| | التاريخ: حزيران ١٥, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة الشرق الأوسط | | هل الهجمات اختبار للالتفاف على ضغوط واشنطن؟ | واشنطن: إيلي يوسف
تعكس الهجمات على سفن النفط في بحر عمان، وقبلها الهجوم على مطار أبها، جنوب السعودية، أن تغييراً ما في «الحالة السياسية»، المحيطة بالأزمة مع إيران قد حصل.
عملياً يُمكن القول إن طهران نجحت في كسر الهيبة، أو على الأقل اجتازت اختبار الصمود الآني في وجه الضغوط العسكرية التي وضعتها واشنطن عليها.
والسبب لا يعود إلى أن «إرادتها» في هذا الصمود ترتكز على إمكانات تمكّنها من الفوز أو مواجهة القوة العسكرية الأميركية، بل هو القرار الأميركي الذي عبر ولا يزال عن عدم رغبته في ترجمة ضغوطه على إيران إلى عمليات مباشرة ضدها.
عندما قررت واشنطن إرسال قوتها البحرية والجوية إلى المنطقة، كان الهدف هو توجيه رسالة واضحة بأن أي عبث أو اعتداء مباشر أو بالواسطة ضد القوات والمصالح الأميركية، هو خط أحمر لن يتم التهاون معه.
وعندما تجمعت معطيات استخبارية وعسكرية بأن إيران تعد العدة لشن هجمات انتقامية ردّاً على العقوبات الأميركية القاسية لتصفير النفط، ثم تصنيف «الحرس الثوري» منظمة إرهابية، طلبت القيادة الأميركية الوسطى إرسال 20 ألف جندي لحماية القوات والمصالح الأميركية في المنطقة.
في تلك الفترة كانت سياسات «الصقور» في الإدارة الأميركية على رأسهم جون بولتون ومايك بومبيو، تسعى إلى ممارسة أقصى الضغوط، حتى ولو أدى ذلك إلى إسقاط النظام. لكن موافقة الرئيس ترمب القائد الأعلى للقوات المسلحة على إرسال 1500 جندي فقط، كانت رسالة واضحة بأن واشنطن لا تريد تغيير النظام.
إيران قرأت تلك الرسالة جيداً، خصوصاً أنها ترافقت مع طلبات أميركية علنية لأطراف دولية بالدخول في وساطات معها، من أجل حضّها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
كان من المستحيل عدم توقع إقدام طهران على تنفيذ هجماتها على السعودية وعلى سفن النفط خلال زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي للتوسط معها.
فالهجوم على مطار أبها ترافق مع وصوله، بينما الهجوم على السفينتين (واحدة منهما يابانية، والشحنات النفطية على كليهما متجهة إلى اليابان) حصل خلال لقائه خامنئي أو بعده بقليل.
وبحسب أوساط مطلعة في واشنطن، فقد أرسلت القيادة الأميركية الوسطى «السنتكوم» تحذيراً إلى البيت الأبيض قبل نحو 10 أيام، يشير إلى احتمال قيام طهران بتنفيذ عمليات وشيكة في المنطقة. وطلبت دعماً إضافياً على اعتبار أن القرار الأصلي بإرسال القوة البحرية الأميركية إلى المنطقة قبل أكثر من شهر كان هدفه منع طهران وإفهامها أنها ستتحمل المسؤولية عن أي اعتداء.
غير أن البيت الأبيض رفض أي زيادة جديدة على الـ1500 جندي الذين أرسلوا قبل نحو شهر، مراهناً على أن الوساطات الجارية قد تؤدي إلى مخارج.
إيران أمعنت في ممارسة سياساتها التقليدية في مواجهة «التردد» الأميركي، مستفيدة من أن تحاشي الحرب فرصة لا يمكن التردد في استخدامها، لكن ليس في مواجهة الأميركيين، بل في مواجهة خصومها بالمنطقة.
يوم الخميس كان حافلاً بالرسائل الإيرانية في أكثر من اتجاه، وليس فقط في بحر عمان. في العراق عبر التفجيرات في بغداد، وفي غزة عبر إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل، وفي شمال إسرائيل عبر إرسال طائرة مسيّرة وعودتها سريعاً إلى جنوب لبنان.
وتقول أوساط سياسية في واشنطن إن اعتراض الإمارات على القيام بعمل عسكري في المنطقة، مقابل إصرار آخرين على الأمر، استغلته طهران جيداً، واختبرته، ونفّذت تكتيكاتها المعهودة ببراعة، منذ التفجيرات التي جرت قبل أكثر من شهر، واستهدفت أربع سفن، والهجوم بالطائرة المسيرة على أنابيب نفط سعودية.
واشنطن التي اكتفى رئيسها دونالد ترمب بالقول إن الهجوم على ناقلتي النفط يحمل بصمات إيران، وإن مضيق هرمز لن يقفل، وإذا حصل لن يكون لمدة طويلة، مكتفياً بأنه «سيرى» ما الذي سيحدث لاحقاً للتعامل مع طهران، إنما يشير إلى أن حالة من التجميد ستسود خلال هذه الفترة، بانتظار نضوج ملفات عدة، في حين أن المفاوضات العلنية والسرية متواصلة بين القوى الدولية والإقليمية.
ويُعتقد على نطاق واسع أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التوترات، وأن الضغط سيُلقى على دول المنطقة، خصوصاً أن طهران لم تتوانَ عن الجهر بتهديداتها ضدها، بينما التوقعات تشير إلى احتمال نجاح طهران في العثور على مخارج للالتفاف على العقوبات الأميركية، ما قد يمكّنها من الصمود حتى الانتخابات الأميركية علّها تأتي برئيس جديد بدلاً من ترمب، أو تنشأ معطيات جديدة تؤدي إلى تغيير في المشهد السياسي الإقليمي. | |
|