| | التاريخ: تموز ٢٦, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة الشرق الأوسط | | لبنان: التمادي في تعطيل جلسات الحكومة يهدد التسوية الرئاسية | بيروت: محمد شقير
يخطئ من يراهن على أن إقحام الحكومة في لعبة «عضّ الأصابع» سيدفع برئيسها سعد الحريري إلى إعادة تفعيل العمل الحكومي بعد الموافقة على إحالة حادثة الجبل إلى المجلس العدلي مقابل وقف «احتجاز» مجلس الوزراء ومنعه من الانعقاد، بعد أن دخل تعطيله أسبوعه الرابع.
وتؤكد مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» أن تمادي بعض الأطراف في تعطيل الجلسات سيرتد سلباً ليس على الحكومة فحسب؛ وإنما على «العهد القوي» باعتبار أن هذه الحكومة هي حكومته الأولى، وتقول إن إصرار الحريري على دعوة مجلس الوزراء للانعقاد رغم أنه لم يوجّه الدعوة حتى الساعة، سيؤدي حتماً إلى اختبار النيات لمعرفة من يقف وراء رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان في ربطه استئناف الجلسات بإحالة حادثة الجبل إلى المجلس العدلي.
وتلفت المصادر إلى أن استمرار تعطيل الجلسات يشكل اختباراً ليس لموقف رئيس الجمهورية ميشال عون فحسب؛ وإنما للتسوية التي كانت وراء انتخابه، خصوصاً أن كثيرين يعتقدون أن مفاعيلها تنسحب على رئيس الحكومة دون الآخرين وتحديداً رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» و«حزب الله».
وفي هذا السياق، توضح المصادر الوزارية أن تعطيل مجلس الوزراء يعني من وجهة نظر أطراف سياسية عدة أن الابتزاز من خلال فرض الشروط لانعقاده لا يطال رئيس الحكومة من دون الآخرين؛ وأولهم رئيس الجمهورية. وتضيف أن من يحاول منع مجلس الوزراء من الانعقاد لا يستهدف رئيس الحكومة ويعفي في الوقت نفسه رئيس الجمهورية من تبعاته، وتعزو السبب إلى أن استمراره سيؤدي حكماً إلى تطويق العهد وشلّ قدرته بالتعاون مع الحكومة على العطاء، وصولاً إلى تكبيل يدي السلطة الإجرائية.
وتعتقد المصادر نفسها أن التسوية السياسية لا تحلق في اتجاه تحقيق الإنجازات الموعودة بجناح واحد؛ وتحديداً من دون جناح رئيس الحكومة الذي لن يرضخ للعبة الابتزاز، وبالتالي ليس في وارد الاستقالة أو الاعتكاف.
وبكلام آخر؛ ترى المصادر الوزارية أن استثمار التسوية السياسية وتوظيفها للنهوض بالبلد اقتصادياً انطلاقاً من الالتزام بخريطة طريق تكون على قياس مقررات مؤتمر «سيدر»، يمكن أن يواجه صعوبة إذا أراد البعض أن يأخذ منها ما يناسبه. وتؤكد أن مثل هذا الاعتقاد الذي يقوم على الانتقائية في تطبيق أبرز العناوين الواردة في التسوية السياسية، سيؤدي إلى خلل في التوازنات الداخلية من شأنه أن يدفع أطرافاً سياسية إلى السؤال عن مصير «اتفاق الطائف» في ظل التجاوزات التي تهدده.
أما القول - بحسب هذه المصادر - إن موازين القوى الداخلية المقرونة بفائض القوة لدى بعض الأطراف المنتمية إلى «محور الممانعة» بقيادة «حزب الله» وبدعم مباشر من النظام السوري، وأيضاً من إيران، تتيح لهؤلاء الاستمرار في محاصرة الحريري، وصولاً إلى وضعه أمام خيارين: التسليم بشروط هؤلاء، أو الإعداد للإطاحة بالحكومة، فإن «مثل هذا الرهان سيقحم البلد في مغامرة سياسية أين منها المغامرات السابقة؟!».
وتؤكد المصادر أن لا مكان لهذين الخيارين في حسابات الحريري، وتقول إن «هناك ضرورة لتوفير الشروط المؤدية إلى تفعيل العمل الحكومي، لأن ذلك سيمكّن من وقف الانهيار المالي والاقتصادي، وهذا ما يشكل إنجازاً للعهد، لأن ما تحقق منذ انتخاب الرئيس عون حتى اليوم لا يكفي، ما دام هناك من يحاول افتعال العراقيل لقطع الطريق أمام المضي في مشروع النهوض الاقتصادي».
«كما أن المضي في تعطيل جلسات مجلس الوزراء سيرتد سلباً على من يمعن في محاصرة الحكومة وستترتب عليه جملة من التداعيات»؛ كما تقول المصادر، «إذ ليس في وسع من هم على لائحة التعطيل الدخول في اشتباك سياسي مع المجتمع الدولي، خصوصاً إذا كانوا يخططون لتطويق رئيس (الحزب التقدمي الاشتراكي) وليد جنبلاط من جهة، والضغط على رئيس الحكومة لدفعه إلى التسليم بشروطهم» من جهة أخرى.
وتحذّر المصادر من تفويت الفرصة الدولية والإقليمية التي أُعطيت للبنان من خلال مؤتمر «سيدر».
وتؤكد المصادر أن معظم السفراء العرب والأجانب المعتمدين لدى لبنان «يدركون حجم المعاناة التي يمر بها رئيس الحكومة ويبدون تضامناً معه، ولا يرون بديلاً له في الوقت الحاضر، إلا إذا توخى البعض من الإطاحة بحكومته السيطرة على البلد، وهذا ما سيؤدي إلى محاصرة لبنان من قبل الدول النافذة، إضافة إلى أن الأزمة ستتجاوز مسألة تشكيل حكومة جديدة إلى أزمة تهدد النظام اللبناني ككل».
لذلك، يتوقف على الموقف الذي سيتخذه رئيس الجمهورية تحديد المسار العام للوضع في لبنان، «لأن هناك حاجة لإحداث صدمة سياسية تعيد الاعتبار إلى انتظام عمل المؤسسات»، وهذا ما تراهن عليه المصادر الوزارية التي ترى أنه «آن الأوان ليقول الرئيس كلمته». وترى المصادر أن مبادرة الرئيس عون إلى حسم موقفه، تعود بالدرجة الأولى إلى كثرة «الاجتهادات» في تفسير وجهة نظره حيال إصرار أرسلان ومن يقف خلفه على ربط انعقاد مجلس الوزراء بإحالة حادثة الجبل إلى المجلس العدلي.
وتضيف أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم كان انطلق في وساطته في ضوء التعديلات التي أدخلت عليها وبمعية وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، من تسويقه لتسوية تعيد الاعتبار لمعاودة انعقاد جلسات الحكومة، وتقوم على إحالة ملف التحقيق الذي أجرته «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي وبطلب من النائب العام التمييزي بالوكالة القاضي عماد قبلان، إلى المحكمة العسكرية. وتتابع: «معظم الأطراف تعاملت مع هذا المخرج على أنه جاء بمبادرة من الرئيس عون بعدما كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري أول من اقترحه لدى اجتماعه به، لكن تبين لاحقاً (كما تقول مصادر التقدمي) أن جريصاتي سارع إلى غسل يديه منه متناغماً مع النائب أرسلان، وهذا ما يفسر التصلّب الذي أظهره ويظهره من خلال (تغريداته) شبه اليومية أو عبر ممثله في الحكومة صالح الغريب الذي كرر الموقف نفسه في اجتماعه الأخير برئيس الحكومة». وعليه - تسأل المصادر - عن «مدى صحة ما يقال بأن الرئيس عون كان وراء هذا الاقتراح؛ وإنما طرحه في محاولة لفتح ثغرة تدفع في اتجاه التوافق على تسوية، من دون أن يبدّل موقفه في تبني إحالة الحادث إلى المجلس العدلي».
ومع أن الأفكار المطروحة لاستيعاب حادثة الجبل لم تحقق أي تقدم يمكن التأسيس عليه لإحداث خرق يمهّد للتوافق على مخرج، فإن قول الوزير الغريب إن «المحكمة العسكرية» هي المعبر الإلزامي إلى «المجلس العدلي»، يبقى في حدود الرغبة، لأنه لا صلاحية لهذه المحكمة بإحالة الملف إلى «العدلي»!
أما تريث الحريري في دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد؛ فلا يعني أنه سيصرف النظر عنها، خصوصاً أن هذه الدعوة تتناغم مع موقف الرئيس بري الذي يرى أن هناك ضرورة لتفعيل العمل الحكومي على أن يُصار إلى ترحيل الخلاف حول حادثة الجبل إلى حين التوافق على مخرج، فيما تترقب الأوساط السياسية ما سيقوله أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في خطابه اليوم حول الوضع الحكومي. | |
|