التاريخ: آب ١٨, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
عُرس «تاريخي» في السودان يواكب إطلاق مسيرة الدولة المدنية
توقيع الوثيقة الدستورية وسط حضور عربي ودولي وفرحة شعبية عارمة وتعهدات بطيّ حقبة الديكتاتورية
الخرطوم: أحمد يونس - فتح الرحمن يوسف - محمد أمين ياسين
دخل السودان، أمس، حقبة جديدة عبر التوقيع على «الوثيقة الدستورية» للمرحلة الانتقالية التي ستستمر لمدة 3 سنوات تنتهي بإجراء انتخابات عامة لاختيار برلمان وحكومة مدنية. حضر مراسم التوقيع عدد من زعماء الدول المجاورة وممثلون لدول عربية وأفريقية وهيئات إقليمية ودولية، بل وقّع بعضهم الوثيقة الدستورية بصفة شهود. كما ألقى معظمهم خطباً قصيرة أكدوا فيها دعمهم لـ«التحوّل الكبير» في السودان، ووصف ممثل الاتحاد الأفريقي موسى فكي، الذي رعى المفاوضات بين الجانبين، التوقيع بـ«الإنجاز التاريخي العظيم».

ويُنهي الاتفاق بين العسكريين والمدنيين، الذي تم التوصل إليه في الرابع من الشهر الجاري، 8 أشهر من المظاهرات والاحتجاجات الشعبية الواسعة التي أدت إلى إطاحة الرئيس عمر البشير بعد 30 عاماً من حكمه. وتقضي «الوثيق الدستورية» بأن يُحل المجلس العسكري، الذي تولى السلطة منذ إطاحة البشير في أبريل (نيسان)، ويُستبدل به «مجلس سيادي» مكوّن من 5 عسكريين و6 مدنيين، يرأسه الفريق عبد الفتاح البرهان لمدة 21 شهراً ثم تنتقل الرئاسة إلى شخصية مدنية لمدة 18 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات حرة ونزيهة. كما ستتشكّل حكومة مدنية بنهاية الشهر الجاري برئاسة الخبير الاقتصادي عبد الله حمدوك، وستتمتع بسلطات تنفيذية كاملة، بينما تنحصر سلطات «المجلس السيادي» في شؤون السيادة فقط.

ووقع «الوثيقة الدستورية» كلٌّ من نائب رئيس المجلس العسكري، الفريق محمد حمدان دقلو المعروف باسم «حميدتي» وممثل تحالف «إعلان قوى الحرية والتغيير» أحمد الربيع، في قاعة فخمة تطل على نهر النيل في الخرطوم. وتجمع آلاف السودانيين في الشارع قرب مكان الاحتفال الرسمي الذي استغرق أكثر من ثلاث ساعات.

وحضر رؤساء تشاد إدريس ديبي، ودولة جنوب السودان سيلفاكير ميارديت، وكينيا أوهورو كينياتا، ورئيسا وزراء إثيوبيا آبي أحمد، ومصر مصطفى مدبولي، وعدد من وزراء خارجية الدول الأخرى.

- البرهان: ندعو الشباب إلى بناء الدولة

وعقب انتهاء التوقيع، حمل رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان الوثيقة، التي وُضعت في غلاف سميك أخضر اللون، ورفعها عالياً، ولوّح بها وسط تصفيق الحاضرين. وأشاد البرهان بالروح الوطنية التي سادت بين العسكريين والمدنيين. ودعا إلى تعزيز الثقة بينهما، متعهداً الالتزام بتنفيذ ما جاء في الوثيقة الدستورية ونقل البلاد إلى الدولة المدنية والحفاظ على الأمن والحريات العامة والتحول الديمقراطي.

- الأصم: نعتذر للعالم عن غيابنا 30 عاماً

من جانبه، قال ممثل «قوى الحرية والتغيير» محمد ناجي الأصم، في كلمة طويلة، إن التوقيع على الوثائق النهائية للفترة الانتقالية «يفتح صفحة جديدة في البلاد ويطوي حقبة من الفساد والانتهاكات». وأضاف أن «قوى الحرية والتغيير» ستعمل على أن يكون السلام شاملاً في مناطق الحروب كافة دون استثناء، مشدداً على التمسك بإجراء التحقيق العادل في فض «اعتصام القيادة العامة» وكل الانتهاكات التي ارتُكبت في حق الشعب السوداني، و«ألا يفلت أي مجرم من العقاب». ووجه رسالة إلى المجتمع الدولي اعتذر فيها عن «غياب السودان طوال 3 عقود». وقال أيضاً: «نتطلع إلى إنهاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، وكفالة حقوقها قانوناً»، مطالباً بالعمل على إعادة السودان إلى المجتمع الدولي بشكل عاجل.

وفى رسالة إلى الجمعيات الأهلية والجماعات الدينية قال الأصم: «إن السودان يسعنا جميعاً، ولا بد أن نرعاه، وعلينا أن نتفق على العيش معاً في سلام رغم الاختلافات بيننا». وطالب بنبذ العنصرية والقبلية، وإشاعة التسامح وإعلاء قيمة الوطن فوق كل شيء، مشدداً على ضرورة تحقيق المساواة بين أقاليم السودان المختلفة. ووصف المؤسسة العسكرية بأنها «بذرة الوطنية» وهي تمثل درع الحماية والوقاية للسودان.

ودعا الحركات المسلحة في السودان إلى الدخول في حوار مثمر لتحقيق السلام الشامل في البلاد من أجل الذين عانوا من ويلات الحروب.

وقال زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، آخر رئيس وزراء منتخب، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن الاحتفال بتوقيع وثائق الانتقال يعد «عيداً للوطن، والديمقراطية والسلام». وحذّر من عواقب كثيرة قد تواجه عملية الانتقال من النظام الشمولي إلى النظام الديمقراطي، قائلاً: «العوائق كثيرة والصعاب جمّة، لكن عزيمة الشعب، وإرادة الشباب ستتغلب عليها، من الحرية والعدالة والسلام».

واعتبر، آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، أن اتفاق المرحلة الانتقالية في السودان، يعد بمثابة بداية مرحلة جديدة، مجدداً الالتزام بدعم السودان خلال المرحلة الانتقالية. وطالب في كلمته بضرورة التعاون ووحدة الصف في السودان، مشيراً إلى أن الطريق إلى الديمقراطية بدأ الآن. وأكد ضرورة التمسك بالتحول الديمقراطي والالتزام بمبادئ الديمقراطية، وبناء المؤسسات بالتعاون بين الجميع.

وأكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي (ممثلاً للاتحاد الأفريقي)، دعم القاهرة لآمال الشعب السوداني، مشيداً بالجهود الإقليمية التي ساعدت في التوصل إلى اتفاق الفترة الانتقالية. وقال مدبولي إن مصر لن تدّخر جهداً في تقديم كل أشكال الدعم الممكن للسودان الشقيق خلال الفترة المقبلة، بما في ذلك الدعم السياسي في المحافل الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الاتحاد الأفريقي، حتى يستعيد السودان مكانته المتميزة في القارة. وأضاف أن الاتفاق يمثل خريطة طريق للسودان في المرحلة المقبلة سيعمل الجميع على المساعدة في تنفيذه ونجاحه، مشيراً إلى أن الاتفاق يؤرخ لمرحلة جديدة في السودان يحصد فيها الشعب السوداني ثمار تضحياته.

- موسى فكي: إنجاز تاريخي

وشدد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، على أهمية الاتفاق الانتقالي في السودان، قائلاً إن الاتفاق لم يكن أمراً سهلاً. وأشاد بالجهود التي بُذلت لتذليل العقبات ومواجهة التحديات. ووصف الاتفاق بـ«الإنجاز التاريخي»، مشيراً إلى أنه جاء تعبيراً عن إرادة الشعب السوداني في مواجهة التحديات الجسام. وقال إن الوضع في السودان معقّد للغاية بسبب ما تعرض له من تهميش وحروب، ترتبت عليها كوارث وأطماع وصراعات.

كما أكد الوسيط الأفريقي محمد الحسن ولد لبات، توحد القارة الأفريقية وراء دعم الاتفاق في السودان. وأشار إلى أن اتفاق السودان جاء نتيجة إرادة الشعب السوداني. وأضاف أن القارة الأفريقية أصبحت مصرة على الحفاظ على استقلال دولها، وهي تعطي من خلال هذا الاتفاق درساً للعالم في قدرتها على حل مشكلاتها وأزماتها.

- الجبير: علاقاتنا مع السودان تاريخية

من جهته، وصف وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية عادل الجبير، مشاركة المملكة العربية السعودية في المناسبة السودانية التاريخية العظيمة، بأنها «تعبير عن اهتمام المملكة العربية السعودية بالسودان، ومكانة وموقع الشعب السوداني بالنسبة إليها». وهنّأ الجبير في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» الشعب السوداني بالإنجاز العظيم الذي حققه، وقال: «هناك علاقات تاريخية ضاربة الجذور بين الرياض والخرطوم، إلى جانب العلاقات التي نشأت بين البلدين بفعل الجغرافيا».

وأوضح الجبير أن المملكة حريصة على الوقوف إلى جانب الشعب السوداني الشقيق في كل الظروف، وتابع: «خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن العزيز آل سعود، وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان، طلبا منّي مشاطرة الشعب السوداني هذا الحدث العظيم، وأن أنقل تهانيهما له، وتمنياتهما بازدهار ونهوض السودان الشقيق».

وقال وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، إن احتفال السودانيين بالإنجاز العظيم والكبير، امتداد للأمثلة التي درج شعب السودان على تقديمها للشعوب الحرة. وأشاد بالجهود التي بذلها المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير لتحقيق الحدث المهم الذي أثمر فرحاً كبيراً، وأضاف: «ما حدث يؤْذِن بمستقبل مشرق للشعب السوداني». وتابع: «هذا الإنجاز أكد أن الشعب السوداني يملك الإرادة لتحقيق آماله وتطلعاته دون تردد».

وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء الكويتي أنس الصالح، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن الاتفاق بين «العسكري» السوداني و«الحرية والتغيير»، يعد «منصة انطلاق حقيقية للسودان نحو آفاق أرحب»، وتابع: «هذا الاتفاق سيكون بمثابة اللبنة لبناء سودان قوي، يستطيع أن ينهض ويترجم إرادة الشعب لنماء وازدهار». وقطع بوقوف الكويت «قلباً وقالباً» إلى جانب الشعب السوداني، مؤكداً حرصها على سلامته وأمنه واستقراره.

- العثيمين: إنجاز سوداني رائع

بدوره، شدد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يوسف العثيمين، على أهمية الاتفاق باعتباره يمثل مخرجاً للسودان من أزماته السابقة، والاتجاه نحو صناعة المستقبل. وقال: «أتيت إلى الخرطوم للمشاركة في هذا الحفل الكبيرة، بدعوة كريمة من رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان». وتابع: «هذه المناسبة سعيدة ليست فقط للسودانيين، إنما لكل العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها». وأضاف: «ما تحقق اليوم أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه إنجاز سوداني رائع بمعنى الكلمة».

ووصف مساعد الأمين العام للجامعة العربية خليل إبراهيم الزوادي «فرح السودان» بأنه «فرح كبير استطاع الشعب من خلاله تأكيد أن ثورته استنهضت الشعب الذي ناضل من أجلها». وأضاف: «واليوم يشهد كل العالم والدول الصديقة والشقيقة هذه اللحظة التاريخية من عمر السودان».

وقال: «الشعب السوداني قادر على تجاوز الصعاب التي تعترض مساره، والنهوض ببلاده، وتعزيز أمنه واستقراره، وتتوفر له إرادة المضي قدماً نحو البناء والرفاهة والديمقراطية وتعزيز قيم الحرية والعدالة».

ومنح البرهان، مبعوث المفوضية الأفريقية محمد الحسن ولد لبات، والمبعوث الإثيوبي محمد درير، والسفير الإثيوبي شيفارو جارسو، أوسمةً لدورهم في الوساطة التي قاموا بها إبان المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق السوداني.

مهرجانات «فرح السودان» تعم البلاد احتفالاً بتوقيع الاتفاقات
الملايين في الشوارع والأعلام ترفرف والأغنيات الوطنية تصدح ابتهاجاً


الخرطوم: أحمد يونس - محمد أمين ياسين - أحمد خليل
قطع «قسم السيد الشيخ» والد الشهيد عثمان الذي قتل في أحداث فض الاعتصام في الثالث من يونيو (حزيران) الماضي، نحو 150 كيلومتراً مشياً على الأقدام ليشهد احتفالات توقيع وثائق انتقال السلطة إلى المدنيين، وهو يحمل صورة مكبرة لابنه، طاف بها أرجاء قاعة الاحتفال، فيما غصت شوارع الخرطوم ومدن البلاد الأخرى وساحاتها وميادينها ملايين الأشخاص الذين خرجوا من «كل فج عميق» ليحتفلوا بانتصار ثورتهم.

وقال الشيخ لـ«الشرق الأوسط» إن ابنه كان يتمنى أن يشهد اليوم الذي تتحقق فيه الدولة المدنية، والتي خرج هو وزملاؤه في المظاهرات منذ بداياتها من أجلها.

وأضاف وهو يتجول في قاعة الاحتفالات رافعاً صورة ابنه: «جئت اليوم لأنقل له عبري، هذه اللحظات التي لم يعش ليحضرها، بعد أن اغتالته أيادي الغدر».

والشهيد عثمان طالب بجامعة الخرطوم، أصيب برصاصة خلال المظاهرات التي شهدتها منطقة «بُري» وسط الخرطوم في بداية الاحتجاجات.

ويتابع والده: «رغم إصابته لم يتوقف عثمان يوماً عن الخروج في المظاهرات حتى سقط نظام البشير، وظل متواجداً في ساحة الاعتصام إلى أن جاء اليوم الذي قتل فيه أثناء أحداث فض الاعتصام، وأتمنى أن أشهد اليوم الذي يأتي فيه القصاص لابني».

وتابع الآلاف في وسائل التواصل الاجتماعي من «فيسبوك»، و«تويتر»، رحلة والد الشهيد منذ تحركه من مدينة (أربجي) بولاية الجزيرة وسط السودان، وحتى وصوله قاعة الصداقة صبيحة أمس، ليحتفل مع المحتفلين بطريقة تليق بشهيد، وليقدم مثالاً حياً لتضحيات السودانيين في درب الثورة. وفي الخرطوم، أحاط الآلاف بـ«قاعة الصداقة» التي شهدت مراسم التوقيع على الاتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، في مشهد احتفائي نادر، مرددين هتاف الثأر لدماء الشهداء الشهير: «الدم قصاد الدم لو حتى مدنية».

وأقيم الاحتفال الرسمي في قاعة الصداقة بالقرب من ملتقى النيلين عند «المقرن»، تحت اسم «فرح السودان»، واحتفل مع السودانيين فيه رؤساء دول ووزراء خارجية من جميع بلاد العالم، وقفوا جميعهم لحظة عزف «النشيد الوطني»، واستمعوا لأناشيد وطنية. بمجرد انتهاء المراسم الرسمية، انتقلت الاحتفالات مباشرة من قاعة الصداقة إلى ساحة الحرية «الساحة الخضراء سابقاً» لينظموا احتفالا شعبيا كبيرا.

وسدت المواكب الحاشدة «الراجلة» القادمة من كل أحياء العاصمة، الشوارع الرئيسية، التي تقدر أعدادها بالملايين، وهي في طريقها إلى الساحة التي أعيدت تسميتها بعد انتصار الثورة «ساحة الحرية». ووصل قطار قادم مدينة «عطبرة» شمال البلاد وهو يحمل الآلاف من مواطني المدينة التي أشعلت «شرارة الثورة»، ورسمت رحلة قطار عطبرة مهرجان متحركاً، احتفى به السودانيون أينما توقف في المدن والأنحاء قبل وصوله للخرطوم.

واعتادت عطبرة المدينة «الحديدية الثائرة» التي اشتهرت بأنها مركز للسكك الحديدية، على نقل متظاهرين من سكانها على قطار مخصوص لدعم الثوار في الخرطوم، وهي ليست المرة الأولى التي يصل فيها عمال عطبرة إلى الخرطوم، فقد فعلوها في ثورتي أكتوبر (تشرين الأول) 1964، وأبريل (نيسان) 1985، ودعموا ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019 بقطار من الثوار أفلح في تقوية اعتصام الخرطوم.

واستقبل الآلاف الذين قدموا داخل القطار أو الذين استلقوا على سطوح عرباته، بحفاوة بالغة، ووجدوا استقبالا غير مشهود في كل المحطات التي مر بها القطار حتى وصل الخرطوم محطته الأخيرة، ليجد بانتظاره حشوداً ضخمة، رافقوا ضيوفهم إلى ساحة الحرية في واحد من أكبر المواكب التي تشهدها الخرطوم. امتلأت ساحة «الحرية» التي تزينت منذ الصباح الباكر بالأعلام الوطنية، بمئات الآلاف من كل الفئات العمرية رجالاً ونساء منذ ظهر اليوم في انتظار بدء الاحتفال الذي تنظمه قوى الحرية والتغيير بمناسبة التوقيع على الاتفاق. وفي جنبات ساحة الحرية الممتدة لعدة كيلومترات انتشرت عشرات الفرق الشعبية والغنائية الراقصة التي تعكس التراث السوداني في كل أقاليمه شرقاً وغرباً وشمالاً ووسطاً.

وأجرت «الشرق الأوسط» استطلاعاً مع عدد من المشاركين في الاحتفال بساحة الحرية، حيث تقول منيرة أم صدام، إنها اعتقلت أكثر من مرة خلال الاحتجاجات، وتضيف: اليوم فرحت كثيرا حيث يشهد السودانيون عودة الديمقراطية للبلاد، بعد أن تخلصنا من نظام البشير الذي جثم على صدورنا طوال 30 عاماً.

ويعتبر معتصم الزاكي الاتفاق خطوة أولية يتوج نضالات الشعب السودانيين ضد نظام الإنقاذ، وطالب قوى الحرية والتغيير بتقديم نموذج حكم رشيد خلال الفترة الانتقالية في جميع مناحي الحياة. وزاد الزاكي قائلاً: الشعب السوداني يستحق حكومة تعبر عن تطلعاته وتعمل على إيقاف الحرب والوصول إلى سلام شامل في البلاد، وتحقيق العدالة والمساواة للمجتمع السوداني. الطالبة الجامعية ساجدة المبارك، تقول إنها متفائلة ببداية مرحلة جديدة في البلاد، ووصفتها بالمرحلة الصعبة، وإن تحويل شعارات الثورة على أرض الواقع يحتاج إلى تضافر الجهود من القواعد ولجان الأحياء للالتزام ببرنامج الثورة وشعاراتها (حرية سلام وعدالة). مجدي آدم، مهندس مدني، دعا الحكومة الانتقالية إلى تحقيق السلام في المناطق الثلاثة (النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور)، ونبه إلى حاجة الثورة إلى حراسة من الثورة المضادة، ووضع برنامج اقتصادي كـ«إسعاف» يهتم بتحسين معاش الناس ومحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين محاكمة عادلة لرموز النظام السابق. ليست ساحة الحرية وحدها هي المحتفلة، فقد علقت أعلام السودان في البيوت والطرقات، وحملها الصبية وكبار السن، ورفرفت من أبواب السيارات والحافلات، فيما علت معزوفات من أبواق السيارات، وسمعت أصوات الأغنيات الوطنية وهي تخرج من أجهزة الصوت في السيارات المتوقفة والسائرة، إذ كان يوماً لم يشهده السودان من قبل.

لقطات

> توافد المدعوون الرسميون إلى قاعة «الصداقة» متحمسين للمشاركة في الحدث الأهم في تاريخ بلادهم مهرجان «فرح السودان».

> استهل الحفل أعماله بتلاوة آيات من القرآن، والإنجيل والزبور، وسط حضور كل القوى الوطنية والدينية في البلاد.

> غصت الشوارع الجانبية بآلاف المواطنين الذين حضروا إلى القاعة دون دعوة، فيما هدفت الإجراءات المشددة وإغلاق الشوارع والطرقات إلى تأمين ضيوف البلاد والاحتفال.

> حين عزفت موسيقى الجيش النشيد الوطني، وقف الجميع احتراماً، فيما امتدت أيدي الكثيرين إلى جيوبهم بحثاً عن «مناشف ورقية» لتجفيف الدموع التي سالت من أعينهم فرحاً.

> على دوي الزغاريد ووقع الموسيقى، عبّر المدعوون عن فرحتهم بـ«السودان الجديد»، وهم يستمعون إلى صوت المطرب صلاح بن البادية. وعُرض أيضاً لحن المطرب الراحل محمد وردي «يا شعباً لهبك ثوريتك»، لشاعر الشعب الراحل محجوب شريف.

> عُرض فيلم تسجيلي يحكي «قصة الثورة»، وبمجرد إطفاء الأنوار، سمعت نهنهات الكثيرين، بعضهم تذكر رفاقه الذين استشهدوا في الثورة، وبعضهم تذكر رفاقاً اختفوا دون معرفة مصيرهم، وآخرون بكوا لمجرد استعراض عظمة مشاركتهم في الثورة بحثاً عن حريتهم وكرامتهم.

> زينت لافتات كبيرة قاعدة الصداقة الفخمة، التي شهدت التوقيع، وكتب عليها: «فرح السودان»، وسط حالة من البهجة عمت الجميع.

> خطف رئيس وزراء الإثيوبي، آبي أحمد الأضواء، وحظي بتصفيق وصيحات عالية، للدور الرئيسي الذي قام به في الوساطة بين الفرقاء إبان المفاوضات، وتفاعل معه الحضور بشكل منقطع النظير.

> حظي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، أيضاً بترحيب حار من الحاضرين، حين كشف عن علاقته الشخصية بالسودان وحبه له.

> لم يكتف الحاضرون بالهتاف والتصفيق، إذ اندلعت «زغاريد الفرح» من حناجر النساء، ورقص الناس على إيقاعات الغناء الوطني، فيما كانت فرقة تراثية «تعزف ألحانها».

> جلس «حميدتي» والربيع على المنصة الرئيسية وبجوارهما رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد ورئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي.

> من خلفية القاعة أتى تكبير «الله أكبر ولله الحمد» أثناء صعود وهبوط السياسي البارز الصادق المهدي، رئيس حزب «الأمة» السوداني، منصة المتحدثين.

> لقي محمد ناجي الأصم ترحيباً كبيراً أثناء إلقاء كلمته التي كانت الأطول بين المتحدثين. وتنوعت الهتافات الثورية، خاصة عندما أتى على ذكر شعب جنوب السودان، الذي قال لهم: «أنتم بعضنا، ونحن بعضكم».