|
|
التاريخ: نيسان ٢٨, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
حدود تماس جديدة شرق الفرات بعد دحر «داعش» جغرافياً |
«الشرق الأوسط» تستطلع وضع الجيب الآخر للتنظيم بعد شهر على «التحرير» |
الباغوز (شرق سوريا): كمال شيخو
بعد أكثر من شهر على إعلان تحرير بلدة الباغوز فوقاني شرق سوريا، لا تزال أحياؤها خالية من السكان، وممنوعة عليهم العودة، إذ إن «قوات سوريا الديمقراطية» لم تنتهِ بعد من تمشيطها وإزالة المفخخات والعبوات الناسفة والألغام الأرضية التي زرعها عناصر تنظيم «داعش»، حيث تبدو مظاهر الدمار وحدها شاهدة على حدة المعارك العنيفة التي دارت في أزقة وأحياء هذه البلدة الواقعة أقصى شرق سوريا بمحاذاة الحدود العراقية.
وحصل سالم (45 سنة) على إذن للدخول إلى مسقط رأسه الباغوز بهدف تفقد منزله وممتلكاته، وذهل من مشاهد الحطام والركام التي كانت متناثرة في كل مكان، فالحي الذي كان يسكنه بالكاد تعرف على ملامحه، أما السوق التجارية فقد باتت خالية وطالها الخراب، وأصبحت مدينة أشباح، وعند حديثه بدت علامات الحيرة والاستغراب على وجهه ليقول: «كم نحتاج من الزمن لإصلاح ما دمرته هذه الحرب؟!».
أثناء الحديث كان يقف سالم بالقرب من نهر الفرات الذي يحد الباغوز من جهتها الجنوبية، وقد تحول إلى منطقة تماس وحدود من نار على حد وصفه، وذكر: «انقسمت عائلتنا كحال بقية عائلات المنطقة؛ ناس يسكنون في مناطق النظام بالجهة المقابلة للباغوز، أما نحن فقصدنا مدينة الحسكة وسنعود ريثما يسمح لنا».
وتمكنت «قوات سوريا الديمقراطية» العربية - الكردية بدعم من التحالف الدولي، بقيادة أميركية، في 23 مارس (آذار) الماضي، من تجريد التنظيم من مناطق سيطرته داخل الباغوز، والقضاء التام على سيطرته الجغرافية ودولته المزعومة التي أعلنها بداية 2014 على مناطق شاسعة في سوريا والعراق المجاور، وأفرزت معارك شرق الفرات واقعاً مختلفاً ورسمت حدوداً ومناطق تماس جديدة.
ورغم الإجراءات الأمنية المشددة، وتعزيز انتشار عناصر الأمن والدوريات في مداخل ومخارج المناطق المحررة، اعتبرت فاطمة (35 سنة) المتحدرة من الباغوز، وتسكن في بلدة هجين بريف دير الزور الشمالي، أن الأمان شبه منعدم، وتقول: «الشرطة على نقاط الحواجز غير مؤهلين؛ فهناك ثغرات كبيرة يتسلّل منها الدواعش بسهولة لتنفيذ الهجمات وتخويف السكان، يجب تشديد المنطقة أكثر بالحراسة والعناصر المنضبطة».
وبات حوض نهر الفرات وسهله المُمتد من ريف حلب الشرقي عند مدينة منبج، حتى مدينة البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور والواقعة أقصى شرق سوريا بطول 610 كيلومترات، خطّ تماس وحدوداً من النار تفصل المناطق الخاضعة للقوات النظامية السورية من جهة الغرب والجنوب، مع تلك الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» من الجهتين الشمالية والشرقية.
وبينما كان يجلس عبد الكريم (44 سنة) على مقعد جراره الزراعي، الذي حوله إلى وسيلة لنقل مياه الشرب، أشار بيده إلى نهر الفرات الذي أصبح منطقة تماس تفصل الجهات العسكرية المتحاربة، ويقول: «فإذا ولّيت وجهك جنوباً فستجد أعلام النظام وقواته، وإن ولّيته شمالاً فستلحظ تنقلات مقاتلي (قسد)، بصحبة الجنود الأميركيين وآلياتهم العسكرية».
ويعيش عبد الكريم مع زوجته وأسرته بقرية البوبودران المطلة على سهل الفرات بشكل شبه طبيعي، حيث اعتادوا الوضع الجديد الذي أفرزته تقسيمات الحرب السورية، إذ يشاهد يومياً تحركات الجنود على ضفتي النهر، ويضيف: «لم تحدث اشتباكات بين الطرفين، حتى اليوم. هناك استقرار في كل منطقة، وننتظر تسوية الأوضاع، لأن مصير المنطقة لا يزال مجهولاً».
ويرى عبد الكريم عمر رئيس «دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية» لشمال وشرق سوريا، أن القضاء جغرافياً وعسكرياً على خلافة «داعش» لا يعني انتهاء حقبة التنظيم وزوال خطر الإرهاب، وأوضح أنّ التنظيم يحتفظ بخلاياه النائمة في مدن الرقة ومنبج والطبقة وغيرها من المناطق التي انتشر فيها قبل سنوات، وقال: «لا تزال الآيديولوجيا والذهنية وأفكاره المتشدّدة متداولة بين قاطني تلك المناطق، حيث بقيت تحت قبضة التنظيم لسنوات طويلة قبل طردهم، هذه المناطق بحاجة إلى خدمات وإعادة إعمارها وإصلاح بنيتها التحتية»، ويشير إلى أنّ ريف دير الزور الشمالي، الذي قاتل فيه مسلحو التنظيم حتى النهاية، ناله الخراب والدمار، وأضاف: «على دول التحالف تقديم المساعدات لطي صفحة التطرف والسواد، وفي حال تقاعس المجتمع الدولي في دعم عمليات الاستقرار، سيعود الإرهاب، وستظهر تنظيمات متطرفة، ولو بأسماء جديدة، لكنها ستحمل عقيدة (داعش) ذاتها».
ويشكو سكان المناطق المحرَّرة من قبضة التنظيم من أن مدنهم لم تستعِد الأمان، ويرون أن ذلك لم يحدث، إذ لا تزال عناصر «داعش» يزرعون ويفجرون عبوات ناسفة وينفذون هجمات مباغتة، على حد تعبير محمود، المتحدر من بلدة هجين بريف دير الزور الشمالي، وقال: «نصحو كل يوم على دوي عبوة أو تفجير أو هجوم، حتى أصبحنا نخشى من خروج أطفالنا، خوفاً من أن ينفجر فيهم لغم في أي مكان، لا نزال نشعر بالرعب».
وتحتاج مرحلة ما بعد دحر تنظيم «داعش» في سوريا إلى جهود حثيثة ومكثفة، وتعاون دولي في تقديم المعالجات لما خلّفه انتشار التنظيمات المتطرفة والحرب من دمار بالمدن المحررة، بحسب إلهام أحمد الرئيسة التنفيذية لـ«مجلس سوريا الديمقراطية» ويُعد الجناح السياسي لـ«قوات سوريا الديمقراطية». ونقلت أن سكان المناطق المتضررة ما زالوا يعانون الأمرّين من مشكلات البنى التحتية وانعدام الأمان والخدمات، وشددتّ على أنّ القضاء عسكرياً على الإرهاب لا يعني زوال خطره.
وقالت إلهام أحمد: «نعلم أن خطره ما زال موجوداً وبأشكال مختلفة في المناطق السورية، فمرحلة تحرير الجغرافيا انتهت، وهذا لا يعني القضاء على الإرهاب بشكل نهائي، حيث لا تزال خلاياه النائمة موجودة وبقوة»، وأضافت: «مثلما قامت قواتنا بمساعدة أهالي المناطق المحررة في بناء مؤسساتها الإدارية والأمنية، فستقوم أيضاً بتهيئة استقرار المناطق ليتمكن سكانها من إعادة بناء مجالسها الإدارية والتشريعية من خلال انتخابات ديمقراطية شفافة». |
|