|
|
التاريخ: نيسان ٦, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
إطاحة مدير المخابرات أبرز خصوم قائد الجيش وملايين الجزائريين يطالبون برحيل «الباءات الثلاثة» |
بلعباس: لا يمكن للإسلاميين الهيمنة على الحراك لافتقادهم قوة التسعينات |
الجزائر: كميل الطويل
عكست مظاهرات الجمعة السابعة منذ انطلاق الحراك الشعبي في الجزائر، في 22 من فبراير (شباط) الماضي، والأولى منذ تنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رفضاً واضحاً لتسيير المرحلة الانتقالية من قبل شخصيات لعبت دوراً في الحقبة الماضية، الأمر الذي يوجه رسالة واضحة إلى المؤسسة العسكرية كي تتحرك لاختيار شخصيات يقبلها الحراك، غير تلك التي ينص عليها الدستور لإدارة البلاد بعد استقالة رئيس البلاد.
وشاركت حشود في تجمع مليوني بساحة البريد المركزي في العاصمة الجزائرية بعد ظهر أمس. ورفع المشاركون لافتات ترفض تولي رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح منصب الرئيس الانتقالي، خلفاً لبوتفليقة، كما رفعوا صوراً ولافتات ترفض أي دور لرئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، وأخرى تطالب برحيل رئيس الحكومة نور الدين بدوي.
وكانت صور هؤلاء الثلاثة هي المهيمنة على مطالب المحتجين، فيما عرف بـ«جمعة الباءات الثلاثة» التي تنادي برحيل بن صالح وبلعيز وبدوي.
لكن الحراك الضخم في العاصمة حمل أيضاً لافتات تنادي برحيل النظام كله، وأخرى تنادي بـ«المحاسبة». وكان لافتا في الحشد الشعبي هيمنة جيل الشباب من الجنسين، الذين اتشح معظمهم بأعلام بلدهم، وكانوا يهتفون برحيل من قالوا إنهم «سراقون... أكلتم البلاد» (يا سراقين... كليتو البلاد).
ورفع بعض المشاركين في المسيرات لافتات تؤكد سلمية التحرك الشعبي، ووحدة الشعب والجيش. في إشارة إلى وقوف المؤسسة العسكرية إلى جانب الحراك، والضغط على الرئيس بوتفليقة لتلبية طلب التنحي.
وكانت مسيرات العاصمة أمس كبقية مسيرات الجمعات الست السابقة، إذ لم تتخللها أي حوادث أو مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، التي انتشرت بكثافة على الطرق المؤدية إلى ساحة البريد المركزي وقرب المقرات الحكومية، تاركة المشاركين في المسيرات يعبرون عن تطلعاتهم كما يشاؤون.
كما كان أيضا لافتاً في حشود المتظاهرين في العاصمة أن غالبيتهم بدت وكأنها تشارك في احتفال بنصر، أو بعيد الأعياد، إذ حمل رجال أبناءهم على ظهورهم، وكانوا يسيرون بجانب بقية أفراد أسرهم وهم يصدحون بأعلى أصوتهم، فرحاً بتحقيق جزء من مطالبهم بالتغيير، وللمطالبة بتحقيق المزيد منها.
وقف عبد القادر وابنه سعيد يحاولان التقاط صورة تذكارية لهما في قلب ساحة البريد، عسى أن تبقى للذكرى. وقال عبد القادر إن ابنه المهاجر في النرويج جاء في زيارة للعائلة، فكان لا بد من أن يشارك في هذه «اللحظة التاريخية» في مسيرة البلاد، كما قال. ورفض الأب الخمسيني، رداً على سؤال «الشرق الأوسط»، قبول أن هذا التغيير الذي حصل نتيجة الحراك، يمكن أن يؤدي إلى المجيء بنظام أسوأ من الذي جاء المحتجون للمطالبة بتغييره، أو أن يفتح الباب أمام فوضى مماثلة، لما حصل في بلدان أخرى عقب ما يُعرف بـ«الربيع العربي»، مثل ليبيا ومصر وتونس وسوريا واليمن. وقال بهذا الخصوص: «الجزائر مختلفة عن غيرها... لا يمكن أن يتكرر عندنا ما حصل عند غيرنا. نحن إخوة».
وعندما قيل له إن «العشرية السوداء» التي شهدتها الجزائر في تسعينات القرن الماضي لا تشير إلى أن «الإخوة لا يتقاتلون»، رد قائلاً: «نعم هذا صحيح، لكن انظر إلى هذا الحشد. كلنا يد واحدة».
من جهته، علّق ابنه المهاجر بأنه كان صغيراً ولا يذكر دموية سنوات التسعينات. لكنه سعيد جداً بأن حراك الشارع استطاع بشكل حضاري وسلمي أن يحقق التغيير الذي يطالب به جيل الشباب.
في إحدى ساحات البريد المركزي وقفت امرأة مسنة ترفع شعاراً ينادي بـ«محاسبة الفاسدين»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «كلهم لصوص... يجب أن يرحلوا».
إطاحة مدير المخابرات الجزائرية أبرز خصوم قائد الجيش
الجزائر: بوعلام غمراسة
أفرز تنحي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، تحت ضغط الحراك الشعبي وقيادة الجيش، استقالة (أو إقالة) مدير الاستخبارات اللواء بشير طرطاق، الذي يعتبر من أشد خصوم رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح.
وشكل تنحي طرطاق، المعروف حركياً بـ«عثمان»، الحدث السياسي الأبرز في «جمعة الحراك السابعة»، ذلك أن الرجل يعد من الوجوه البارزة لعهد بوتفليقة، وقاد المخابرات القديمة «دائرة الاستعلام والأمن» بوزارة الدفاع لبضعة شهور، عندما تم عزل مديرها الفريق محمد مدين في سنة 2015. وبعدها أحاله الرئيس إلى التقاعد. لكن عاد بعد فترة قصيرة ليرأس الهيكلة الجديدة للمخابرات، التي خلفت القديمة، وسميت «المصالح الأمنية». وأصبحت المخابرات بموجب الهيكلة الجديدة تابعة لرئاسة الجمهورية بدل الجيش. وأشيع بأن رئيس الأركان بالمؤسسة العسكرية أزعجه هذا الأمر، فأسس هيكلاً استخبارياً تابعاً له موازياً لمصالح طرطاق، ما أفرز حساسية بالغة بينهما فيما يتعلق بالصلاحيات والسلطات في مجال التحقيق في قضايا الفساد ومحاربة الإرهاب، ومراقبة وسائل الإعلام والأحزاب والنشطاء الحقوقيين.
وقبل بداية الحراك، أثار مدير فضائية خاصة جدلاً كبيراً، عندما نشر حديثاً بالهاتف جرى بينه وبين أحد أبرز مساعدي طرطاق، دار حول اعتقال رئيس تحرير صحيفة إلكترونية تابعة للفضائية، بسبب مقال عن مدير المخابرات. وقد هدد مدير القناة طرطاق بـ«الانتقام لأنه تجرأ علينا». وكان مساعد طرطاق يترجى مدير القناة بألا يفعل شيئاً، وبأن اعتقال الصحافي «كان فقط من أجل تخويفه حتى لا يكتب عن مديرنا مرة أخرى».
وكتبت الصحيفة الإلكترونية، الأشهر في البلاد، «كل شيء عن الجزائر»، أن طرطاق سلم استقالته للرئيس بوتفليقة في الثاني من الشهر الحالي، وأنه وافق عليها، أي في نفس يوم تسلم «المجلس الدستوري» استقالة بوتفليقة. وفي اليوم ذاته أيضاً هدد قائد الجيش من سماها «العصابة»، وطالبها بالتنحي عن الرئاسة. وكان يقصد بالتحديد بوتفليقة وشقيقه السعيد، الذي يعد كبير مستشاريه، ومدير «المصالح الأمنية».
ويتوقع مراقبون عودة المخابرات إلى صيغتها العسكرية القديمة، وإلحاق ضباطها من جديد بوزارة الدفاع، وحينها ستصبح تحت إشراف قايد صالح، الذي أضحى في وقت وجيز الحاكم الفعلي في البلاد، بعد أن انخرط في مطالب الحراك، ومارس ضغطاً شديداً على الرئيس لدفعه إلى التنحي، علماً بأن صالح ظل طيلة السنين الماضية مدافعاً قوياً عن الرئيس، وكان من المتحمسين لاستمراره في الحكم. وعلى هذا الأساس طالب قطاع من الحراك بإبعاد قائد الجيش، باعتباره هو أيضاً رمزاً من نظام بوتفليقة. وخصصت «مجلة الجيش»، لسان حال المؤسسة العسكرية، افتتاحية عدد أبريل (نيسان) الصادر أمس للحراك، وجاء فيها: «إن اقتراح الجيش تفعيل المادة 102 من الدستور (شغور منصب الرئيس بسبب الاستقالة أو المرض أو الوفاة)، جاء من باب وفائه لرسالة نوفمبر (تشرين الثاني/ تاريخ اندلاع الثورة 1954) الخالدة، وكذا وفائه للعهد المتين، الذي قطعه على نفسه بأن يضع الجزائر فوق أي اعتبار وتغليب المصلحة العليا للوطن، وفي سياق إيمانه الراسخ بقدرة الشعب الجزائري على تجاوز كل الصعاب والمحن، مهما كانت طبيعتها. وقد تضمن الاقتراح المذكور حلاً أورده دستور البلاد، يسمح للجزائر بتجاوز الظرف الذي تمر به بسلام، ويجنبها سيناريوهات قد تدفع نحو المجهول».
وفي استهداف ضمني لـ«جماعة الرئيس»، قالت افتتاحية النشرة العسكرية: «في وقت كان من المفروض أن يعمل فيه الجميع وفق منطق وطني خالص، ونكران الذات وتغليب المصالح العليا للوطن، من أجل إيجاد حل للخروج من الأزمة، طبقاً للأحكام المنصوص عليها دستورياً، يحاول بعض الأطراف من ذوي النوايا السيئة والأغراض المشبوهة، من خلال مخطط مناوئ للمصلحة العليا للوطن، استهدف مصداقية المؤسسة العسكرية والالتفاف على المطالب المشروعة، التي رفعها الشعب صراحة في مسيرات سلمية عمت مختلف ولايات الوطن، وذلك عبر شن حملة إعلامية مركزة ومغرضة، تتضمن معلومات كاذبة ومغلوطة في وسائل الإعلام، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش، تتحدث باسم الشعب وتعطي الانطباع أنه يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور، وهو ما يجانب الحقيقة ويكذبه الواقع».
بلعباس: لا يمكن للإسلاميين الهيمنة على الحراك لافتقادهم قوة التسعينات
رئيس «التجمع من أجل الثقافة» يقترح هيئة ثلاثية «منتخبة» لقيادة المرحلة الانتقالية
الجزائر: كميل الطويل
اقترح محسن بلعباس، رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني)، مخرجاً للأزمة الحالية في الجزائر، يتمثل في تشكيل هيئة رئاسية ثلاثية تقود المرحلة الانتقالية، معتبراً أن الحراك الشعبي يستطيع أن يحكم على هذا الاقتراح، قبولاً أو رفضاً، من خلال المسيرات التي تشهدها البلاد كل يوم جمعة.
موضحاً أن الإسلاميين الجزائريين «لم يعودوا بالقوة التي كانوا عليها في نهاية الثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي، وليس في استطاعتهم الهيمنة على الحراك الآن».
وكان بلعباس أول من اقترح تفعيل مادة دستورية لعزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ديسمبر (كانون الأول) 2012، أي قبل عام من إصابته بجلطة ظل يعاني منها حتى استقالته. وتولى بلعباس قيادة «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، خلفاً لسعيد سعدي في مارس (آذار) 2012.
وقال بلعباس في حوار مع «الشرق الأوسط»، أمس، إنه طالب بتفعيل المادة 88 من الدستور (المادة 102 في الدستور الحالي) سنة 2012، لأن بوتفليقة كان يواجه منذ ذلك الوقت متاعب صحية منعته من القيام بمهامه الرئاسية، حيث كان وقتها يعانى من قرحة، نُقِل على أثرها إلى مستشفى «فال دو غراس» الفرنسي، ولم يتمكن آنذاك من افتتاح السنة القضائية، وهو أمر كان قد اعتاد عليه منذ وصوله إلى الرئاسة عام 1999.
وأضاف بلعباس: «طالبنا آنذاك بتفعيل مادة الشغور الرئاسي، وحل البوليس السياسي، وأيضاً حل حزب جبهة التحرير الوطني لأنه يحتكر الذاكرة الوطنية منذ عام 1962 (الاستقلال)». لكن لم تلقَ هذه المطالب أيّ تجاوب عندما طُرحت. وبخصوص المرحلة الانتقالية المقبلة، اعتبر بلعباس أنه لا يمكن تسييرها بالعمل بالدستور الحالي. وقال بهذا الخصوص: «الشعب واضح في طلبه تغيير النظام كله. والحراك في الشارع قال إن الدستور اغتُصب مراراً وتكراراً. اغتصب في 2008 عندما رشح بوتفليقة لعهدة ثالثة، ثم لعهدة رابعة، وعندما انقلبوا على المجلس الشعبي الوطني، وعندما رشحوا بوتفليقة لعهدة خامسة. لا يمكن العمل بالدستور يوماً، والاستغناء عنه يوماً».
وتابع بلعباس موضحاً: «مطلب الشارع هو تغيير النظام. الشارع يقول إنا فعّلنا المادة 7 من الدستور، التي تقول إننا مصدر السلطات. والشارع يقول في حراكه إن كل الوجوه التي تورطت وتواطأت في كل المراحل السابقة، خصوصاً في مرحلة بوتفليقة، والتي تورطت في الفساد والتعديات على القوانين والدستور منذ 20 سنة، يجب أن ترحل».
لكن من يمكن أن يقود المرحلة الانتقالية؟ يجيب بلعباس: «هناك نقاش مجتمعي حول من يسيّر المرحلة الانتقالية. ففي 1992 عرفت الجزائر مرحلة انتقالية فرضها الجيش. عيّنوا المجلس الأعلى للدولة لقيادة مرحلة انتقالية، وكان الجيش يسيّرهم، باستثناء الرئيس الراحل محمد بوضياف، الذي اغتيل بعد 6 شهور. الآن هناك إمكانية، بحسب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، لانتخاب 3 شخصيات تشكل الهيئة العليا الانتقالية. الثلاثة تنتخبهم أسلاك القضاء والأساتذة الجامعيون والنقابات الحرة، ويجب ألا تتجاوز أعمارهم 60 سنة. والانتخاب يعطيهم نوعاً من الشرعية لا يوفرها التعيين. هذه الأسلاك شاركت في الحراك الشعبي، ولعبت أدواراً فيه»، مضيفاً: «نقترح أيضاً حكومة خلاص وطني، لا تتمثل بها الأحزاب السياسية. من يدخلها من وزراء يجب أن يأتي من المجتمع المدني. ويجب أن يكون وزير الدفاع مدنياً... قلنا كذلك إنه يجب أن تكون هناك هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات تتولى مراجعة قوائم الاقتراع، وصياغة قانون انتخاب يعرض على استفتاء شعبي، في نفس يوم الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي يجب أن يكون جاهزاً خلال شهرين. أي أن الاستفتاء على الدستور وقانون الانتخاب يكون في الأسبوع الأخير من شهر يونيو (حزيران) (حزيران) المقبل».
وبسؤاله كيف يمكن قياس مدى قبول الحراك الشعبي بهذه الهيئة الرئاسية الانتقالية؟ أجاب بلعباس: «بالحوار. الشعب غير متعنّت. يقول إن هذه أهدافه، ويدعو النخبة إلى اعتماد خريطة طريق للوصول إليها. لا أحد يتكلم باسم الشارع، ولكن يوم الجمعة هو ما يحكم على النقاشات التي تجري خلال الأسبوع بخصوص تسيير المرحلة الانتقالية. هناك محاولات لاختراق حراك الشارع، ولكنّ هناك وعياً جماعياً يمنع تحقق ذلك».
وماذا عن الخوف من هيمنة الإسلاميين على الحراك، كونهم الأكثر تنظيماً في العادة؟
كجواب على هذا التساؤل يقول بلعباس: «لا أظن أنهم أكثر تنظيماً. كانوا كذلك حتى سنوات الإرهاب الأولى في التسعينات. لكن المعادلة تغيّرت الآن؛ فمنذ 1988 وحتى 1991 ساعدتهم الظروف لأن الشعب كان مستاء من الحكم الأحادي للحزب الواحد (جبهة التحرير). واستخدم الإسلاميون خطاباً راديكالياً ضد منظومة الفساد، وكان لديهم وجود قوي في المساجد وبعض الجامعات. لكن في 2019 تبدلت الأمور كثيراً. الإسلاميون كأحزاب موجودون. هناك ما بين 10 و15 حزباً إسلامياً، ولكن ليس هناك حزب منها يتفق مع حزب إسلامي آخر. الفيس (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) لم يعودوا موجودين. هناك بعض الوجود لـ(أنصار الإنقاذ) في القبة وباب الوادي. وهناك الإسلام الاجتماعي، وهذا لا مشكلة بتاتاً فيه. الراديكالية قد تأتي من الإسلامي أو العلماني أو القومي. هي ليست حكراً على الإسلاميين. وتجربة التسعينات (سنوات العشرية الدموية) جعلت الجزائريين يقولون: لا، للراديكالية. ومنذ انطلاق الحراك في 22 فبراير (شباط) وجدنا في الشارع تنوعاً لكل الأطراف، وكلها تقبل بعضها بعضاً. هناك اقتناع بأن قوتنا في تنوعنا». |
|