|
|
التاريخ: نيسان ٤, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
الجزائر في عهدة قائد الجيش... بانتظار «الرئيس المؤقت» |
بوتفليقة يطلب «الصفح»... والشارع يرفض المرشحين دستورياً لخلافته |
الجزائر: بوعلام غمراسة
باتت الجزائر في عهدة قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح بعد الاستقالة التي تقدم بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الليلة قبل الماضية إثر احتجاجات شعبية حاشدة دامت أكثر من شهر. وبينما ثبت «المجلس الدستوري» أمس حالة الشغور الرئاسي، فإن ثمة غموضاً شديداً بشأن المرحلة الانتقالية، إذ يرفض رموز الحراك الشعبي تولي المرشحين دستورياً لخلافة الرئيس مؤقتاً في انتظار تنظيم انتخابات رئاسية جديدة.
ويتوقع متابعون لهذه التطورات، استقالة رئيس «مجلس الأمة» عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي مع حكومته، بناء على رغبة قيادة الجيش، بسبب رفضهما شعبياً. كما يرجح هؤلاء انحياز قيادة الجيش لمطلب المتظاهرين المتمثل في اختيار «شخصية توافقية» لم يسبق لها أن مارست مسؤولية حكومية، وليس لها سابق احتكاك مع نظام بوتفليقة، لرئاسة الدولة لمدة عام على الأقل، يتم خلالها إدخال تعديلات عميقة على الدستور، بتقليص الصلاحيات الكبيرة التي يمنحها للرئيس.
ووجّه بوتفليقة أمس رسالة إلى الشعب الجزائري طالباً فيها «المسامحة والـمعذرة والصفح عن كل تقصير» ارتكبه في حقهم.
كذلك، راجت أمس أخبار عن منع شقيقي الرئيس المستقيل، سعيد وناصر، من مغادرة التراب الوطني، بناء على أوامر من النائب العام الذي صرح في وقت سابق، بأنه فتح تحقيقاً ضد عدة أشخاص، بشبهة التربح غير المشروع.
بحث عن شخصية «توافقية» بدل رموز «نظام بوتفليقة»
في ظل مخاوف من تحكم الجيش في ترتيب المشهد السياسي لمصلحة قيادته
توقع مراقبون بالجزائر، استقالة رئيس «مجلس الأمة» عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي مع حكومته، بناء على رغبة من قيادة الجيش، بسبب رفضهما شعبيا. ويتوقع أن يتم التعبير عن هذه الإرادة في مظاهرة الغد، على أساس أن كل رموز النظام المرتبطة بالرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، ينبغي أن ترحل معه.
ومن بين المرفوضين شعبيا أيضا، رئيس «المجلس الدستوري» الطيب بلعيز، الذي عرف بولائه الشديد للرئيس وعائلته، والذي تدرج في مناصب مسؤولية كبيرة، حيث سير وزارة العدل لمدة 9 سنوات أخضع خلالها جهاز القضاء للرئيس بشكل كامل، وتولى أيضا وزارة الداخلية، وترأس «المجلس الدستوري»، ثم عينه الرئيس مستشارا لديه، وعاد إلى «المجلس الدستوري» في فبراير (شباط) الماضي.
ويرجح مراقبون، بعد استقالة بن صالح وبدوي وبلعيز المحتملة، انحياز قيادة الجيش لمطلب المتظاهرين، والمتمثل في اختيار «شخصية توافقية»، لم يسبق لها أن مارست مسؤولية حكومية، وليس لها سابق احتكاك مع نظام بوتفليقة على مدى الـ20 سنة الماضية، لتولي رئاسة الدولة لمدة عام على الأقل، يتم خلالها إدخال تعديلات عميقة على الدستور، بتقليص الصلاحيات الكبيرة التي يمنحها للرئيس.
لكن توجد مخاوف عند قطاع من نشطاء الحراك من تحكم الجيش في ترتيب الأوراق سياسيا لمصلحة قيادته. بمعنى أن يتم اختيار شخصية لرئاسة البلاد، تكون خاضعة لرئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي أضحى القائد الفعلي للبلاد بلا منازع، وهو في نظر عدد كبير من الجزائريين «مخلصهم من العصابة التي سيطرت على الرئاسة». وعلى عكس هذا الموقف، يرى كثيرون أن قايد صالح كان «ركيزة نظام بوتفليقة وحامي ظهور جماعة الرئيس»، وبالتالي ينبغي أن يرحل هو أيضا.
وعقد «المجلس الدستوري» أمس اجتماعا، لتثبيت حالة الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية، على إثر استقالة بوتفليقة أول من أمس، وقال في بيان، إن ذلك تم بناء على المادة 102 من الدستور، التي تتحدث عن استقالة رئيس الجمهورية. مشيرا إلى أنه بلغ أمس «شهادة التصريح بالشغور النهائي لرئاسة الجمهورية إلى البرلمان»، طبقا لما ينص عليه الدستور. ويرتقب أن يجتمع البرلمان بغرفتيه اليوم لتثبيت استقالة الرئيس، بعدها يتسلم رئيس «مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية) عبد القادر بن صالح مهامه رئيسا للدولة، لمدة 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية. ولا يمكن لبن صالح أن يتخذ أي قرار خلال هذه المدة.
وبث التلفزيون الحكومي صور الرئيس بوتفليقة داخل إقامته الرسمية بالضاحية الغربية للعاصمة، وهو يسلم استقالته لبلعيز، بحضور بن صالح. ولوحظ على الرئيس علامات الإرهاق الشديد. وحول هذا المشهد، قال عبد الرزاق مقري، رئيس الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم» إن «الصور التي بثتها التلفزة الجزائرية للرئيس بوتفليقة، وهو يقرأ ويسلم استقالته لرئيس المجلس الدستوري... تُظهر أنه كان مسؤولا عن الإجراءات المنسوبة إليه، وأنه هو من كان يقاوم (طلب الجيش بالتنحي)، ويسير الأمور، وأن ختم الرئاسة كان بحوزته، وأنه مسؤول عن كل الأحداث التي وقعت قبل استقالته. وبالتالي فالرئيس بوتفليقة وشقيقه وعصبته، ومن سانده، مسؤولون عن الوضع الكارثي الذي آلت إليه الجزائر، وإصلاح ما أفسدوه ليس بالأمر الهين. لكن الخطوة الأساسية هي حفظ الجزائر من أن ينتج النظام السياسي عصابة أخرى مثلهم... فالحذر الحذر».
ووجه بوتفليقة أمس رسالة إلى الشعب الجزائري، ذكر فيها بما قام به خلال الفترة التي قضاها في رئاسة الدولة، طالبا من الجزائريين والجزائريات «المسامحة والمعذرة والصفح عن كل تقصير» ارتكبه في حقهم.
من جهته ذكر حسين خلدون، المتحدث باسم حزب «جبهة التحرير الوطني»، الذي يرأسه بوتفليقة، أنه «يقدر موقف الرئيس الذي تفهم وتجاوب مع ظروف المرحلة، التي تمر بها البلاد، بما يقتضي ديمومة الدولة وسلامة سير المؤسسات». وأشاد بـ«موقف الجيش الوطني الشعبي، الذي وقف إلى جانب الشعب منذ بداية الحراك الشعبي، من أجل الاستجابة لمطالبه المشروعة في إطار الالتزام بأحكام الدستور».
بدوره، عبر حزب «التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، عن «ارتياحه لاستقالة الرئيس»، وأكد دعمه لـ«الجيش الذي ساهم في الوصول إلى هذا الحل الدستوري»، في إشارة إلى المادة 102 من الدستور.
أما عبد المجيد مناصرة، وزير الصناعة سابقا، فقد أوضح أنه «ما كان لسيف الجيش أن يعود إلى غمده، دون تحقيق مطالب الشعب الجزائري بعزل (استقالة) الرئيس. والجميع الآن يعيش فرحة انتصار إرادة الشعب على العهدة الخامسة، وعلى تمديد الرابعة، وعلى كل الألاعيب والتحايل على مطالب الحراك الشعبي. ولكن ماذا بعد هذا الإنجاز؟ أكيد يجب ترسيم استقالة الرئيس، ثم استقالة بدوي واستقالة بن صالح، ثم استقالة بلعيز، واختيار بدلاء عنهم يقبلهم الشعب، وانطلاق حوار جامع ومسؤول للعبور نحو انتخابات رئاسية نزيهة، بعد إصلاحات متوافق عليها، تمس الإطار القانوني والإطار التنظيمي للانتخابات».
في سياق ذلك، قال عبد القادر بن قرينة، وزير السياحة سابقا، الذي يرأس الحزب الإسلامي «حركة البناء الوطني»، إن «الشعب الجزائري يتوق لتطهير الفعل السياسي والإعلامي والوظيفة الإدارية من خاطفي مؤسسات الدولة الرسمية، الذين وصفهم بالعصابة وطلب عزلهم، سواء كانوا أشخاصا أو كيانات مع استرداد ثروة الشعب، وهو ما عبر عنه وأكده الجيش صراحة بوصفهم بالعصابة، التي سرقت أصوات الشعب وإرادته وثروته».
من جهته، قال الحقوقي والمحامي وأحد وجوه الحراك مقران آيت العربي إن «الرئيس استقال لكن بقي رؤوس الفساد المالي والسياسي. وقد كان هؤلاء تحت حماية جماعة الرئيس، التي استولت على السلطة بطريقة غير شرعية. وهذا الاستيلاء لم يعد مجرد اتهامات المعارضين، بل أكده قائد الأركان الذي يعرف كل صغيرة وكبيرة عن الرئاسة. واليوم من يحمي هؤلاء المجرمين؟». في إشارة ضمنية إلى علي حداد، أكبر رجل أعمال في البلاد، الذي يوجد في السجن منذ يومين بعد اعتقاله وهو يحاول الهرب عن طريق الحدود البرية الشرقية.
كما تم اعتقال رضا كونيناف، رئيس مجموعة للمقاولات مقرب من شقيق الرئيس، حيث اقتحمت الشرطة مكاتبه بالعاصمة مساء أول من أمس، وأخذت منها وثائق وملفات. كما راجت أخبار أمس عن منع شقيقي الرئيس، سعيد وناصر من مغادرة التراب الوطني، بناء على أوامر من النائب العام، الذي صرح في وقت سابق، بأنه فتح تحقيقا ضد عدة أشخاص، بشبهة التربح غير المشروع. |
|