التاريخ: أيلول ١٢, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
هل ينجح اليسار المشتت بتونس في انتزاع السلطة عبر بوابة الرئاسيات؟
تقدم بأكثر من مرشح بعد أن عرفت صفوفه انقسامات حادة
تونس: «الشرق الأوسط»
يتطلع اليسار التونسي خلال الانتخابات الرئاسية، المقررة الأحد المقبل، إلى أن تكون رميته الثالثة ثابتة هذه المرة في مسعاه للصعود إلى السلطة، وذلك للمرة الأولى منذ انتخابات 2011، تاريخ بدء الانتقال الديمقراطي في البلاد.

فبعد أن ناضل رموزه طويلاً ضد حكم الاستبداد، شكلت الأحزاب اليسارية رأس حربة المعارضة في البرلمان، منذ الانتخابات الأولى التي أعقبت ثورة 2011، وبرغم كونها أقلية فإنها نجحت في أن تسمع صوتها، وتعدل قرارات الأغلبية الحاكمة في كثير من مشروعات القوانين.

ولم يكن حضور الأحزاب اليسارية مؤثراً في المجلس الوطني التأسيسي عام 2011، والذي كلف بصياغة دستور جديد للبلاد، كونها تقدمت إلى انتخابات ذلك العام في أحزاب مشتتة. لكن رغم ذلك لعبت دوراً محورياً في الاحتجاجات الشعبية، التي أرغمت الإسلاميين على التنحي عن الحكم في سنة 2013 بعد حادثتي اغتيال سياسي، والتمهيد لصعود حكومة تكنوقراط، عبر حوار وطني، وتولت الإشراف على تنظيم انتخابات 2014.

في تلك الانتخابات كونت أغلب الأحزاب اليسارية ائتلافاً تحت غطاء «الجبهة الشعبية»، فنجحت في احتلال المركز الرابع في الانتخابات التشريعية بنسبة 9.‏6 في المائة من أصوات الناخبين، وحصولها على 15 مقعداً. لكن الجبهة رفضت آنذاك الانضمام إلى الائتلاف الحكومي، وفضلت البقاء في المعارضة.

أما في الانتخابات الرئاسية السابقة فقد انسحب مرشحها التاريخي حمة الهمامي من الدور الأول، بعد أن حل ثالثاً بنسبة 82.‏7 في المائة من الأصوات، خلف الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، ومنافسه في الدور الثاني الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.

واليوم، تبدو المهمة في رئاسية 2019 أكثر صعوبة أمام اليسار، وذلك بسبب الانشقاقات التي دبت في صفوف «الجبهة الشعبية»، وتقدم أكثر من مرشح في السباق الرئاسي، وهو ما قد يفضي في النهاية إلى تشتت أصوات الناخبين، ويضعف فرص الوصول إلى قصر قرطاج.

بهذا الخصوص، يقول المؤرخ والمحلل السياسي خالد عبيد لوكالة الأنباء الألمانية: «أعتبر فرص اليسار منعدمة، لأن هذا التيار فوّت على نفسه استثمار حادثتي اغتيال شكري بلعيد، ومحمد البراهمي في انتخابات 2014. واستنفد بعد ذلك هذا الرصيد الهام جراء ضيق أفق القياديين داخله... أضف إلى كل ذلك حالة التشظي داخل اليسار، وتقديمه اليوم 3 مرشحين، بعضهم قد لا يتعدى نسبة واحد في المائة من أصوات الناخبين».

لكن السياسي سليم بوخذير، وهو عضو في حملة المرشح حمة الهمامي، قلّل من تأثير هذا الانقسام على حظوظ مرشحه وشعبيته لدى الناخبين، بقوله: «الإحصائيات لدينا تقول إننا نحافظ على موقعنا لدى الناخبين. والرأسمال الحقيقي لحزبنا هو الصورة الرمزية للمناضل حمة الهمامي. نحن نمثل اليسار الحقيقي، ولا نتقاطع مع اليمين ولا نغازله، كما نملك إرثاً نضالياً قبل 2011».

وتابع بوخذير بنبرة متفائلة: «الوضع السياسي مهيأ اليوم لصعود اليسار إلى الحكم، لأن اليمين بصدد الانهيار. لدينا مضامين بديلة، وسنذهب إلى أصل الداء».

وسيواجه حمة الهمامي (67 عاماً)، زعيم حزب العمال وممثل ائتلاف الجبهة الشعبية، رفيقه السابق في الجبهة المنجي الرحوي (56 عاماً) عن حزب الوطنيين الديمقراطيين ومكونات أخرى من اليسار السياسي، إلى جانب 24 مرشحاً آخر في السباق الرئاسي الحالي.

ويقدم الرحوي، وهو نائب في البرلمان منذ 2011 وموظف في القطاع المصرفي، نفسه كمرشح بديل لليسار، حاملاً في برنامجه الانتخابي شعار «أولوية تحقيق الأمن الغذائي والسيادة على الثروات الوطنية، ومكافحة الإرهاب». لكن الشكوك تحوم حول مدى قدرة الرحوي على المنافسة في السباق الرئاسي.

كما سيكون أيضاً عبيد البريكي (62 عاماً)، الناشط النقابي السابق والمحسوب على تيار اليسار، من بين المرشحين البارزين عن حزب «حركة أمل تونس».

علماً بأن البريكي سبق له أن شغل منصب وزير الوظيفة العمومية، وهو يركز في برنامجه الانتخابي على إطلاق مشروعات تقوم على التقشف والنهوض الاجتماعي، مثل خفض نفقات الدولة وتجميد الأجور والأسعار، وإعلان هدنة اجتماعية.

لكن بشكل عام، لن تكون المنافسة، حسب عدد من المراقبين، سهلة لليسار في مواجهة مرشحي باقي العائلات السياسية، وفي مقدمتهم عبد الفتاح مورو مرشح حركة النهضة الإسلامية، أو مرشحي التيار الليبرالي مثل رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد عن حزب «حركة تحيا تونس»، ورئيس الحكومة السابق المهدي جمعة عن «حزب البديل»، أو وزير الدفاع الحالي عبد الكريم الزبيدي، والرئيس السابق المنصف المرزوقي.

لكن سليم بوخذير يرى فرصاً حقيقية للمنافسة، ويقول إن «اليمين حكم لأكثر من 60 عاماً، ونحن نشاهد حتى اليوم المآلات، فهو لا يزال ميالاً إلى القمع والشمولية والبعد الطبقي وعلاقاته بالإمبريالية، هذا بجانب الغلاء، وتدهور أوضاع الطبقات السحيقة».