاج أساسا. ويهدف هذا المسعى إلى استقطاب الاستثمارات في ميدان المحروقات، بالنظر لتراجع الإنتاج في المدة الأخيرة.

وقال عرقاب إن «اكتشاف احتياطيات بترولية وغازية جديدة أصبح ضرورة ملحة ومستعجلة بالنسبة للجزائر، وهو ما يتطلب إطارا قانونيا ملائما لذلك، والنص الذي اقترحته الحكومة يرمي إلى استعادة المكانة الدولية المرموقة، التي عرفتها الجزائر في سوق الطاقة العالمية خلال التسعينات، وذلك بفضل المزايا التي كان يمنحها قانون المحروقات لسنة 1986 لشركة سوناطراك (المملوكة للدولة) وشركائها».

وذكر الوزير بينما كان نواب المعارضة يحتجون عليه أن الجزائر «ظلت بعد تعديل هذا القانون سنة 1991 بلدا يستقطب الاستثمارات الأجنبية، إذ تمكنت الدولة من جذب 30 شريكا أجنبيا وقعت معهم سوناطراك 50 عقدا في البحث والإنتاج، وما زالت العقود سارية». مشيرا إلى أن الاستثمار الأجنبي في مجال المحروقات عرف تراجعا منذ تعديل القانون في 2005 «ولذلك كان لا بد من مراجعة جديدة للقانون ليكون أكثر جذبا».

وأضاف الوزير موضحا «ما يجعل تعديل قانون المحروقات الجديد ضرورة هو تراجع نشاط الاستكشاف النفطي في البلاد، في ظل عدم قدرة سوناطراك على تحمل الأعباء الضخمة لهذا النشاط، وفي الوقت الذي يعرف فيه الطلب الداخلي على الطاقة ارتفاعا غير مسبوق، وتعرف فيه السوق الأوروبية منافسة شرسة يفرضها كبار المنتجين».

مبرزا أن «نفور الشركات الأجنبية من الاستثمار، في نشاط الاستكشاف النفطي بالجزائر، أدى إلى ارتفاع الاستثمارات السنوية المتوسطة، التي تتحملها سوناطراك في مجال البحث والاستكشاف، من 370 مليون دولار ما بين سنوات 2000 و2009 إلى 1.67 مليار دولار ما بين 2010 و2016».

ونقلت قنوات جزائرية خاصة مشاهد لنواب من المعارضة رافعين لافتات، بينها واحدة كتب عليها «الجزائر ليست للبيع».

والقانون الذي يضم 238 مادة، وسيتم التصويت عليه في 14 من الجاري، يراجع الإطار القانوني والضريبي الذي يطبق على هذا القطاع في الجزائر بحسب وكالة الأنباء الجزائرية. لكن بعض المراقبين يرون أن هذا القانون الجديد يرمي إلى تليين الإطار القانوني والضروري الملزم للغاية، وغير المحفز الذي ساهم في إبعاد المستثمرين الأجانب من الجزائر، وسط تراجع متواصل منذ نحو 15 عاما لإنتاج المحروقات الوطني (النفط والغاز) وانخفاض الأسعار. وفي المقابل يستمر الاستهلاك الوطني في الارتفاع، ما يحد من الصادرات (تشكل 95 في المائة من إيرادات البلاد الخارجية)، وهو ما يجعل من الضروري البحث عن حقول جديدة. ومنذ أسابيع يردد المتظاهرون شعارات منددة بقانون المحروقات.

في غضون ذلك، أعلنت وزارة العدل الجزائرية أمس فتح تحقيق بشأن صدامات جرت، إثر تدخل قوات الأمن ضد قضاة مضربين داخل محكمة في وهران.

وأفادت الوزارة في بيان بأنها أمرت «بإجراء تحقيق معمق حول ما جرى بهدف تحديد المسؤوليات، ولمنع تكرار مثل هذه الأفعال، التي من شأنها المساس بسمعة القضاء».

واقتحمت قوات الأمن الأحد مجلس قضاء وهران لمحاولة فض إضراب قضاة اعتصموا داخل المحكمة، ما أدى إلى وقوع صدامات بحسب مشاهد بثتها مواقع إخبارية. وكان المضربون يريدون منع تنصيب قضاة جدد، عيّنوا حديثا في إطار حركة تغيير أجرتها وزارة العدل وشملت نصف الجسم القضائي. وقد أثار هذا التبديل المفاجئ لثلاثة آلاف قاض في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إضرابا «مفتوحا» غير مسبوق في هذا السلك، الذي يعرف بانصياعه للسلطة، ما شل محاكم الجزائر بصورة شبه تامة.
 
وحمّلت الوزارة القضاة المسؤولية بشكل ضمني في بيانها، مبدية أسفها لوقوع صدامات «ما كانت لتحصل» لو «تحلى الجميع بالاتزان وبالتحكم في النفس».

القضاء الجزائري يسجن وزيرة سابقة بشبهات فساد
خليدة تومي ارتبط اسمها بالنضال من أجل حرية المرأة وكانت قريبة من بوتفليقة

الثلاثاء 05 نوفمبر 2019 

الجزائر: بوعلام غمراسة

أمرت المحكمة العليا في الجزائر أمس بإيداع وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، الحبس المؤقت في سجن الحراش بضواحي العاصمة. وكانت تومي قد تلقت مثلت أمس أمام المحكمة العليا بعد استدعائها للتحقيق معها، في إطار امتياز التقاضي، الذي تحظى به بصفتها وزيرة سابقة (2002-2014). وركزت تحقيقات المحكمة على أوجه إنفاق المال العام خلال تنظيم عدد من التظاهرات الخاصة، حسبما أفادت تقارير إعلامية محلية.

ويأتي استجوابها في ظل حملة تقودها السلطات منذ شهور ضد متهمين بالفساد، وهي حملة أدت إلى سجن عدد من الوزراء من فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

وأكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» أن القاضي المستشار المكلف بالتحقيق في قضايا الفساد، بالمحكمة العليا، طرح أسئلة على تومي تتعلق بتسيير الحسابات المالية لوزارة الثقافة، والإنفاق على تظاهرات ثقافية وفنية عدت مكلفة بالنسبة إلى خزينة الدولة، منها: «الجزائر عاصمة الثقافة العربية» (2007)، و«تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية» (2011).

واستمر التحقيق مع تومي (61 سنة) إلى آخر النهار، قبل الكشف عن صدور الحكم بإيداعها السجن ليل أمس.

وكانت صحيفة «الوطن» الفرنكفونية قد ذكرت، الأسبوع الماضي، بموقعها الإلكتروني، أن الشرطة اعتقلتها لعرضها على قاضي التحقيق. غير أنها سحبت الخبر، بناء على اتصال من تومي التي نفت اعتقالها، كما نفت في وقت سابق أخباراً عن «هروبها» إلى فرنسا بعدما شعرت بأنها مستهدفة.

وارتبط اسم تومي بالنضال من أجل حرية المرأة والديمقراطية في ثمانينات القرن الماضي. وأصبحت بعد وصول بوتفليقة إلى الحكم من أقرب المسؤولين إليه.

وعادت تومي إلى الواجهة بعد اعتقال لويزة حنون، زعيمة «حزب العمال»، في 9 مايو (أيار) الماضي. فقد شاركت في تجمع للمطالبة بإطلاق سراحها، وكانت تجمعهما «صداقة سياسية» قوية.

ونددت تومي بشدة بسجن حنون من طرف القضاء العسكري الذي اتهمها بـ«التآمر على الجيش» و«التآمر على سلطة الدولة»، وأدانها بـ15 سنة سجناً في 24 سبتمبر (أيلول) الماضي. ولقي المصير نفسه السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، ومديرا المخابرات السابقان الفريق محمد مدين، المدعو «الجنرال توفيق»، واللواء عثمان طرطاق، المدعو «بشير». يشار إلى أن المحكمة العليا سجنت مسؤولين كباراً ورجال أعمال بارزين في عهد بوتفليقة بتهم فساد، أبرزهم رئيسا الوزراء السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال.

وفي غضون ذلك، طالب يسعد مبروك، رئيس نقابة القضاة، خلال مظاهرة بالمحكمة العليا، أمس، بتنحية وزير العدل بلقاسم زغماتي الذي حمله مسؤولية أعمال العنف التي وقعت بمجلس قضاء وهران، إثر تدخل قوات مكافحة الشغب (التابعة للدرك) إلى حرم المحكمة لإنهاء حالة الإضراب به.

وأكد مبروك، الذي كان محاطاً بقضاة يعملون بهيئات قضائية كبيرة، أن «استعمال القوة تسبب في إصابة قضاة بجروح متفاوتة الخطورة»، وقال: «نتمسك بحقنا في اتخاذ التدابير القانونية المناسبة ضد المسؤولين عن المهزلة التي وقعت بوهران».

يشار إلى أن الإضراب بدأ، الأربعاء الماضي، كاحتجاج على عملية نقل واسعة للقضاة، شملت قرابة 3 آلاف قاضٍ من أصل 6700. وصرح زغماتي بأن العملية «تندرج في سياق الحرب على شبكات الفساد». وكان يقصد، بحسب مراقبين، أن قضاة ضالعون في ملفات فساد قادت إلى السجن كثيراً من وجهاء النظام، ممن يسميهم رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، «العصابة».

وشوهد أمس رجال أمن بأعداد كبيرة بمحكمة سيدي امحمد، وهي أكبر المحاكم الست التي توجد بالعاصمة، في أثناء تنصيب رئيستها الجديدة التي جاءت بها التغييرات الأخيرة. وتم منع القضاة المضربين بالمحكمة من القيام بأي نشاط يحول دون تسلمها مهامها.