| | التاريخ: أيلول ١٧, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة الشرق الأوسط | | تحليل إخباري: موسكو تعول على «ضبط الساعات» مع أنقرة وطهران | موسكو: رائد جبر
لم يُخفِ الكرملين، أمس، درجة الاهتمام التي توليها موسكو للقمة الثلاثية بأنقرة، في إطار ما وصفها يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس، بأنها عملية «إعادة ضبط الساعات» في الملفات الأساسية المطروحة. ومع الإشارة إلى التركيز الروسي على 3 ملفات؛ هي: الوضع حول إدلب، ومسألة تشكيل اللجنة الدستورية، وملف الوضع الإنساني الذي تندرج فيه؛ وفقاً للكرملين، مسائل عودة اللاجئين، وتقديم مساعدات دولية، وإعادة الإعمار، ونزع الألغام... لكن الديوان الرئاسي تجنب في الوقت ذاته، الحديث عن اختراقات متوقعة في الملفات المطروحة على الطاولة، وفضل الإشارة إلى التطلع نحو «مواصلة عمليات التنسيق مع الطرفين الإيراني والتركي».
وبدا أن ملف تشكيل اللجنة الدستورية ما زال يراوح عند «خلافات محدودة جداً» وفقاً لتأكيد الكرملين، رغم المحاولة الروسية لتجاوز العقبات القائمة، وهو ما برز من خلال إرسال المبعوث الرئاسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف في زيارة عاجلة إلى دمشق، في 12 سبتمبر (أيلول) الحالي، هدفت إلى دفع هذا الملف.
وأكد أوشاكوف تطلع موسكو إلى تحقيق «تقدم قريب» في ملف «الدستورية»، وقال إن «إتمام عملية تشكيل اللجنة وإطلاق عملها توافقاً مع قرارات مؤتمر الحوار السوري المنعقد في يناير (كانون الثاني) 2018 في مدينة سوتشي، سوف يطلق مرحلة مهمة ضمن جهود تفعيل العملية السياسية. ونعدّ تشكيل اللجنة الدستورية فرصة فريدة لإطلاق حوار مباشر بين السوريين؛ سيكون الأول حول مستقبل بلادهم». وكشف بوتين، أمس، عن جانب من «المسائل العالقة» حول هذا الملف، خلال إشارته إلى أن «مسألة تشكيلة اللجنة الدستورية تقريباً اكتملت، والنقاشات متواصلة حول آليات عملها، ومن المهم أن يكون عملها مستقلاً وألا تخضع لأي ضغوط أو تدخل خارجي».
في المقابل، ترى أوساط روسية أن قمة أنقرة يمكن أن تكون نقطة تحول أساسية في معالجة الوضع حول إدلب، وقال لـ«الشرق الأوسط» مصدر قريب من وزارة الخارجية إن موسكو تتطلع إلى «وضع إطار لعمل تركي - روسي مشترك يستند إلى اتفاق الرئيسين رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين في شأن القيام بخطوات محددة خلال اللقاء الذي جمعهما في موسكو الشهر الماضي». ووفقاً للمصادر، فإن «الأسابيع الماضية شهدت حوارات مكثفة على المستوى العسكري في البلدين، ونتائج هذا الجهد سوف تقدم إلى الرئيسين وإلى القمة الثلاثية».
ورغم أن المصادر الروسية تتجنب الإشارة إلى طبيعة «الخطوات المشتركة» التي يمكن القيام بها، فإن الأوساط العسكرية والدبلوماسية ركزت خلال الأيام الأخيرة على أنه «لا بديل عن إنهاء ملف وجود الإرهابيين في إدلب، واستكمال بسط سيطرة الحكومة السورية على أراضيها». كما قال أمس، فلاديمير جباروف، نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الفيدرالية (الشيوخ) الروسي، لافتاً إلى تطلع لأن تضع القمة «ترتيبات محددة على صعيد التحرك الروسي - التركي المشترك».
وفي هذا الإطار، كانت مصادر روسية أشارت في وقت سابق في حديث إلى «الشرق الأوسط» إلى أن «التطورات الميدانية التي جرت خلال الأشهر الأخيرة، غيرت كثيراً من ملامح اتفاق سوتشي المبرم بين موسكو وأنقرة، والجهد ينصب حالياً على التوصل إلى تفاهمات تستند إلى اتفاق سوتشي لجهة المحافظة على التعاون الروسي - التركي، لكنها تأخذ في الاعتبار الوضع الميداني الجديد، لجهة اتساع رقعة سيطرة القوات النظامية في منطقة خفض التصعيد، كما تأخذ في الاعتبار التطور المتعلق بوجود روسيا المباشر في هذه المنطقة، مما يعني أن موسكو لم تعد تنتظر تحركاً منفرداً من جانب أنقرة لتنفيذ التزاماتها السابقة بموجب اتفاق سوتشي».
وبرزت أهمية إضافية للقمة الثلاثية بالنسبة إلى موسكو، من خلال تأكيد الكرملين أنها «تمهد لعقد اجتماع جديد لقمة تضم رؤساء روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا»، وهو أمر تعول عليه موسكو كثيراً في دفع جهودها في ملفات المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين.
ورأى خبراء أن الإنجاز الأكبر في القمة أنها تؤكد على «استمرار التنسيق الروسي - التركي - الإيراني» رغم بروز ملفات فيها تباينات مختلفة بين الأطراف، وهو الأمر الذي عناه الكرملين بعبارة «إعادة ضبط الساعات». وأوضح الخبير الروسي ستانيسلاف تاراسوف وجهة النظر الروسية حول الخلافات التي برزت حيال ملفات عدة بين أطراف المحور الثلاثي، ونقلت عنه صحيفة «إزفيستيا» أن «التحالف القائم في إطار (محور آستانة) معقد وغير تقليدي، لذلك لا يمكن تجنب ظهور صعوبات». وعلى سبيل المثال، قال الخبير إن تركيا تعارض في الرؤية الروسية للتسوية إحدى النقاط المتعلقة بمشاركة التشكيلات الكردية في مفاوضات محتملة. في حين أن ثمة وجوهاً أخرى للتباينات مع طهران.
ووفقاً لتاراسوف، فإنه، مع ذلك، لا يمكن تجاهل أن التعاون بين أنقرة وموسكو في المجال العسكري ومجالات أخرى أوسع وأكثر عمقاً من التعاون بين موسكو وطهران.
ولفت الخبير إلى تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أخيراً حول «انتهاء الحرب في سوريا»، مشيراً إلى أن أطراف «آستانة» الثلاثة تتفاوت وجهات نظرهم في تقييم الأهداف؛ وأنه «قد لا تتفق تركيا وإيران مع روسيا في أن الحرب وضعت أوزارها»، مشيراً مع ذلك، إلى أن «مسيرة القمم الثلاثية منذ أن وضعت أول قمة ملامح مناطق خفض التصعيد، دلّت إلى أن كل اللقاءات لها أهمية خاصة في وضع ترتيبات مشتركة ومحاولة التوصل إلى توافقات حول القضايا التي تظهر خلال العمل المشترك». | |
|