|
|
التاريخ: تشرين الثاني ٢, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
وزير سوداني: أبعدنا رموز النظام المعزول ونعمل على تفكيك «الدولة العميقة» |
الخرطوم: أحمد يونس ومحمد أمين ياسين
قال وزير الصناعة والتجارة السوداني، مدني عباس، لـ«الشرق الأوسط» إن وزارته، مثلها مثل بقية الوزرات، أبعدت العديد من رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير، من أجهزة الدولة، وهي لا تزال تعمل على تصفية «الدولة العميقة» وإعادة هيكلة التنقلات والتبديلات في الخدمة المدنية، باعتبار أن ذلك هو أحد أهم تطلعات المواطنين وشعاراتهم في الثورة التي أطاحت بنظام البشير وتفكيك دولته التي استمرت لثلاثين عاماً، مكنته مع أتباعه من الهيمنة الكاملة على أجهزة الدولة.
قال مدني إن «الدولة العميقة ليست في وجود منسوبي النظام البائد في مؤسسات الدولة وأجهزتها فحسب، بل في الكثير من القرارات التي كانت تتخذ من خارج إطار الدولة، ما خلق بيئة عمل غير مناسبة، ووجود عاملين محدودي الكفاءة والأداء لا يتناسب مع التحديات التي تواجه البلاد». وأوضح مدني أن العلاج ليس إخراج عناصر النظام السابق من مواقع المسؤولية فحسب، رغم أن وجودهم يستنزف موارد الدولة، بل مواجهة جذور المشكلة التي أدت إلى خلخلة قواعد الخدمة المدنية بشكل كامل ما جعل دورها محدوداً للغاية. وأضاف «المشروع الآن ليس إصلاح الدولة، بل إعادة بنائها ومؤسساتها. وبالفعل، توافقت الحكومة الانتقالية على إرساء مفاهيم الحوكمة وإعادة بناء مؤسسات الدولة من جديد».
وأشار الوزير إلى قرب صدور مرسوم وزاري يعيد لوزارة الصناعة والتجارة الصلاحيات التي جردت منها إبان النظام السابق، خلال تطبيق سياسات «التحرير الاقتصادي»، ما ألغى دورها في ضبط الأسواق وتحديد أسعار السلع، إضافة إلى أن الحكم الفيدرالي زادها ضعفاً بأيلولة الكثير من الصلاحيات لحكومات الولايات، دون مراعاة لدورها الرئيسي والمحوري في الاقتصاد السوداني. وأشار مدني إلى إشكاليات تواجه عمليات التصدير والاستيراد موروثة من النظام المعزول، تتمثل في السجلات الوهمية – بعضها مسجل بأسماء أطفال -، وتأجير سجلات الاستيراد والتصدير، واستخدام أسماء غير عاملة في مجال الصادر والوارد.
مراجعة السجلات
أوضح مدني، الذي أثار تكليفه بالوزارة الحساسة جدلاً كثيفاً، أن الكثير من عمليات تحصيل عائدات الصادر تعد شكلا من أشكال التحايل، ما يجعل من محاولات استعادتها غير ذات جدوى، قبل مراجعة السجل التجاري، وتحقيق الربط الإلكتروني بين الجهات المعنية بعملية التجارة، ووقف السجلات الورقية التي تعد أحد المداخل الرئيسية للتلاعب والتحايل، موضحاً أن تفعيل التجارة الداخلية والخارجية لن يتحقق استنادا على الأفراد، بل سيتم بتطوير نظم الإدارة والحوكمة.
ووصف مدني السجلات الموجودة لعمليات الصادر والوارد بأنها غير مقنعة لأن التهريب المقنن يعد نافذة كبيرة مفتوحة لاستيراد وتصدير السلع في البلاد، وقال «لهذا لا يمكن اعتماد الأرقام المتاحة لأنها غير دقيقة ولا يعتمد عليها، قبل مكافحة عمليات التهريب». وأعلن مدني تكوين «المجلس القومي لتنمية الصادرات» الذي تشارك فيه وزارات القطاع الاقتصادي كافة، ليقوم برسم سياسات الصادر، وينتظر اكتمال تكوينه الأسبوع المقبل بالتزامن مع بدء موسم صادر الحبوب الزيتية في مطلع الشهر الجاري، ويهدف إلى إزالة العوائق أمام الصادرات وتشجيعها وتحفيز المصدرين على إعادة دخل الصادر إلى النظام المصرفي السوداني.
وقال مدني «لا يمكن أن نفرض على المصدرين آليات تحول دون حصولهم على أموالهم، لكننا نعمل على إقرار قواعد تحفز المصدرين على إعادة أموالهم طواعية» إلى البلاد. وتابع «الدولة تسعى إلى إعادة الثقة في الجهاز المصرفي، وفي الوقت ذاته اتباع سياسات لا تتغول على حقوق المصدرين». وبحسب الوزير فإن وزارته تعمل على مراجعة قوانين الاستثمار، بما يجعله جاذبا ويعود بفوائد للدولة. وقال «هناك الكثير من المستثمرين يمارسون عمليات تجارية وإنتاجية، لكنها لا تضيف للاقتصاد السوداني أي شيء، وبعضها يأتي برؤوس أموال ضعيفة تستفيد من تمويل البنوك السودانية».
ولمواجهة الاستثمارات غير المجدية، يرى مدني أهمية جذب مستثمرين يشكلون إضافة حقيقية للاقتصاد، بدفعهم للاستثمار في القطاعات التي تلبي حاجة البلاد، بما في ذلك تشغيل العمالة السودانية. وفي تفسيره لإيقاف صادرات الماشية للمملكة العربية السعودية بناء على تقارير من وزارة الصحة، قال مدني: «وزارة الصحة أبلغت منظمة الصحة العالمية عن وجود حالات للإصابة بحمى الوادي المتصدع، بعد أن أطلعت عليها الحكومة»، وتابع: «ربما يترتب على ذلك خسائر اقتصادية على المدى القصير، لكنها تضفي مصداقية على السوق السوداني على المدى البعيد».
وتعهد مدني بالجلوس مع تجار المواشي لدراسة تخفيف الأضرار التي تكبدوها، والتواصل مع الدول المستوردة من أجل عودة صادرات الماشية التي تعد مهمة جداً لاقتصاد البلاد. وأوضح الوزير أن الصناعة في السودان تواجه العديد من العوائق، أولها القوانين والتشريعات، وارتفاع تكلفة الإنتاج الصناعي الذي تلعب فيه الطاقة الدور الأكبر، لأن الكثير من المصانع تلجأ لاستخدام وقود الجازولين لانقطاع التيار الكهربائي، ما يرفع الكلفة كثيرا، فضلاً عن المسائل المرتبطة بهجرة العمالة الماهرة، وجودة التعليم الفني اللتين تؤثران على الإنتاج الصناعي وجودته.
وانتقد مدني ما أسماه إغراق الأسواق المحلية بالسلع الرخيصة، وأثرها على الإنتاج المحلي، وفرض ضرائب باهظة على المصنعين، وتضارب القوانين، قائلاً إنها دفعت الكثير من المستثمرين في الصناعة إلى التوقف عن العمل.
وتعهد الوزير بالعمل على صياغة قوانين تحمي المصنعين وتدعمهم، وتساعد على تشجيع الصناعة المرتبطة بتوفير المواد الخام المحلية، وتشجع وتحمي الصناعة في البلاد. ووعد بمراجعة المشاكل التي أدت إلى توقف الكثير من المصانع، والسعي لتوفير بدائل للطاقة لتسهم في عودة القطاع الصناعي للعملية الإنتاجية.
وقال مدني إن وزارته ستعمل على دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها أساساً للنهضة الصناعية التي حدثت في العديد من البلدان، قائلاً إن «الصناعات الصغيرة مهمة في كل الجوانب، الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن إسهامها في زيادة نسب توفير العمالة». وينتظر بحسب الوزير، أن يتم تشجيع الصناعة في مناطق الإنتاج، وقال «الدولة تهتم بصناعة اللحوم والجلود والصمغ العربي والحبوب الزيتية، وصناعة النسيج، إضافة إلى الصناعات الناشئة والمتطورة مثل صناعة الحديد، والإسمنت، والأدوية، والمواد الغذائية، لأنها تساهم بشكل كبير في معالجة أمراض الاقتصاد».
التأسيس لنهضة سودانية
وأوضح مدني أن وزارته شرعت في إعداد «مسح صناعي» يساعد على وضع السودان أمام نهضة صناعية واضحة المعالم بنهاية الفترة الانتقالية، مؤكداً أنه «بنهاية الفترة الانتقالية سيكون في السودان مشروع نهضة صناعية واضح المعالم تتوفر فيه البيئة المناسبة للصناعة. فالصناعة في السودان للأسف تراجعت كثيراً، بل انتكست، لكن هناك الآن تركيز وتفهم وإرادة لتطويرها». وبشأن الصمغ العربي، أوضح مدني أن تصديره يواجه العديد من المشاكل، أولها أنه «يصدر في شكل مادة خام، وتعامل الدولة مع وسطاء يتحكمون في الأسعار، وليس المستهلك النهائي»، وتابع «السودان ينتج أكثر من 80 في المائة من إنتاج العالم من الصمغ العربي، لكن المشكلة التي تواجهه متعلقة بالسياسة والإدارة، ما يجعل من دخله من الصمغ العربي في حدود 100 مليون دولار، وهو أمر غير معقول». وأضاف «بدأنا النقاش مع الشركاء والمنتجين وإدارة الغابات والشركات للتعامل مع الصمغ العربي باعتبار أنه مشروع أمن قومي اقتصادي، بحاجة لوضع تصور متكامل». وكان من المقرر عقد مؤتمر للصمغ العربي في السودان، لكن تم تأجيله لأكثر من مرة، وقال الوزير «تأجيل مؤتمر الصمغ العربي الهدف منه خلق إجماع حوله بين الشركاء لتعظيم العائدات المرجوة منه. إذا لم يعقد المؤتمر بطريقة سليمة ستكون نتيجته وبالاً على السودان». وأشار إلى وجود كميات من السلع في الأسواق السودانية تدخل بطرق غير رسمية، دون ضبط جودة أو وجود لحماية المستهلك، وحذر من دخول سلع ذات جودة متدنية وغير مطابقة للمواصفات، وقد تسبب أضراراً بالمستهلك.
وقال مدني إن «الحكومة الانتقالية ورثت بيئة قانونية ضعيفة، لذلك هناك قانون لحماية المستهلك موضوع على طاولة مجلس الوزراء للإجازة، يفرض على التجار وضع ديباجات تحدد أسعار السلع بما يضعف أدوار الوسطاء الذين يتدخلون لرفع الأسعار». وأشار الوزير إلى جهود تبذلها وزارته لتوفير السلع الأساسية بأسعار التكلفة، وتعمل على تدخل الدولة عبر سياسات تعيد النظام التعاوني، وتسهم في قيام الجمعيات التعاونية، قائلاً «اتفقنا مع عدد من المصانع على توفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة، من أجل العودة للنظام التضامني في البلاد». وأوضح الوزير أن اقتصاد البلاد يعاني عيوباً هيكلية، لا يمكن حلها خلال فترة وجيزة، جزء منها مرتبط بتراجع سعر العملة الوطنية لصالح العملات الأجنبية، سيما وأن السودان يستورد أغلب احتياجاته من الخارج. |
|