التاريخ: حزيران ١٣, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
النفط الإيراني يتدفَّق إلى سوريا مُجدّداً "يد الاميركيين تطاول الجميع ولا أحد سينجو"!
موناليزا فريحة
لم يفلت سامر فوز، أحد أبرز أغنياء الحرب في سوريا، من سياسة "الضغط الاقصى" التي تمارسها ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب لتصفير الصادرات النفطية للنظام الايراني وهدفها الضغط عليه واجباره على التفاوض على اتفاق نووي جديد، وشملت العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الاميركية الثلثاء على فوز وامبراطوريته المالية، كيانين مقرهما لبنان، بتهمة تسهيل شحنات النفط الإيراني المنشأ إلى سوريا.

على أنقاض الخراب الذي يتمدد في سوريا منذ ثماني سنوات، لمع نجم فوز على رأس امبرطورية تجارية كبيرة ذات نشاط في دول عدة من المنطقة، وصار يلقب "رامي مخلوف الجديد"، في إشارة إلى ابن عم الرئيس السوري بشار الأسد، الذي اعتُبر في بداية العقد الحالي قطب الاقتصاد السوري. وعزي الصعود السريع لفوز، في أصعب ظروف الغالبية العظمى من السكان، الى عوامل مختلفة، منها قربه من الدائرة الحاكمة المتحكمة بتوزيع الامتيازات، وقدرته على الابحار في اقتصاد الحرب. وهو استفاد أيضاً من العقوبات الدولية التي أدت الى استبعاد عدد كبير من منافسيه من المشهد الاقتصادي، حتى بات يعزى إلى هذا الشاب الاربعيني المثير للجدل، فضل كبير في إنقاذ النظام السوري من الافلاس.

وتتمدد الامبراطوية التي طاولتها العقوبات في دول عدة، بينها لبنان الذي له فيه شركتان هما "سينرجي سال" و"بي أس". واستناداً إلى وزارة الخزانة الاميركية، شحنت الشركة الأولى عشرات الآلاف من الأطنان المترية من النفط الإيراني إلى سوريا في العام الماضي عن طريق البحر. وترد اسماء السفن التي تستخدمها الشركة في تقرير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية "أوفاك" التابع لوزارة الخارجية الاميركية لمنتدى شركات الشحن البحري. وتعد شركة "بي أس" من أكبر مستوردي النفط الخام إلى سوريا، وقد استوردت مئات الآلاف من الأطنان المترية من النفط الخام الإيراني الخفيف العام الماضي باستخدام مجموعة متنوعة من ناقلات النفط والشاحنات ووجهت هذه الشحنات البرية والبحرية إلى شركة مصفاة بانياس. وترتبط الشركة بمجموعة قاطرجي التي تخضع مع مالكها المشترك محمد براء قاطرجي للعقوبات الأميركية بموجب الأمر التنفيذي رقم 13582. كذلك شحنت شركة "سينرجي سال" المسجلة في الخارج عشرات الآلاف من الأطنان المترية من النفط الإيراني إلى سوريا العام الماضي من طريق البحر.

صحيح أن الشركتين مقرهما لبنان، الا أن لبنان نفسه ليس معنياً بالعقوبات.

وأوضح الخبير الاقتصادي لويس حبيقة لـ"النهار" أن لبنان ليس مسؤولاً مباشرة عن نشاط الشركتين، ويمكن النفط المهرب أن يمر في البحر لا في أراضيه، وإلاّ لكانت وزارة الخزانة فرضت عقوبات عليه. ومع ذلك، ينطوي أمر كهذا على تحذير للبنان، ذلك أن "إدراج الامبراطورية المالية لفوز على اللائحة السوداء تظهر أن العقوبات بدأت تتوسع لتشمل أشخاصاً بعدما كانت تطاول تكتلات وأحزاباً، وتالياً يظهر هذا القرار أن لا غطاء فوق رأس أحد والجميع معرضون للعقوبات".

الضغط الاقصى

وتندرج الاجراءات في حق فوز، وتحديداً ما يتعلق فيها بالشركتين اللتين مقرهما لبنان، في سياق عملية "الضغط الاقصى" التي تمارسها واشنطن على طهران والرامية الى تصفير صادرات النفط للجمهورية الاسلامية. وحققت هذه السياسة، خلافاً للتوقعات، نتائج كبيرة، بتقليصها حجم النفط الايراني في الاسواق 200 مليون برميل من غير أن تتسبب بارتفاع كبير للأسعار. ومع ذلك، قال ديفيد أدسنيك، مدير الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، إن النظام السوري استفاد من تزايد الضغط على إيران على نحو غير مقصود. فمع تنفير العقوبات العملاء الذين يدفعون مقابل النفط الإيراني، استغلت طهران جزءًا من فائضها النفطي لتخفيف النقص الحاد في سوريا.

ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن خمس ناقلات للنفط الايراني الخام وصلت الى مرفأ بانياس منذ مطلع أيار، استناداً إلى صور الأقمار الاصطناعية التجارية للمحللين في "تانكر تراكر" (رصد الناقلات).

وقالت إن كل ناقلة سلمت مليون برميل من النفط تبلغ قيمتها حالياً أكثر من 60 مليون دولار، وإن المصافي التابعة للنظام السوري كررت النفط الخام وحولته الى وقود ومنتجات أخرى ضرورية للقوات المسلحة أو يمكن بيعها للمدنيين للحصول على سيولة.

وكانت سوريا شهدت الخريف الماضي أزمة محروقات خانقة بعدما كشفت وزارة الخزانة الأميركية شبكات اتجار غير شرعي بالنفط ووجهت تحذيراً عالمياً إلى قطاع شحن النفط، محذرة من تداعيات خطيرة لمنتهكي العقوبات. عندها تقلصت امدادات النفط السورية بسرعة. وفي الأشهر الخمسة التالية، وصلت إلى بانياس ناقلة واحدة فقط من الخام الإيراني. وشوهد سكان دمشق يقفون منذ الفجر صفوفاً أمام المحطات لشراء غاز الطهي. وقلص النظام حصص البنزين إلى غالون واحد في اليوم. لكن أدسنيك لاحظ أنه في ما بعد ولأسباب غير واضحة، بدأت ناقلات النفط الايراني تخرق جدار العقوبات في أيار. ورجح أن تكون الحكومة المصرية سمحت بعبور ناقلات نفط قناة السويس. وكان مجلس الوزراء المصري نفى في نيسان الماضي معلومات في بعض وسائل الإعلام المحلية والأجنبية وصفحات التواصل الاجتماعي عن منع هيئة قناة السويس عبور السفن المحملة نفطاً إلى سوريا، مؤكداً أن لا صحة لهذه المعلومات. ونقل عن هيئة قناة السويس إن حركة الملاحة في القناة تسير بشكل طبيعي ووفقاً للمواثيق والمعاهدات الدولية التي تكفل حق الملاحة الآمن لكل السفن العابرة دون تمييز بين علم دولة وأخرى. وخلص إدسنيك إلى ان النظام السوري استطاع الانتعاش مجدداً بفضل النفط الايراني والتسهيلات المصرية.