|
|
التاريخ: أيار ٨, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
انهيار «الدولة العميقة» و«القوى غير الدستورية» بعد سجن مسؤولين كبار في الجزائر |
مصطلحان يتداولهما «الحراك الشعبي» |
الجزائر: بوعلام غمراسة
«القضاء على الدولة العميقة» و«سجن القوى غير الدستورية»، مفهومان يتم تداولهما وسط الحراك الشعبي بالجزائر، منذ يومين، ويحيلان إلى ممارسات غير قانونية، وتجاوزات ألحقت ضرراً بالاقتصاد، وتسببت في نهب ثروات البلاد على مدى عقدين من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (1999 - 2009).
ويرمز المفهومان إلى وجهاء في النظام السابق، يوجدون في السجن العسكري منذ أول من أمس، وهم: سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المستقيل ومستشاره الخاص سابقاً، والجنرال محمد مدين (توفيق) مدير المخابرات سابقاً، والجنرال عثمان طرطاق (بشير) مدير المخابرات سابقاً. وأطلق نشطاء بالحراك العنان لفرحتهم، منذ رؤية صور الثلاثة على شاشات الفضائيات، وهم يدخلون المحكمة العسكرية بالبليدة (جنوبي العاصمة)، لاستجوابهم أمام قاضي التحقيق العسكري، بخصوص تهمتي «التآمر على الجيش» و«التآمر على سلطة الدولة». وقرر قاضي التحقيق بعد انتهاء الاستجواب إيداعهم الحبس المؤقت.
ويملك عمار سعداني، الأمين العام السابق لـ«جبهة التحرير الوطني»، الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية، «حقوق التأليف» بالنسبة إلى مصطلح «الدولة العميقة» في الجزائر، فقد ردده مرات عدة أمام وسائل الإعلام وقال إنه يقصد الجنرال مدين الشهير بـ«توفيق»، الذي كان يومها لا يزال رئيساً للاستخبارات العسكرية (2015). وقد وجه له سعداني تهماً خطيرة، منها اغتيال الرئيس محمد بوضياف عام 1992. وحمّله مسؤولية محاولة اغتيال الرئيس بوتفليقة عام 2007 بشرق البلاد، على أساس أنه لم يوفر له الحماية اللازمة، بحسبه. كما اتهمه بإبعاد «كوادر نزهاء» من مناصب المسؤولية في الدولة، وبإحداث انقسامات في أحزاب معارضة.
و«الدولة العميقة»، برأي سعداني، تتمثل في سلطة موازية قوية لسلطة رئيس الجمهورية، وهي خفية وتنطبق تماماً، حسب رأيه، على «توفيق» الذي لم يظهر أبداً في العلن ولم يسبق أن صرّح للإعلام خلال فترة قيادته المخابرات (1990 - 2015). وكان الاعتقاد أن جهة نافذة في النظام تريد التخلص من «توفيق» واختارت سعداني لأداء هذه المهمة. وضُرب «توفيق» في مقتل عندما سجنت قيادة الجيش عام 2015 ذراعه اليمنى، العميد حسان آيت وعرابي، مسؤول قسم محاربة الإرهاب واختراق الجماعات المتطرفة، التابع للمخابرات. ولاح في الأفق، حينها، أن ساعة الحسم مع «توفيق» دقّت، وهو ما حصل بالفعل بعد فترة قصيرة، إذ تم عزله بقرار من الرئيس بوتفليقة، وبتأييد قوي من رئيس أركان الجيش نائب وزير الدفاع الفريق قايد صالح الذي يقف اليوم وراء سجنه، والذي قال إنه واحد من «العصابة التي تخطف الحكم».
واختفى سعداني من واجهة الأحداث بعد تنحية الجنرال مدين، إذ استقال من قيادة «جبهة التحرير» بشكل مفاجئ، ولـ«أسباب صحية». وعاد إلى الظهور خلال المظاهرات من خلال تصريحات للإعلام، مناشداً الجزائريين «تمكين بوتفليقة من استكمال ولايته الرابعة»، وقال إن «أمنيته أن يدشّن الجامع الأعظم»، وهو صرح ديني كبير وضعه بوتفليقة على رأس أولويات ولايته الرابعة.
وذنب «توفيق»، حسب مراقبين، أنه أطلق جهوداً مع سعيد بوتفليقة للبحث عن خليفة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل أن يستقيل. وتطورت المساعي إلى تنظيم لقاء بين الرئيس السابق اليمين زروال والجنرال مدين بطلب من الأخير وبإيعاز من سعيد، حيث عُرض على زروال رئاسة الدولة لفترة انتقالية، لكنه رفض. كل ذلك جرى نهاية مارس (آذار) الماضي في عز الحراك، ومن دون علم قايد صالح. ولكن لما بلغ مسامعه مضمون المساعي، اشتمّ رائحة «مؤامرة» لعزله، فهاجم «توفيق» وسعيد في خطاب ناري، وأمر بوتفليقة بالتنحي عن الرئاسة، وهو ما تحقق له 2 أبريل (نيسان) 2019.
أما صاحب مصطلح «القوى غير الدستورية المهيمنة على الحكم»، فهو رئيس الوزراء سابقاً علي بن فليس، الذي يقود حزب «طلائع الحريات» المعارض. واستعمل بن فليس هذا المصطلح خلال السنوات الماضية في حواراته الصحافية، وفي غالبية بيانات الحزب لتوصيف أوضاع البلاد خلال مرض الرئيس. وتتمثل هذه «القوى» أساساً، حسب رأيه، في سعيد بوتفليقة الذي لا يملك منصباً حكومياً علنياً، لكنه يدير شؤون الحكم من وراء ستار. ومن بين التهم التي وُجهت إليه، استخدام ختم رئيس الجمهورية لإصدار قرارات مهمة. ونُسب إليه بيان عليه ختم الرئيس، نُشر على شبكة التواصل الاجتماعي في 29 مارس الماضي، تضمن إقالة رئيس أركان الجيش. وكان رد قايد صالح عنيفاً، إذ قال في خطاب إن «كل ما تتخذه القوى غير الدستورية من قرارات وإجراءات، باطلة وغير معترف بها».
واللافت أن طرطاق، مدير المصالح الأمنية التابعة للرئاسة سابقاً، لم يُذكر بالاسم ولا بالمنصب خلال الشعارات المعادية للنظام في الحراك ولم يهاجمه قائد الجيش، بعكس «توفيق» وسعيد. غير أن قربه من شقيق الرئيس السابق، الذي استعمله أداة لتصفية حسابات مع خصوم بوتفليقة، كان سبباً مباشراً على ما يبدو في المشكلات التي يواجهها حالياً. |
|