التاريخ: أيلول ٣٠, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
احتجاجات اقتصادية تعم المناطق اللبنانية
بيروت: نذير رضا
انحسرت المظاهرات الشعبية في لبنان، مساء أمس لتختتم يوماً طويلاً توسعت خلاله من العاصمة إلى مناطق أخرى في الشمال والجنوب والبقاع، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية والأزمات الاقتصادية والمالية المتفاقمة، وسط مخاوف تتعلق باستقرار سعر صرف الليرة اللبنانية.

وتجمع مئات المتظاهرين وسط بيروت، أمس، تعبيراً عن امتعاضهم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بالبلاد بشكل متزايد. وجرت مناوشات محدودة أمام مقر الحكومة حين حاول متظاهرون تخطي حواجز تابعة لشرطة مكافحة الشغب التي صدهم عناصرها بالدروع وبالهراوات أحياناً. كما أحرق متظاهرون إطارات سيارات لقطع شوارع العاصمة الرئيسية. ورددوا هتافات وحملوا لافتات طالبت بإسقاط الحكومة والنظام. وحمّل محتجون في وسط بيروت مسؤولين الفساد المستشري في البلد.

واتسعت المظاهرات بعد الظهر لتشمل مناطق لبنانية عدة، وصلت إلى البقاع حيث تجمع البعض قرب بريتال وقطع آخرون طريق رياق - بعلبك. أما في الجنوب فقطع المتظاهرون طرقاً رئيسية. كما خرج المحتجون في طرابلس ومناطق أخرى في الشمال، وحاول المتظاهرون قطع الطريق في ساحة النور في طرابلس قبل أن يمنعهم الجيش ويعيد فتحها.

وانتقدت وزيرة الداخلية ريا الحسن «أعمال الشغب». وقالت في تغريدة على «تويتر»: «أتفهّم تذمر الناس من الوضع الاقتصادي والمالي الصعب، ومن المؤكد أنني مع ‫حرية التظاهر والتعبير، لكنني لا أفهم صور ‫الحرق والتكسير والتمزيق والشتم التي تشوّه أي تحرك مطلبي». وأضافت: «كوزيرة داخلية، أثني على الأجهزة الأمنية في هذا النهار الطويل المتعب وجهود عناصرها التي لم تسمح لأشخاص بأخذ المظاهرات إلى مواقع أخرى بعيدة عن غايتها». وشددت على أنها لا تقبل بأن يتطاول أي عنصر أمني على مواطن.

وأثار توسع المظاهرات التي شهدت في طرابلس إحراق صور لمسؤولين، أسئلة عن جهات خفية داعمة لتلك التحركات الاحتجاجية، بينها «حزب الله»، في ضوء العقوبات المتزايدة عليه من الولايات المتحدة، وهو ما استبعدته مصادر قريبة من «تيار المستقبل»، مشددة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «نظام العقوبات لن يتغير باحتجاجات ومن دونها، والحزب يدرك ذلك».

وقالت المصادر إنه «من الواضح أن الاحتجاجات لم تكن منظمة»، لافتة إلى أن «التحشيد الذي تم عبر مواقع التواصل من المنطقي أن يحشد هذا العدد الذي شارك في المظاهرة». وإذ أشارت إلى أن وقوف أحزاب أو تيارات وراء التظاهر من شأنه أن يدفع بعدد أكبر من المحتجين إلى التظاهر، لم تنفِ أن الوضع اقتصادي سيئ، وهو دافع للتظاهر.

وعما إذا كان هناك تحريض من «حزب الله» على الاحتجاجات بعد تصعيد أميركي بالعقوبات على الحزب وتوعد بتشديدها، رأت المصادر أن «منطق الأمور يؤكد أن نظام العقوبات على الحزب لن يتغير، والضغط يأتي من قبل واشنطن ولن يتغير نظام العقوبات في حال الضغط على الحكومة اللبنانية». وأكدت أن إسقاط الحكومة «لن يغير الكثير بالنسبة للعقوبات على الحزب، بل على العكس سيضره أكثر».

وحاول سياسيون ووزراء طمأنة اللبنانيين إلى الوضع الاقتصادي، إذ غرد وزير الاتصالات محمد شقير عبر حسابه في «تويتر» قائلاً: «تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في لبنان، ووجع الناس، كل الناس، يدفعنا اليوم أكثر من أي وقت مضى لمزيد من العمل والجدية والحرفية لتخطي الأزمات الراهنة. الحلول ليست مستحيلة، لكن علينا جميعاً تحمل مسؤولياتنا والعمل من دون هدر للفرص والأوقات والتلهي بالمناكفات».

وتجمع نحو 500 محتج يرفعون الأعلام اللبنانية وهم يهتفون «ثورة، ثورة» في ساحة الشهداء الواقعة وسط بيروت قبل أن يتوجهوا إلى البرلمان ومقر الحكومة. وهتف المحتجون أمام البرلمان «السرايا والمجلس، حرامية حرامية» و«الشعب يريد إسقاط النظام». وواصل المحتجون محاولاتهم الدخول إلى السراي الحكومي واجتياز الحواجز والأسلاك الشائكة، بينما تمركزت قوات مكافحة الشغب في الموقع، وأثيرت مخاوف من تجدد المواجهات التي سبق واندلعت في احتجاجات سابقة.

وانسحب عدد من المشاركين بعد التحرك نحو السراي الحكومي، لكن آخرين أقدموا على قطع عدد من الطرق في محيطه، وأشعلوا الإطارات المطاطية. وانتشر المئات من عناصر مكافحة الشغب لضبط التحركات الاحتجاجية في أكثر من منطقة وسط العاصمة. وقامت مجموعات من المتظاهرين تجول على دراجات نارية في زقاق البلاط وكركول الدروز وشارع مار إلياس، بأعمال شغب، محاولة قطع الطريق أمام ثانوية الحريري في البطريركية عبر وضع مستوعبات النفايات في وسط الطريق.

وقطع المتظاهرون السير عند مستديرة الكولا كما أفيد عن مواجهات أمام جامع محمد الأمين وسط بيروت، وحصلت عملية كر وفر بين القوى الأمنية والمحتجين قرب المرفأ في الصيفي. واستطاعت القوى الأمنية إعادة فتح معظم الطرق في بيروت بعد الظهر.

وفي الشمال، ارتفعت حدة التصعيد، وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية بأن «شباناً قطعوا أوتوستراد طرابلس - بيروت»، كما شهدت ساحة عبد الحميد كرامي، وسط مدينة طرابلس، اعتصاماً عمد خلاله المشاركون إلى حرق شعارات سياسية كانت قد رفعت في وقت سابق في الساحة، وكذلك إضرام النار في عدد من الإطارات. ورددوا هتافات تطالب بإسقاط الحكومة، كما عمد بعض الشبان إلى نزع صور ورايات حزبية من ساحة النور. وألقيت كلمات نددت بـ«الحرمان المزمن للمدينة»، مطالبة بـ«رحيل العهد والحكومة والعمل سريعاً على تحسين الأوضاع المعيشية وتأمين الخدمات الأساسية للمواطنين ومحاسبة الفاسدين». وأعلنت استمرار الاعتصام «اليوم وغداً وفي الأيام المقبلة حتى تحقيق كل المطالب».

وفي العبدة في الشمال حيث قطعت الطريق الدولية، طالب المحتجون بـ«عدم تحميل الناس المزيد من الأعباء، ووقف الهدر والفساد، وتأمين فرص عمل للشباب»، إضافة إلى مطالب محلية بينها فتح الجامعة اللبنانية في العبدة، وإعادة فتح مطار القليعات، بينما عمد بعضهم إلى إضرام النار في مستوعبات النفايات، ووضعوها في منتصف الطريق. وشهد الاقتصاد اللبناني خلال السنوات الأخيرة تراجعاً حاداً، مسجلاً نمواً بالكاد بلغ 0.2 في المائة في 2018، بحسب صندوق النقد الدولي. وأقر البرلمان في يوليو (تموز) الماضي ميزانية تقشفية لعام 2019 سعياً للحد من العجز العام.

وارتفع الدين العام إلى 86 مليار دولار، أي أكثر من 150 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم بعد اليابان واليونان. وازدادت المخاوف في الأيام الأخيرة من احتمال مراجعة سعر الصرف الثابت لليرة الذي حدده مصرف لبنان منذ عقدين بـ1500 ليرة للدولار.

وأوردت وسائل الإعلام أن المصارف ومكاتب الصرافة حدت من بيع الدولار خشية تراجع احتياطي العملات الأجنبية. وبات من شبه المستحيل سحب مبالغ بالدولار من آلات الصرف الآلي.