| | التاريخ: أيلول ١٩, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | دعم مالي سعودي للبنان يواكب انطلاق "سيدر" | اتخذ الاعلان السعودي المفاجئ أمس عن نية المملكة العربية السعودية مدّ لبنان بدعم مالي دلالات مهمة وبارزة، مع ان طبيعة الدعم المحتمل لم تتضح بعد، كما انها ليست المرة الاولى منذ تصاعدت معالم الاخطار المالية والاقتصادية في لبنان بقوة في الآونة الاخيرة يجري الحديث عن دعم مماثل. لكن التطور الجديد اكتسب جدية كبيرة من خلال مجموعة مؤشرات أبرزها ان الاعلان جاء على لسان المسؤول السعودي المعني مباشرة بهذا الملف أي وزير المالية السعودي محمد الجدعان بما يعني انه لا يترك مجالا للاجتهاد والتفسيرات أقله حيال جدية خطوة الدعم. والمؤشر الثاني تمثل في ارتفاع وتيرة التنسيق المباشر بين رئيس الوزراء سعد الحريري الذي علمت "النهار" انه يتولى هذا الملف شخصياً ويشرف على أدق التفاصيل فيه بنفسه، والجانب السعودي سواء في المملكة أو عبر السفارة السعودية في بيروت.
وفي هذا السياق جاء توجه الحريري عصر أمس الى المملكة قبيل زيارته لباريس غدا حيث سيلتقي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بمثابة دلالة على أهمية التحضيرات الجارية على مسارين: مسار الاستعدادات اللبنانية - السعودية ومسار الاستعدادات اللبنانية - الفرنسية لاطلاق مشاريع الدعم المتنوعة للبنان مالياً واستثمارياً في المرحلة الطالعة، الامر الذي يؤمل ان يبدأ معه تأمين جرعات الانعاش الاقتصادي والمالي التي يحتاج لبنان اليها بالحاح وسط اشتداد الضيق العام والانكماش الذي يعانيه اقتصاده. ولذا تكتسب مشاورات الرئيس الحريري مع الرياض وباريس أهمية مفصلية عشية لقائه الرئيس ماكرون، باعتبار انه سبق للحريري ان كرر ان هذا اللقاء سيكون بمثابة نقطة انطلاق تنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر". ومعلوم ان فرنسا والمملكة العربية السعودية غالباً ما كانتا الدولتين الاكثر اهتماما بتوفير الدعم للبنان.
وقالت اوساط وزارية وسياسية بارزة لـ"النهار" في هذا السياق إن الاعلان السعودي امس عن تقديم دعم مالي للبنان، عدا كونه خلّف آثاراً مالية ايجابية فورية، اكتسب دلالات سياسية وديبلوماسية لافتة للغاية من حيث ان السعودية المنشغلة باحدى اخطر الازمات التي تواجهها من خلال الهجوم على منشآت نفطية لديها والتداعيات الضخمة لهذا الهجوم لم تسقط اهمية الالتفات الى الواقع اللبناني في هذا التوقيت بالذات وكأن في ذلك رسالة عن ادراكها خطورة تفاقم الاوضاع في لبنان ومنع التوظيف الاقليمي المعروف لهذه الازمة ومساعدة لبنان تاليا على تجاوز الاخطار التي تحدق باوضاعه الاقتصادية والمالية.
وكان الحريري التقى عصراً في السرايا السفير السعودي وليد البخاري الذي سلمه دعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للمشاركة في الدورة الثالثة للمنتدى العالمي لصندوق الاستثمارات العامة في المملكة والذي ينعقد تحت عنوان "مبادرة مستقبل الاستثمار" وذلك بين 29 و31 تشرين الاول المقبل في الرياض. ثم غادر الحريري بيروت إلى الرياض في زيارة سريعة، يتوجه بعدها إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي.
الجدعان
وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان صرح بأن المملكة تجري محادثات مع حكومة لبنان في شأن تقديم دعم مالي.
وقال في مقابلة مع "رويترز": "سنواصل دعم لبنان، ونعمل مع حكومته".
وأفاد مصدر رسمي لبناني أن الرئيس الحريري "يجري محادثات رفيعة المستوى مع المملكة العربية السعودية في شأن الدعم"، وقد توقف في الرياض وهو في طريقه إلى فرنسا حيث من المنتظر أن يلتقي الرئيس ماكرون غداً الجمعة.
وأضاف المصدر أن العمل جار لعقد اجتماع في تشرين الأول لمجلس وزاري لبناني سعودي رفيع المستوى سيشهد توقيع اتفاقات بين البلدين بما في ذلك استثمارات في لبنان.
ومن المقرر أن يرأس الاجتماع، الذي يُعقد في السعودية، رئيس الوزراء اللبناني ومسؤول سعودي كبير.
وارتفعت السندات الحكومية اللبنانية المقومة بالدولار عقب تصريحات وزير المالية السعودي. وصعد الإصدار المستحق في 2029 بواقع 3,8 سنت مسجلاً أكبر زيادة يومية على الإطلاق ليصل إلى 66 سنتاً للدولار. وارتفعت السندات المستحقة في 2037 بواقع 3,6 سنت في أكبر زيادة يومية لها أيضا لتصل إلى 66,6 سنتاً للدولار، استناداً الى بيانات "تريدويب".
وقالت "رويترز" إن ان لبنان، المثقل بأحد أكبر أعباء الدين في العالم، يهدف إلى تطبيق إصلاحات طالما تأجلت لوضع المالية العامة على مسار مستدام.
وزاد الحافز لتطبيق الإصلاحات نتيجة ركود الاقتصاد وتباطؤ تدفق العملة الصعبة من اللبنانيين في الخارج، وهي مصدر رئيسي منذ أمد طويل لتمويل عجز الموازنة وعجز ميزان المعاملات الجارية.
وقال تيم آش الخبير الاستراتيجي المعني بالأسواق الناشئة لدى "بلوباي" لإدارة الأصول. "لا يستطيع لبنان الصمود بمفرده لأن معدلاته المالية لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي... مروعة للغاية، ومن ثم يحتاج إلى دعم خارجي ".
وأضاف: "أنا متشكك، لأنه سبق أن كان هناك حديث عن دعم من السعودية وقطر ولم يتحقق. لبنان لم يعد كما كان وأي دعم من السعودية سيكون مرتبطا بشروط: كبح نفوذ حزب الله".
الموازنة ووزير المال
وبدأ مجلس الوزراء أمس في السرايا جلساته المخصصة لمناقشة مشروع موازنة 2020 واقرارها ضمن المهلة الدستورية، على ان يعاود الجلسات الاثنين المقبل بعد عودة الرئيس الحريري من باريس. وبرز في هذا السياق المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير المال علي حسن خليل وشرح فيه تفصيلاً بصراحة وواقعية واسعتين معالم الموازنة وارقامها ومعالم الواقع المالي برمته من دون التستر على حقائق خطيرة كالتأكيد ان النمو سيكون صفراً أو سلبياً. وقال: "انطلقنا في إعداد هذه الموازنة من خلفية واضحة هي أن الوضع الاقتصادي والمالي في البلد صعب جداً ومعقد، وقد تراكمت مجموعة من العناصر التي زادت الضغط على البلد، أهمها وأخطرها أنّ مستوى النمو يعادل الصفر إن لم يكن سلبياً، وبالتالي هذا الأمر أدى إلى ازدياد الضغط على احتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، وتراكم العجز في المالية العامة، وخدمة الدين مع ارتفاع الفوائد أصبحت متحركة إلى الأعلى، وبالتالي أثّر هذا الوضع على الاستهلاك وزاد الركود الاقتصادي". وشدد على انه "سيكون هناك التزام حرفي ودقيق لموازنة 2019 لجهة النفقات، أما في موضوع الواردات فلدينا مشكلة نتيجة التأخّر في صدور الكثير من المراسيم التطبيقية لبعض المواد التي تشكل إيرادات في العام 2019، وحتى الآن لم نبدأ بتحصيلها". ولاحظ ان "عندنا مجموعة كبيرة من المؤسسات العامة أي 94 مؤسسة عامة ومرفقاً عاماً. كل هذا نموذج عن هذه المؤسّسات اليوم، وبالتأكيد هناك عدد كبير منها لم نعد بحاجة إليه وهناك عدد يمكن دمجه بإدارات أخرى وهناك مؤسّسات يجب أن تخفّض نفقاتها، وهناك مؤسسات يجب أن ترفد الماليّة بواردات إضافيّة، أي أننا نتحدّث في هيكلة القطاع العام على مستوى الإدارات والمؤسسات العامة". وأوضح ان "مجموع النفقات في موازنة 2020 هو 25600 مليار؛ مخصصات ورواتب وأجور وملحقاتها 9779 ملياراً؛ كهرباء لبنان 1500 مليار؛ وخدمة الدين 9219 ملياراً؛ وتحويلات إلى المؤسّسات 3699 ملياراً؛ والنفقات الاستثماريّة هي المبلغ المتبقي والمحدود جداً خارج إطار الوزارات أو الإنفاق الذي هو 1402 مليار". وعرض جدولاً يلخص ما يمكن القيام به خلال السنوات الثلاث المقبلة، مؤكداً "أنّ لا ضرائب ولا رسوم في هذه الموازنة وفيها بعض الإصلاحات التي لها علاقة بأمور إداريّة بحتة كانت تعيق بشكل أو بآخر انتظام الماليّة العامة".
وفي ما يتعلق بإصدار اليوروبوند، قال: "نعم لدينا النية لطرح اصدار بالعملات الاجنبية بحدود الملياري دولار. سنبدأ قريباً جداً بإعداد الاجراءات التنفيذية له. لا أستطيع ان أتكلم عن نسبة الفائدة الآن، سنتبع السوق، لكني متأكد من انها ستكون أقل بكثير من الـ 14,7% وكما سمعنا اليوم، هناك اشارات ايجابية بدأت تعكس نفسها على اسعار السندات في الخارج". | |
|