التاريخ: آب ٣٠, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
معارك عنيفة بين قوات النظام وفصائل معارضة جنوب إدلب
الأمم المتحدة: الخطر يهدد 3 ملايين مدني وسوريون داخل تركيا مترددون في العودة إلى «المنطقة الآمنة»
بيروت - لندن: «الشرق الأوسط»
جرت معارك عنيفة بين قوات النظام السوري وفصائل جنوب محافظة إدلب في شمال غربي البلاد، في وقت ذكر دبلوماسيون أن مناقشات بدأت بين بعض أعضاء مجلس الأمن الدولي حول مشروع قرار يطالب بوقف لإطلاق النار في إدلب بسوريا، بمبادرة من الكويت، وألمانيا، وبلجيكا.

وقتل الخميس سبعة مدنيين، بينهم طفلان، في قصف طال قريتين في ريف إدلب الجنوبي، بحسب «المرصد»، غداة مقتل 12 مدنياً في غارات طالت أحياء سكنية في مدينة معرة النعمان.

وبعد أشهر من القصف الكثيف منذ نهاية أبريل (نيسان) على مناطق عدة في إدلب ومحيطها، بدأت قوات النظام في الثامن من الشهر الحالي هجوماً في ريف إدلب الجنوبي، حيث تمر الطريق الدولية التي تربط مدينة حلب شمالاً بالعاصمة دمشق.

وتمكنت قبل عشرة أيام من السيطرة على مدينة خان شيخون الواقعة على الطريق، وتحاول منذ ذلك الحين التقدم في محيطها أكثر.

وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بأن «قوات النظام تمكنت منذ ليل الأربعاء - الخميس من تحقيق المزيد من التقدم في ريف إدلب الجنوبي»، وسيطرت على بلدتي التمانعة والخوين، فضلاً عن ثلاث قرى شرق خان شيخون.

وأوضح مدير «المرصد»، رامي عبد الرحمن، أن «قوات النظام تسعى للتوسع أكثر في محيط خان شيخون والتقدم شمالاً باتجاه مدينة معرة النعمان»، التي تقع أيضاً على الطريق الدولية «هدف قوات النظام الرئيسي حالياً».

وتسيطر فصائل على جزء من الطريق الدولية يمر في ريف إدلب الجنوبي، وهو يربط أبرز المدن السورية الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، من حلب إلى حماة وحمص، وصولاً إلى دمشق والحدود الأردنية جنوباً.

وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) ومجموعات متشددة موالية لها على مناطق في إدلب ومحيطها. كما تنتشر فيها فصائل معارضة أقل نفوذاً.

وتقصف طائرات حربية سورية وروسية بشكل يومي مناطق عدة تمتد من ريف إدلب الجنوبي إلى بعض القرى في حماة الشمالي وصولاً إلى ريف اللاذقية الشمالي الشرقي.

وفي مدينة معرة النعمان، التي قتل فيها أمس 12 مدنياً، نصفهم أطفال، شاهد مصورون لوكالة الصحافة الفرنسية ليلاً مسعفين ينتشلون طفلاً غطت الدماء وجهه. وفي سيارة الإسعاف، وضع مسعف حنى رأسه حزناً في حضنه طفلاً رضيعاً بدا لونه أبيض من كثرة الغبار.

وفي المستشفى، شاهد المراسل جثث أربعة أطفال ممددة على الأرض وإلى جانبها جلس رجل يبكي واضعاً يديه على وجهه. ينحني الرجل أكثر بالقرب من الأطفال، ينظر إليهم وبدا أن عمر أكبرهم لا يتجاوز خمس سنوات.
وعلى أسرّة المستشفى نفسه، توزع أيضاً أطفال مصابون، بينهم طفلة جرى تضميد رأسها بالكامل، وآخر علق له مصل.

وخلال الليل، انهمك مسعفو الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) مستخدمين مصابيح صغيرة برفع الأنقاض بحثاً عن ناجين أو قتلى.

ومحافظة إدلب ومحيطها مشمولة باتفاق روسي تركي تمّ التوصل إليه في سوتشي في سبتمبر (أيلول) ونص على إقامة منطقة منزوعة السلاح، من دون أن يُستكمل تنفيذه. وخلال تقدمها في خان شيخون وريف حماة الشمالي الأسبوع الماضي، طوقت قوات النظام نقطة مراقبة تركية في بلدة مورك، هي الأكبر من بين 12 نقطة مماثلة تنشرها أنقرة في إدلب ومحيطها بموجب الاتفاق مع روسيا.

ودفع التصعيد المستمر منذ نحو أربعة أشهر أكثر من 400 ألف شخص إلى النزوح من المنطقة، بينما قتل أكثر من 950 مدنياً، وفق «المرصد».

في نيويورك، ذكر دبلوماسيون، أن مناقشات بدأت خلال الأسبوع الحالي بين بعض أعضاء مجلس الأمن الدولي حول مشروع قرار يطالب بوقف لإطلاق النار في إدلب بسوريا، بمبادرة من الكويت وألمانيا وبلجيكا.

ويهدف مشروع القرار أيضاً إلى وقف الهجمات على منشآت طبية في هذه المنطقة الواقعة في شمال غربي سوريا، ومطالبة الأطراف المتحاربة بحماية المدنيين والطواقم الطبية، حسب المصادر نفسها.

ويأتي ذلك بينما استمع مجلس الأمن الخميس إلى تقارير حول الوضع الإنساني في سوريا وتقدم الوساطة السياسية التي يقوم بها مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن.

وقال دبلوماسي غربي، طالباً عدم كشف هويته «نحتاج إلى قرار متين»، مؤكداً ضرورة حشر روسيا في الزاوية لوقف الممارسات ضد المدنيين والمنشآت المدنية. وذكر مصدر دبلوماسي آخر، أن جلسة أولى لأعضاء مجلس الأمن الدولي يفترض أن تعقد قبل نهاية الأسبوع الجاري.

الأمم المتحدة: الخطر يهدد 3 ملايين مدني في إدلب

نيويورك: «الشرق الأوسط أونلاين»
وصف موفد الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، أمس (الخميس)، أمام مجلس الأمن، العمليات التي تنفذها دمشق بدعم من روسيا، بأنها لا يمكن أن تبرر تعريض ثلاثة ملايين مدني للخطر في منطقة إدلب.

وقال بيدرسون إنه إذا كانت هجمات المجموعات المتطرفة «يجب أن تتوقف»، فإن العمليات «المضادة للإرهاب لا يمكن أن تعرض للخطر ثلاثة ملايين مدني من حقهم أن يحظوا بحماية بموجب القانون الإنساني»، وأضاف أن «الأفعال التي تؤدي إلى قتل السكان ونزوحهم يجب أن تتوقف الآن».

من جهته، رأى مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، أن مجلس الأمن «يستطيع اتخاذ تدابير ملموسة الآن لحماية المدنيين وضمان الاحترام الكامل للقانون الدولي الإنساني»، مذكّراً بأن ثلثي المدنيين المحاصرين في إدلب هم نساء وأطفال، واعتبر بدوره أنه «لا مبرر أبداً» لتدمير المناطق المدنية كما يحدث اليوم.

وقال السفير الأميركي جوناثان كوهين، إن النظام السوري وروسيا «ليسا صادقين حين يقولان إنهما لا يسعيان إلى حل عسكري للنزاع»، مؤكداً أن الولايات المتحدة «ترفض ذريعة عمليات مكافحة الإرهاب»، وأضاف: «ما نشهده ليس عمليات مضادة للإرهاب».

وبمبادرة من بلجيكا والكويت وألمانيا يصوّت مجلس الأمن في موعد لم يحدد على مشروع قرار يطالب بوقف فوري للأعمال القتالية في شمال غربي سوريا، مع حماية المنشآت المدنية، خصوصاً الطبية. كذلك، يطالب المشروع الذي اطلعت عليه «وكالة الصحافة الفرنسية»، بتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل أنحاء سوريا.

ولا يزال الموقف الروسي من المشروع غير معروف.

سوريون داخل تركيا مترددون في العودة إلى «المنطقة الآمنة»
القامشلي (شمال شرقي سوريا): كمال شيخو
يملك راشد، الذي وُلد في بلدة تل أبيض بريف الرقة الشمالي، متجراً صغيراً للملابس الجاهزة في السوق القديمة بمدينة غازي عنتاب التركية، ويبيع الثياب النسائية وملابس الأطفال، ويعمل على مدار 12 ساعة لخدمة زبائنه، وجلّهم من السوريين المقيمين في تركيا، لكنه لم يكترث كثيراً للاتفاق التركي - الأميركي حول إنشاء «منطقة آمنة» في بلده سوريا.

يروي راشد كيف ترك منزله وأملاكه في أواخر 2013 بعد سيطرة عناصر تنظيم «داعش» وقتذاك على مدينته، ولجأ إلى تركيا قبل 6 سنوات، ويمارس مهنة تجارة الألبسة، القريبة من عمله القديم. وقال: «حدود هذه المنطقة ستكون مغلقة؛ فمن جهة (الوحدات)، ومن جهة ثانية النظام، ومن جهة ثالثة فصائل (درع الفرات)»، مضيفاً أنّ العمل الصناعي والتجاري يحتاج إلى مدن كبيرة وأسواق منتعشة وحدود مفتوحة داخلياً وخارجياً، أما ما يخص المناطق المعنية فتقع في ريف الحسكة والرقة، مشيراً إلى أن «معظمها ريفية ومقطعة الأوصال، ولن أعمل في منطقة مثل هذه أو أنتقل للعيش فيها».

وتهدف تركيا إلى إعادة نحو 3 ملايين ونصف المليون لاجئ سوري يقيمون على أراضيها منذ اندلاع الأزمة ببلادهم في ربيع 2011، وهو تعهد قطعه الرئيس التركي إردوغان أمام شعبه. وتعالت انتقادات من داخل الحزب الحاكم في تركيا تحمّل خسارتهم في انتخابات بلدية إسطنبول للسوريين.

أما عدنان (40 سنة)، المتحدر من مدينة الحسكة، فقد خرج من سوريا بداية 2017 بعد احتدام المعارك آنذاك بين «قوات سوريا الديمقراطية» و«داعش» المتطرف، وكانت مقسمة بين 3 جهات عسكرية؛ وكان النظام الحاكم يبسط سيطرته على مربع أمني يشمل مركز المدينة والمقار الحكومية. وقد طالب عدنان بضرورة توفير موجبات العودة وتطمين السكان، خصوصاً المنحدرين من هذه المناطق، لافتاً: «يجب أن تكون بضمانات دولية، ويحكمها مجلس حكم محلي مقبول وتحت حماية قوة عسكرية منضبطة، إلى جانب فرض حظر جوي».

بينما يعيش أحمد (31 سنة) المتحدر من مدينة الرقة، في ولاية غازي عنتاب، ويقدر عدد السوريين فيها بنحو 350 ألف لاجئ، وقد خرج من سوريا بعد إحكام تنظيم «داعش» قبضته على مسقط رأسه، وبعد تحريرها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2017 لم يتمكن من العودة «بسبب الدمار والخراب الذي طالها، لذلك ننتظر حتى تتحسن الظروف». ويتابع عن كثب الأخبار المتواترة عن إنشاء منطقة عازلة على حدود مدينته، واستبعد عودته في الوقت القريب، ويعزو السبب إلى أن «المنطقة المفترض إنشاؤها لن تكون آمنة كما يروج لها؛ إذ تم إقرارها إرضاءً لتركيا، وستكون أشبه بمناطق (درع الفرات) و(غصن الزيتون) وستعم فوضى السلاح».

ويرفض معظم السوريين القادمين من تلك المناطق العودة لغياب ضمانات دولية وحل سياسي شامل، كحال بشير، الناشط المدني المتحدر من مدينة الرقة والذي لجأ إلى تركيا بداية 2014 ويعيش في ولاية شانلي أورفة، والذي قال: «إن المزاج العام لسكّان الرقّة القاطنين في تركيا مع العودة، لكنّ المسألة ليست بتلك السهولة»، بحسب بشير، ومرد ذلك إلى «غياب الأمان والخدمات وحاجات الناس الغذائيّة والأساسيّة، وهي ليست أموراً ثانويّة، فهذه القضايا وغيرها ستحدّد عودة أهالي الرقّة».

وتشمل المنطقة المتفق عليها بلدات المبروكة وتل حلاف وعالية والعزيزية وتل خنزير التابعة لمدينة رأس العين بريف الحسكة الشمالي، كما تشمل بلدة السلوك ومدينة تل أبيض بريف محافظة الرقة شمال سوريا، وشهدت هذه المنطقة الحدودية توتراً متصاعداً بعد تهديد أنقرة بشن عملية عسكرية.

وأكدت جيهان (25 سنة)، المتحدرة من بلدة الدرباسية التابعة لمدينة الحسكة وتقيم منذ 4 سنوات في مدينة مردين التركية المقابلة لمسقط رأسها، رفضها العودة في ظل تقلبات المشهد الميداني، وقالت: «بعد دخول الجيش التركي إلى مدينة عفرين الكردية والانتهاكات التي ترتكبها فصائل موالية، لا أحد ينوي العودة وتكرار التجربة بالجزيرة».

ورغم استمرار القتال ومشاهد الدمار، فإن كثيراً من السوريين المقيمين في تركيا والذين فروا من جحيم حرب لم تطفأ نيرانها بعد، ينتظرون عودة قريبة إلى وطنهم؛ غير أنّ داني، المتحدر من منطقة المعضمية جنوب دمشق والذي هُجّر عنها بعد فرض تسوية على سكانها ويقيم في غازي عنتاب، يرفض العودة إلى «المنطقة الآمنة» وقال: «هُجّرت إلى إدلب وعايشت الغربة والبعد عن مدينتي ومنزلي. لن أكرر الشعور ذاته في مناطق لا أنتمي إليها، سأسافر من هنا إلى دولة ثالثة تقبل توطيني».