|
|
التاريخ: تشرين الأول ٢١, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
قراءة في مناخ انتخابات تونس... «الفيسبوكيّون» ينقلبون على الأحزاب التقليدية |
تونس: المنجي السعيداني
أبرزت نتائج الانتخابات التونسية، بشقيها الرئاسي والبرلماني، أن الاعتماد على المشاركة السياسية التقليدية لم يعد يمثل طريقاً وحيداً لنجاح الأحزاب السياسية وفوزها أمام خصومها، فقد تمخضت العملية الانتخابية عن تنظيم شبابي مختلف عما ساد خلال انتخابات2011 و2014. وعمدت فئات من الشباب التونسي إلى المرور من مرحلة المجال الافتراضي إلى المجال الواقعي، من خلال ترجمة النقاشات والخلافات على وسائل الاتصال الحديثة، إلى قائمات انتخابية ائتلافية، شاركت فعلياً في الانتخابات، وتمكنت من هزم الأحزاب التقليدية التي كانت مرشحة بقوة للبقاء في السلطة لسنوات مقبلة.
وكانت هذه النتائج بمثابة «الصدمة» التي خلفت تساؤلات عميقة حول مدى تأثير وسائل الاتصال الحديثة، خاصة منها «فيسبوك»، على توجهات الناخبين التونسيين وصناعة الرأي العام المحلي في بلد يستخدم فيه نحو 7.4 مليون تونسي هذه الشبكة، من إجمالي نحو 11 مليون تونسي.
فهل انتقلت الصراعات السياسية بالفعل من الفضاء الواقعي، أي الشارع والفضاءات العمومية من مقاهٍ وحدائق عمومية كانت محطات للدعاية السياسية في صيغتها التقليدية، إلى فضاء افتراضي تدار فيه صراعات و«حروب» تبدو وهمية لأول وهلة، ولكنها قد تتحول إلى ترجمة على أرض الواقع؟
خلال انتخابات الرئاسة التونسية في دورها الأول، تشكلت صفحات وتكونت مجموعات وأنشئت حسابات مجهولة وبرزت صفحات إشهارية مدفوعة الأجر، كان هدفها الأساس الانتصار لأحد المرشحين. واختلطت الرؤى، إلى درجة أن الناخب العادي لم يعد يفرق بين الأخبار ذات المصداقية والأخبار الزائفة، لكن النتيجة كانت مذهلة، فقد أفرزت شخصيتان تونسيتان لم يعد كثير من المتابعين للشأن التونسي يمنحهما كثيراً من الحظوظ، فقيس سعيد أستاذ القانون الدستوري لم تكن وراءه جهة سياسية أو آلة انتخابية قادرة على زعزعة المرشحين التقليديين الذي ضخوا أموالاً ضخمة لصناعة بهرج انتخابي على الطريقة التقليدية، أما نبيل سعيد مرشح حزب «قلب تونس» الذي تأسس قبل أشهر قليلة، فلم يكن أحد يُمكنه من حظوظ الفوز نتيجة وجود شبهة فساد أدخلته لاحقاً إلى سجن المرناقية (غربي العاصمة التونسية).
غير أن ما كان يَخفى على الطبقة السياسية أن «جيشاً فيسبوكياً» - إن صحت العبارة - كان يحضر لـ«انقلاب سياسي» حقيقي، دونما استعمال للأدوات التقليدية والجيوش المدججة بالسلاح. وكانت النتيجة مفاجئة للجميع، لتتكثف التساؤلات عمن يقف وراء فوز مترشحين غير معروفين بالطرق التقليدية، لمعرفة المتقدمين لمثل هذه المناصب السياسية العليا، والهزيمة المدوية للمرشحين الذين كانوا يعتقدون أن النجاح على مرمى حجر بالنسبة لهم.
وفي هذا الشأن، قالت الإعلامية التونسية أسماء سحبون، إن وسائل الاتصال الحديثة مثلت إحدى أهم أدوات التأثير على نتائج الانتخابات في تونس، فقد كان تأثيرها على توجهات الناخبين كبيراً، وباتت المصدر الرئيسي للمعلومة السياسية بالنسبة للشباب التونسي.
وفي السياق ذاته، قال الصادق الحمامي الخبير التونسي في مجال الميديا الاجتماعية في مقال حمل عنوان «مواقع التواصل الاجتماعي... الفضاء البديل»: «إن الزيادة المسجلة على مستوى حسابات (فيسبوك) في تونس بأكثر من 52 في المائة خلال 5 سنوات، تؤكد أن هذا الفضاء بات يمثل جزءاً من ثقافة الشباب التونسي، وهو مؤثر للغاية، في طرح ومناقشة مواضيع هامة مفصلية على غرار الحريات الفردية والجماعية ومكافحة الفساد، وبات أكثر تأثيراً، مقارنة بوسائل الاتصال التقليدية، من صحف وتلفزات وقنوات إذاعية عادية».
وعلى مستوى الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 6 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، فقد حصل حزب نداء تونس، وهو الحزب الفائز في انتخابات 2014 على 3 مقاعد برلمانية، بعد أن كان متصدراً للمشهد السياسي بـ86 مقعداً، وبرزت للعيان أحزاب سياسية أخرى لم يكن لها وجود فعلي في السابق، على غرار حزب «قلب تونس» لنبيل القروي الذي أصبح ينافس حزب حركة النهضة ذات القاعدة الانتخابية الهامة. كما اعتبر أكثر من مراقب أن ائتلاف «الكرامة» الذي يقوده المحامي التونسي الشاب سيف الدين مخلوف كان نتيجة لعمل «فيسبوك»، فهو الذي أثر بشكل كبير في الناخبين وجعلهم يختارون تشكيلة سياسية ائتلافية، تمثل مختلف جهات الجمهورية، وذلك على حساب التنظيم التقليدي داخل الأحزاب السياسية.
وفي السياق ذاته، أوضح سيف الدين مخلوف خلال تقديمه للائتلاف الذي تحصل على 21 مقعداً في البرلمان التونسي، وهو رقم قياسي لم يسجل في السابق، أن الحملة الانتخابية انطلقت من وسائل التواصل الاجتماعي بالأساس، وأنه «يعمل على نقل الوعي السياسي والاجتماعي من منصات (فيسبوك) إلى مجلس نواب الشعب (البرلمان)»، على حد تعبيره.
وبيّن في مؤتمر صحافي إثر الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية التونسية، أن النتيجة التي حققها ائتلاف «الكرامة» تعد إنجازاً مفاجئاً للتونسيين، رغم أن طموحات الائتلاف كانت أكبر، وسبّبت نتائجه «حالة هلع في الطبقة السياسية»، على حد قوله.
وانتقد مخلوف النخبة السياسية الحالية، معتبراً أنها تتصور السياسة صالوناً للأغنياء، وقال: «نحن التعبير الأرقى لشباب الثورة، ونحن ضد احتكار الشأن السياسي». كما انتقد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المشرفة على العملية الانتخابية، قائلاً إنها لم تطبق القانون الانتخابي التونسي، وغضّت النظر عن مجموعة من التجاوزات ومستعملي المال السياسي المفضوح خلال الانتخابات.
يذكر أن بعض من حققوا نتائج انتخابية غير مسبوقة قد تهكموا على مرشحي الأحزاب التقليدية التي أنفقت المليارات من أجل اجتذاب الناخبين التونسيين، وذلك بقولهم إنهم لم يصرفوا سوى بعض قوارير الماء المعدني والقليل من القهوة ليجنوا نتائج لم تكن على البال.
وفي انتظار استساغة الصفعة السياسية التاريخية التي عرفتها الطبقة السياسية التقليدية في تونس، فإن عدة تساؤلات ما زالت تدور في أذهان كثير من التونسيين من مختلف التيارات السياسية، خاصة منها التيارات الضاربة في القدم مثل اليسار التونسي الذي فقد بريقه بصفة مفاجئة، وهي كيف أمكن للشباب التونسي المختفي وراء أسماء مستعارة في معظمها والمتهم بالكسل السياسي والعزوف عن المشاركة السياسية، أن يحقق مثل هذه النتائج في فترة زمنية وجيزة؟ وهل يمكن التساؤل مع أطراف سياسية خاسرة في السباق الانتخابي، حول تدخل أجنبي محتمل في نتائج الانتخابات التونسية عبر توظيف منصات إلكترونية نشطت من أجل صناعة رأي عام مختلف عن السائد. |
|