التاريخ: تشرين الأول ٢٨, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
تصعيد حاد بين القضاة والحكومة الجزائرية
مرشحان لـ«الرئاسية» يتعهدان بتحقيق مطالب «الحراك»
الجزائر: بوعلام غمراسة
أعلن رئيس نقابة القضاة في الجزائر، يسعد مبروك، أن إضراباً شنَه نحو 6 آلاف قاضٍ أمس شلَ كل المحاكم في البلاد، احتجاجاً على تغييرات كبيرة أحدثتها الحكومة، الخميس الماضي، تتعلق بنقل 3 آلاف قاضٍ إلى أماكن عمل مختلفة. وأكد وزير العدل بلقاسم زغماتي، في تصريحات سابقة، أن عملية تبديل أماكن عمل القضاة «تأتي في سياق الحرب التي نخوضها ضد الفساد». وقال رئيس النقابة لـ«الشرق الأوسط»، إن السلطات القضائية «تسعى إلى تغليط الرأي العام بحديثها عن محاربة الفساد كهدف من وراء نقل 3 آلاف قاض من أماكن عملهم، فالمسألة أخطر من ذلك». ولمح إلى أن القضاة يتعرضون إلى ضغوط كبيرة من طرف الحكومة في شأن التعاطي مع قضايا نشطاء الحراك الذين أودع العشرات منهم في الحبس الاحتياطي، بينما القانون يتيح بدائل كالرقابة القضائية والإفراج المؤقت.

وشلَ كل القضاة العمل بمحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، في خطوة عدَت «تصعيداً ضد وزير العدل» الذي اتهموه بـ«إحداث التغيير خارج إرادة المجلس الأعلى للقضاء»، وهو هيئة مسؤولة قانوناً عن التسيير المهني للقضاة. وأثارت حركة الاحتجاج تذمَر متقاضين في كثير من المحاكم، كانوا يترقبون محاكمات أو تسلم وثائق رسمية كصحيفة السوابق العدلية ووثيقة الجنسية. كما أثار سخط محامين، بسبب تأجيل الفصل في ملفات موكليهم. وأفاد مصدر حكومي بأن الوزير زغماتي أوفد مفتشين تابعين لوزارة العدل إلى الكثير من المحاكم لإعداد تقارير عن القضاة المحتجين، تمهيداً لإنزال عقوبات تأديبية بحقهم. وهاجم زغماتي النقابة مؤكدا على أن «القانون العضوي المتضمن القانون الأساسي للقضاة، يمنع على القاضي القيام بأي عمل فردي أو جماعي من شأنه أن يؤدي إلى وقف أو عرقلة سير العمل. كما نص على أنه يمنع على القاضي المشاركة في أي إضراب أو التحريض عليه. ويعتبر ذلك إهمالاً لعمله».

ويعد إضراب القضاة، وفق القانون، «خروجاً عن واجب التحفظ»، يقابله عزل من المنصب. ويأخذ الإضراب، غير المحدود، شكل احتجاج سياسي. ويشار إلى أن القضاة كانوا في طليعة الحراك الشعبي عندما بدأ في 22 فبراير (شباط) الماضي، وطالبوا يومها بـ«الاستقلال عن السلطة التنفيذية في الممارسة، وليس في النصوص النظرية». وينص دستور الجزائر على الفصل بين السلطات، غير أن القضاة يعتبرون أن الرئاسة والجيش يحكمان سيطرة كاملة على القضاء وباقي أجهزة الدولة. ويتعرض القضاة لانتقاد من طرف بعض الناشطين السياسيين الذين يعبَرون عن ذلك في حراك الجمعة ومظاهرات طلاب الجامعات، وذلك بسبب قرارات بالسجن المؤقت أصدروها ضد الكثير منهم، تجاوباً مع توجيهات الجيش.

من جهة أخرى، أشاد رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، أمس، في خطاب بمناسبة زيارته منشأة عسكرية بالقرب من العاصمة، بـ«الإنجازات النوعية التي قام بها الجيش، التي بفضلها تتعزز قدراته في مجال التكنولوجيا، وهو ما يترجم بصدق المجهودات الجبارة المبذولة، ويعكس الاهتمام المتزايد والرعاية المتواصلة التي توليهما القيادة العليا لمجال تطوير سلاح الإشارة وأنظمة المعلومات والحرب الإلكترونية، وعليه، فإنه يحق فعلاً لهذا السلاح أن يفتخر بما تحقق حتى الآن من إنجازات، التي تعد من الشواهد الدالة على الخطوات الكثيرة التي ما فتئ يقطعها الجيش الوطني الشعبي بنجاح باهر، في هذا المجال».

وأكد قايد صالح أن «الحروب المستقبلية، هي بالأساس حروب إلكترونية، فمن أجل ذلك يزداد اهتمام الجيش الوطني الشعبي بهذا القطاع الحيوي، ويزداد معه طموحه إلى تحقيق مستويات أفضل سنة بعد سنة، سواء من الجانب التطويري والتجهيزي، أو من ناحية التحكم في آليات استعماله وحسن توظيفه أو من جانب تدريب وتكوين الطاقات البشرية المؤهلة القادرة على ترقية هذا السلاح وتحقيق النتائج المرجوة».

مرشحان لـ«الرئاسية» يتعهدان بتحقيق مطالب «الحراك»
في أول تصريحات لهما بعد إيداع أوراق الترشيحات

الأحد 27 أكتوبر 2019 
الجزائر: بوعلام غمراسة

في الوقت الذي تعهد فيه عبد المجيد تبون، مرشح السلطة لـ«رئاسية» الجزائر، بـ«السعي لبناء الجمهورية الثانية» التي يريدها الحراك الشعبي، أسدل الستار أمس عن الترشيحات لاستحقاق 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وانطلقت عملية دراسة ملفات المترشحين، التي تدوم أسبوعاً، حسبما ينص عليه قانون الانتخابات.

كانت الأنظار موجهة أمس إلى رئيس الوزراء السابق تبون، وما يقوله بخصوص «رهان السلطة عليه»، وذلك عندما دخل إلى مقر «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات»، بغرض تسليم رئيسها محمد شرفي أوراق ترشحه. وقد حضر مع مساعديه وأنصاره، وهم يحملون عدداً كبيراً من العلب وبداخلها استمارات اكتتاب التوقيعات، وهي شرط أساسي للترشح (50 ألف توقيع من 25 ولاية على الأقل).

وصرح تبَون (72 سنة)، في مؤتمر صحافي، بعد إيداعه ملف الترشح، بأنه «استوفى كل الشروط التي يتضمنها قانون الانتخابات»، مؤكداً أن برنامجه الانتخابي «يتضمن حلولاً لأغلب المشكلات التي يواجهها الجزائريون... صحيح أنه سيصعب علينا تنفيذ الحلول. لكن بإرادة الجزائريين سنتغلب على الصعاب، وسنبلغ الجمهورية الثانية»، في إشارة إلى أحد أهم مطالب الحراك الشعبي، الذي يندد كل جمعة بترشح تبون للرئاسة، وبأغلب المترشحين، الذين يعتبرهم المتظاهرون «تمديداً لحكم العصابات».

وحسب تبون، فإن الجزائر «تعيش مرحلة تاريخية، إذ تجري لأول مرة انتخابات بسلطة مستقلة»، مبرزاً أن الأسابيع الثلاثة المخصصة للحملة الانتخابية، لن تكون كافية لزيارة كل الولايات الـ84.

وقال تبون، متحدثاً عن نفسه، «أنا أميل إلى التهدئة والحوار، وإلى إعادة التلاحم بين الجزائريين... فالشعب يطالب بتطبيق المادة 7 و8 من الدستور، وأنا أعتبره مصدر السلطة التي يفوضها لمن يشاء عن طريق الانتخابات»، في إشارة إلى المادتين الدستوريتين اللتين تؤكدان أن «الشعب هو مصدر كل السلطات».

ورفض تبون الرد بوضوح عن سؤال حول عدد التوقيعات التي جمعها، واكتفى بأنه «تجاوز سقف الرقم المطلوب».

يُشار إلى أن تبون كان وزيراً للبناء والسكن مرتين لسنوات طويلة، كما تولى وزارة الإعلام والتجارة. أما كرئيس للوزراء، فلم يتعد عمره في هذا المنصب شهرين (ما بين يونيو/ حزيران وأغسطس/ آب 2017)؛ حيث تمت تنحيته بقرار من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق المسجون حالياً، على أثر خلاف حاد مع رجال أعمال نافذين، أغلبهم يوجد حالياً في السجن بتهم فساد.

من جهته، أودع رئيس الوزراء السابق علي بن فليس، أوراق ترشحه أمس، وهو يرأس حزباً معارضاً يسمى «طلائع الحريات». وكان بن فليس (74 سنة) قد وصف تبون، عندما أعلن رغبته في كرسي الرئاسة، بأنه «يكرس حكم بوتفليقة من دون بوتفليقة»، وكان يقصد بذلك أنه من أكثر المسؤولين الذين اشتغلوا مع الرئيس المستقيل منذ 6 أشهر.

وقال بن فليس، في مؤتمر صحافي، «ترشحت لإنقاذ بلدي من الدوامة التي يتخبط فيها»، والتي يتحمل مسؤوليتها نظام بوتفليقة، حسب تعبيره، موضحاً أن «تنظيم انتخابات نزيهة من شأنها لمّ شمل الشعب حول مشروع وطني، يحقق الجمهورية الجديدة». وبخصوص برنامجه الانتخابي، أوضح بن فليس أن «الأولوية ستكون لإعادة الشرعية لمؤسسات الدولة، ومراجعة الدستور وأخلقة الممارسة السياسية»، وتعهد بـ«تنقية المناخ الاقتصادي، وإعادة تأهيل الصناعة، وإطلاق إصلاحات هيكلية، وإعادة الاعتبار للتخطيط والاستشراف. علاوة على تحرير الاستثمار من البيروقراطية، وتوزيع الثروة الوطنية بعدل على أقاليم الوطن»، مؤكداً أنه «سيعرض قريباً برنامج استعجال وطني يتضمن حلولاً للمشكلات».

يُشار إلى أن بن فليس كان مدير حملة الرئيس السابق في انتخابات 1999، وعمل إلى جنبه مديراً للديوان، ثم أميناً عاماً للرئاسة، وبعدها رئيساً لوزرائه. لكن حدث الطلاق بينهما عشية «رئاسية» 2004 بعدما أظهر بن فليس رغبة في منافسته على السلطة، وخاض المعترك ضده وخسر، وخاضه مرة ثانية ضده في 2014، لكنه خسر أيضاً.

ويعتقد في الأوساط السياسية والإعلامية أن الجيش يملك مرشحين لرئاسية العام، بعكس كل المواعيد السابقة التي راهن فيها دوماً على شخص واحد، وهما تبون وبن فليس.

كان رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، قد نفى بشدة أن يكون للجيش مرشح للاستحقاق المرتقب. وعلق وزير الجامعات السابق عبد السلام راشدي، على مشهد الترشيحات، في حسابه بـ«فيس بوك»، قائلاً: «كيف يمكن لمترشحين أميين، لا أحد منهم صاحب كاريزما، أن ينتخبا من طرف غالبية كبيرة يرفضون التوجه إلى صناديق الاقتراع؟».