|
|
التاريخ: حزيران ٢, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
لبنان: التسوية السياسية تهتز مجدداً على وقع الخلافات المتشعبة |
تبرئة سوزان الحاج تشعل سجالات سياسية وقضائية |
بيروت: كارولين عاكوم
هزّة جديدة تتعرض لها «التسوية السياسية» التي أوصلت الرئيس ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، على وقع تفاقم الخلافات بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» التي تتشعّب من السياسة إلى القضاء والتعيينات وتعدّتها إلى الصراع على الصلاحيات؛ ما يطرح مرة جديدة السؤال حول مصير هذه التسوية ومن خلفها مصير الحكومة.
ووصل السجال والمواقف التصعيدية بين الطرفين إلى مرحلة غير مسبوقة في قضايا عدة، من الحكم بتبرئة المقدم سوزان الحاج في قضية فبركة ملف «العمالة لإسرائيل» بحق الممثل زياد عيتاني والاتهامات بتسييس هذا الملف، إلى كلام وزير الخارجية رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل حول صعود «السنية السياسية» على جثة «المارونية السياسية» والحديث عن معركة يخوضها باسيل للإطاحة بمدير عام الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، ليضاف إليها أول من أمس كلام أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله الذي انتقد موقف لبنان في القمتين العربية والإسلامية في مكّة الذي اعتبره خروجاً عن «النأي بالنفس».
ومع تأكيد الفرقاء المعنيين حرصهم على التسوية السياسية، يشدّد «تيار المستقبل» على لسان النائب محمد الحجار أن ما يحصل اليوم هو خروج عن قواعد التسوية وقواعد الاستقرار و«لن يمر مرور الكرام»، فيما يجزم النائب في «التيار» آلان عون أنه ليس من نيّة لديهم للعودة عن التسوية وهناك دائماً وسائل للحوار والمعالجة. كذلك ترى مصادر سياسية مطّلعة أن لا خطر على التسوية التي سبق لها أن مرّت بهزّات عدة ولا تزال مستمرة منطلقة في ذلك من أن الخلافات التي تحصل الآن هي حول قضايا آنية وليست استراتيجية، مع تأكيدها أن الرئيس الحريري عبّر في قمة مكة عن موقف لبنان وأتى منسجما مع البيان الوزاري.
وأمام كل ما يحصل كان موقف لافت لرئيس «الحزب الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط، معتبراً في تغريدة على «تويتر» عاد وحذفها، أن «تفاهمات ما قبل انتخاب عون أوصلت إلى تحنيط اتفاق الطائف... والعهد الواعد يتخبط نتيجة الغرور للشهوة الرئاسية وصمت الآخرين»، وذلك بعدما سجّل كلام لوزير الداخلية السابق نهاد المشنوق من دار الفتوى داعياً إلى وقف التمادي بحق رئاسة الحكومة وإلى إعادة النظر بالتحالف وأسسه من الطرفين.
ويقول الحجار لـ«الشرق الأوسط»: إجراء التسوية أدى إلى انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة واستقرار في البلاد لكن يبدو اليوم وأمام كل ما يحصل أن هناك خروجا عن قواعدها وقواعد الاستقرار من قبل «التيار» ونحن لن نسكت عن أي أمر يتناولنا ويتناول قياداتنا، مضيفا: «لأن التضحيات لا تعني التنازل عن موقعنا ودورنا خاصة في ظل حملات متتالية من الواضح أنها تستهدف مواقع وشخصيات محسوبة على (المستقبل)». ورغم ذلك يضيف الحجار: «لا نزال نؤكد على أن التسوية هي جزء من معادلة الاستقرار لكن إذا أراد التيار إبطالها فعندها أمور كثيرة ستتغيّر».
في المقابل، يعتبر النائب عون أن ما يجري اليوم من ردود فعل على تسريبات إعلامية مبالغ فيه ويعرّض العلاقة بين الفريقين لهزّات وتصدّعات هي بغنى عنها، مع تأكيده على أنه لا نيّة لتياره في العودة عن التسوية السياسية. ويقول لـ«الشرق الأوسط» من المفترض أن يكون تركيزنا في هذه المرحلة لمواجهة التحدّيات الاقتصادية ونحتاج لتحقيق ذلك أفضل انسجام بين مكوّنات الحكومة وعلى رأسها بين فريقي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وبالتالي لا يجب أن يعرض أي إشكال أو تباين ذات طابع أمني أو قضائي كامل العلاقة أو التسوية للخطر وهناك دائماً وسائل للحوار والمعالجة بيننا».
أما عن موقف نصر الله فيرى عون أنه متوّقع، موضحا: «هذا التناقض اللبناني حول تقدير مفهوم النأي بالنفس وحول ما يحصل في المنطقة يستدعي مزيداً من الاتزان والدقّة في المواقف الرسمية لكيلا ينعكس التصعيد والتوتر الإقليميان ضرباً للاستقرار السياسي اللبناني وللتسوية القائمة بين اللبنانيين والتي يشكّل حزب الله وتيار المستقبل ركيزتين أساسيتين لها».
وبين هذا الموقف وذاك، تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أنه لا خطر على التسوية التي لا تزال محكومة بتوافق على أسس أهم من كلام من هنا وتعليق من هناك وعلى تجاوز النقاط الخلافية، ولعل أبرزها «حزب الله» وسوريا، مقلّلة من أهمية موقف نصر الله. وتضيف: «الأهم أن الاتفاق مبني على القضايا الاستراتيجية الكبيرة على غرار ترسيم الحدود، ومبدأ النأي بالنفس الذي عبّر عنه الرئيس الحريري بشكل واضح في قمة مكة ولا خلاف عليه، وذلك انطلاقاً من أن لبنان دولة عربية ملتزمة بميثاق الجامعة العربية وتدين الاعتداء على أي دولة عربية من أي جهة كانت، والنأي بالنفس متعلق بالخلاف بين دولة عربية وأخرى، وبالتالي لا يمكن أن ينأى لبنان بنفسه عندما يتعلق الأمر بدولة غير عربية على غرار ما يحصل مع إيران الجهة المتّهمة».
تبرئة سوزان الحاج تشعل سجالات سياسية وقضائية
النيابة التمييزية تطلب الملف وتدرس الطعن بالحكم
بيروت: يوسف دياب
خرج الحكم المخفف الصادر عن المحكمة العسكرية، بحقّ المقدّم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج، والمقرصن إيلي غبش، في ملف «فبركة جرم التعامل مع إسرائيل للممثل المسرحي زياد عيتاني»، عن إطاره القضائي والقانوني، وتحوّل إلى مادة دسمة للتجاذب السياسي، وهو ما اضطر النيابة العامة التمييزية للتدخل، والنظر في إمكانية الطعن بالحكم وإعادة المحاكمة من جديد.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن المحامي العام لدى محكمة التمييز العسكرية، القاضي غسان خوري، طلب من رئيس المحكمة العسكرية، العميد حسين عبد الله، إيداعه ملف الحاج - غبش، فتلقى جواباً خطياً يفيد بأن الملف أحيل بعد صدور الحكم على مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، فطلب خوري من جرمانوس تسليمه الملفّ للنظر في إمكانية الطعن بالحكم أمام محكمة التمييز، وينتظر أن يتلقى جواباً على ذلك يوم غد الاثنين.
وكانت المحكمة العسكرية أصدرت حكمها في هذه القضية، يوم الخميس الماضي، فأعلنت براءة سوزان الحاج من جرم «التدخل في فبركة ملف التعامل مع إسرائيل للممثل زياد عيتاني، لعدم توفر عناصر الجرم بحقها، بينما حكمت بسجنها مدة شهرين، وغرامة مالية 200 ألف ليرة لبنانية (130 دولاراً أميركياً) بجرم كتم معلومات تتعلّق بهذا الملف». وقضى الحكم بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة ثلاث سنوات بحق المقرصن إيلي غبش، وتخفيضها إلى السجن سنة واحدة، علماً بأن سوزان الحاج جرى توقيفها العام الماضي مدّة 78 يوماً، أي أنها قضت بالتوقيف الاحتياطي مدّة تفوق العقوبة التي حكمت بها، قبل أن يخلى سبيلها من قبل قاضي التحقيق العسكري بكفالة مالية، فيما لا يزال غبش موقوفاً.
وتواصل قيادات في تيّار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، حملتها على القضاء بشكل عام، والمحكمة العسكرية بشكل خاص، وتصف الحكم بأنه «مسيّس»، وذهب بعضها إلى المطالبة مجدداً بإلغاء المحكمة العسكرية. وهو ما أثار استياء وكيل سوزان الحاج نقيب المحامين السابق، رشيد درباس، الذي اعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحملة السياسية التي تشنّ على الحكم غير مبررة على الإطلاق، وهي خرجت عن العقلانية». وقال: «كلما حاولنا شرح الطابع القانوني للحكم يردّون بحفلة جنون لا نفهم خلفياتها ومبرراتها».
ورداً على توجّه النيابة العامة التمييزية للطعن بالحكم، أوضح درباس أن «الحكم غير قابل للتمييز، لأن النيابة العامة العسكرية ممثلة بالقاضي بيتر جرمانوس طلبت البراءة، والمحكمة أخذت بهذا الطلب، وبالتالي فإن النيابة العامة قطعت الطريق على إمكانية تمييز الحكم»، مذكراً بـ«ما يسمّى وحدة النيابة العامة، إذ لا يمكن لنيابة عامة أن تعيد النظر بما طلبته نيابة أخرى». ورأى درباس أن «الاعتراض على مطالبة القاضي بيتر جرمانوس بإعلان براءة سوزان الحاج، ليس سابقة في تاريخ القضاء، فقد حصل مثله في المحاكم اللبنانية والمصرية وفي دول أخرى آلاف المرات». وسأل الممتعضين من مرافعة جرمانوس «لماذا تهاجمونه لأنه طلب البراءة لموكلتي، وهللتم له عندما طلب سابقاً منع المحاكمة عن زياد عيتاني؟».
لكنّ ثمّة رأياً قانونياً يخالف ما ذهب إليه وكيل سوزان لحاج، إذ أكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «المادة 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تجيز للمدعي العام أن يقول ما يريد في مرافعته أمام قوس المحكمة، لكن ذلك لا يعني أن مرافعته مقدّسة، ولا يمكن نقضها»، مشيراً إلى أن «جرمانوس شذّ عن القاعدة خلال مرافعته، وأهمل مضمون القرار الاتهامي، وما يتضمّن من أدلة». وتوقّف المصدر القضائي عند حديث درباس عن وحدة النيابة العامة، فأوضح أن «النائب العام التمييزي وحده من يحدد وحدة النيابة العامة، وليس أي مرجع آخر».
إلى ذلك ارتفعت حدّة السجال بين تيّار «المستقبل» و«التيار الوطني الحرّ» على خلفية هذا الحكم، خصوصاً بعد الاتهامات التي وجهها قياديون في «المستقبل» إلى وزراء مقرّبين من رئيس الجمهورية ميشال عون، بممارسة ضغوط على المحكمة العسكرية، في إشارة إلى زيارة قام بها وزير الدفاع إلياس أبو صعب إلى هذه المحكمة قبل صدور الحكم. وفي رده قال أبو صعب: «إن زيارتي للمحكمة العسكرية قبل صدور الحكم بيومين جاءت من أجل وقف الضغوط التي يمارسها ضباط شعبة المعلومات على المحكمة». وهو ما استدعى رداً قوياً من أمين عام تيّار «المستقبل» أحمد الحريري، الذي قال في سلسلة تغريدات له، إن «الكلام المنقول عن لسان وزير الدفاع، اعتراف صريح باستخدام موقعه الوزاري للضغط على المحكمة العسكرية، وتبديل وجهة التحقيق في ملف سوزان الحاج». وأضاف الحريري: «وزير الدفاع يقول إنه قصد المحكمة العسكرية لوقف ضغوط ضباط شعبة المعلومات على رئيس المحكمة، أي هرطقة هذه يا صاحب المعالي؟ وأي عاقل يمكن أن يصدق هذه الادعاء المضحك؟ ومن أعطاك أمر الذهاب إلى المحكمة العسكرية؟ وهل يعطيك القانون حقوقاً بتجاوز القانون وقلب الحقائق والتدخل بمجريات تحقيق عدلي؟».
وتوجه أحمد الحريري إلى وزير الدفاع قائلاً: «لقد وضعت نفسك يا معالي الوزير في قفص الاتهام، أنت متهم بتخريب مسار قضائي وتغطية ممارسات قاض متهور، والإساءة لكرامة ضباط لبنانيين ومؤسسة أمنية تقوم بدورها في كشف أوكار العمالة والإرهاب والعفن الكامن في زوايا الدولة».
ورد وزير الدفاع إلياس بو صعب على كلام الحريري موضحاً: «لم نضغط على أحد، بل ضغطنا على من يضغط على المحكمة، وقلنا ممنوع التدخل في عمل المحكمة العسكرية. ضغطنا لوقف ضغطهم وتدخلهم في مسار المحاكمة». وأكد أن زيارته إلى المحكمة العسكرية «كانت للوقوف على حاجاتها، وبالتالي فهي زيارة تفقدية للاطلاع على حسن سير العمل في المحكمة بشكل عام، ولم يكن لها أي علاقة بأي قضية معروضة أمامها».
ودعا وزير الدفاع، الحريري، «والجهة التي يمثلها إلى التمتع بالجرأة بإعلام الرأي العام عن الجهة التي سرّبت تسجيلات صوتية يُفترض أن تكون ملك القضاء والأجهزة الأمنية، ثم تجزئة هذه التسجيلات على نحو يخدم أهداف الجهة التي ضغطت على ضباط المحكمة العسكرية، وحجبت أجزاء أخرى من التسجيلات تدين ممارساتها وتؤكد على ضغوطاتها». وأعلن أنه طلب من الجهات المختصة إجراء تحقيق شفاف وشامل لكشف الجهة الأمنية التي سرّبت التسجيلات الصوتية المجتزأة، ومارست الضغوط على ضباط المحكمة العسكرية، وأغرقت وسائل الإعلام بمواد وأدلة غير كاملة للتأثير على الرأي العام والاستمرار في خداعه وتضليله وتغطية ممارساتها غير القانونية. وختم متوجهاً له بالقول: «إذا كان الكلام من فضة... فالسكوت من ذهب».
رفض واسع لمواقف نصر الله: «حزب الله» أول من خرق النأي بالنفس
لاقى كلام أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، مساء أول من أمس، انتقادات من عدة جهات لبنانية، بعدما كان قد اعتبر موقف لبنان في قمة مكّة خرقاً لسياسة «النأي بالنفس»، ومعلناً امتلاكه صواريخ دقيقة، واستعداده لبناء مصانع لها.
وردّ النائب في «الكتائب»، نديم الجميل، على نصر الله، قائلاً في تغريدة له على «تويتر»: «يحاضر السيد حسن نصر الله بالنأي بالنفس والحياد، في حين أن حزبه هو أول من خرق هذا المبدأ عند نجدته للنظام السوري، وأدخل حينها لبنان في قلب صراع لا علاقة للبنان به، لا من قريب ولا من بعيد».
بدوره، قال النائب السابق فارس سعيد: «غريب أمر السيّد حسن نصر الله، ينتقد رئيس حكومة لبنان، لأنه تضامن مع العرب، وهو يفاوض إسرائيل من خلال وسيط أميركي»، مضيفاً: «يللي استحوا ماتوا».
كان نصر الله وصف في كلمته لمناسبة «يوم القدس العالمي»، موقف الوفد اللبناني في القمة العربية، بأنه «مرفوض ولا يمثل لبنان، ولا ينسجم مع البيان الوزاري ومخالف لالتزامات الحكومة»، سائلاً: «أين هو النأي بالنفس؟».
وأكد أن لدى الحزب في لبنان صواريخ دقيقة بالعدد الكافي، تستطيع أن تغير وجه المنطقة والمعادلة، مشدداً على أن «أي قصف إسرائيلي على أهداف للمقاومة على علاقة بالصواريخ أو بغيرها، سنرد عليه بقوة وبسرعة»، مشيراً في الوقت عينه إلى أنه لا توجد في لبنان حتى اليوم مصانع لصواريخ دقيقة.
وأضاف: «لكن سنقوم بتأسيس هذه المصانع، إذا استمر الأميركيون بفتح هذا الملف، وليقم ديفيد ساترفيلد بعمله المُعلن و(يقعد عاقل)».
وعن المفاوضات حول الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل، اعتبر نصر الله أن الجانب الأميركي يحاول استغلالها لمعالجة ملف لصالح إسرائيل هو ملف الصواريخ الدقيقة وتصنيعها. |
|