التاريخ: كانون ثاني ٢٦, ٢٠٠٨
الكاتب:
 
الجذور الإسلامية التاريخية للمصطلح المقابل للتداول العام

الجذورالإسلامية التاريخية للمصطلح المقابل للتداول العام

إعدادد. محمد المخلافي

 

جوهر مصطلح"التداول العام" يتمثل في إشراك المواطنين بالمناقشة والتداول بشأنالقرار والسياسات العامة المتعلقة بمصالحهم وشئونهم العامة القومية والمحلية وفياجتماع الشبكة العربية للدراسات الديمقراطية المنعقد بمدينة الدار البيضاء فيالفترة 29-31 مارس 2007م جرى البحث والمناقشة بهدف إيجاد مصطلح إسلامي يعبر عنمضمون أو مدلول مصطلح "التداول العام" وفي معرض التداول رأى البعض منالمشاركين استخدام مصطلح "الشورى" باعتباره مصطلح إسلامي يقابل من حيث مضمونه المصطلح الغربي "التداولالعام"، غير أن البعض الآخر من المشاركين في اللقاء رأى أن جذر مصطلح"الشورى" ليس ديني إسلامي أنما تاريخي يرجع إلى ما قبل الإسلام، وأنمصطلح الشورى من حيث الشكل والمضمون يختلف جوهرياً عن مصطلح "التداولالعام"، وبسبب الفهم المتباين بمصطلح "الشورى" تم تكليفي بتحديدمصدر المصطلح ومضمونه، وبالعودة إلى الجذر التاريخي للمصطلح تبين ما يلي:

 

مصطلح الشورى

-         جذر مصطلح الشورى:

بالعودة إلى المصادرالتاريخية المعتمدة على النقوش الأثرية التي تم العثور عليها حتى الآن يتبين أنالدولة القتبانية 865-240 قبل الميلاد ودولة سبأ 850-115 قبل الميلاد([1])، ودولة حمير 115 -525 ق.م([2]) كانت تصدر قوانين تحمل ملامح التشريع البرلماني من حيثمؤسسة إصدارها، إذ كانت تلك التشريعات ليست مجرد تجميع لقواعد العرف أو قواعدمكتوبة على أساس العرف أو مراسيم ملكية، بل كانت تصدر تلك التشريعات مجالس تشريعيةخاصة، وبمفاهيم اليوم يمكن اعتبارها هيئات برلمانية تمثيلية، ففي الدولة القتبانيةكان هذا المجلس يسمى المشور وفي دولة سبأ كان يسمى هذا المجلس التشريعي "مزودأو مسود" وفي دولة حمير كان يسمى "مشور"([3]) ومن المشوار تم اشتقاق مصطلح "الشورى" حسباعتقادنا.

إذن الشورى فيالدويلات اليمنية القديمة هي مجلس المشور المركزي ومجالس المشاور المحلية واستحدثتهذه المجالس ابتداء في القرن التاسع قبل الميلاد عند القتبانيين.([4])

وكان مجلس المشوريتولى المهام و الاختصاصات التالية:

  1. إصدار القوانين
  2. تفسير وشرح القوانين
  3. تقديم دروس خاصة في مسائل الحقوق، وبالذات تعليم قوانين الحرب وقوانين التجارة والمشاركة في إقرار قضايا السياسات العامة خاصة المتعلقة بقضايا السلم والحرب، كما هو مبين في القرآن على لسان ملكة سبأ ـ بلقيس بقوله تعالى: (( قالت يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون ))([5]).

وإلى جانب المجلس التشريعيالمشور" المركزي" وجدت مجالس "المشاور " لكل مدينة مشور كانمن مهماته نشر وشرح القوانين.

مما تقدم يتبين بأنالشورى تأتي بمعنى الدولة البرلمانية ويمارسها مجلس رسمي تمثيلي نيابي، بينمامصطلح "التداول العام" ليس عمل مؤسسة رسمية وإنما نشاط أهلي يقوم به المواطنونلمناقشة قضاياهم وهمومهم للمشاركة في بلورة رؤية أو تصور للقرارات الخاصة بشئونهموفي أطار منتديات مجتمعية الأمر الذي يجعل استخدام مصطلح "الشورى" مقابلمصطلح "التداول العام" في غير محلة. ولعل اللبس الذي لا يزال قائماًلمضمون مصطلح الشورى يرجع إلى عدم معرفة الجذر التاريخي للمصطلح وعدم إدراك منتولوا الحكم في الدولة الإسلامية في زمن الحكم الرشيد لمعنى الشورى، إذ كانالخلفاء الراشدون ينتمون إلى شمال الجزيرة العربية التي لم تكن تعرف الدولة بالأصلقبل الإسلام، علاوة على أن الذكر المباشر للشورى قد ورد في آيتين الأولى من قبيلالإشارة إلى واقعة تاريخية (( وأمرهم شورى بينهم ))([6])، والآية الأخرى أمر للرسول للتشاور مع أصحابه (( وشاورهمفي الأمر ))([7])، وأما الآية الثالثة وهي الآية رقم (32) من سورة النملالمشار إليه سابقاً وهي مجرد تسجيل لواقعة لممارسة الشورى في اليمن، الأمر الذيجعل من غير الممكن معرفة ماهية الشورى ومضمونها خاصة أنها لم تقم مثل هذه المجالسفي فجر وظهر الإسلام، وعلى هذا نقترح استخدام مصطلح التداول العام حتى يجريالتعامل معه وفقا لمضمونه العام والمعروف.

 


[1] راجع،سيد عبد العزيز سالم: تاريخ العرب قبل الإسلام.

 [2]راجع،محمد علي الأكوعالحوالي:"اليمن الخضراء". الحضارة القاهرة، 1971 ص 301-380

[3] راجع،جواد علي " تاريخ العرب قبل الإسلام،القاهرة -بغداد 1960 الجزء 2 ص 29 وما بعدها.

[4] راجع جورج زيدان، تاريخ العرب قبل الإسلام، القاهرة، بدون تاريخصفحة 41 وما بعدها، جواد علي، المرجع السابق ص 49 وما بعدها.

[5] الآية (32) من سورة النمل.

[6]  الآية رقم (38) من سورة الشورى.

[7] الآية (159) من سورة آل عمران .