التاريخ: نيسان ١٢, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الحياة
لبنان يستدرك تأخره في النفط والغاز بمحادثات ثلاثية وقبرص "جاهزة لتسهيل" حل النزاع الحدودي مع إسرائيل
أحد الخيارات التي اقترحها ساترفيلد إعادة التفاوض مع الدول المعنية
بيروت - "الحياة"
بدأ لبنان مسارا جديدا من أجل معالجة الخلاف مع إسرائيل على حدوده البحرية وعلى المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تخصه بالتوازي مع إجراءات تلزيم التنقيب عن الثروة النفطية والغازية التي تختزنها، والتي يتقاسمها مع قبرص وإسرائيل، ويتوزع منافعها مع اليونان التي دخلت هذا الميدان من زاوية مشروع إقامة أنبوب لتصدير الغاز إلى أوروبا يمر بشواطئها بالاشتراك مع قبرص وإسرائيل.

وبدأ المسؤولون اللبنانيون أول من أمس وأمس محادثات مثلثة الأضلاع مع كل من اليونان، بوجود الرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس (Prokopis Pavlopoulos)، ووزير خارجية قبرص نيكوس كريستودوليدس (Nikos Christodoulides) في بيروت اللذين التقيا كبار المسؤولين اللبنانيين للبحث في الشراكة في الثروة النفطية والغازية في البحر الأبيض المتوسط، في ظل التنافس على إيجاد تجمع للدول التي يفترض أن تستثمر هذه الثروة، مع تشكيل "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي يضم مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن وفلسطين، والذي يرفض لبنان الانضمام إليه بفعل وجود الدولة العبرية.

ويسعى لبنان إلى استلحاق التأخير في استكشاف ثروته النفطية والغازية، بعد أن سبقته إسرائيل وقبرص ومصر في ذلك وبدأت تنشأ أحلاف نفطية قد ترفع كلفة استثماره لثروته، أو تخفض قيمتها في موضوع التوريد والنقل.

ولقبرص دور في معالجة الخلاف على تحديد الحدود البحرية بينه وبين إسرائيل، نظرا إلى تداخل حقول الغاز الخاصة بها مع الحقول اللبنانية، ومع الإسرائيلية، إذ سبق لنيقوسيا أن وقعت اتفاقا مع الدولة العبرية على الحدود البحرية بينهما، يسلم بالخريطة الإسرائيلية التي تصادر أكثر من 860 كيلومتر مربع من المنطقة الاقتصادية الخالصة، الخاصة بلبنان، على رغم أن الجانب اللبناني كان وقع عام 2007 اتفاقا مع الجانب القبرصي حول الحدود البحرية معها تضمن له حدوده وحقوقه. واعترض لبنان لدى السلطات القبرصية على اتفاقها مع إسرائيل، وكذلك لدى الأمم المتحدة التي طالبها رسميا بالتوسط لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ولدى الولايات المتحدة الأميركية التي توسطت في هذا الشأن منذ سنوات عدة وتوصلت إلى مشروع يدعى "خط هوف" (نسبة إلى الوسيط الأميركي فريدريك هوف)، يقضي بحق لبنان أن يستثمر زهاء 60 في المئة من المنطقة المتنازع عليها، على أن تبقى المساحة المتبقية معلقة تمتنع إسرائيل عن التنقيب فيها في انتظار التفاوض بين الدولتين على الحدود البحرية. إلا أن الجانب اللبناني أبلغ المسؤولين الأميركيين عدم قبوله بهذه الصيغة التي عاد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد طرحها في شهر شباط (فبراير) من العام الماضي، ثم في زيارته الأخيرة إلى بيروت الشهر الماضي. لكن المسؤولين اللبنانيين لم يقبلوا فيها وذكر غير مصدر غربي مواكب للخلاف أن هناك اختلافا في الرؤية بين المسؤولين اللبنانيين حول طريقة معالجة الأمر.

وكان ساترفيلد أبلغ الجانب اللبناني خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، ثم أثناء زيارة وزير خارجيته مايك بومبيو، أن أحد الخيارات لمعالجة الخلاف على الحدود البحرية مع إسرائيل إعادة التفاوض الثلاثي اللبناني القبرصي الإسرائيلي، من أجل تصحيح الخرائط.

وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ"الحياة" إنه يبدو أن لبنان يسعى لتفعيل هذا لخيار، في المحادثات التي يجريها الوزير القبرصي كريستودوليدس في بيروت بالتزامن مع الرئيس اليوناني.

وكان الوزير القبرصي التقى أول من أمس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، واجتمع أمس إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي تناول معه الحدود البحرية فأبدى تأييده لموقف لبنان بالنسبة لهذا الموضوع.

وكما التقى رئيس الحكومة سعد الحريري في حضور الوزير السابق الدكتور غطاس الخوري. وتناول اللقاء سبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، على الصعيد الاقتصادي والتجاري والسياحي، والأوضاع في المنطقة عموما. وقال كريستودوليدس: "نحن دولتان قريبتان جدا من بعضهما البعض وأجرينا تبادلا ممتازا لوجهات النظر، وناقشنا بشكل أساسي مسألة تطوير قطاع الطاقة في منطقتنا، وكيف يمكن لدولتينا أن تعملا معا من أجل ترويج اهتماماتنا المشتركة، لما فيه مصلحة شعبينا".

وعقد الوزير القبرصي اجتماعا مع وزير الخارجية جبران باسيل شارك في وزير الطاقة والتجارة والصناعة القبرصي يورغوس لاكورتريبس، ونظيرته اللبنانية ندى بستاني وفريق موسع من الجانبين.

باسيل: حلف نفطي؟

وفي مؤتمر صحافي مشترك، لوزيري الخارجية أوضح باسيل أن المحادثات الثنائية على مستوى الخارجية، تناولت موضوع النازحين، وضرورة إنجاز عدد من الاتفاقيات "والموضوع الأهم والمشترك بيننا اهو النفط والغاز وكيفية عدم تفويت المزيد من الفرص، خصوصا أن لبنان أطلق الدورة الثانية للتراخيص، وقبرص قامت بدورتها الثالثة وأنجزت تلزيمات عدة، وهي في مرحلة إطلاق عدة استكشافات جديدة. وبطبيعة الحال عام 2020 قد يتم إطلاق حفر بئر استكشافية من جهة قبرص ولكن على الحدود القبرصية اللبنانية، ما يستوجب علينا الإسراع باتفاقياتنا الثنائية. وهذا أمر كانت قد بدأت به وزارة الطاقة اللبنانية مع نظيرتها القبرصية عام 2013 ووصلتا الى مرحلة معينة. واليوم اتفقنا على استكمال هذا العمل، وحددنا موعدا أوليا في 7 أيار (مايو) المقبل لمقارنة نقاط التوافق والاختلاف، على ان تكون المرحلة الثانية في شهر حزيران (يونيو) المقبل خلال انعقاد القمة الثلاثية (مع اليونان) لإجراء تقييم أدق، واتفقنا على أن نحاول في أول أيلول (سبتمبر) من هذا العام إنهاء اتفاقية التقاسم بيننا في النفط، على أن يتبع ذلك البدء بمباحثات للاتفاقات بين الحكومتين حول الحدود والخطوط وكل المنشآت التي من الممكن أن تكون مشتركة، سواء للنقل أو للتصنيع أو للتوريد والتصدير للغاز والنفط، وهذا كله ضمن سياسة الشرق المتوسط ونود متابعتها مع قبرص".

أضاف: "لبنان لم يشارك في المنتدى الاخير الذي عقد في مصر بسبب مشاركة اسرائيل، لكننا اتفقنا مع الجانب القبرصي على أن نتابع معا ما يحصل على هذه الجبهة لوجود أمور قد تتعلق بنا. الا ان الأهم اننا وقبرص تربطنا علاقات نطمح ان تكون استراتيجية ننظر وهي جارتنا الأقرب في أوروبا، ويجب علينا الإرتباط معها بمشاريع كثيرة، مثل خطوط مياه وغاز ونفط، والمصالح المشتركة من سياحة وزراعة واقتصاد وتجارة. ولسنا ببعيدين من إمكانية أن نستفيد سويا من أي اكتشاف غازي او نفطي مشترك بين البلدين".

وختم باسيل: "موضوع النفط والغاز واسع ولا يمكن اختصار كل المحادثات. أضعنا الكثير من الفرص والوقت، ولا مجال للبنان ان يخسر المزيد من الوقت، وعلى ابواب إطلاق دورة المناقصات او المزايدات المقبلة لدينا صديق مثل قبرص نتعاون معه ونتكل عليه لنعزز معا موقعنا النفطي والغازي في شرق المتوسط، وصولا الى حلفنا النفطي والغازي".

قبرص ضد انتهاك حقوق لبنان

وقال وزير الخارجية القبرصي "إن اجتماع اليوم الذي أتى بعد سلسلة من اللقاءات، وعقب اجتماع وزاري ثلاثي (قبرص-اليونان-لبنان).

وأكد دعم بلاده الثابت لاستقرار لبنان وأمنه وازدهاره، مشددا على "أن أمن منطقة شرق المتوسط مرتبط إلى حد كبير بقوة وأمن واستقرار لبنان".

وأعرب عن سروره "بالتطورات الإيجابية الحاصلة في كل من قبرص ولبنان على مستوى التنقيب عن المواد الهيدروكربونية، في ظل الاهتمام الذي تظهره الشركات الدولية العملاقة للإستثمار في المنطقة الاقتصادية الخالصة في كل من قبرص ولبنان".

وأكد "أن الجانبين شددا على دعم الحقوق السيادية لكل منهما في استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية ضمن المناطق البحرية التابعة لكل منهما، وذلك بما يتطابق مع القانون الدولي، ولا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحارUNCLOS"، مضيفا: "قبرص تحترم الحقوق السيادية لجميع دول المنطقة داخل مناطقها البحرية، بما في ذلك لبنان"، مؤكدا "أن قبرص لا ولن تشارك في أي مشروع قد ينتهك حقوق لبنان".

وأعلن عن نقاط الاتفاق بين البلدين:

- إطلاق نقاش من أجل اتفاق إطاري ثنائي بشأن تنمية المواد الهيدروكربونية التي تعبر الخط الوسطي في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وقبرص.

- إطلاق نقاش من أجل تحضيرا لتوقيع وإبرام اتفاق ثنائي بشأن حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه من عمليات التنقيب الغير مشروعة.

- التعاون لدرس وتوقيع اتفاق للتعاون في مجال البحث والإنقاذ".

وفي موضع النزوح، نوه الوزير كريستودوليديس بـ"بما يستتبعه من أعباء، وكبادرة حسن نية أعلن عن تقديم بلاده هبة بمبلغ 50.000 يورو، لاستخدامها في مشاريع تسهل وصول الفتيات اللبنانيات من الفئات المحرومة إلى التعليم"، مؤكدا في الوقت عينه أن بلاده "ستواصل مساعدة لبنان على المستوى الثنائي أو عبرالاتحاد الأوروبي"، مشيرا إلى أن "قبرص ستساهم بمبلغ 1،17 مليون يورو في ميزانية الاتحاد الأوروبي لصالح اللاجئين السوريين في لبنان والأردن للفترة الممتدة 2019-2023".

وحول النزاع على الحدود البحرية بين لبنان وقبرص وإسرائيل، أعلن الوزير كريستودوليديس أن بلاده "جاهزة للعب دور لتسهيل التوصل إلى حل لهذا النزاع".

من جهته، أكد وزير الطاقة القبرصي "الاتفاق على العمل على مرحلتين: الأولى توقيع اتفاق لإيجاد أسواق لبيع الغاز المستخرج من البلدين، والثانية تتضمن مشروعا لمد خط أنابيب للغاز بين لبنان وقبرص". وشدد على "ضرورة الاستفادة من الزخم الموجود حاليا لجعل منطقة شرق المتوسط تحظى بالتنافسية في قطاع النفط والغاز".

وأعلنت الوزيرة البستاني عن اعداد اتفاقية إطار، تتعلق بتطوير وإنتاج المكامن الهيدروكربونية المشتركة على الحدود البحرية، بهدف توقيعها في شهر ايلول المقبل، وهي أولوية". وأشارت الى انه قد "تم الإتفاق على التنسيق والتعاون في مشاريع البنى التحتية المرتبطة بنقل الغاز الطبيعي، سواء كانت على شكل أنابيب او بوسطة منشآت لتسييل الغاز، والعمل على إبرام اتفاقية في هذا الشأن".

ويشمل اتفاق الجانبين التعاون التقني والجيولوجي والتشريعي وفي مجال الأبحاث.