|
|
التاريخ: آب ٢٥, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
«مهلة سماح» ستة أشهر أمام لبنان لمعالجة أزمته الاقتصادية |
«لقاء عائلي» بين عون وجنبلاط يفتح صفحة جديدة في العلاقات |
بيروت: علي زين الدين
انتهت جولة الانشغال اللبناني الواسع بالتقييم الائتماني وتداعياته المحتملة، لتبدأ الجولة الأهم، وما تفرضه من موجبات على الحكومة ووزارة المال والبنك المركزي، ضمن مهلة السماح لمدة ستة أشهر التي أتاحتها وكالة «ستاندرد آند بورز»، والتي أبقت التصنيف السيادي عند الدرجة الأخيرة من فئة (B)، بينما تعذر تحصيل استجابة مماثلة من وكالة «فيتش»، التي أصرت على تنزيل التصنيف إلى الدرجة الأولى من الفئة (C).
وبحسب توصيف مسؤولين وخبراء، فإن المهلة تسابق التأزيم الشديد، وربما «دومينو» الانهيارات الشاملة، علماً بأن كلفة الوقت والتشنجات الداخلية التي تكبدها لبنان واقتصاده وماليته العامة، وتمددت إلى الأسواق المالية، مع الانحدار القياسي للقيم الموازية للأصول والأوراق المالية العامة والخاصة والأسهم في البورصات وفي العمليات الخاصة، وأضافت أحمالاً ثقيلة على كل مفاصل الاقتصاد والإنتاج، تحولت كلها إلى عوامل مضافة مرشحة لتعميق حدة الأزمة المالية العامة وعجز الموازنة، ما لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة شاملة، بما يشمل اللجوء الاضطراري إلى تدابير «غير شعبية».
ووفق معلومات تابعتها «الشرق الأوسط» عن كثب، تتسارع وتيرة العمل في وزارة المال لإنجاز مشروع قانون موازنة عام 2020، ضمن استهداف رئيسي لخفض نسبة العجز من 7.6 في المائة، التي وردت في موازنة العام الحالي، إلى 6 في المائة، توازي رقمياً ما بين 3.5 و4 مليارات دولار، هبوطاً من المستوى القياسي الذي بلغت نسبته 11.2 في المائة، أو نحو 6.5 مليار دولار، في الميزانية المنجزة لعام 2018.
وتؤكد مصادر مواكبة وجود دعم سياسي من أعلى المستويات في السلطتين التنفيذية والتشريعية، يهدف إلى تمكين المرجعيتين المالية والنقدية من الوفاء بالتزامات الشروع بالإصلاح المالي، وتصحيح أداء الموازنة في مجالي الموارد والإنفاق، والحد من الأعباء الكبيرة التي يتحملها البنك المركزي، نيابة عن القطاع العام بأكمله، فضلاً عن رفع الغطاء السياسي عن كل مكامن الفساد، والتهريب والتهرب الضريبي، واستغلال الأملاك العامة، وسواها. وهذه مجالات ترهق الدولة والاقتصاد معاً، ويمكن أن تؤمن وفراً إضافياً لا يقل عن ملياري دولار سنوياً.
ويؤمل أن تنجز الدوائر المختصة في وزارة المال مشروع موازنة العام المقبل خلال أيام، تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء خلال الشهر المقبل، ثم إحالتها إلى مجلس النواب خلال دورته العادية في النصف الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وبذلك يتحقق «إنجاز» التزام المهلة الدستورية لإحالة المشروع، بعدما غاب لسنوات طويلة، بينها 12 عاماً (قبل عام 2017) تم فيها اعتماد قواعد الصرف الاستثنائي، وذلك وفقاً للقاعدة «الاثني عشرية» التي سرت أيضاً في الأشهر السبعة السابقة لإقرار موازنة العام الحالي.
ومن المنتظر أن يحمل وزير الاقتصاد، منصور بطيش، مجموعة اقتراحات ذات طابع مالي واقتصادي إلى وزير المال، علي حسن خليل، مطلع الأسبوع المقبل. وهي خلاصات نتجت عن اجتماعات تشاورية مع خبراء، ترأسها رئيس الجمهورية ميشال عون. كذلك يرتقب أن تفتح وزارة المال نقاشات موسعة وذات اختصاص حول مشروع الموازنة، ضمن العنوان العريض المستهدف، بخفض العجز وتقوية الانتظام المالي، مع التركيز خصوصاً على عجز الميزان التجاري الذي يقارب 17 مليار دولار سنوياً، والذي يتسبب مع انكفاء تدفق الرساميل والودائع الخارجية بعجوزات قياسية في ميزان المدفوعات، يناهز متوسطها المليار دولار شهرياً، خلال الفترة المنقضية من العام الحالي.
وفي السياق، عد وزير المال أن التصنيف «هو تذكير للبنان بأن عمل الحكومة ليس ترفاً، بل ضرورة قصوى في المرحلة المقبلة، بما يتضمن من أهمية مناقشة موازنة 2020، وإحالتها إلى مجلس النواب، والإسراع في تنفيذ خطة الكهرباء، ومكافحة التهرب الضريبي، وإطلاق العجلة الاقتصادية، من خلال مقررات البيان الوزاري».
كما أكد خليل أن «لبنان ملتزم بالإصلاحات، وسيتعامل بمسؤولية مع تقرير (فيتش)، بشأن التصنيف الائتماني. ونحن واثقون بأننا سنستطيع الخروج من الأزمة نحو المزيد من الاستقرار، وتقرير التصنيفات يعكس الحقيقة التي نعرفها، والتي تعمل الحكومة على معالجتها. ونحن واثقون بأننا سنستطيع الخروج من الأزمة نحو المزيد من الاستقرار».
وبالتوازي، تعزز خيار الاستقرار النقدي الذي يتبعه مصرف لبنان المركزي، بتجديد مظلة الإجماع السياسي فوقه كخيار استراتيجي لحماية القدرات الشرائية للأجور، وكمحفز لإعادة تنشيط الاقتصاد الذي يتعرض لضغوط شديدة، تشمل القطاعات كافة. وقد زادت حدة هذه الضغوط بعدما وصلت الموجة إلى المؤشرات الأساسية للأداء المصرفي، خصوصاً في بند التمويل الذي يسجل انكماشاً تخطت نسبته 6 في المائة، وتمدد التراجع إلى نمو الودائع الذي دخل في مسار سلبي جزئي، مع تسجيل خروج بين 2.5 و3 مليارات دولار منذ بداية العام الحالي، علماً بأن الإرباكات المالية ومخاوف «التصنيف» أعادت إنعاش تباين أسعار الصرف بين المصارف وشركات الصيرفة، وهو أمر كاد يتسبب بنشوء سوق سوداء ومضاربات مؤذية، قبل تدخل السلطة النقدية وتوقع إجراءات رادعة الأسبوع المقبل.
وتشير ميزانية مصرف لبنان إلى ارتفاع في الاحتياطات الأجنبية حتى نهاية يوليو (تموز) إلى أكثر من 37 مليار دولار، مدعمة باحتياطات الذهب لدى «المركزي» التي توازي قيمتها بالأسعار الجارية نحو 13 مليار دولار.
وفي بعد آخر، يعول لبنان على «أخبار جيدة» تدعم قوته الاقتصادية والمالية، من خلال الثروة «المأمولة» في قطاع النفط والغاز في مياهه الإقليمية. ويؤمل أن تصدر البشائر الأولى في الفصل الأول من العام المقبل، كنتيجة لأعمال حفر البئر الأولى، حيث سيقوم المشغل بحفر البئر الاستكشافية الأولى في الرقعة رقم 4 نهاية العام الحالي. ويستتبع ذلك بحفر بئر استكشاف أخرى في الرقعة رقم 9 عام 2020.
«لقاء عائلي» بين عون وجنبلاط يفتح صفحة جديدة في العلاقات
رئيس الجمهورية يدعو قريباً للقاء موسع لبحث الوضع الاقتصادي
بيروت: كارولين عاكوم
التقى رئيس الجمهورية ميشال عون، مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط، أمس، في لقاء هو الأول لهما منذ المصالحة في قصر بعبدا الرئاسي قبل أسبوعين، حيث أجمعت مصادر الطرفين على أنه شكّل صفحة جديدة بينهما ونجح في إزالة التوتر الذي شاب علاقتهما في الفترة الأخيرة.
وطمأن عون وفوداً شعبية زارته في المقر الصيفي في بيت الدين بأن المصالحات التي تمت لن تهتز، وأكد أنه يتم العمل على معالجة الوضع الاقتصادي، متوقعاً أن يبدأ التنقيب عن النفط والغاز قريباً وتأمين التيار الكهربائي بنسبة كبيرة، ونقل عنه جنبلاط نيته الدعوة إلى لقاء موسع لرؤساء الكتل للبحث في الوضع الاقتصادي واتخاذ القرارات المناسبة بهذا الشأن.
وأجمعت الكلمات التي أُلقيت في اللقاءات الشعبية مع عون، على أهمية وجوده في الجبل والطمأنينة التي يوفّرها هذا الوجود بالنسبة إلى أبناء المنطقة واللبنانيين جميعاً.
وحرص رئيس الجمهورية خلال لقاءاته مع مختلف الوفود، على طمأنتهم إلى أن المصالحة التي شهدها الجبل راسخة ولن تهتز، وأن الاختلاف السياسي أمر يحصل في كل الدول الديمقراطية، «ولا تمكن إزالته وإلا زالت الديمقراطية، ولا يجب الخلاف على الوطن».
وشدد الرئيس عون على وجوب تجنب الشائعات التي صدرت في الفترة الأخيرة وطالت الوضع الاقتصادي، لأنها «تُلحق الأذى بالجميع، فـهذا الوضع الذي نتج عن إرث ثقيل عمره 30 سنة، نعمل على معالجته ولا نتهرب من المسؤولية، إنما يجب وصف الأمور بواقعية».
وكشف الرئيس عون عن أنه بعد أشهر قليلة، سيتم التنقيب عن النفط والغاز، و«نأمل أن نحصل على الردود الإيجابية في هذا المجال، ما من شأنه تحسين الأوضاع. كما بدأ تلزيم مشاريع الكهرباء، وهي بذاتها إشارة إيجابية، ومن المتوقع أن نصل منتصف السنة المقبلة إلى تأمين التيار الكهربائي بشكل كبير. وشدد: «وبالتالي مقابل كل الأمور السلبية، هناك أيضاً أمور إيجابية نقوم بها، وأقول لكم هذا الكلام كي لا تيأسوا من الوضع الصعب الذي نمر فيه، وأن الخلاص منه ممكن، فلا تخافوا، عيشوا الاطمئنان في منطقتكم، واتركوا الباقي علينا».
وبعد اللقاء الذي جمعه مع عون أعلن جنبلاط أن رئيس الجمهورية سيدعو المسؤولين إلى اجتماع من أجل مواجهة التحديات والتحضير لموازنة 2020 التي يجب أن تكون بداية حقيقية لتصحيح الوضع الاقتصادي والنقدي.
وكانت الزيارة التي اتخذت بعداً عائلياً في المقر الرئاسي الصيفي في بيت الدين، كفيلة بأن تعكس صفحة جديدة من العلاقة بين الطرفين بعدما وصل التوتر بينهما إلى ذروته على خلفية حادثة الجبل بين مناصري «التقدمي» و«الحزب الديمقراطي اللبناني»، حيث قُتل اثنان من مناصري وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب.
وأكدت مصادر وزارية في «التيار الوطني الحر» إيجابية الأجواء التي طغت على اللقاء، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «كان اللقاء إيجابياً وغلبت عليه أجواء التقارب والمودة بحيث نجح في إزالة الجانب المتشنج الذي شاب العلاقة في الفترة الأخيرة».
ولفتت المصادر إلى أن «الشق الاقتصادي أخذ حيزاً مهماً من اللقاء وأطلع الرئيس ضيفه على نيته الدعوة إلى لقاء موسع مع رؤساء الكتل النيابية للبحث في الوضع الاقتصادي وليتحمل الجميع مسؤوليته».
من جهتها، وصفت مصادر «الاشتراكي» الزيارة بـ«الجيدة والودية»، مشيرةً إلى أنها تتوج اللقاء السابق الذي حصل الأسبوع الماضي من قِبل وفد «اللقاء الديمقراطي» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» وفاعليات الشوف، وتصب في إطار استكمال ترميم العلاقة مع رئيس الجمهورية بعد لقاء بعبدا. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «هي صفحة جديدة على أكثر من مستوى، نأمل أن تتطور إيجاباً إلى الأمام لا سيما أن التحديات الاقتصادية المتنامية تتطلب من كل القوى التحلي بأعلى درجات المسؤولية، وهو ما عبّر عنه جنبلاط عقب اجتماعه بالرئيس عون». وعُقد لقاء موسع جمع الرئيس عون واللبنانية الأولى وجنبلاط وعقيلته ونجله رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط، إلى جانب وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وعقيلته، والمستشارة الرئيسية لرئيس الجمهورية ابنته ميراي عون الهاشم، وزوجها، واستُكمل اللقاء على غداء أقامه الرئيس عون على شرف ضيوفه، حسب بيان صادر عن رئاسة الجمهورية.
وفي تصريح له بعد اللقاء، قال جنبلاط: «استعرضنا مع فخامة الرئيس جملة قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية وبيئية، وكان تركيز منه على أهمية الوضع الاقتصادي والنقدي». وأضاف: «بالأمس كانت هناك إعادة تصنيف سلبية للبنان من إحدى المؤسسات. وسيدعو رئيس الجمهورية المسؤولين في البلاد إلى اجتماع لكي نتحمل جميعاً مسؤولياتنا من أجل مواجهة التحديات والتحضير لموازنة 2020 التي يجب أن تكون بدايةً حقيقيةً لتصحيح الوضع الاقتصادي والنقدي. وهذه النقطة الأساسية التي يجب الدخول إليها».
وعن نظرة رئيس الجمهورية إلى التصنيف الاقتصادي الأخير أوضح جنبلاط: «التقط الرئيس عون الموضوع بشكل جدي جداً، ويرى خطراً في مثل هذا التصنيف. لذلك، علينا كمسؤولين لبنانيين اتخاذ إجراءات قد يكون بعضها غير شعبي، وإلا قد نواجه تصنيفاً أسوأ».
وفي رد على سؤال عن «المواجهة الأولى» بينه وبين باسيل رد جنبلاط قائلاً: «لم تكن مواجهة، كان لقاءً ودياً»، مشيراً إلى أن الحديث كان عن الأوضاع في البلد، نافياً أن يكون قد حصل أي عتاب. وعما إذا كان سيُعقد لقاء بينه وبين «حزب الله» قال: «لم يبلغني أحد بمثل هذا اللقاء».
وأشار جنبلاط إلى أنه وجّه دعوة إلى رئيس الجمهورية «لزيارة المختارة في الوقت الذي يشاء، وبالشكل الذي يريده لهذه الزيارة أكانت عائلية أم سياسية أم غيرها». |
|