|
|
التاريخ: أيلول ١١, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
بعدما ظلت ملاذاً لهم لسنوات... تركيا تدير ظهرها للاجئين السوريين |
إعادة اللاجئين رسالة إلى خصوم إردوغان في الداخل والخارج |
أنقرة: «الشرق الأوسط أونلاين»
منذ أسابيع عدة، بدأت تركيا في ترحيل آلاف اللاجئين السوريين من مدنها الرئيسية، وقامت بنقل الكثير منهم إلى حدودها مع سوريا في حافلات بيضاء وعربات للشرطة، وذلك بعد أن كانت تعتبر ملاذاً لملايين من هؤلاء اللاجئين خلال السنوات الثماني الماضية.
وتسيطر تركيا، التي تستضيف 3.6 مليون لاجئ سوري، على أجزاء من شمال سوريا، حيث تقول إن 350 ألف سوري عادوا بالفعل إلى هناك، وتقيم «منطقة آمنة» مع الولايات المتحدة في الشمال الشرقي، حيث قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إنه يمكن نقل المزيد إليها.
وهدد إردوغان، الذي كان يُنظر إليه على أنه منقذ اللاجئين السوريين، الخميس الماضي بفتح الحدود أمام اللاجئين إلى أوروبا حال عدم تقاسم الأعباء مع تركيا، قائلاً إن بلاده أنفقت على اللاجئين المقيمين على أراضيها نحو 40 مليار دولار، وإن المساعدات الخارجية التي وصلت إلى اللاجئين لا تتجاوز 3 مليارات يورو.
وقد زاد استياء إردوغان ضد السوريين، بعد أن فرّ مئات الآلاف من اللاجئين إلى الحدود التركية إثر هجمات لروسيا والنظام السوري في إدلب، حيث إنه قال إن التطورات الحاصلة في هذه المحافظة السورية تنذر بخطر تدفق أفواج جديدة من اللاجئين نحو تركيا، قد تصل أعدادهم إلى المليون.
ومنح الاتحاد الأوروبي تركيا نحو 6.7 مليار دولار منذ عام 2015 للمساعدة في السيطرة على تدفق المهاجرين. لكن تركيا تقول إن مشكلة المهاجرين تتزايد بشكل كبير جداً.
وأدار السوريون أنظارهم إلى أوروبا مرة أخرى، حيث زاد عدد المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بطرق غير شرعية بشكل ملحوظ الشهر الماضي، وأغلبهم سوريون. وقد وصل أكثر من 500 لاجئ على متن قارب إلى جزيرة ليسبوس اليونانية قبل أسبوع.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، يرجع كثيرون التحول الذي حدث في سياسة إردوغان تجاه اللاجئين إلى هزيمة حزبه في انتخابات رئيس بلدية إسطنبول في يونيو (حزيران) الماضي، حيث أكدوا أن هذه الهزيمة جاءت نتيجة لارتفاع معدلات البطالة والتضخم، التي يقول بعض الأتراك إن السوريين ساهموا فيها بشكل كبير.
ومؤخراً، كثفت وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية من انتقادها للاجئين السوريين، في الوقت الذي تعجّ فيه وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات المناهضة لسوريا.
بالإضافة إلى ذلك، قام المسؤولون الأتراك باتخاذ إجراءات صارمة ضد السوريين الذين يعملون بشكل غير قانوني أو من دون أوراق إقامة، وفرض غرامة على أصحاب العمل الذين يشغلون اللاجئين من دون إذن عمل.
فعلى سبيل المثال، قال فاتح بلماز، المتحدث باسم منطقة إسنيورت في إسطنبول، والتي تعرف باحتضانها عدداً كبيراً من العمالة السورية، إن البلدية أصبحت توفر حافلات لنحو 100 شخص في الأسبوع للعودة إلى سوريا.
وأضاف بلماز، إن مغادرة هؤلاء الأشخاص «ستسعد المواطنين الأتراك حتى وإن اشتكى أصحاب المصانع وأصحاب العقارات من فقدان عمال ومستأجرين».
ويعد هذا التحول في السياسة والموقف التركي تجاه اللاجئين السوريين بمثابة صدمة مؤلمة لهم.
وقال مهند غباش، وهو سوري يعمل في منظمة غير حكومية في مدينة غازي عنتاب الجنوبية، بالقرب من الحدود السورية: «إن هذا الترحيل كارثة للشعب السوري».
وأضاف: «تم إخبار العمال السوريين بضرورة الحصول على تصاريح عمل ودفع الضمان الاجتماعي حتى يتمكنوا من الإقامة في تركيا، لكن الكثيرين لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف الإضافية».
يذكر أنه في فبراير (شباط) الماضي، قام ضباط شرطة في غازي عنتاب بزيارة عدد من متاجر البقالة والمعجنات السورية وأمروا أصحابها بإزالة اللافتات التي تحتوي على كتابات باللغة العربية، مهددين إياهم بفرض غرامة كبيرة عليهم إذا لم يمتثلوا لهذا الأمر.
وقد قالت تقارير إعلامية في ذلك الوقت، إن هذا القرار اتخذ للتخفيف من السخط الشعبي الناشئ عن تزايد أعداد اللاجئين السوريين في المدينة.
وتعليقاً على ذلك، قال محمد الأزور، وهو صاحب متجر حلويات في المدينة، إنه قام بتغطية مقولة بالعربية لجلال الدين الرومي كانت معلقة على الحائط داخل متجره خوفاً من الغرامة.
وأضاف قائلاً: «غرامة واحدة من الشرطة سترهقني بشدة. أنا لست عبئاً على أحد. جئت من حلب ومعي أموالي الخاصة وفتحت بها هذا المتجر، فلا تضغطوا علينا ودعونا نعيش».
وبحسب تقرير «نيويورك تايمز»، يشكل السوريون نحو 20 في المائة من سكان غازي عنتاب، وقد قاموا باستثمار رؤوس أموالهم بها.
ويرفض السوريون بالمدينة اتهامهم بالمساهمة في تدهور الاقتصاد التركي، ويقول نور موسيلي، وهو مصنّع للنسيج خسر مصنعاً بقيمة 12 مليون دولار في حلب في الحرب، وقام بفتح متجر لملابس الرجال في غازي عنتاب «يمكننا العمل والإنتاج في أي مكان يتم وضعنا فيه. أعمالنا فائدة صافية للاقتصاد التركي».
وسبق أن صرّحت رئيسة بلدية غازي عنتاب، فاطمة شاهين، وهي مسؤولة رفيعة المستوى في حزب إردوغان، بأنها مؤيدة قوية لوجود اللاجئين السوريين بالمدينة، مشيرة إلى أنهم قاموا بتعزيز اقتصادها بشكل ملحوظ، إلا أنها أكدت «ضرورة امتثال هؤلاء اللاجئين للقوانين التركية».
وأوضحت قائلة: «ما نقوله للسوريين هو أن هناك قواعد للعيش هنا؛ لذلك عليك أن تطيع هذه القواعد».
لكن السوريين يرون أن السياسات الجديدة تهدف إلى دفعهم لمغادرة البلاد. وقال عبد الكريم الرحمن، الذي يدير فرعاً من عطور سورية شهيرة في غازي عنتاب: «إنهم يريدون إقناعنا بأنه من الأفضل أن نرحل إلى المنطقة الآمنة».
وقد أشارت فاطمة شاهين إلى أنها تؤيد خطة إنشاء منطقة آمنة في سوريا، وتتوقع أن ينتقل نصف اللاجئين السوريين البالغ عددهم 500.000 لاجئ إلى هذه المنطقة.
إعادة اللاجئين السوريين رسالة إلى خصوم إردوغان في الداخل والخارج
غازي عنتاب: «نيويورك تايمز»
شرعت تركيا في عكس مسارها المعتمد منذ أكثر من ثماني سنوات من حيث الترحيب بملايين اللاجئين السوريين على أراضيها وبدأت، خلال الأسابيع الأخيرة، في إجبار الآلاف منهم على سرعة مغادرة المدن التركية الرئيسية مع نقل الكثير منهم إلى المناطق المتاخمة للحدود التركية السورية في حافلات بيضاء اللون ترافقها سيارات الشرطة المحلية.
ويحاول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الدفع في مسار أحد الحلول الجذرية المتمثل في إعادة توطين اللاجئين السوريين في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد داخل البلاد. وإن تعذر تحقيق ذلك، فإنه يهدد بإرسال طوفان من اللاجئين السوريين إلى أوروبا.
وكان الرئيس التركي يطالب منذ فترة طويلة بإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود التركية مع سوريا للحيلولة دون تقدم القوات الكردية التي يعتبرها تشكل تهديداً أمنياً خطيراً على بلاده. بيد أنه أعاد النظر في تلك الفكرة، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، لاستخدامها منطقة يتجمع فيها المواطنون السوريون الهاربون من ويلات الحرب الأهلية في بلادهم - وذلك مع ارتفاع حالة الاستياء الشعبي داخل تركيا من تواجد السوريين بكثرة في البلاد، فضلاً عن الهجوم العسكري الروسي - السوري، الذي ما زال يدفع بمئات الآلاف من اللاجئين الفارين من أعمال القتال المستعرة في اتجاه الحدود التركية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد منح تركيا نحو 6.7 مليار دولار منذ عام 2015 للمساعدة في السيطرة على تدفقات المهاجرين الذين يقصدون مختلف المدن الأوروبية. لكن تركيا، التي وفرت الملاذ الآمن لأكثر من 3.6 مليون لاجئي سوري منذ بدء الحرب الأهلية السورية، تقول إن مشاكل المهاجرين في زيادة مطردة.
وشرع اللاجئون السوريون في تحويل أنظارهم صوب أوروبا مرة أخرى. وذكر المسؤولون الأتراك والدوليون، أن هناك زيادة ملحوظة في عدد المهاجرين واللاجئين الذين يحاولون العبور بالقوارب من تركيا إلى أوروبا، وأن الكثيرين منهم مواطنون سوريون يغادرون مدينة إسطنبول منذ بدء حملة الشرطة التركية هناك. وتمكن أكثر من 500 لاجئ من الوصول إلى جزيرة ليسبوس اليونانية على متن أحد القوارب الأسبوع الماضي.
وتتخذ السلطات التركية إجراءات صارمة في الآونة الأخيرة بحق السوريين الذين يعملون بشكل غير قانوني أو من دون أوراق رسمية، مع فرض الغرامات المالية على أرباب الأعمال، وإجبار المصانع والورش على الإغلاق. وواصلت وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة الهجوم على اللاجئين السوريين، واتجه أصحاب العقارات والممتلكات إلى رفع القيم الإيجارية التي يتقاضونها منهم، كما تعج مختلف منصات التواصل الاجتماعي التركية بالتعليقات المناهضة، وربما المسيئة لوجود اللاجئين السوريين في البلاد.
أما بالنسبة إلى السوريين الذين يعيشون حالياً في تركيا، فإن تحول الموقف السياسي للحكومة التركية ضدهم يشكل صدمة عنيفة ومؤلمة للغاية. يقول مهند غباش، أحد النشطاء العاملين لدى منظمة غير حكومية في مدينة غازي عنتاب التركية الجنوبية القريبة من الحدود السورية لـ«نيويورك تايمز»: «إنها كارثة جديدة حلت على رؤوس الشعب السوري».
وأضاف، أن السلطات أبلغت العمال السوريين في البلاد بضرورة الحصول على تصاريح قانونية للعمل مع سداد رسوم الضمان الاجتماعي للإقامة، غير أن الكثيرين من اللاجئين السوريين لا تتحمل ظروفهم الراهنة سداد التكاليف الإضافية، وحتى إن تمكنوا من ذلك بطريقة أو بأخرى، فإنهم يخشون من فرض المزيد من القواعد عليهم، ومن بينها إحدى اللوائح التي تطالب بتوظيف خمسة مواطنين أتراك في مقابل تعيين كل لاجئ سوري في أي شركة عاملة في البلاد.
وقام ضباط الشرطة التركية بزيارة أحد محال البقالة والمعجنات السورية في غازي عنتاب، وطلبوا من أصحابه إزالة اللافتات المكتوبة باللغة العربية على واجهة المتجر أو مواجهة الغرامة المالية، محاولين في ذلك إنفاذ القانون المحلي الذي يتجاهلون تنفيذه منذ ثماني سنوات كاملة. ولقد امتثل السوريون لتلك التعليمات، وأزالوا اللافتة العربية واستبدلوها بأخرى تحمل الحروف التركية ورفعوا الأعلام التركية كذلك إعلاناً منهم عن تضامنهم، لكن البعض منهم أعرب عن غضبه واستيائه؛ لأن ذلك سوف يُفقدهم بعض الزبائن الذين لا يفقهون اللغة التركية.
وتمكن المواطنون السوريون، الذين باتوا يشكلون الآن نسبة 20 في المائة من مواطن مدينة غازي عنتاب التركية، من تحويل وجه المدينة تماماً مع استثمار رؤوس الأموال، وجلب المزيد من مهارات العمل، فضلاً عن العمالة الرخيصة.
وأغلب اللاجئين السوريين في هذه المدنية قدموا من مدينة حلب السورية المنكوبة، ثاني أكبر المدن في البلاد التي شكلت في الماضي أحد أبرز المراكز التجارية والثقافية المتطورة. واستطاعوا إنشاء حي متخصص في صناعة المنسوجات في غازي عنتاب، حيث تتقاسم فيه الشركات السورية والتركية العمل والمباني والعمالة والأرباح. وذلك فضلاً عن مئات المقاهي، والمطاعم، والمتاجر، ومحال الحلويات التي تلبي احتياجات السكان هناك.
واستطاع عمال البناء السوريون ترميم بعض المواقع الأثرية المتهدمة في المدينة القديمة، ووجد عمال النحاس السوريون المهرة مكاناً لهم إلى جانب العمال الأتراك، وضربوا أروع الأمثلة بالتصاميم اليدوية المعقدة في أباريق النحاس والأطباق المزخرفة من داخل ورش العمل الصغيرة.
وتمكن نور موصللي، صانع المنسوجات الذي خسر مصنعاً بقيمة 12 مليون دولار في حلب بسبب الحرب، من جلب العمالة المدربة بصحبته، فضلاً عن قاعدة جيدة من العملاء في الشرق الأوسط عندما حاول البدء من جديد في مدينة غازي عنتاب، حيث يعمل في صناعة الملابس الداخلية للرجال.
وهو يقول عن أوضاعه الحالية هناك: «لدينا عملاؤنا وشركاؤنا الدوليون، فإن وضعتنا في أي مكان فسوف نعمل وننتج، مما يعود بالأرباح الصافية على الاقتصاد التركي».
وكانت العمدة فاطمة شاهين، وهي من كبار المسؤولين في حزب إردوغان الحاكم، من أبرز المؤيدين لوجود اللاجئين السوريين في البلاد من أجل دعم الاقتصاد عبر الأعمال التي جلبوها إلى المدينة، لكنها أضافت أنه يتعين عليهم احترام القوانين التركية. وقالت شاهين، من مدينة غازي عنتاب، إنها تؤيد الخطة الحكومية بإنشاء المنطقة الآمنة في سوريا، كما تتوقع انتقال نصف عدد اللاجئين السوريين في المدينة، والبالغ عددهم نحو نصف مليون لاجئ، إلى هذه المنطقة. وأضافت تقول: «سوف يمضي نصفهم إلى هناك، وإذا كانت الفرص جيدة وبدأت المدارس في العمل فسوف يشعرون بالأمان».
غير أن اللاجئين السوريين يرون أن الخطط والسياسات الجديدة تهدف أولاً إلى مغادرتهم البلاد. وقال عبد الكريم الرحمون، الذي يدير فرعاً لأحد متاجر العطور السورية المعروفة في غازي عنتاب: «يريدون منا الاعتقاد بأنه من الأفضل لنا ولمستقبلنا العودة إلى تلك المنطقة الآمنة».
هذا، ويتتابع على مدار الساعة وصول الشاحنات والحافلات التي تنقل اللاجئين السوريين إلى المعبر الحدودي بالقرب من بلدة كيليس المتاخمة للمنطقة الخاضعة للسيطرة التركية من شمال غربي سوريا.
ويمثل اللاجئون السوريون الذين جرى ترحيلهم جزءاً يسيراً من إجمالي اللاجئين السوريين المتواجدين حالياً في تركيا. غير أن عمليات الترحيل تبعث برسالة صارمة إلى خصوم إردوغان السياسيين بأنه يتخذ الإجراءات الرامية إلى تخفيض عدد اللاجئين في البلاد، فضلاً عن إشارة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بأنه في حاجة ماسة إلى حلول جديدة لتلك المشكلة.
وقالت لانا والش، الناطقة الرسمية باسم المنظمة الدولية للهجرة: «لا تسفر الظروف الراهنة عن العودة المنظمة للاجئين السوريين إلى بلادهم وإعادة توطينهم بكرامة وأمان».
* خدمة «نيويورك تايمز» |
|