التاريخ: تشرين الأول ٣٠, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
عبد المهدي يعرض «استقالة مشروطة»
رمى الكرة في ملعب الصدر والعامري بعد نحو شهر من احتجاجات الشارع العراقي
بغداد: حمزة مصطفى
بعد نحو شهر من الاحتجاجات التي أوقعت مئات القتلى والجرحى في العراق، أعاد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الكرة إلى ملعب زعيمي «التيار الصدري» مقتدى الصدر و«الفتح» هادي العامري، ودعاهما إلى الاتفاق على بديل له في رئاسة الوزراء، في خطوة بدت بمثابة «استقالة مشروطة». وفيما رفض عبد المهدي خطة الصدر المتعلقة بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف أممي، فإنه تعهد بتسليم منصب رئاسة الحكومة إلى أي بديل متفق عليه من قبلهما (الصدر والعامري) «في غضون ساعات».

وقال عبد المهدي، في رسالة طويلة إلى الصدر الداعم لكتلة «سائرون» البرلمانية التي حلت بالمرتبة الأولى في انتخابات العام الماضي، إنه «لا يكفي ذهاب رئيس مجلس الوزراء إلى البرلمان لإعلان الانتخابات المبكرة ليتحقق الأمر، بل هناك سياقات دستورية (المادة 64) يجب على رئيس مجلس الوزراء الالتزام بها». وأشار، في هذا الإطار، إلى أن «الانتخابات المبكرة تستدعي أن يوافق رئيس الجمهورية على طلب من رئيس مجلس الوزراء على حل البرلمان، والدعوة لانتخابات مبكرة خلال 60 يوماً، وهذا لن يتحقق إلا بتصويت مجلس النواب على حل المجلس بالغالبية المطلقة لعدد أعضائه، أي بأغلبية 165 صوتاً، وتعتبر الحكومة مستقيلة وتتحول إلى حكومة تصريف أعمال يومية».

وأشار عبد المهدي مخاطباً الصدر: «إذا كان هدف الانتخابات تغيير الحكومة فهناك طريق أكثر اختصاراً وهو أن يتفق سماحتكم مع الآخر (هادي) العامري لتشكيل حكومة جديدة، وعندها يستطيع رئيس مجلس الوزراء تقديم استقالته وتسليم الحكومة الجديدة مهامها خلال أيام إن لم نقل ساعات من تحقق هذا الاتفاق». وتابع أن «الكتل السياسية ستتعاون بشكل واسع لتحقيق التصويت اللازم»، إلا أنه قال إن «الانتخابات المبكرة مجهول أمرها. فمتى سيتسنى إجراؤها؟ وهل سيتم الاتفاق على كامل شروطها؟ وهل ستأتي نتائجها حاسمة؟ وغيرها من أمور قد تتركنا أمام مجاهيل كبيرة».

وحذّر عبد المهدي من تحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، لأن ذلك معناه «عدم تمرير الموازنة، ومعناه التوقف عن التوقيع على المشروعات الجديدة والقوانين المطلوب تشريعها بأسرع وقت، والتي بها نحقق خطوات تم الاتفاق عليها للإصلاح وتوفير فرص العمل وتشجيع الاستثمارات والأعمال الجديدة، ناهيك عن أمور أخرى كثيرة يجب الالتفات إليها».

إلى ذلك، أكد حيدر الملا، النائب السابق في البرلمان العراقي والقيادي في حزب «تقدم»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ملخص رسالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى السيد مقتدى الصدر هو أن عليك الاتفاق مع زعيم كتلة الفتح هادي العامري والإتيان برئيس وزراء جديد، وهو ما يعني أنه يريد أن يرمي الكرة في ملعبهما باعتبارهما زعيمي أكبر كتلتين جاءتا به إلى منصبه». وأضاف أن «الجميع يعرف أنه تم تجاوز مفهوم الكتلة الكبرى خلال اختيار رئيس الوزراء العام الماضي وإنما جرى اتفاق بين (الفتح) و(سائرون) على ترشيح شخصية توافقية هو السيد عادل عبد المهدي الذي يرى أن مفتاح الحل للخروج من الأزمة هو أن تتفق الكتلتان على بديل له».

أما جاسم الحلفي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي والقيادي في الحراك المدني فقد أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تفكير السياسيين كلهم وفي مقدمهم رئيس الوزراء بالمنهج السابق الذي بنيت عليه العملية السياسية منذ عام 2003 وإلى اليوم بكل ما فيه من آليات، قد تكون صحيحة لو كانت الأوضاع مستقرة، وليست كالأوضاع التي نعيشها اليوم، التي هي أوضاع استثنائية بكل المعايير». وأضاف الحلفي أن «انتفاضة الشباب هذه وانضمام العراقيين إليها ومساندتهم لها، فضلاً عن النقابات والاتحادات ونزول الطلبة بهذا الزخم الكبير، بالإضافة إلى مشاركة النساء والصمود أمام ما يتعرضون له من ضغوط وعمليات قتل، إنما يدل على أن هذا الحراك مستمر، ولا يمكن وقفه». وتابع: «كلما تم اتخاذ إجراءات تصعيدية ضد المتظاهرين، فإنها تزيد من الاحتجاجات». وحول مضمون رسالة عبد المهدي، قال الحلفي إن «رسالة رئيس الوزراء إنما هي تعبير عن النهج السابق نفسه، ولا جديد فيها، حيث إن الوقت ليس وقت مناكدات ومحاولات التنصل من المسؤولية»، مبيناً أن «الحل هو فقط في استقالته من منصبه وأن يخلي مسؤوليته، وعند ذلك فإن البرلمان وبقية الكتل السياسية هي من يتحمل المسؤولية». وأشار إلى أن «الاتجاه العام هو الوصول إلى الإضراب العام في البلد، وهو ما يعني عدم التراجع إلى الوراء أبداً؛ حيث إن هناك شعوراً وطنياً عاماً باتجاه الرغبة في التغيير الحقيقي». وأوضح أن «مطالب الناس لم تعد فقط الإصلاحات، إنما هي التغيير الشامل لطبقة سياسية بنت كل شيء في البلد على أساس مصالحها هي لا مصالح الشعب العراقي، وبالتالي فإن كل هذه الطبقة السياسية مسؤولة عما يحصل في البلاد منذ 16 عاماً».

وتابع الحلفي أنه «في حال هدأت الاحتجاجات لأي سبب، فإن الصراعات ستستمر حتى بين الكتل وفي حال حصلت احتجاجات أخرى فسوف تكون أكبر وأكثر خطورة، علماً بأن الاستقالة ليست وحدها هي الحل، لكنها في الأقل، الخطوة الأولى في التغيير».

تقارير متضاربة عن «مذبحة» ضد المتظاهرين في كربلاء
عشرات الآلاف يخرقون حظر التجول في بغداد... والصدر ينضم إلى المحتجين في النجف

بغداد: فاضل النشمي
تضاربت التقارير، أمس، حول أعداد الضحايا الذين سقطوا في محافظة كربلاء نتيجة الصدامات التي وقعت بين أجهزة الأمن والمتظاهرين ليلة الاثنين - الثلاثاء. وبعدما تحدثت وسائل إعلام محلية وأجنبية عن سقوط ما لا يقل عن 20 قتيلاً ونحو 900 جريح، تراجعت الحصيلة، عقب مجموعة بيانات رسمية، إلى قرابة 190 جريحاً وحالة وفاة واحدة في صفوف الأمن والمحتجين.

غير أن ذلك لم يحل دون وجود بعض التفاوت حتى في الأرقام الرسمية بخصوص ما وُصف بـ«المذبحة» التي شهدتها كربلاء. ففي حين أعلنت خلية الإعلام الأمني التابعة لمكتب رئيس الوزراء أن محافظة كربلاء شهدت «مظاهرات تخللتها بعض الحوادث المؤسفة، حيث أصيب 53 مدنياً بحسب عمليات وزارة الصحة، في حين بلغ عدد المصابين في صفوف القوات الأمنية 90 مصاباً، وفقاً لإحصائيات قيادة عمليات الفرات الأوسط». في المقابل، أحصت المفوضية العليا لحقوق الإنسان مقتل شخص واحد وإصابة 192 شخصاً، بواقع 50 من المتظاهرين و142 من القوات الأمنية. وكشفت مفوضية حقوق الإنسان، في بيان، عن قيام القوات الأمنية بحملة اعتقالات طالت 140 شخصاً أُطلق سراح 80 منهم على أن يعرض بقية الموقوفين على القضاء لتقرير مصيرهم. ودعت المفوضية إلى عدم استخدام «القوة المفرطة» وتطبيق «معايير الاشتباك الآمن»، وأدانت «قيام بعض المنفلتين بتغيير مسار المظاهرات السلمية». ودعت الأطراف كافة إلى استخدام «أقصى درجات ضبط النفس والاحتكام إلى لغة العقل والحفاظ على سلمية المظاهرات».

من جهتها، نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر طبية وأمنية، أن قوات الأمن قتلت ما لا يقل عن 14 شخصاً في مدينة كربلاء أثناء الليل (ليلة الاثنين) بعدما فتحت النار باتجاه محتجين، في عودة إلى أساليب شجبها تحقيق داخلي أجرته الحكومة. وتابعت: «رويترز»، أن المصادر أشارت أيضاً إلى أن ما لا يقل عن 865 شخصاً أصيبوا بجروح. ولفتت إلى أن ثلاثة محتجين فارقوا الحياة في مدينة الناصرية بجنوب البلاد متأثرين بجروح أصيبوا بها في احتجاجات سابقة.

ونفى قائد شرطة كربلاء، في بيان، مقتل أي متظاهر، وقال إن شخصاً واحداً توفي في واقعة جنائية لا علاقة لها بالاحتجاجات. كما وصف لقطات مصورة لقوات الأمن وهي تطلق النار على المتظاهرين وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بأنها ملفقة، والهدف منها تحريض الشارع، بحسب «رويترز».

ولم يأت محافظ كربلاء نصيف الخطابي، في مؤتمر صحافي أمس، على ذكر أعداد الضحايا في أحداث كربلاء، سواء من المتظاهرين أو القوات الأمنية، لكنه أكد أن الأخيرة «تمتعت بأعلى درجات ضبط النفس خلال الأحداث التي شهدتها كربلاء، وأن هناك فيديوهات (دُبلجت) بشأن هذه الأحداث، وهي غير صحيحة»، في إشارة إلى الأشرطة المصورة التي أظهرت عدداً كبيراً من القتلى الذي يعتقد أنهم من المتظاهرين وسقطوا بنيران الأجهزة الأمنية، وهو أمر لم تؤكده جهات مستقلة. وقال الخطابي، إن «بعض الأشخاص اعتدوا على الممتلكات، وقد أمرت بإطلاق سراح غالبية المتظاهرين حتى من البعض الذين تجاوزوا (ارتكبوا تجاوزات) ضد القوات الأمنية».

من جهته، وصف رئيس «حزب المنبر العراقي» رئيس الوزراء السابق إياد علاوي أحداث كربلاء بـ«المجزرة التي يندى لها الجبين». وقال علاوي في بيان: «كنا نتوقع أن السلطة التنفيذية ستخرج علينا بتسمية القناصة وغيرهم من قتلة المتظاهرين السلميين تحت ذريعة الاندساس والتحريض والتخريب». واستنكر «إعلان السلطات مساهمتها بالقضاء على البغدادي (زعيم «داعش» المقتول)، لكنها لا تستطيع التصرف إزاء هؤلاء المندسين والمخربين وكأنها تعيد أيام نظام صدام (حسين، الرئيس السابق) عندما تلصق الاتهامات بالأبرياء إذا أبدوا أي ملاحظة على الحكم». وأضاف أن «واقعة، بل مجزرة، كربلاء وغيرها من المدن العراقية الكريمة يندى لها الجبين، وكأن قطيعاً من الخرفان تتقاذفه العمليات المشتركة في بغداد وغيرها».

وجاءت أحداث كربلاء في وقت تتواصل الاحتجاجات والإضرابات النقابية والطلابية في أغلب المحافظات العراقية. وخرج عشرات الآلاف في شوارع بغداد، ليل أول من أمس، متحدين حظر التجوّل الذي فرضته السلطات. كما تجمع الآلاف في «ساحة التحرير» ببغداد أمس (الثلاثاء)، مرددين شعارات منددة بالحكومة ومطالبة بإسقاطها. وأثار مقتل الناشط صفاء السراي بعد إصابة في رأسه بقنبلة مسيلة للدموع غضب المتظاهرين؛ ما دفعهم إلى تشييع جنازته في وسط الساحة بناءً على وصية كان قد تركها لرفاقه قبل وفاته.

وتظاهر آلاف العراقيين في الشوارع هذا الأسبوع في إطار موجة ثانية من الاحتجاجات المناهضة لحكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ولنخبة سياسية يقولون إنها فاسدة وبعيدة عن أرض الواقع. ووصل العدد الإجمالي للقتلى منذ بدء الاضطرابات في أول أكتوبر (تشرين الأول) إلى ما لا يقل عن 250 شخصاً.

وقال متحدث باسم عبد المهدي، يوم الأحد، إن أي شخص سيعطل العمل أو الدراسة سيلقى عقاباً شديداً.

وقالت مدرّسة في ساحة التحرير، رفضت نشر اسمها، لـ«رويترز»: «يهددوننا بوظائفنا وقد يخفضون رواتبنا إذا جئنا، يمكنهم وقف صرف رواتبنا! فلماذا كل هذا الدم؟ لماذا يفقد كل هؤلاء الشبان حياتهم؟». وذكرت «رويترز» أن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع باتجاه طلاب مدارس وجامعات تحدوا يوم الاثنين تحذيراً من عبد المهدي، وانضموا للآلاف في بغداد رفضاً للحكومة. وشوهد جنود يضربون طلاباً في المرحلة الثانوية بالهراوات في منطقتين ببغداد. وأدان بيان لوزارة الدفاع الواقعة، وقال إن الجنود لا يمثلون الجيش العراقي. ولم يذكر ما إذا كان الجنود سيعاقبون.

ودعا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر يوم الاثنين إلى إجراء انتخابات مبكرة بعد إعلان حظر التجول في بغداد. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، أن الصدر انضم الثلاثاء إلى آلاف المتظاهرين المناهضين للحكومة في مدينة النجف جنوب بغداد، ونقلت عن مصادر في مطاwر النجف، أن طائرة آتية من إيران حطت في وقت سابق بالمطار وكان الصدر على متنها.

على صعيد اخر نقلت وكالة «رويترز» عن موظفين بميناء أم قصر العراقي، ومسؤولين محليين، أن العمليات في الميناء تقلصت بنسبة 80 في المائة تقريباً، أمس (الثلاثاء)، بعد إغلاق محتجين مدخل الميناء.

وقال مدير بالميناء إن العمليات بالميناء قُلصت إلى 20 في المائة، بسبب عدم تمكن العمال البدلاء من الانضمام للعمل.