|
|
التاريخ: نيسان ٩, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
السودان: مقتل أحد أفراد الجيش في اشتباك مع قوة أمنية هاجمت المعتصمين |
مليونية ثالثة أمام قيادة الجيش السوداني ومظاهرة سيارات في شارع «النيل» قرب القصر الرئاسي |
الخرطوم: أحمد يونس
تواصلت الحشود المليونية المطالبة بتنحي الرئيس السوداني عمر البشير، فيما ذكرت مصادر طبية معارضة أن أحد أفراد الجيش السوداني لقي مصرعه متأثراً بإصابته بعيار ناري في تبادل إطلاق النار بين أفراد من الجيش وقوات أمنية، اعتدت فجر أمس على المعتصمين في محيط مقر الجيش منذ ثلاثة أيام. وقتلت قوات أمنية في مكان آخر محتجاً في جنوب الخرطوم، ما جعل أعداد قتلى الاعتصام المستمر في البلاد منذ السبت الماضي ترتفع إلى 8 قتلى، إضافة إلى عشرات الجرحى والمصابين.
وقالت لجنة الأطباء المركزية، في بيان على صفحتها على موقع التواصل «فيسبوك»، إن سامي شيخ الدين، وهو أحد «منسوبي قوات الشعب المسلحة» توفي أمس «متأثراً بجراحه أثناء محاولة الدفاع عن المعتصمين» في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن. وأوضحت لجنة الأطباء أن إبراهيم عثمان، البالغ من العمر 55 عاماً، قتل في الساعات الأولى من صباح أمس في منطقة يثرب، جنوب الخرطوم، نتيجة إصابته بـ«أعيرة نارية» أطلقتها عليه ميليشيات أمنية.
حشود في الشوارع الرئيسية
في غضون ذلك، قال شهود عيان إن ملايين المحتجين توافدوا مجدداً بأعداد أكبر على منطقة الاعتصام وغطوا مساحة يقدر طولها بأكثر من 6 كيلومترات، في مشهد غير مسبوق في تاريخ السودان، تتجاوز فيه أعداد المنضمين للاحتجاج أرقامها السابقة كل يوم. وشهد شارع «النيل»ـ أحد أهم وأكبر شوارع الخرطوم ويمر بمحاذاة القصر الرئاسي، مظاهرات على السيارات التي تسير بسرعات بطيئة، ويهتف من بداخلها، رافعين علم السودان، «حرية سلام وعدالة الثورة خيار الشعب، جيش واحد شعب واحد»، وغيرها من هتافات الانتفاضة السودانية. وكانت منطقة الاعتصام الواقعة في محيط القيادة العامة للجيش السوداني، قد شهدت في الساعات الأولى من صبيحة أمس، اشتباكات عنيفة بين أفراد تابعين للجيش السوداني مع قوات أمنية حاولت التسلل لفض الاعتصام المستمر منذ يومين بالقوة، ولم تتوفر معلومات رسمية بشأن الحادثة.
وبحسب مشارك في الاعتصام، فإن قوات الجيش التي كانت تحيط بالمعتصمين وتشكل لهم الحماية تراجعت لداخل مقراتها من دون مقدمات، ما أتاح فرصة لرجال أمن في سيارات رباعية مسلحة، ليطلقوا الغاز المسيل للدموع والرصاص باتجاه المعتصمين. وفي الوهلة الأولى، حاول المعتصمون العُزل اللجوء إلى أحد مقرات القوات الجوية، بيد أنها منعتهم قبل أن تسمح لهم بالاحتماء داخل المقر مع وصول القوات الأمنية للمكان وإطلاقها الغاز والرصاص عليهم، ثم سارعت إلى إطلاق الرصاص التحذيري في الهواء، وبادلتها القوات الأمنية إطلاق الرصاص. وسمعت أصوات تبادل إطلاق النار لثلاث مرات في ساعات صباح أمس، وفي كل مرة كانت قوات الجيش تتصدى للمهاجمين مستخدمة الرصاص لتطردهم من محيط القيادة حيث يعتصم المحتجون.
وقال الشهود، إن المعتصمين ساعدوا قوات الجيش على طرد عناصر الأمن، بل واستولوا على سيارة من سيارات مكافحة الشغب وحولوها لمكب للنفايات بعد أن فرغوا إطاراتها من الهواء. وتبادل النشطاء «فيديوهات» حية لثلاث مواجهات بين قوات الجيش، التي يرجح أنها تابعة للقوات البحرية والقوات الجوية، تضمنت مشاهد لإصابة متظاهرين، وشوهد في تلك الفيديوهات القوات وهي تطلق النار مستخدمة الرشاشات الثقيلة «دوشكا» المحمولة على السيارات، إضافة إلى جنود بثياب رسمية وهم يطلقون النار من رشاشاتهم الخفيفة على القوات الأمنية، التي انسحبت بعد فترة من تبادل إطلاق الرصاص. وعقب توقف الاشتباكات تجمع المعتصمون وواصلوا اعتصامهم، وتوجهت أعداد كبيرة منهم إلى مقر القوات الجوية، مرددين هتافات: «جيش واحد شعب واحد، والجيش جيش السودان وما جيش الكيزان (الإخوان المسلمين)»، معبرين عن امتنانهم لتلك القوات التي قامت بحمايتهم.
اعتصام لليوم الثالث على التوالي
وتواصل اعتصام مئات الآلاف من المتظاهرين السودانيين لليوم الثالث على التوالي، أمام مقر قيادة الجيش والشوارع المحيطة بها، ثم تحولت المسيرة التي دعا إليها «تجمع المهنيين» وحلفاؤه في «قوى الحرية والتغيير» لتسليم مذكرة للقوات المسلحة تطالبها فيها بالانحياز لمطالب الثوار، بيد أنها تحولت إلى اعتصام شارك فيه مئات الآلاف من المحتجين. والتف آلاف السودانيين حول «تجمع المهنيين السودانيين»، الذي يقود الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، للمطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير وتكوين حكومة انتقالية. ودرج التجمع المهني على الدعوة إلى مظاهرات في الشوارع الرئيسية والأحياء في الخرطوم ومدن الولايات، لتوصيل ما يسميه «مذكرة التنحي» للرئيس البشير في القصر الرئاسي، لكن قوات الأمن والشرطة كانت تحول دائماً دون وصول المحتجين إلى الموقع.
ومستغلاً مناسبة مرور ذكرى ثورة أبريل (نيسان) 1985 التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق جعفر النميري والتي وافقت السبت الماضي، وجّه «تجمع المهنيين» المتظاهرين إلى القيادة العامة للجيش السوداني لتسليمه مذكرة تطالبه بالانحياز للشعب. وأفلح مئات الآلاف من المتظاهرين في الوصول إلى شارع «الجيش» أمام القيادة العامة، كأول هدف رسمي يصلونه منذ اندلاع الاحتجاجات، ثم تحولت المظاهرة إلى اعتصام أمام بوابات قيادة الجيش، الذي وفر الحماية للمتظاهرين. وحال الجيش طوال الأيام الثلاثة الماضية دون اقتراب قوات الأمن وشرطة مكافحة الشغب من المعتصمين، فاضطرت لإطلاق قنابل الغاز من على البعد، وإطلاق الرصاص الحي عشوائياً على المتظاهرين ما أدى إلى مقتل 8 أشخاص خلال الأيام الثلاثة الماضية. ومنذ بدء الاعتصام درج شباب وشابات يقدر عددهم بالآلاف على المبيت أمام القيادة العامة، وفي الصباح تحتشد الشوارع المحيطة بالقيادة بمئات الآلاف من المتظاهرين، ويبقى بعضهم لما بعد منتصف الليل ليعودوا للنوم في منازلهم والتأهب للعودة في الصباح الباكر.
وبحسب متابعات «الشرق الأوسط» فإن حشودا كبيرة من المتظاهرين توافدت أمس إلى مكان الاعتصام، إثر سماعهم بالاشتباكات بين قوات الجيش والقوات الأمنية، ويمكن تقدير أعدادهم بمئات الآلاف، وذلك بعد نداء وجهه تجمع المهنيين للمواطنين للعودة بكثافة لمقر الاعتصام لدعم المحتجين وتشكيل ضغط إضافي لقوات الجيش حتى لا تتراجع عن مواقفها المساند للمحتجين.
لجنة الأطباء
من جهتها، أعلنت لجنة الأطباء المركزية، وهي عضو رئيسي في تجمع المهنيين السودانيين المعارض، وقف قرارها بسحب الأطباء من العمل في مستشفيات الجيش السوداني المستمر منذ أشهر، ووجهت عضويتها للعودة لمعالجة الحالات الطارئة في تلك المستشفيات، عرفاناً منها بدور الجيش والقوات المسلحة في حماية المعتصمين. وقالت في بيان وزعته أمس: «نظراً لمتطلبات المرحلة، نمد يدنا للشرفاء في القوات المسلحة، ونعلن وقف قرار الانسحاب من مستشفيات القوات المسلحة السودانية كافة، الذي كنا قد أعلناه سابقاً». وتابع البيان: «إن هذه اللحظات التاريخية الوطنية تظل عالقة ومنحوتة في ذاكرة التاريخ لا يصنعها أي فعل قادم سوى أن نكون نحن صناعها وأن نكون جزءاً أساسياً من فعلها، فإن للوطن علينا حقا، نمنحه برضى وفخر». وأضاف: «نخص بالتحايا شرفاء القوات المسلحة الذين يرابطون مع الثوار المعتصمين على الأرض ويفدونهم بأرواحهم ويدافعون عنهم وعن قضيتهم دفاعاً مستميتاً، ونترحم على شهداء الجيش الذين ضحوا دفاعاً عن المعتصمين».
وأشاد تجمع المهنيين، في رسالة إلى ضباط وضباط الصف والجنود الوطنيين في قوات الشعب المسلحة، بوقوفهم إلى جانب الثوار، قائلاً: «نتابع ونثمن ما قمتم به من مواقف مشرفة تجاه حماية المواطنين، ونطالبكم بالتمسك بهذا الدور والسير فيه، وهو دوركم وواجبكم الذي لا زلتم تقومون به، إيماناً منكم بقيم الشرف والوطنية والضمير الحي». وطالب التجمع رجال الجيش بالالتزام بقسم الولاء للوطن والشعب، وقال: «نذكركم بشرف العسكرية وقسمها، الذي أديتموه خدمة للوطن والشعب، وليس لنظام، فما نطالبكم به هو الاتساق مع تسميتكم الرفيعة قوات للشعب».
وحذر التجمع المهنيين مما سماه قرارات متهورة تفتقر للوطنية، وشرف الجندية، يجري الإعداد لتنفيذها، ومحاولات «بعض كبار قادة الجيش لدفع الضباط وضباط الصف والجنود من الوطنيين، إلى التخلي عن حماية المعتصمين في نية مبيّتة للغدر عبر فض الاعتصام بالقوة ليلاً». وشدد التجمع والقوى الحليفة له «من مغبة التلاعب بأرواح وسلامة المواطنين»، وذلك على خلفية ذيوع معلومات أن قيادة الجيش والسلطات الأمنية تسعى لفض الاعتصام عن طريق القوة ليلاً، وهو أمر يمكن أن ينجم عنه حمام دم. وجدد دعوته لتكثيف الحشود أمام القيادة العامة، والمبيت بموقع الاعتصام، و«عدم التراجع حتى النصر. ونناشد الوطنيين من ضباط الجيش والجنود الشرفاء لحماية المواطنين، والالتفاف حول المطالب الشعبية المشروعة». وتهز حركة احتجاجية واسعة السودان منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إذ يتهم المتظاهرون سلطات البلاد بسوء إدارة الاقتصاد، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار في ظل نقص بالوقود والعملات الأجنبية. |
|