التاريخ: نيسان ٢٩, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
الاتفاق على «السيادي» يقرّب السودان من الحكم المدني
الإمارات توقّع اتفاقية إيداع 250 مليون دولار لدى السودان
الخرطوم: أحمد يونس - نواكشوط: الشيخ محمد
عقد المجلس العسكري الانتقالي في السودان وممثلون عن الحراك الشعبي، في الخرطوم أمس، مفاوضات مكثفة حول تفاصيل الاتفاق الأولي الذي توصلا إليه الليلة قبل الماضية، والقاضي بتشكيل «مجلس سيادي» يقود البلاد خلال الفترة المقبلة.

وأجمعت مصادر مطلعة على أن الاتفاق يقرّب عملية نقل السلطة إلى المدنيين. وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الخلافات تركزت حول أعداد الممثلين، وسلطات المجلس. وترى المعارضة أن يتولى المجلس المشترك مهام السيادة والأمن والدفاع دون سلطات تنفيذية، فيما يتمسك العسكريون بالحصول على صلاحيات تنفيذية بمبرر «الحفاظ على الأمن والاستقرار».

وبحسب مصدر مقرب من المعارضة، فإن الطرفين أرجآ حسم عدد المشاركين في المجلس إلى اجتماع لاحق، أمس، حيث اقترحت قوى «إعلان الحرية والتغيير» مجلساً سيادياً مكوناً من 8 مدنيين و7 عسكريين، وهو ما رفضه المجلس العسكري، واقترح بدلاً عنه مجلساً مشتركاً من 7 عسكريين و3 مدنيين.

إلى ذلك، أعلن الاتحاد الأفريقي أنه عين الدبلوماسي الموريتاني محمد الحسن ولد لبات، مبعوثاً خاصاً للسودان، على أن تكون مهمته «تقديم مساهمة أفريقية في الجهود التي تقوم بها أطراف الأزمة في السودان، من أجل وضع أسس مرحلة انتقالية ديمقراطية عاجلة». وأكد الاتحاد الأفريقي أن هذه المرحلة الانتقالية يجب أن «تنتهي بالعودة إلى النظام الديمقراطي والحكم المدني» في السودان.

وكان ولد لبات قد عمل مبعوثاً خاصاً للاتحاد الأفريقي في كل من بوروندي (1998 - 2000)، وتشاد (2008)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (2013)، وجمهورية أفريقيا الوسطى (2016)، كما شغل منصب مدير مكتب الوسيط الأفريقي في الحوار بالكونغو (2000 - 2002).

مفاوضات لتحديد عناصر مجلس الحكم الجديد في السودان
ضباط الشرطة يضربون عن العمل وزحام سير خانق في الخرطوم


الخرطوم: أحمد يونس
تواصل تدفق السودانيين إلى وسط العاصمة الخرطوم، تزامناً مع مواصلة المجلس العسكري الانتقالي وممثلي الحراك الشعبي مفاوضاتهم لتحديد عناصر «المجلس السيادي» الذي يفترض أن يتولى الحكم خلال المرحلة المقبلة.

وشهد القصر الرئاسي بالخرطوم اجتماعات متواصلة بين «لجنة تفاوض» مكونة من المعارضة والمجلس العسكري الانتقالي، حيث عقد الجانبان اجتماعين أول من أمس، لكن دون إعلان التوصل إلى اتفاق حول القضايا الخلافية. ونقلت مصادر «الشرق الأوسط» أن اجتماع مساء أمس، توصل إلى قبول المجلس العسكري الانتقالي بمشاركة مدنيين في تكوينه، بيد أن الطرفين لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن أعداد الممثلين، وسلطات المجلس.

وترى المعارضة أن يتولى المجلس المشترك مهام السيادة والأمن والدفاع دون سلطات تنفيذية، فيما يتمسك العسكريون بالحصول على صلاحيات تنفيذية تحت ذريعة «الحفاظ على الأمن والاستقرار». وبحسب مصدر مقرب من المعارضة، فإن الطرفين أرجآ حسم عدد المشاركين في المجلس إلى اجتماع ينتظر أن يكون قد عقد أمس، حيث اقترحت قوى «إعلان الحرية والتغيير» مجلسا سياديا مكونا من 8 مدنيين، و7 عسكريين، وهو ما رفضه المجلس العسكري، واقترح بدلاً عنه مجلسا مشتركا من 7 عسكريين و3 مدنيين.

وبعيد إنهائهم اجتماع ليل أول من أمس، بدت على أطراف التفاوض حالة من التفاؤل بعد تعثر دام أكثر من أسبوعين، وقال عضو وفد المعارضة المفاوض عمر الدقير لـ«الشرق الأوسط»، إنهم اتفقوا «أخيراً» على مجلس سيادة «مكون من عسكريين ومدنيين»، بيد أنه لم يفصح عن تفاصيل إضافية، فيما وصف عضو تجمع المهنيين أحمد ربيع، ما تم التوصل إليه، بأنه يلبي «أحد مطالب المحتجين» الرئيسية. وينتظر أن تتواصل الاجتماعات بين لجنة التفاوض الممثلة للمعارضة المنضوية تحت تحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير»، والمجلس العسكري الانتقالي، لبحث صلاحيات المجلس السيادي، وحال الاتفاق عليها، يمكن أن يتم التوصل لاتفاق شامل تتكون بموجبه حكومة مدنية تواجه مشاكل البلاد.

وتواصل توافد مجموعات كبيرة من المواطنين إلى ساحة الاعتصام بالقرب من قيادة الجيش، قادمين من مدن البلاد المختلفة، للمشاركة في الاعتصام المستمر منذ 6 أبريل (نيسان) الجاري. ورغم عزل الرئيس عمر البشير من قبل قيادة الجيش، في 11 أبريل الجاري، استجابة لمطالبات شعبية واحتجاجات ومظاهرات استمرت أكثر من 4 أشهر، فإن عشرات الآلاف من المعتصمين لا يزالون يسيطرون على الشوارع المحيطة بقيادة الجيش ومنطقة شرق الخرطوم، ويرفضون فض الاعتصام قبل تحقيق مطالبهم في تكوين حكومة انتقالية مدنية».

يذكر أنه منذ عزل البشير، شكلت القوات المسلحة، مجلساً عسكرياً انتقالياً ليحكم البلاد خلال فترة انتقالية مدتها عامان، بيد أن قوى «إعلان الحرية والتغيير» المعارضة التي تولت مسؤولية قيادة الاحتجاجات والاعتصام الذي أسقط البشير، ترفض بقاء الجيش في الحكم، وتطالب بتكوين مجلس «سيادة مدني» يمثل فيه العسكريون، وحكومة تكنوقراط مدنية بصلاحيات تنفيذية، ومجلس تشريعي انتقالي. وتقود قوى «إعلان الحرية والتغيير» مفاوضات ماراثونية مع العسكريين في المجلس الانتقالي، بدأت بعد فترة قليلة من تسلمهم السلطة، بيد أن الطرفين لم يتوصلا بعد للاتفاق على حد أدنى معقول.

وشهدت الخرطوم ازدحاماً مرورياً غير مسبوق أمس، حيث اكتظت شوارعها بعشرات الآلاف من السيارات التي سدت الطرقات، وسط غياب لافت لرجال شرطة المرور، «المشاركين في إضراب عن العمل» ما شل حركة السير وخلق اختناقات مرورية ضخمة، وإلى توقف خدمات الشرطة المقدمة للمواطنين، في وقت يتوقع فيه أن تتوصل المباحثات بين المعارضة والعسكريين إلى «توافق» بشأن الحكومة الانتقالية. وقال شاهد عيان إنه اضطر إلى ترك سيارته في مكان بعيد، وقطع المسافة إلى مكان عمله راجلاً، فيما شكا مواطنون من طالبي خدمات الشرطة، وشوهدت أعداد كبيرة في مراكز الخدمات التي سدت أبوابها أمامه، فيما ردد بعضهم هتافات «ضدهم»، مهددين باقتحام المراكز الشرطية.

وزرع ضباط شرطة من «رتبة نقيب» بياناً أعلنوا فيه الدخول في إضراب عن العمل ليوم واحد، مطالبين بزيادة رواتبهم وترقيتهم، وإيصال رسائل للقيادات الأعلى لتصحيح ما أطلقوا عليه «المسار الشرطي»، وتصحيح الصورة الباهتة التي نتجت عما سموه «الانتشار الكبير للفساد والظلم في مؤسسة الشرطة». وانتقد البيان عدم تطبيق العدالة والمساواة بين الأجهزة الأمنية، والتدهور والإهمال الذي طال الخدمات المقدمة للمواطنين، واستغلال جهاز الشرطة في «تمرير أجندة حزبية»، وتفشي المحاباة القائمة على الولاء طوال فترة النظام المعزول. وقال بيان رجال الشرطة المضربين إنهم سلموا مذكرة للمجلس العسكري الانتقالي ومدير عام الشرطة، لكنهم لم يحصلوا على رد في شكل «قرارات قوية وملموسة».

وأثناء ذلك، شلت خدمات الشرطة المقدمة للمواطنين، وواجه الراغبون في الحصول على «تأشيرات خروج من البلاد، رخص القيادة، ترخيص السيارات، وخدمة الجوازات والجنسية» وغيرها، صعوبات جمة خلال اليوم بسبب إضراب عدد كبير من الضباط في المراتب الصغيرة والمتوسطة. وأدى غياب رجال المرور عن شوارع الخرطوم، إلى اكتظاظ السيارات في شوارع المدينة التي تواجه كثافة سير في الأوضاع المعتادة، وشوهد ضباط برتب كبيرة يحاولون تنظيم حركة السير دون جدوى.

الإمارات توقّع اتفاقية إيداع 250 مليون دولار لدى السودان
أبوظبي: «الشرق الأوسط»
وقّع صندوق أبوظبي للتنمية أمس، اتفاقية مع بنك السودان المركزي، يتم بموجبها إيداع 250 مليون دولار (ما يعادل 918 مليون درهم)، بهدف دعم السياسة المالية للبنك وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي في السودان. وتأتي الوديعة جزءاً من حزمة مساعدات مشتركة أقرتها السعودية والإمارات للسودان والبالغة قيمتها 3 مليارات دولار لدعم الاقتصاد وتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب السوداني.

ووقّع الاتفاقية عن جانب الصندوق محمد السويدي مدير عام صندوق أبوظبي للتنمية، وعن الجانب السوداني آمنة ميرغني التوم، مدير عام الأسواق المالية في بنك السودان المركزي، وذلك بحضور خليفة القبيسي نائب مدير عام الصندوق وعدد من المسؤولين في كلا الجانبين. وقال محمد السويدي إن الاتفاقية تأتي بتوجيهات من الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث تحرص القيادة على دعم الاقتصاد السوداني والحفاظ على استقراره المالي والنقدي. وأضاف أن العلاقات بين الإمارات والسودان تعتبر نموذجاً يحتذى به ف العلاقات الأخوية بين الدول الشقيقة، مشيراً إلى أن صندوق أبوظبي للتنمية حريص على تعزيز تلك العلاقات ودعمها من خلال مواصلة مسيرة تحقيق التنمية الشاملة في السودان التي بدأها قبل أكثر من 3 عقود. وذكر السويدي أن الصندوق مول كثيراً من المشاريع الاستراتيجية في السودان التي تركت تأثيراً مباشراً على أفراد المجتمع السوداني وعززت من مسيرة النمو الاقتصادي في البلاد.

من جانبها، أشادت آمنة ميرغني حسن التوم بالدعم الذي تقدمه قيادة وحكومة دولة الإمارات للشعب السوداني، مؤكدة تقدير السودان للجهود التي تبذلها الإمارات في سبيل مساعدة السودان على النهوض بالاقتصاد وتجاوز التحديات المالية والاقتصادية. كما أعربت عن شكرها وتقديرها للتعاون الذي أبداه صندوق أبوظبي للتنمية من خلال هذه الوديعة التي جاءت في توقيت مهم، مشيرة إلى أنها ستعمل على تعزيز الاستقرار النقدي والمالي، وستخفف من الضغوطات التي تواجه الجنيه السوداني، وسوف تحقق مزيداً من الاستقرار في سعر الصرف.

وكان صندوق أبوظبي للتنمية قد وقع في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2017، اتفاقية مع البنك المركزي السوداني أودع بموجبها 1.470 مليار درهم (400 مليون دولار) في بنك السودان المركزي، للمساهمة بدعم التنمية الاقتصادية في السودان. يشار إلى أن صندوق أبوظبي للتنمية بدأ نشاطه التنموي في السودان منذ عام 1976، حيث مول الصندوق كثيراً من المشاريع التنموية في قطاعات أساسية مثل الصناعة والطاقة والنقل والمواصلات والمياه والري وغيرها من القطاعات الاستراتيجية الرئيسية في السودان.