التاريخ: نيسان ١٦, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الحياة
رفض لخفض رواتب الموظفين في اجتماع الفرقاء مع الحريري
بلبلة حول الموازنة والتسريبات تنذر بإشعال احتجاجات الشارع
بيروت - "الحياة"
تسود البلبلة على الصعيدين الشعبي والرسمي حول ما يتردد عن الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها لخفض العجز في موازنة عام 2019 التي تأخر إقرارها بفعل التأخر في تأليف الحكومة منذ أيار (مايو) العام الماضي حتى كانون الثاني (يناير) هذا العام. ويتسبب البحث في هذه الإجراءات بتخبط سياسي وتوترات، وينذر بموجة جديدة من التحركات الشعبية.

وفيما كرر وزير المال علي حسن خليل مرات عدة في الأيام الماضية القول أنه وضع جملة اقتراحات في شأن أولوية خفض العجز في الموازنة والذي يشمل خفض الإنفاق في مشروعها، فإنه لم يكشف عنها، وترددت أنباء عن أنها تطاول 11 بابا من أبواب الإنفاق.

إلا أن تصريحات خليل ورئيس الحكومة سعد الحريري، ووزير الخارجية جبران باسيل، فضلا عن العديد من المواقف النيابية في إطار لجنة الإدارة والعدل النيابية واللجان الأخرى رددت مرارا عبارات من نوع أن "علينا شد الحزام" ويجب اتخاذ قرارات موجعة" وضرورة تجنب نموذج اليونان في الأزمة المالية...إلخ.

وكان باسيل قال، في معرض تبريره للتخفيضات التي يجري البحث فيها في شأن التقديمات للموظفين المدنيين وفي السلك العسكري، يوم الأحد الماضي: على موظفي الدولة القبول بأنهم لا ‏يستطيعون الاستمرار على هذا المنوال، ومَن يحزن أنه سيخسر نسبة معينة من التقديمات التي يحصل عليها، فليفكر ‏إذا لم نقم بذلك، فلن يحصل بعدها على شيء.إذا لم نخفض فلن يعود هناك رواتب واقتصاد ‏وليرة، وخيارنا أن نأخذ إجراءات موقتة".

وفيما لم يحدد باسيل طبيعة هذه التخفيضات، فإن كلامه أثار ردود فعل سلبية في الشارع وعلى الصعيد السياسي، حتى من قبل نواب وشخصيات من نواب في تكتله النيابي "لبنان القوي". وأفادت تسريبات أن المقصود حسم بنسبة 15 في المئة على كل الرواتب التي تزيد على ثلاثة ملايين ليرة لبنانية لمدة3 ‏سنوات، من بين إجراءات أخرى تداول الإعلام في بعضها وسط التكتم عليها.

وتحدثت التسريبات أيضا عن: 1- خفض بعض التقديمات التي تنص عليه سلسلة الرتب والرواتب (القانون 46 ) بدلا من خفض أساس الرواتب. 2- خفض رواتب الرؤساء والنواب والوزراء السابقين أو تعديل في معايير منحها (حسب عدد الدورات والسنوات التي سبق لكل مسؤول أن قضاها في الخدمة) وإلغاؤها للعائلة بعد الوفاة. 3- خفض التقديمات للرؤساء والنواب والوزراء الحاليين. 4- إلغاء المساعدات التي تقدمها الخزينة لبعض الجمعيات ذات المنفعة العامة (وبينها ما هو وهمي). 5- إلغاء التدبير رقم 3 في القوى المسلحة الذي يسري على استنفار الجيش وينعكس على تعويضات العسكريين ويضاعفها في احتساب التقاعد من الخدمة. 6- إلغاء الإعفاء الجمركي لبعض الجمعيات...

اجتماع ممثلي الفرقاء

وقالت مصادر نيابية لـ"الحياة" إن الوزير باسيل كان أول من اقترح التخفيضات لرواتب الموظفين، فيما أوضحت مصادر وزارية أن سعي الرئيس الحريري إلى توافق سياسي على الإجراءات المفترضة التي نسق مع الوزير خليل في شأنها، أدى إلى استضافته اجتماعا للوزراء ممثلي القوى السياسية كافة ليل أول من أمس الأحد في بيت الوسط، للتداول في بعض الاقتراحات وجس النبض حول الموقف في شأنها، لمعرفة أي التدابير قابلة للموافقة عليها، حتى يتحمل جميع الفرقاء المسؤولية سويا عنها وعلمت "الحياة" أن خفض رواتب موظفي القطاع العام لقي معارضة من عدد من الوزراء ممثلي القوى السياسية.

وقالت مصادر وزارية لـ"الحياة" إنه لم يتم حسم الموقف من دراسة الموازنة في جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل، في انتظار اكتمال المشاورات حول التخفيضات الممكنة، فيما تلح الدول المانحة في مؤتمر "سيدر" على إصدار الموازنة في مدة قريبة، مع خفض العجز إلى ما دون 9 في المئة فيها، ما يعني أن هناك حاجة لخفض العجز بحوالي 3 نقاط، بعد أن بلغ أكثر من نسبة ال11 في المئة للعام 2018 أي ما يفوق النسبة المقدرة لتلك الموازنة التي اعتمدت عشية انعقاد "سيدر السنة الماضية. وجاء ارتفاع العجز بسبب التوظيفات العشوائية التي حصلت في القطاع العام خلافا للقانون 46.

الاعتراضات

تسبب الحديث عن التخفيضات باعتراضات، أبرزها موقف قائد الجيش العماد جوزيف قهوجي الذي اعتبر أن حقوق العسكريين لا تمس. وقالت مصادر سياسية إن عون أبلغ عددا من المراجع هذا الموقف.

ونشر عدد من وسائل الإعلام دعوات بالصوت على "واتسأب" من عسكريين متقاعدين إلى التحرك في الشارع، ملقين اللوم على الطبقة السياسية، متهمين رموزها بهدر المال العام...

وحذر المتقاعدون في التعليم الثانوي والاساسي "السلطة التنفيذية والتشريعية من مد اليد على حقوق المتقاعدين"، مؤكدين ان الثورة الاجتماعية بدأت، داعين الوزراء والنواب الى "استرجاع اموال الشعب من سويسرا، وتخفيض رواتبهم ومخصصاتهم وتعويضاتهم وصفقاتهم وسرقاتهم، واقفال مزاريب الهدر والتطلع الى مكامن الهدر والفساد في الاملاك البحرية والنهرية والتهرب الضريبي والكهرباء والجمعيات الوهمية وغيرها".

ونفذت رابطتا المتقاعدين في التعليم الاساسي والثانوي اعتصاما بمشاركة هيئة التنسيق النقابية وروابط المتقاعدين، اضافة الى النائب اسامة سعد والامين العام للحزب الشيوعي حنا غريب. وحمل الاساتذة لافتات شددت على تطبيق المادة 18 من القانون 46/2017 دون اي تحريف، وحذرت من مد اليد الى جيوب المتقاعدين، داعية الى محاكمة الفاسدين ووقف الهدر. وطالبت وزير المال علي حسن خليل بالتراجع عن بيانه الذي ألغى فيه مفعول القانون. وشددت على عدم أحقية اي مسؤول او وزير تعديل قانون نافذ صادر عن مجلس النواب.

واستنكرت الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة في بيان، "ما يصدر من تصريحات وتلميحات يلوح بعضها بالمساس برواتب الموظفين وحقوقهم التقاعدية وتأميناتهم الاجتماعية، من دون إدراك لما يعنيه هذا الأمر من أبعاد خطيرة". وأشارت إلى أن "الإصلاح المالي يكون بإعادة الأموال العامة التي سلبت عبر الصفقات المشبوهة والهندسات المالية..."

وطالبت الموظفين ب"عقد جمعيات عمومية في كل الإدارات والمحافظات اليوم ، استعدادا للمواجهة بكل الأساليب وأولها الإضراب العام التحذيري غداً الأربعاء. كما دعت هيئة التنسيق النقابية إلى الاعتصام في اليوم نفسه في ساحة رياض الصلح بالتزامن مع انعقاد جلسة البرلمان التشريعية.

واحتجاجات السياسيين

النائب فايز غصن، وزير الدفاع السابق قال: "نرى سهاما مصوبة باتجاه العسكريين ورواتبهم وتعويضاتهم. الغريب ان البعض وجد ان مد اليد على جيبة من حمى الوطن أهون بكثير من إقفال مزاريب الهدر وما أكثرها. علما أن تعويضات العسكريين ليست منة من أحد وهي حق مكتسب لمن دفع الدم وضحى بحياته لكي نحيا. وختم:"لا تعبث بحياة من دفع حياته ثمنا لأمنك".

واعتبر عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسن فضل الله أن "هناك أزمة حقيقية حادة تؤثر على حياة اللبنانيين ومستوى الخدمات، وعلى فرص العمل ، وهذا يتطلب معالجة جادة لكن على قاعدة اختيار الاجراءات الصحيحة وليس استهداف جيوب الفقراء وذوي الدخل المحدود".

وتابع: "حتى الآن لم يصلنا شيء من الحكومة، وهناك حوار قائم على مستوى الحكومة والكتل السياسية، ونحن جزء من هذا الحوار، ونناقش مع الجهات الرسمية المعنية، وهناك أفكار يتم التداول فيها لم تتبلور حتى الآن إلى إجراءات وبنود محددة، ولن نتخذ موقفا مسبقا من أي أمر يطرح في الإعلام، فنحن نأخذ موقفا عندما تصبح الطروحات والأفكار رسمية".

أضاف: "هناك أمور أساسية سنصر عليها، هي مكافحة الهدر والفساد، وشفافية التلزيمات ووضع حد للانفاق غير المجدي، والقروض غير المجدية، ومعالجة فوائد الدين العام وعجز الكهرباء. ولكن لا يفكرن أحد من كل القوى المعنية أن بإمكانه أن يبدأ معالجة الأزمة من جيوب الفقراء والمحتاجين وأصحاب الدخل المحدود.

"القصة بالمقلوب"

وغرد النائب زياد الحواط (تكتل الجمهورية القوية- القوات اللبنانية) قائلا: "معاليه (يقصد باسيل) فهمان القصة بالمقلوب. كان لازم قبل إقرار السلسلة تطهير الادارة من الموظفين الوهميين. كان لازم ما توظف في القطاع العام وفي السلك العسكري خلافا للقانون 46، كان لازم تبلش بمكافحة الفساد والهدر. لو عملت هالشي ما كنت اليوم عم تفكر تمد إيدك على جيبة الموظف المستور مع عائلته".

ورأى النائب فؤاد مخزومي أن "الحديث عن اتجاه مجلس الوزراء نحو تخفيض رواتب موظفي القطاع العام مرفوض. على الحكومة أن تبحث عن الهدر الحقيقي الذي يستنفذ خزينة الدولة، بعيدا من الإضرار بمصلحة المواطن على أن يكون هكذا قرار آخر الكي والعمل على تخفيض رواتب ومخصصات النواب والوزراء".

وأصدر النائب العميد المتقاعد أنطوان بانو (تكتل لبنان القوي الذي يرأسه باسيل): "طالعتنا أنباء في الإعلام عن نية اتخاذ قرارات تقشفية موجعة تستهدف معاشات ومخصصات وتقديمات أفراد المؤسسة العسكرية بهدف خفض العجز في موازنة العام 2019. إزاء هذه التقارير المتداولة، لا يمكننا إلا أن نستنكر ونستهجن مثل هذه الاقتراحات الجائرة والظالمة التي تستهدف أفراد وضباطا يعملون على حفظ أمن لبنان وسلامته.

فبدلا من التقدم بمثل هذه الاقتراحات المجحفة، ابدأوا بعصر النفقات وترشيد الإنفاق ووقف الهدر واختلاس الأموال العامة، واضبطوا التهرب الضريبي والتهريب الجمركي. لماذا المس بمعاشات وتعويضات فئة أقل ما يقال فيها إنها سياج الوطن؟ ألا تقوون إلا على من هم صوت الوطن وضميره؟ ألا يكفيهم أن لقمة عيشهم مغمسة بالدماء؟ تخفيض العجز المالي لا يبدأ "بقصقصة جوانح" من دحر الإرهاب وبنى الوطن بسواعده وحمى الحدود من نيران العدو وأبواق المدافع فيما كان بعض رجال السلطة وعائلاتهم قابعين في قصورهم ينامون على وسائد حريرية".

وأشار حزب الكتلة الوطنية اللبنانية، إلى أن "تباهي باسيل بجرأته في الإعلان عن التوجه إلى خفض رواتب موظفين القطاع العام دليل قاطع على عجزه، مع الطبقة السياسية المتحكمة التي يدور في فلكها، عن مكافحة الهدر والفساد والزبائنية".

ورأى أن "هذا الإجراء يضرب مدخول جزء كبير من اللبنانيين، ويلقيهم في العوز مجددا فيقيدهم بالزبائنية".

"لقاء سيدة الجبل": سبب الأزمة الاقتصادية "التسوية" التي أدّت لتسليم لبنان إلى "حزب الله"

دعا "لقاء سيدة الجبل" القوى الحريصة على لبنان "للوقوف صفاً واحداً إلى جانب الناس والتصدّي لمحاولة إيجاد الحلول على حسابهم وحساب رواتبهم الحالية والتقاعدية"، مؤكداً "أن الحلول متوافرة في سدّ مزاريب الهدر العديدة في كل القطاعات". وقال: "إذا عجزوا فليسلّموا الدولة إلى "حزب الله"، والله خير مدبّر للشؤون".

ورأى "اللقاء" في بيان بعد اجتماعه الأسبوعي في الأشرفية اليوم (الاثنين) "أن الطبقة السياسية تتعامل مع الأزمة الاقتصادية الحادة كأنها أزمة تقنيّة تتعلّق بسوء إدارة من هنا وإجراءات تطاول جيوب اللبنانيين من هناك، بينما الحقيقة أن هذه الأزمة الاقتصادية هي مرآة لأزمة أخرى جوهرية من طبيعة سياسية بامتياز".

ولفت "اللقاء" الرأي العام إلى "ان ثمن وجود سلاح غير شرعي في لبنان وما يترتّب عليه من سياسات ومغامرات عسكرية وأمنية مكلف جداً، وينتج من غياب المساءلة والمحاسبة كما يغطّي الهدر والفساد. وان المداخيل التي يؤمنها هذا السلاح غير الشرعي من صناديق الدولة والخزينة من خلال استباحة الحدود البرية والبحرية والجوية مكلف". وشدد على "ان الاجراءات التي يحكى عنها تطاول فقط الطبقتين الفقيرة والمتوسطة من خلال أجورهما ومعاشات التقاعد الخاصة بهما، في حين أن الهدر والفساد يدخل في كل القطاعات، فلِم التغاضي عن الكهرباء والاتصالات والجمارك والمرفأ والتحويلات المشبوهة للمؤسسات الخاصة كما الأملاك البحرية؟".

واعتبر "ان الطبقة السياسية التي أقرّت سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017 هي نفسها التي تطالب اللبنانيين بالإنقلاب عليها اليوم. وان "التسوية" التي أدّت إلى تسليم لبنان باليد إلى "حزب الله" وعرّضته للعقوبات الخارجية والأزمة المالية داخلياً هي سبب الأزمة الاقتصادية. وان الاحزاب التي اجتمعت حول "التسوية"، والتي تبحث اليوم مع بعضها بعضا في مخارج لموازنة تقشّفية، أصبحت حزباً واحداً وبالتالي هي مسؤولة عن تدهور الأمور والغاء التمايزات بينها وبين "حزب الله".

من جهة ثانية، أشاد "لقاء سيدة الجبل" بموقف حزب الكتائب اللبنانية الذي أعلنه رئيسه النائب سامي الجميل، من الأخطار التي تتهدّد لبنان، وفي طليعتها السلاح غير الشرعي والخروج عن الشرعية منذ العام 1969".

وتوقّف "اللقاء" عند نتائج الانتخابات الفرعية في طرابلس ومدلولاتها. ورأى فيها تعبيراً عن عدم رضا شعبي حيال سياسات القيادات والزعامات على تنوّعها".

حضر اللقاء: النائب السابق فارس سعيد، اسعد بشارة، ايلي الحاج، ايلي قصيفي، ايلي كيرللس، بهجت سلامه، توفيق كسبار، حسين عطايا، ربى كبارة، سامي شمعون، سعد كيوان، سناء الجاك، طوني الخواجه، طوني حبيب، غسان مغبغب، محمد سلام، مياد حيدر، ونقولا ناصيف.