| | التاريخ: نيسان ١٣, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة الشرق الأوسط | | الشارع يطيح خليفة البشير | بن عوف يتنحى وتجمع المهنيين: نتحاور مع المؤسسة العسكرية وليس مع المجلس الانقلابي | الخرطوم: أحمد يونس
أدت ضغوط الشارع السوداني أمس إلى إطاحة رئيس المجلس العسكري الفريق أول عوض بن عوف، من رئاسة المجلس وتعيين المفتّش العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان محله، وذلك بعد يوم من إطاحة رئيس الجمهورية عمر البشير.
كما أقال المجلس الفريق أول كمال عبد المعروف، من منصبه كنائب لرئيس المجلس.
ولقي تعيين البرهان قبولاً داخل أوساط القوات المسلحة والمعتصمين، فيما عد «تجمع المهنيين» الذي يقود الحراك هذه الخطوة «انتصاراً لإرادة الجماهير»، لكنه دعا في ذات الوقت المحتجين إلى مواصلة اعتصامهم أمام مقر الجيش إلى إشعار آخر.
ولم يكن هذا التنازل هو الأول خلال يوم أمس، إذ كان المجلس العسكري أعلن في وقت سابق عن تكوين حكومة مدنية، بعدما كان أعلن في بيانه الأول أنه سيتولى إدارة البلاد بنفسه. كما عدّل الفترة الانتقالية من سنتين إلى «أي مدة يتم الاتفاق عليها مع القوى السياسية بحد أقصى يبلغ عامين».
لكن «تجمع المهنيين» رفض هذه الخطوات، قائلاً إن «الانقلابيين ليسوا أهلاً لصنع التغيير»، مشيرا إلى أن بن عوف ورئيس جهاز الأمن، صلاح قوش، من أكبر أعمدة نظام البشير.
وكرر التجمع مطلبه «بتسليم السلطة فوراً لحكومة مدنية انتقالية»، داعياً المحتجين إلى مواصلة اعتصامهم إلى حين تحقيق ذلك.
وأعلن المجلس أنه لن يسلم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية ليواجه اتهامات بالإبادة الجماعية، بل قد يحاكم داخل السودان.
ولم تفلح حالة الطوارئ وحظر التجوال التي فرضها المجلس العسكري، في محاولة لفض الاعتصام المستمر منذ السبت الماضي أمام مقر القيادة العامة للجيش، في تفريق المعتصمين أو وقف تدفق الحشود البشرية إلى مكان الاعتصام.
إبن عوف يتنحى عن رئاسة {العسكري}... والانقلابيون يرفضون تسليم البشير لـ{الجنائية}
مئات الآلاف يتحدون الحظر والطوارئ ويواصلون الاعتصام... وتجمع المهنيين لـ «الشرق الأوسط»: نتحاور مع المؤسسة العسكرية وليس مع المجلس الانقلابي
الخرطوم: أحمد يونس - لندن: مصطفى سري
أدت ضغوط الشارع السوداني أمس إلى إطاحة رئيس المجلس العسكري الفريق أول عوض بن عوف، من رئاسة المجلس وتعيين المفتّش العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في محله، وذلك بعد يوم من إطاحة رئيس الجمهورية عمر البشير. كما أقال المجلس الفريق أول كمال عبد المعروف، نائب رئيس المجلس.
ولقي البرهان قبولاً داخل أوساط القوات المسلحة والمعتصمين، فيما عد «تجمع المهنيين» الذي يقود الحراك هذه الخطوة «انتصاراً لإرادة الجماهير»، لكنه دعا في ذات الوقت المحتجين إلى مواصلة اعتصامهم أمام مقر الجيش إلى حين إشعار آخر.
وقبل هذه الخطوة واصل السودانيون اعتصامهم في ساحة القيادة العامة للجيش مطالبين بذهاب العسكريين الذين تسلموا مقاليد الحكم، برغم إعلان رغبتهم بتكوين «حكومة مدنية» من المعارضة والثوار المعتصمين. وقطع المجلس العسكري بعدم تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، التي جددت المطالبة بتسليمه فور الإطاحة به، وأثناء ذلك فاجأ قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) المراقبين باعتذاره عن قبول عضوية المجلس العسكري الانتقالي الجديد بعد ترشيحه له.
وتوافد عشرات الآلاف من كل أنحاء العاصمة، والمدن القريبة لأداء صلاة الجمعة في ساحة الاعتصام، ترحماً على أرواح «الشهداء» الذين لقوا حتفهم برصاص أجهزة الأمن خلال المظاهرات والاحتجاجات المستمر ة في البلاد منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. ملبين دعوة تجمع «المهنيين السودانيين» وفي تحد للمجلس العسكري.
وحمل المحتجون شعارات مناهضة للقيادة العسكرية الجديدة، وهتفوا مطالبين العسكر بالتنحي.
وتضخمت أعدادهم بعد الظهر، وقدرت بنحو مليون متظاهر. ولم تفلح حالة الطوارئ وحظر التجول الليلي التي فرضها «مجلس الانقلاب» في تفريق الاعتصام الليلة قبل الماضية. وتوسد عشرات الآلاف الثرى في المكان نفسه، وقالوا إن بيان الانقلاب «أحبط» ثورتهم، فيما زادت الأعداد بعد منتصف النهار، وتحول المكان لمنتدى سياسي وثقافي، تخللته الهتافات والرقصات التعبيرية، وتناول الأطعمة والأشربة التي تأتي للمكان من قبل الداعمين.
وقال أحد المعتصمين لـ«الشرق الأوسط»، إنهم سيواصلون الليل بالنهار لحين إسقاط «المجلس العسكري الانتقالي» وتكوين «حكومة مدنية»، وأضاف: «مثلما أسقطنا البشير سنسقط بن عوف»، وتابع: «منذ أمس خرقنا حظر التجول، وسيتواصل اعتصامنا حتى تكوين حكومة انتقالية مدنية». وأثناء ذلك تردد في سماء المكان هتاف: «ما بنبدل (كوز بكوز)... سقطت أول تسقط تاني».
من جهته، قال رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري الانتقالي الفريق أول ركن عمر زين العابدين في مؤتمر صحافي بالخرطوم أمس، (سبق تنحي ابن عوف) إن قادة المعارضة والشباب المعتصمين هم من يشكلون الحكومة المدنية، وأضاف: «ستكون حكومة مدنية، وسنبقى بعيدين ولن نتدخل في تكوينها، ولن نقدم أسماء للحكومة»، بيد أنه عاد ليقول: «سيكون وزير الدفاع من القوات المسلحة، والمجلس سيشارك في اختيار وزير الداخلية» باعتبارهما وزارات سيادية.
وأعلن زين العابدين عن إجراء حوار مع كل القوى السياسية، بما فيها الحركات المسلحة، يهدف لتهيئة المناخ للتبادل السلمي للسلطة، وقال: «سيكون علينا إدارة حوار مع الكيانات السياسيات، ولتسمع منّا ما تتوق إليه لتهيئة مناخ الحوار، وتحقيق ما نصبوا إليه جميعاً».
وقطع زين العابدين بعدم «حل حزب المؤتمر الوطني» الذي كان يحكم البلاد، بقوله: «لن نقصي أحداً، ما دام يمارس ممارسة راشدة»، لكنه نفى للصحافيين مشاركته في الحوار المزمع، وتابع: «لم ندعه للحوار، فقد كان مسؤولاً عن كل ما حدث في البلاد، فكيف ندعوه ونقول له تعال، لو كنت أريد حوارك كان عملت عليك تغيير». وشدد زين العابدين على أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار واعتبارهما أولوية مطلقة، وقال: «مهمة المجلس تقتضي حسم الفوضى»، وذلك في تلميح لاستمرار الاعتصام وإغلاق الطرقات، بيد أنه أضاف: «لكن سنجلس مع المحتجين في الأرض وعلى النجيل لنسمع منهم ويسمعوا منا، فنحن جئنا استجابة لمطالبهم».
وفي تفسيره لانقلاب مجلسه على البشير، قال زين العابدين إن لجنة أمنية عليا برئاسة وزير الدفاع تم تكوينها عند بدء الاحتجاجات والاعتصامات، مهمتها الوصول لحلول ترضي طموحات المعتصمين مع المحتجين، بيد أنها اصطدمت بأن نظام البشير لا يملك سوى «رؤية أمنية» بحتة لمواجهتها.
وأضاف: «قلنا لهم بأن القضية بحاجة لحلول شاملة، وحين وصلنا لطريق مسدود، قررت اللجنة إحداث تغيير في السودان».
وقطع بأن مهمة اللجنة «حفظ أمن واستقرار البلاد»، وتابع: «لكن لن نسمح بأي عبث في أي بقعة»، وأضاف: «ليست لدينا حلول جاهزة، الحلول تدار من قبل المعتصمين والمحتجين، وهم من يحددون الأفق السياسي والاقتصادي والاجتماعي». وبشأن الاتهامات للمجلس العسكري بأنه محسوب على الإسلاميين، قال زين العابدين: «ليست لنا أي آيديولوجيا، نحن أبناء المؤسسة العسكرية والمنظومة الأمنية، نسعى لترتيب تداول سلمي للسلطة، وغير طامعين فيها». وأوضح أن مجلسه جاء ليحمي مطالب المحتجين والمعتصمين بالتوافق والإجماع مع الكيانات السياسية، وقال: «ليس لدينا ما نمليه على الناس، مهمة المجلس العسكري الأساسية هي حفظ السودان، وإدارة الحوار بطريقة حضارية وسلمية، وتحقيق آمال وتطلعات الشعب»، وأضاف: «نحن حرّاس هذه الآمال ونعمل بيد واحدة، ولسنا واقفين قبالة مطالب الناس، بل نحن جزء منها».
وأبدى زين العابدين مرونة لافتة بشأن قرار مجلسه بتعليق الدستور، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، وقال: «لو رأت الكيانات السياسية رفع التعليق سنفعل».
وجدد الفريق أول زين العابدين التأكيد على أن الاعتقالات التي طالت رموز حكومة البشير حقيقية، وقال إن كل الأسماء التي يتم تداولها حقيقية، وقال: «كل الرموز التي كانت تدير الأمر وجهنا بالتحفظ عليها، وأوجه اللجنة الأمنية نشر كل أسماء الذين تم التحفظ عليهم».
وتعهد بمحاربة الفساد، ومحاكمة كل من ثبت فساده، وقال: «جئنا من أجل محاربة الفساد، وهي واحدة من مهامنا الأساسية، وبالترتيب مع إخوتنا في الحوار سنقفل صندوق الفساد، وأي شخص ثبت فساده سنحاكمه بدون فوضى، لأن العدالة مطلوبة ونحن نتمسك بشعارات الاحتجاجات حرية سلام وعدالة». وقطع المجلس العسكري بعدم تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، التي جددت المطالبة بتسليمه فور الإطاحة به، مجدداً تأكيد احتجازه في مكان لم يكشف النقاب عنه، هو ورموز النظام السابق، وقال: «كمجلس عسكري لن نسلّم الرئيس في فترتنا إلى الخارج، نحاكمه بحسب قيمنا، ولن نسلم سودانيا، أما من يأتي بعدنا يحدد ما يراه مناسباً».
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 2009 مذكرة قبض ضد الرئيس البشير على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومذكرة قبض أخرى ضده في 2010 بتهمة الإبادة الجماعية في إقليم دارفور بغربي البلاد.
وعشية الإطاحة به، طلبت منظمة العفو الدولية تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، باعتباره ملاحقاً بتهم تعد من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان في العصر الحديث.
من جهة أخرى، أكد المتحدث باسم تجمع المهنيين رشيد سعيد لـ«الشرق الأوسط»، رفض التجمع دعوات المجلس العسكري التي أطلقها أمس، قائلاً: «نحن مبدئياً لا نعترف بهذا المجلس العسكري لأنه جاء نتيجة انقلاب عسكري». وأضاف: «إذا أراد الحوار عليه أن يوقف أوامر القتل الذي ما زال مستمراً». وقال إن «المجلس العسكري تم تشكيله من اللجنة الأمنية العليا التي كان شكلها الرئيس المخلوع عمر البشير واستولت على السلطة دون إجراء مشاورات». وأضاف: «قادة المجلس ارتكبوا أخطاء وعليهم التراجع عن كل الإجراءات التي قاموا بها، لا يمكن أن يصادروا إرادة الشعب». بيد أنه قال إن تجمع المهنيين رفض الحوار مع النظام السابق بسبب غياب المناخ المناسب، وتابع: «أغلقنا الباب أمام المجلس العسكري لأنه يمثل اللجنة الأمنية ولم نغلقه أمام المؤسسة العسكرية وننتظر ردها».
وفي تطور لافت، اعتذر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي» عن قبول عضوية المجلس العسكري الانتقالي، بعد ترشيحه له، وقال وفقاً لبيان نشره على صفحة القوات المثيرة للجدل: «البلاد تمر بمرحلة دقيقة تاريخية وصعبة، تحتاج منا لعمل مشترك تحت مظلة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى كجهة قومية». وتعهد حميدتي بأن تظل قواته منحازة لخيارات الشعب السوداني بكافة أطيافه، وقال: «أود أن أعلن لعامة الشعب السوداني، أني كقائد لقوات الدعم السريع قد اعتذرت عن المشاركة في المجلس العسكري، منذ يوم 11-4-2019». وتعهد حميدتي بالبقاء جزءًا من القوات المسلحة، والعمل لوحدة البلاد، واحترام حقوق الإنسان وحماية الشعب السوداني، جاء ذلك بعد وقت قصير من إعلان المجلس العسكري الانتقالي أن الرجل سيكون عضوا فيه.
مجلس الأمن يطالب عسكر السودان بتسليم السلطة للمدنيين
دوجاريك لـ «الشرق الأوسط» من المهم الحفاظ على الحريات... مندوبة بريطانية: عليهم إيجاد سبيل للعودة إلى الديمقراطية
نيويورك: علي بردى - القاهرة: سوسن أبو حسين
طالب مجلس الأمن الدولي بـ«الحفاظ على الطابع السلمي» للتغيير في السودان، مشددين على ضرورة «حصول عملية انتقالية للسلطة المدنية»، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤدي إلى العنف، بما يلبي «التطلعات المشروعة للشعب السوداني»، وطبقاً لروحية الدستور والقوانين المدنية المرعية في البلاد، بينما نقل نائب المندوب السوداني الدائم لدى الأمم المتحدة، ياسر عبد الله عبد السلام، عن المجلس العسكري أن هناك «إمكانية لتقصير أمد الفترة الانتقالية» الراهنة.
وكشف دبلوماسيون في مجلس الأمن لـ«الشرق الأوسط» أن الأعضاء الـ15 «متوافقون» على «ضرورة انتقال السلطة إلى المدنيين» في السودان عقب الاحتجاجات السلمية واسعة النطاق في البلاد وإطاحة المجلس العسكري الانتقالي بالرئيس عمر حسن أحمد البشير. بيد أن بعض الدول وفي مقدمتها روسيا «ترفض أن يصدر المجلس أي موقف رسمي في الوقت الراهن»، بينما أعلنت الدول الأوروبية موقفاً مشتركاً من «الوضع المتأرجح» في هذا البلد العربي الأفريقي.
جاء ذلك خلال جلسة طارئة مغلقة عقدها أعضاء المجلس واستمعوا خلالها إلى إحاطة من الأمينة العامة المساعدة للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا بنتو كيتا حول أحدث التطورات الجارية. وعبرت الدول الأوروبية الأعضاء خلال الجلسة عن موقف موحد يؤكد أنها «تراقب الوضع عن كثب»، مشددة على «ضرورة حصول انتقال سلمي للسلطة إلى المدنيين بما يلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني». وكشف دبلوماسي لـ«الشرق الأوسط» أنه «رغم تأييد روسيا للمطالب بالانتقال الديمقراطي والسلمي للسلطة إلى المدنيين، فإن موسكو لا ترغب في الوقت الراهن أن يتدخل مجلس الأمن بصورة رسمية فيما يحصل حالياً في السودان». واعتبرت الدول الغربية أن «مجرد انعقاد مجلس الأمن يوجه رسالة قوية إلى القوى الفاعلة في السودان»، فيما بدا أنه «رسالة إلى المجلس العسكري».
وأكد الناطق باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش «يواصل متابعة الوضع المتطور في السودان عن كثب»، وأضاف أنه «من المهم الحفاظ على الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين»، مطالباً بـ«تجنب الإجراءات التي تقوض أمن واستقرار البلد، أو تؤثر على تقديم المساعدة الإنسانية». وأشار إلى أن العملية المختلطة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد) ترصد الوضع في دارفور عن كثب، حيث يجري الإبلاغ عن توترات في مواقع عدة، وهي تقوم بدوريات وتنخرط مع كل الجهات الفاعلة على الأرض، بما في ذلك قوات الأمن، وكذلك الأشخاص المشردين داخلياً.
ورداً على سؤال من «الشرق الأوسط»، قالت المندوبة البريطانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، كارين بيرس: «نراقب الوضع في السودان عن كثب»، موضحة أنه «من المهم للغاية عدم حصول أعمال عنف»، وأضافت: «من المهم أيضاً أن يجري إيجاد سبيل للعودة إلى الحكم المدني - الحكم المدني الديمقراطي - في أسرع وقت ممكن»، وقالت: «سنبقى نراقب الأوضاع والسودان وجميع شركائنا الأفارقة هنا، على أمل أن نكون قادرين على تشجيع الوصول إلى تلك الغاية»، ولفتت إلى ما صرح به وزير الخارجية البريطاني الذي قال إن فترة العامين المقترحة للفريق الانتقالي «لا يبدو أنه موثوق بها للعودة إلى الديمقراطية».
وطالبت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، في بيان وزع في كل من نيويورك وجنيف، السلطات السودانية بالامتناع عن استخدام القوة ضد المتظاهرين، وقالت إن «هذه لحظة حرجة للغاية ومتقلبة للسودان، وهناك حالة من عدم اليقين العميق، وعدم الارتياح بشأن المستقبل»، مضيفة: «نحن نراقب التطورات عن كثب، ونطالب السلطات بالامتناع عن استخدام القوة ضد المتظاهرين المسالمين، وضمان أن تتصرف قوات الأمن والسلطات القضائية وفقاً لسيادة القانون، والتزامات السودان الدولية بحقوق الإنسان»، وعبرت عن «ارتياحها لعدم حصول أعمال عنف» ليلة التغيير، على الرغم من عدم التزام المتظاهرين المسالمين بحظر التجول المفروض، ولكنها أفادت بأن هناك «تقارير عن وجود بعض المحتجزين السياسيين»، داعية السلطات إلى إطلاق جميع المعتقلين السياسيين، وأوضحت أن «الإعلان الذي أُصدر لم يدل على أن هناك أي إمكانية للناس للمشاركة في هذا الانتقال، وهذا هو السبب في أننا، مرة أخرى، ندعو السلطات إلى ضمان أن يكون هناك جهد متضافر، مع مشاركة هادفة للمجتمع المدني والأصوات المعارضة في رسم الطريق للمضي قدماً».
ورأت أن «جذور الأزمة في السودان تعود إلى مظالم حقوق الإنسان، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية». ولذا «يجب أن يرتكز الحل أيضاً على حقوق الإنسان». وشجعت الحكومة السودانية على «التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية»، مشددة على «ضرورة إجراء تحقيقات مستقلة سريعة فعالة في الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي».
وقال رئيس مجلس حقوق الإنسان للسنة الجارية، السنغالي كولي سيك، لـ«الشرق الأوسط»: «ما نريده جميعاً هو الاحتجاج السلمي والانتقال الديمقراطي، وهذان أمران مهمان لدينا»، آملاً في أن «يسمح الوضع للناس بالتظاهر بشكل سلمي». وردد ما أعلنه مسؤولون آخرون في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، مشيراً إلى «نقاش إقليمي لوضع المزيد من الضغوط على البلاد من أجل تطبيع الأوضاع». وأكد أن مجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن يتابعان المسائل المتعلقة بالاتهامات الموجهة من المحكمة الجنائية الدولية لعدد من المسؤولين السودانيين. وكان نائب المندوب السوداني يتحدث في جلسة مقررة مسبقاً لمجلس الأمن في شأن تمديد بعثة الأمم المتحدة في أبيي، فأشار إلى أن الإجراءات التي اتخذها المجلس العسكري الانتقالي شملت عزل رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير، وتعطيل العمل بالدستور، وحل المجلس الوطني ومجلس الولايات، وحل الحكومة المركزية وحكومات الولايات، وإعلان حال الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، موضحاً أن «هذه الإجراءات جاءت استجابة لرغبة جماهير الشعب السوداني التي عبرت عن رأيها وتطلعاتها». من جهته قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، السفير محمود عفيفي، إن «الجامعة تتابع بكل الاهتمام تطورات الأوضاع بشأن الانتقال السياسي في السودان»، مضيفاً أن «جامعة الدول العربية تعرب عن أملها في أن يتوافق أهل السودان على ما فيه مصلحة البلاد.
وأكدت مملكة البحرين أنها تتابع باهتمام شديد التطورات الراهنة التي تشهدها جمهورية السودان. وشدد بيان لوزارة الخارجية البحرينية على موقف المنامة الثابت الداعم للسودان.
صحف بريطانية وصفت الحراك السوداني بـ«ربيع النيل»
لندن: «الشرق الأوسط»
نالت أحداث السودان، بدءاً من الاحتجاجات التي بدأت قبل أربعة أشهر للمطالبة برحيل نظام الرئيس عمر البشير، وانتهاء بالانقلاب العسكري الذي أطاحه أول من أمس، اهتماماً كبيراً في وسائل الإعلام البريطاني، التي قال بعضها إن «ثورة السودان سيكون لها تأثير ايجابي على المجتمع السوداني»، وأطلقوا عليها اسم «ربيع النيل».
وازداد الاهتمام بتطور الأحداث السودانية خلال الأيام القليلة الماضية، مع بدء خروج حشود ضخمة إلى شوارع العاصمة الخرطوم، واعتصام مئات الآلاف أمام مقر قيادة الجيش، ثم استمرارهم في الاعتصام بعد رفض بيان المجلس العسكري، الذي تشكل في أعقاب عزل البشير. وقالت صحيفة «فايننشيال تايمز»، إن المحتجين السودانيين تحدوا حظر التجوال، وواصلوا اعتصامهم بالآلاف في الشوارع وأمام مقر قيادة الجيش، بعد أن رفضوا بيان المجلس العسكري الذي تولى السلطة لفترة انتقالية لمدة عامين، في أعقاب الإطاحة بالرئيس عمر البشير. وأشارت الـ«تلغراف» إلى أن المحتجين والأحزاب السياسية يرغبون في حكومة مدنية تدير المرحلة الانتقالية؛ لأنهم لا يثقون في قيادات النظام السابق الذين ما زالوا يشاركون في أجهزة الدولة بعد الإطاحة بالبشير.
ومن جانبها نشرت الـ«غارديان» لقاءً مع ناشطة سودانية، حكت تجربتها القاسية مع نظام البشير قبل عشرين عاماً، عندما كانت طالبة في الجامعة، وتعرضت لهجوم من قوات الأمن. وفي الأيام الأخيرة قبل الإطاحة بالبشير، ركّزت غالبية الصحف على ما اعتبرته بداية انشقاقات في صفوف الجيش، وتعاطف أجزاء منه مع مطالب المحتجين، إلى درجة أنه اصطدم بالذخيرة الحية مع قوات الأجهزة الأمنية الموالية لنظام البشير، أكثر من مرة. كما نشرت كل الصحف البريطانية الرئيسية صوراً للحشود الضخمة في شوارع الخرطوم، وأمام مقر الجيش ووزارة الدفاع، قبل وبعد إطاحة البشير، وبثت قنوات تلفزيونية مختلفة عدداً من الفيديوهات لحجم الحشود في شوارع العاصمة المثلثة، بما في ذلك لقطات للصدام المسلح بين قوات الأمن والجيش. وعلى سبيل المثال، قالت صحيفة الـ«تايمز» في مقال تحت عنوان: «الجيش ينشق لحماية سفاح دارفور، والمتظاهرون السودانيون تحملوا شهوراً من القمع والرصاص، فماذا بعد؟»: لقد بدأ تهديد المتظاهرين للرئيس البشير قبل ثلاثة أشهر، على بعد 225 ميلاً من الخرطوم، بسبب الغضب من ارتفاع أسعار الخبز. ولكن، مثل العاصفة الصحراوية، اكتسبت الاحتجاجات زخماً متصاعداً حتى وصلت الآن حصن الرئيس داخل مقر قيادة الجيش؛ حيث يعتصم مئات الآلاف خارج أسواره. وأضافت أن آلاف المتظاهرين العزل يصرون على أنهم لن يتركوا مواقعهم حتى يرحل البشير، بعد أن تحدوا 110 أيام من الضرب والرصاص، وهم الآن قد وصلوا إلى ذروة ثورتهم ونقطة اللاعودة. من جانبها قالت صحيفة الـ«تلغراف»، إن الأحداث في السودان تتحرك بسرعة، بينما تضيق خيارات العسكريين. وأشارت إلى أن الدبلوماسية المكوكية من بعض الدول، كانت قد فشلت في إقناع الرئيس السوداني بأن أيامه أصبحت معدودة. كما أنه تعرض داخلياً إلى ضغوط لقبول مصيره من بعض أجنحة حزبه الحاكم، الذي أصبح يخشى على بقائه كتيار سياسي في الساحة، فضلاً عن تعرضه لضغوط من كبار الإصلاحيين في الجيش.
وأشارت الصحيفة إلى أن قوات جهاز الأمن الموالية للبشير قامت بمحاولتين فاشلتين لفض الاعتصام تحت جنح الظلام؛ لكن اللافت للنظر أن أعداداً متزايدة من المعارضين المسالمين والمنضبطين، وفيهم كثير من النساء، واجهوا التهديد وهم يهتفون ضد الرئيس «المكروه شعبياً» خارج جدران مقره: «تسقط بس... والثورة خيار الشعب».
وعلى المنوال نفسه، أوردت صحيفة الـ«إندبندنت» سرداً مشابهاً تحت عنوان «القوات المسلحة السودانية تصد محاولة الميليشيات لتفريق المحتجين»، قائلة إن أجهزة الأمن السودانية والميليشيات الموالية للرئيس البشير، حاولت تفريق الحشود المتجمعة خارج مقر الجيش، قبل أن يتصدى لها الجيش ويسد عليها الطريق. | | |
|