التاريخ: تشرين الأول ٢٨, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
المحتجون يتحدون الحملة الأمنية في بغداد
اعتصام لـ«سائرون» واستقالات لنواب تضامناً مع المحتجين
بغداد: «الشرق الأوسط»
تجمع مئات المحتجين في ساحة التحرير بوسط بغداد، أمس، في تحدٍ جديد بعد ليلة طويلة من المظاهرات التي يقوم بها مطالبون بـ«إسقاط النظام»، استخدمت القوات الأمنية لتفريقها الغاز المسيل للدموع.

وواصل العراقيون الاحتشاد رغم تخطي حصيلة القتلى 60 شخصاً في الموجة الثانية من الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي انطلقت مساء الخميس. وقتل بعض هؤلاء بالرصاص الحي، والبعض بقنابل مسيلة للدموع، والبعض الآخر احتراقا خلال إضرام النار في مقار أحزاب سياسية. وقال أحد المتظاهرين لوكالة الصحافة الفرنسية وهو يلفّ رأسه بالعلم العراقي: «خرجنا لإقالة الحكومة شلع قلع (كلها من جذورها). لا نريد أحداً منهم».

وتقدّم رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بمقترحات عدة لتنفيذ إصلاحات لم تكن مقنعة للمتظاهرين. وأضاف المتظاهر: «لا نريد لا الحلبوسي ولا عبد المهدي. نريد إسقاط النظام».

وكان المشهد في ساحة التحرير الرمزية بوسط العاصمة أمس فوضوياً، إذ تمركز بعض المتظاهرين على أسطح مراكز تجارية للتلويح بالأعلام العراقية، فيما قام آخرون بإحراق الإطارات في الشوارع التي تغطيها القمامة. وعلى مقلب آخر، نصب البعض خياماً، في وقت بدأ فيه متطوعون بتوزيع الطعام والماء على المتظاهرين. ولوحظ أيضاً نزول أعداد كبيرة من النساء والطلاب إلى الساحات القريبة.

وبدت امرأتان طاعنتان في السن، ترتديان عباءتين سوداوين وتغطيان رأسيهما بحجاب أسود، تلوحان بالعلم العراقي وتتمايلان على أنغام الموسيقى والأناشيد، بعدما وقفتا على أحد الحواجز الإسمنتية. وقالت فتاة، رفضت الكشف عن اسمها، تعمل ممرضة: «أنا هنا من أجل مستقبل الأطفال». وأضافت: «جيلنا نحن تعب نفسياً، ولكن لا بأس طالما الأمر من أجل الجيل الجديد».

وتمركزت القوات الأمنية على أطراف ساحة التحرير، فيما لوحظ انتشار قوات مكافحة الإرهاب وآليات مدرعة في المناطق المحيطة. وأعلنت قوات مكافحة الإرهاب أنها نشرت وحداتها «لحماية المنشآت السيادية والحيوية». وأقام شبان حواجز على جسر الجمهورية الذي يؤدي إلى المنطقة الخضراء المحصنة بالمدينة لتفصلهم عن قوات الأمن التي واصلت إلقاء عبوات الغاز المسيل للدموع باتجاههم.

وضربت قوات مكافحة الإرهاب واعتقلت عشرات المحتجين في مدينة الناصرية بجنوب البلاد الليلة قبل الماضية.

إلى ذلك، دعا عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية علي البياتي أمس إلى الحفاظ على سلمية المظاهرات وحماية الممتلكات. وقال البياتي في بيان إن «الأيام الماضية أثبتت عدم جدية استخدام العنف لإيقاف المظاهرات، وإن العنف يولد عنفاً مقابلاً، كرد فعل في ظل التعامل مع جماهير غاضبة وذات خلفية عشائرية ولا تخاف أبداً بسبب الفترات الطويلة من الإرهاب والعنف الذي تعرضت له». وحسب وكالة الأنباء الألمانية، دعا البياتي إلى «العمل على زيادة التعاون بين العناصر الأمنية والمتظاهرين من أجل الحفاظ على سلمية المظاهرات، وحماية الممتلكات العامة، وتحريك الوسائل الإعلامية، والتواصل الاجتماعي من أجل التوجيه والتشجيع على ذلك».

وطالب البياتي بإجراء «حوار مستمر ومكثف بين الحكومة وممثلي المظاهرات، وضرورة إيجاد جسر بينهما من الفعاليات والتشكيلات المستقلة من منظمات المجتمع المدني ونقابات ومؤسسات دينية وثقافية وإعلامية، من أجل تعزيز أواصر هذا الحوار ومراقبته». كما طالب بتفعيل «الجهد الاستخباري والأمن الوطني لكشف كل من يحاول الاعتداء على المتظاهرين أو الممتلكات العامة أو الخاصة، وعزلهم بشكل سريع عن المتظاهرين، وفضحهم أمام الإعلام»

اعتصام لـ«سائرون» واستقالات لنواب تضامناً مع المحتجين
بغداد: حمزة مصطفى
للمرة الثانية، لم يتمكن البرلمان العراقي أمس، من عقد جلسة اعتيادية له كان يفترض أن تخصص لمناقشة مطالب المتظاهرين. فبعد أن فشلت جلسة كانت مقررة أول من أمس، فإن البرلمان لم يتمكن من عقد جلسة أخرى أمس، بعد أن كانت سبقت ذلك محاولات مستميتة من قبل المتظاهرين لعبور جسر الجمهورية بهدف دخول المنطقة الخضراء واقتحام البرلمان.

وأعيد تحصين المنطقة الخضراء بعد أن أخذ جهاز مكافحة الإرهاب مهمة تأمين وحماية الدوائر والمؤسسات الحيوية للدولة في العاصمة بغداد وفي عدد من المحافظات التي تشهد احتجاجات تحولت في جانب منها إلى تصفية حسابات بين أحزاب وقوى سياسية. التحصينات شملت البرلمان أيضاً، حيث أحيط بكتل كونكريتية تصعب اختراقه في حين تواصل قوات حفظ النظام باستخدام الغاز المسيل للدموع منع المتظاهرين اجتياز حاجز جسر الجمهورية من أجل تأمين عقد الجلسة المقررة اليوم (الاثنين).

ورغم إعلان كتلة «سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بدء اعتصام مفتوح داخل البرلمان، لحين تحقيق مطالب المتظاهرين، فإنها أعلنت حضورها الجلسات المخصصة لمناقشة تلك المطالب. مواقف الكتل الأخرى في البرلمان وإن كانت مؤيدة لحضور الجلسات، لكن أعضاء الكتل من النواب لم يتمكنوا من الحضور أو يتخوف بعضهم من حضور الجلسات خشية تمكن المحتجين من اجتياز الحواجز.

النواب الكرد كانوا أكثر وضوحاً على هذا الصعيد. فرغم تأييدهم إجراءات رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ودعمهم له بالكامل، فإنهم أعلنوا عدم حضور الجلسات إلا بعد تأمين المكان بالكامل، طبقاً لما أعلنه النائب عن التحالف الكردستاني سليم همزة أمس.

إلى ذلك، وفيما نفى مصدر مقرب من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في تصريح نية الأخير الاستقالة من منصبه، فقد خير زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الحكومة بين الاستقالة أو تحقيق الإصلاحات. وعدّ مراقبون سياسيون ذلك بمثابة تراجع نسبي في موقف الصدر الذي كان دعا إلى إقالة الحكومة حيث طرح خيار الإصلاح بديلاً للإقالة في وقت بدأت فيه الكتلة التي يدعمها في البرلمان «سائرون» اعتصاماً مفتوحاً داخل البرلمان، حيث قضى نواب الكتلة الـ54 ليلة اعتصامهم الأولى. وفي هذا السياق، يقول برهان المعموري عضو البرلمان عن كتلة «سائرون» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «كتلة سائرون أعلنت رسمياً أنها معارضة وقررت الاعتصام داخل مجلس النواب لحين تلبية مطالب المتظاهرين، وكذلك تنفيذ حزم الإصلاحات التي أعلنها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي». وأضاف المعموري: «إننا نعتقد أن هناك كثيراً من العراقيين تظاهروا من أجل الإصلاح والمطالبة بالحقوق، علماً أن هناك من أراد حرف المظاهرات عن أهدافها الحقيقية بل وإجهاضها من قبل المندسين». وأوضح أن «بعض المندسين الذين بدأوا يضربون القوات الأمنية تارة والمتظاهرين تارة أخرى معروفة أهدافهم، وبالتالي لن نقف عند ذلك، حيث بدأنا اعتصامنا لحين تحقيق المطالب المشروعة بشكل جاد وليس مجرد وعود بحيث تبقى حبراً على ورق».

وبالإضافة لاعتصام نواب التيار الصدري، فقد أعلن اثنان من نواب البرلمان العراقي استقالتهما احتجاجاً على عدم تحقيق مطالب المحتجين. وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دعا رجال السلطة إلى تقديم استقالاتهم قبل أن يقالوا. وفي بيان له، قال الصدر إنه «إذا لم تكن المظاهرات برأي البعض حلاً ولا الاعتصامات ولا الإضرابات حلاً، فهل (التمسك بالسلطة) هو الحل بينما لا قدرة لها على إنهاء معاناة الشعب وتخليصه من الفاسدين وتوفير العيش الكريم له؟». وأضاف أنه «إذا لم تستطع السلطة أن ترمم ما أفسده سلفهم فلا خير فيهم ولا بسلفهم، وإذا أردتم من الشعب ألا يَقتُل ولا يَحرِق - وهو المتعين - فيا أيها الفاسدون كفوا أيديكم عنهم وكفاكم قمعاً وظلماً وتفريقاً». وأضاف الصدر: «أفلا تعينهم يا رئيس الوزراء لكي تكمل ما تدعيه من مشروع الإصلاح؟». واختتم الصدر بيانه بالقول: «استقيلوا قبل أن تُقالوا أو أصلحوا قبل أن تُزالوا... وإلا فلات حين مناص».

من جهته، أكد جاسم الحلفي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي والقيادي في الحراك المدني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المطالب الرئيسية للمتظاهرين هي استقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وطنية بصلاحيات استثنائية، مكونة من شخصيات مستقلة مشهود لها بنزاهتها، يفوضها البرلمان لقيادة الفترة الانتقالية». وأضاف أن «المطلب الرئيسي الآخر سن قانون انتخابي عادل وتشكيل هيئة مستقلة حقيقية للانتخابات، بالإضافة إلى فتح حوار وطني شامل لإعداد لائحة تعديلات دستورية تطرح للاستفتاء بالتزامن مع الانتخابات». وأوضح أن «من المطالب الأساسية الأخرى إصلاح مؤسسات القضاء بهدف محاكمة الفاسدين واسترداد المال العام من أي جهة كانت وبمساعدة وتعاون دولي لملاحقة المجرمين وسارقي المال العام، فضلاً عن تنقية المؤسسات الأمنية والعسكرية من العناصر التي لها ولاءات خارجية على المصلحة الوطنية». وتابع أن «المطالب تتضمن إخضاع السلاح لسلطة الدولة واعتبار كل فصيل عسكري غير مرخص إرهابياً وملاحقته حسب القانون، وكذلك حل مجالس المحافظات والدعوة إلى انتخابات مقبلة مع الانتخابات النيابية الجديدة خلال سنتين، ناهيك بسن قوانين للعمل والضمان الاجتماعي وصون حرية الرأي والتعبير».

المحتجون يتحدون الحملة الأمنية في بغداد
انتشار كثيف لقوات محاربة الإرهاب في العاصمة العراقية


بغداد: «الشرق الأوسط»
تجمع مئات المحتجين في ساحة التحرير بوسط بغداد، أمس، في تحدٍ جديد بعد ليلة طويلة من المظاهرات التي يقوم بها مطالبون بـ«إسقاط النظام»، استخدمت القوات الأمنية لتفريقها الغاز المسيل للدموع.

وواصل العراقيون الاحتشاد رغم تخطي حصيلة القتلى 60 شخصاً في الموجة الثانية من الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي انطلقت مساء الخميس. وقتل بعض هؤلاء بالرصاص الحي، والبعض بقنابل مسيلة للدموع، والبعض الآخر احتراقا خلال إضرام النار في مقار أحزاب سياسية. وقال أحد المتظاهرين لوكالة الصحافة الفرنسية وهو يلفّ رأسه بالعلم العراقي: «خرجنا لإقالة الحكومة شلع قلع (كلها من جذورها). لا نريد أحداً منهم».

وتقدّم رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بمقترحات عدة لتنفيذ إصلاحات لم تكن مقنعة للمتظاهرين. وأضاف المتظاهر: «لا نريد لا الحلبوسي ولا عبد المهدي. نريد إسقاط النظام».

وكان المشهد في ساحة التحرير الرمزية بوسط العاصمة أمس فوضوياً، إذ تمركز بعض المتظاهرين على أسطح مراكز تجارية للتلويح بالأعلام العراقية، فيما قام آخرون بإحراق الإطارات في الشوارع التي تغطيها القمامة. وعلى مقلب آخر، نصب البعض خياماً، في وقت بدأ فيه متطوعون بتوزيع الطعام والماء على المتظاهرين. ولوحظ أيضاً نزول أعداد كبيرة من النساء والطلاب إلى الساحات القريبة.

وبدت امرأتان طاعنتان في السن، ترتديان عباءتين سوداوين وتغطيان رأسيهما بحجاب أسود، تلوحان بالعلم العراقي وتتمايلان على أنغام الموسيقى والأناشيد، بعدما وقفتا على أحد الحواجز الإسمنتية. وقالت فتاة، رفضت الكشف عن اسمها، تعمل ممرضة: «أنا هنا من أجل مستقبل الأطفال». وأضافت: «جيلنا نحن تعب نفسياً، ولكن لا بأس طالما الأمر من أجل الجيل الجديد».

وتمركزت القوات الأمنية على أطراف ساحة التحرير، فيما لوحظ انتشار قوات مكافحة الإرهاب وآليات مدرعة في المناطق المحيطة. وأعلنت قوات مكافحة الإرهاب أنها نشرت وحداتها «لحماية المنشآت السيادية والحيوية». وأقام شبان حواجز على جسر الجمهورية الذي يؤدي إلى المنطقة الخضراء المحصنة بالمدينة لتفصلهم عن قوات الأمن التي واصلت إلقاء عبوات الغاز المسيل للدموع باتجاههم.

وضربت قوات مكافحة الإرهاب واعتقلت عشرات المحتجين في مدينة الناصرية بجنوب البلاد الليلة قبل الماضية.

إلى ذلك، دعا عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية علي البياتي أمس إلى الحفاظ على سلمية المظاهرات وحماية الممتلكات. وقال البياتي في بيان إن «الأيام الماضية أثبتت عدم جدية استخدام العنف لإيقاف المظاهرات، وإن العنف يولد عنفاً مقابلاً، كرد فعل في ظل التعامل مع جماهير غاضبة وذات خلفية عشائرية ولا تخاف أبداً بسبب الفترات الطويلة من الإرهاب والعنف الذي تعرضت له». وحسب وكالة الأنباء الألمانية، دعا البياتي إلى «العمل على زيادة التعاون بين العناصر الأمنية والمتظاهرين من أجل الحفاظ على سلمية المظاهرات، وحماية الممتلكات العامة، وتحريك الوسائل الإعلامية، والتواصل الاجتماعي من أجل التوجيه والتشجيع على ذلك».

وطالب البياتي بإجراء «حوار مستمر ومكثف بين الحكومة وممثلي المظاهرات، وضرورة إيجاد جسر بينهما من الفعاليات والتشكيلات المستقلة من منظمات المجتمع المدني ونقابات ومؤسسات دينية وثقافية وإعلامية، من أجل تعزيز أواصر هذا الحوار ومراقبته». كما طالب بتفعيل «الجهد الاستخباري والأمن الوطني لكشف كل من يحاول الاعتداء على المتظاهرين أو الممتلكات العامة أو الخاصة، وعزلهم بشكل سريع عن المتظاهرين، وفضحهم أمام الإعلام».