التاريخ: نيسان ٣, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
بوتفليقة يتنحى رسمياً وقائد الجيش يهاجم «العصابة»
احتفالات في الجزائر... واجتماع مرتقب للمجلس الدستوري لتحديد خليفة الرئيس
الجزائر: كميل الطويل وبوعلام غمراسة
أعلنت وكالة الأنباء الجزائرية أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أبلغ رئيس المجلس الدستوري، رسمياً، مساء أمس، بقراره إنهاء عهدته الرئاسية، وذلك بعد ساعات من مهاجمة قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، بشدة الأشخاص المحيطين بالرئيس الذين وصفهم بـ{العصابة التي نهبت البلد واستولت على قيادته}، وطالبهم بالتنحي عن الحكم فوراً.

وفور إعلان الاستقالة الرسمية، شهدت العاصمة الجزائرية تجمعات احتفلت بتنحي الرئيس، وأطلقت سيارات أبواقها. لكن الأنظار ستتجه إلى موقف الشارع مما حصل، خصوصاً في مسيرات يوم الجمعة.

وينتظر أن ينعقد المجلس الدستوري لإعلان شغور منصب الرئيس المستقيل. وفي حين يفترض دستورياً أن يتولى السلطة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، إلا أن رفضه من الحراك الشعبي يعقد اختياره. وأحد الاقتراحات هو انتخاب رئيس جديد لمجلس الأمة يرضي الشارع. وليس واضحاً ماذا سيحل بحكومة تسيير الأعمال التي شكلتها الرئاسة بقيادة نور الدين بدوي.

لكن الواضح أن الجزائر طوت صفحة من تاريخها الحديث برحيل بوتفليقة. كما أن الأزمة الحالية أبرزت بشكل كبير دور المؤسسة العسكرية، وتحديداً قيادة أركان الجيش التي ساندت حراك الشارع وأرغمت المحيطين بالرئيس على قبول تنحيه.

وقال رئيس أركان الجيش قايد صالح في بيان نادر من حيث حدة اللهجة، إن مسعى الجيش لتفعيل المادة 102 من الدستور «قوبل مع الأسف الشديد بالمماطلة والتعنت، بل والتحايل من قِبل أشخاص يعملون على إطالة عمر الأزمة وتعقيدها، والذين لا يهــمهم سوى الحفاظ على مصالحهم الشخصية الضيقة». وأضاف: «في الوقت الذي كان الشعب الجزائري ينتظر بفارغ الصبر الاستجابة لمطالبه المشروعة، صدر يوم الفاتح من أبريل (نيسان) بيان منسوب إلى رئيس الجمهورية، لكنه في الحقيقة صدر عن جهات غير دستورية وغير مخوّلة، يتحدث عن اتخاذ قرارات مهمة تخص المرحلة الانتقالية، وفي هذا الصدد نؤكد أن أي قرار يُتخذ خارج الإطار الدستوري مرفوض جملة وتفصيلاً». وجاء بيان قائد الجيش بعد اجتماع له مع قادة القوات وقادة النواحي العسكرية لمناقشة تطورات المواجهة مع جماعة الرئيس.

طلبة الجزائر يحتجون مجدداً للمطالبة بتنحي بوتفليقة «على الفور»
زروال يرفض عرضاً لرئاسة «مرحلة انتقالية» بناءً على طلب من شقيق الرئيس


الجزائر: بوعلام غمراسة - لندن: «الشرق الأوسط»
نظم مئات الطلبة الجزائريين أمس مسيرة في العاصمة الجزائر للمطالبة بتنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الفور، واستبدال النظام السياسي في البلاد، وذلك بعد يوم من إعلان الرئيس أنه سيترك منصبه بحلول نهاية الشهر الحالي.

وحسب تقرير لوكالة «رويترز» أمس، فقد هتفت الحشود «نريد تغيير النظام»، و«لا نريد بوتفليقة ولا شقيقه سعيد»، مستشار الرئيس وشقيقه الأصغر. لكن حتى الآن لم يعلق سوى حزب «حركة مجتمع السلم» الإسلامي المعارض على بيان بوتفليقة، بالقول إن رحيل بوتفليقة دون إصلاحات حقيقية «سيكون خطوة تقوض مطالب المحتجين».

في غضون ذلك، وفي تطور لافت للمواجهة الجارية بين الرئاسة وقيادة الجيش في الجزائر، كشف الرئيس السابق الجنرال اليمين زروال عن عرض حمله إليه مدير المخابرات السابق الجنرال محمد مدين، لرئاسة «هيئة مكلفة تسيير مرحلة انتقالية». وجرى الاتفاق على نقل العرض إليه بين مدين والسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس ومستشاره الخاص.

ونشر زروال أمس بيانا مثيرا، نقلته وسائل الإعلام، جاء فيه «ككل الجزائريين، شدتني قوة المسيرات الحاشدة المنظمة من طرف الشعب الجزائري، مسيرات ساندتها منذ اللحظات الأولى. وأنا أيضا مثلكم جميعا، قلق من غياب رد سياسي في مستوى هذه المطالب الديمقراطية المشروعة».

وذكر رئيس الجمهورية سابقا (1994 - 1998) «كما تعلمون فمنذ 2004 (انتخاب بوتفليقة لولاية ثانية) وأنا أرفض كل الدعوات السياسية (للعودة إلى الحكم)، وفي كل مرة أطالب بتنظيم تداول (على السلطة)، يسمح ببزوغ أجيال جديدة لي فيها ثقة كاملة، وعملت دائما على تشجيعها».

وأضاف زروال موضحا «بداعي الشفافية وواجب احترام الحقيقة، أود أن أعلم أنني استقبلت يوم 30 مارس (آذار) (الماضي)، الفريق المتقاعد محمد مدين بطلب منه، وقد حمل لي اقتراحا يتمثل في رئاسة هيئة مكلفة بتسيير مرحلة انتقالية. وأكد لي أن الاقتراح تم بالاتفاق مع السعيد بوتفليقة، المستشار لدى الرئاسة. وعبرت لمحدثي عن ثقتي الكاملة في الملايين من المتظاهرين، وبأنه لا ينبغي عرقلة مسيرة الشعب، 

ولم يذكر زروال ماذا كان رده على مقترح شقيق الرئيس ومدين الشهير بـ«الجنرال توفيق». لكن يمكن فهم بيانه على أنه رفض العرض، أو ربما طرح شروطا لم يقبلها الطرف الآخر. وفي كل الأحوال لاحظ مراقبون أن مدير المخابرات، الذي عزله بوتفليقة عام 2015 سعى لحل المأزق السياسي الجاري منذ 7 أسابيع، وهو لا يملك أي صفة في الدولة. واللافت أن مقترح «هيئة انتقالية» برئاسة زروال، طرحته أحزاب معارضة منذ شهور ورفضته السلطة بشدة، وكانت متجهة إلى ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة.

وما تضمنه بيان زروال ينفي بقوة ما ورد في تصريحات عُدت خطيرة لرئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، السبت الماضي، والتي جاء فيها أن «أشخاصا معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، عقدوا اجتماعا في 30 من مارس، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، ضد الجيش الوطني الشعبي، وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور»، التي تنص على شغور منصب الرئيس بسبب مرض خطير، أو الاستقالة أو الوفاة.

وبثت فضائية خاصة موالية لقايد صالح، أخبارا مفادها أن الاجتماع «حضرته عناصر من المخابرات الجزائرية»، وكان ذلك كافيا لتغيير انشغال قطاع من المتظاهرين، فبعد أن كانوا يطالبون بوتفليقة وقائد الجيش بالتنحي، أضحى تركيزهم على الرئيس وحده. بل هناك من اعتبر قايد صالح «في صف الحراك ضد العصابة في الرئاسة».

في سياق ذلك، طالبت المعارضة أمس في بيان عقب اجتماعها السّابع بمقر حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي بالعاصمة، الرئيس بوتفليقة بالاستقالة الفورية من منصبه، مشيرة إلى «الدعم المطلق لكل مطالب الشعب المتعلقة بالرحيل الفوري، والآني للرئيس المنتهية عهدته والقوى المحيطة به».

ونوهت المعارضة، التي أطلقت على اجتماعاتها اسم «قوى التغيير لنصرة خيار الشّعب»، باستمرار المظاهرات السلمية، محذرة من «محاولات اختراقها، والالتفاف عليها ودعوة الشعب للاستمرار في هبته إلى غاية تحقيق مطالبه كلها». كما دعت المعارضة «النواب العامين على مستوى القطر الجزائري إلى تفعيل آليات محاربة الفساد ورموزه، دون انتقائية ودعم مبادرة القضاء في البدء بفتح ملفات الفاسدين».

واعتبرت المعارضة «الشعار الذي يحمله الشعب في مسيرات (جيش. شعب. إخوة) بمثابة رسالة تضامن مع مؤسسة الجيش الوطني، والتنويه بتبنيها خريطة طريق لحل الأزمة». 

في غضون ذلك، هاجم قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، بشدة جماعة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ووصفها بـ«العصابة التي نهبت البلد واستولت على قيادته»، وقال إنه «مع الشعب للقضاء عليها»، وطالبها بالتنحي عن الحكم فوراً.

ونشرت وزارة الدفاع بياناً نادراً من حيث حدة اللهجة، تناول نتائج اجتماع عقده قايد صالح أمس، مع قادة القوات وقادة النواحي العسكرية، (عددها ست)، والأمين العام لوزارة الدفاع الوطنية، ورئيسي دائرتين تابعتين لأركان الجيش. وخصص الاجتماع لبحث تطورات المواجهة مع جماعة الرئيس، التي ترفض التنحي على الفور، كما طالبها بذلك قائد الجيش مرتين.

وذكر صالح أن مسعى الجيش تفعيل المادة 102 من الدستور «قوبل مع الأسف الشديد بالمماطلة والتعنت، بل والتحايل من قبل أشخاص يعملون على إطالة عمر الأزمة وتعقيدها، والذين لا يهمهم سوى الحفاظ على مصالحهم الشخصية الضيقة، غير مكترثين بمصالح الشعب وبمصير البلاد».

وأفاد البيان بأن الجيش «انحاز منذ بداية الأزمة كليا، إلى المطالب الشعبية، مما يؤكد أن طموحه الوحيد هو السهر على الحفاظ على النهج الدستوري للدولة، وضمان أمن واستقرار البلاد وحماية الشعب من العصابة التي استولت بغير وجه حق على مقدرات الشعب الجزائري، وهي الآن بصدد الالتفاف على مطالبه المشروعة من خلال اعتماد مخططات مشبوهة، ترمي إلى زعزعة استقرار البلاد، والدفع بها نحو الوقوع في فخ الفراغ الدستوري».

يوم «عادي» يخفي قلقاً على المستقبل
الجزائر: كميل الطويل
زحمة السير الخانقة على الطرقات الرئيسية لم تكن توحي بأن هناك أي شيء غير طبيعي يحدث في العاصمة الجزائرية. يوم عادي كبقية أيام الأسبوع. الموظفون يهرعون إلى مراكز أعمالهم. التلاميذ والطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم. عمال النظافة يقومون بأعمالهم. شرطيون يقفون عند حواجزهم، المنتشرة في أنحاء العاصمة منذ سنوات، وهم ينظمون حركة السير ويحررون أحياناً محاضر في حق المخالفين.

لكن هذا اليوم العادي في حياة الجزائريين يخفي في الواقع قلقاً لدى كثيرين منهم حول مستقبل بلدهم، في ظل أزمة سياسية مستفحلة مرتبطة بمطالب الحراك الشعبي، الذي تشهده الجزائر منذ فبراير (شباط) الماضي. ورغم أن هذا الحراك بدأ بالمطالبة بعدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة (ولاية) خامسة، إلا أنه بات يصر اليوم، ليس فقط على تنحيه عن السلطة، بل على «رحيل» نظامه، وهو مطلب «مطاط» لا يبدو أن الحراك الشعبي نفسه يتفق على رأي حول من يجب أن يشمله تحديداً من أركان السلطة.

وسيكون يوم الجمعة محطة أساسية بلا شك في قياس طريقة التعاطي الشعبي مع القرارات الأخيرة، الصادرة عن الرئاسة، بما في ذلك التعهد بأن بوتفليقة سيتنحى قبل انتهاء العهدة الرابعة في 28 من أبريل (نيسان) الجاري. ويلبي هذا التعهد، إلى حد كبير، جزءاً أساسياً من مطلب الشارع، الذي أرغم بوتفليقة في البداية على عدم الترشح للعهدة الخامسة، قبل أن يعلن الموافقة على التنحي قبل نهاية هذا الشهر. وكان جزء من الحراك يخشى أنه يريد تمديد العهدة الرابعة على أساس أنه لم يحدد موعداً لمغادرة قصر المرادية، عقب إعلانه عدم الترشح للخامسة، وإلغاء الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة هذا الشهر. وليس واضحاً حتى الآن هل سيتراجع حجم الحراك يوم الجمعة، وهو يوم اعتاد المحتجون، بطريقة سلمية، على «استعراض عضلاتهم» فيه من كل أسبوع منذ فبراير الماضي. وإذا ما تراجعت الحشود فإن ذلك سيعني أن خطوات الرئاسة لبت مطالب شريحة من المحتجين على الأقل. لكن تعيين الرئاسة وزير الداخلية السابق نور الدين بدوي على رأس الحكومة الجديدة لن يرضي بلا شك شريحة من المحتجين، الذين يعتبرونه جزءاً من نظام يريدون رحيله.

وبرز في الأيام الأخيرة اختلاف داخل أطراف الحكم في شأن طريقة التعاطي مع مطالب الشارع. وتجسد ذلك من خلال الدور المتعاظم للجيش، ودفعه الرئاسة إلى القبول بتنحي بوتفليقة، أو اللجوء إلى تفعيل المادة 102 من الدستور، التي تتحدث عن شغور منصب الرئيس بسبب العجز عن أداء مهامه. لكن المجلس الدستوري، المنوط به دستورياً دعوة مجلسي البرلمان إلى التصويت على «الشغور»، لم يجتمع حتى الآن للبت في طلب الجيش، ما يرجّح أن الخيار استقر على تنحي الرئيس، وإطلاق مرحلة انتقالية، ليس واضحاً كم ستدوم، ولا من سيديرها.

والظاهر أن ضغوط الجيش، ممثلاً بقائد الأركان نائب وزير الدفاع الفريق أحمد قائد صالح، أدت إلى فتور في العلاقة القوية سابقاً مع الرئاسة. وما زاد الطن بلة أن الطاقم المحيط ببوتفليقة، وتحديداً شقيقه السعيد، بات يشعر بأنه مستهدف من خلال ملاحقة مجموعة من كبار رجال الأعمال النافذين المرتبطين به، والذين يشتبه في أنهم راكموا ثروات ضخمة بسبب قربهم من الرئاسة. وجاء استهداف هؤلاء الأثرياء بأمر من قيادة أركان الجيش، التي قالت إن ملاحقتهم تلبي مطالب المحتجين، الذين يشتكون من وجود فساد في السلطة. لكن هذه الملاحقات تزامنت مع نشر وسائل إعلام محلية تقارير عن لقاءات جمعت السعيد بوتفليقة مع مسؤولين كبار حاليين وسابقين في جهاز المخابرات، الأمر الذي أطلق تكهنات بأن الرئاسة ربما تكون تحاول الاستعانة بالمخابرات في مواجهة قيادة الأركان.

وأمس أصدر الرئيس السابق اليمين زورال بياناً أكد فيه أنه اجتمع بالرئيس السابق لجهاز المخابرات اللواء محمد مدين (توفيق)، بناء على طلب الأخير لمناقشة «اقتراحات»، نقلها إليه لقيادة مرحلة انتقالية، بناء على اتفاق مع السعيد بوتفليقة، مضيفاً أنه رفض العرض. وأصدر «توفيق» بدوره بياناً رد فيه على مزاعم بخصوص لقاءاته، نافياً تحديداً أن يكون قد اجتمع بمسؤولين أمنين فرنسيين، تردد أنهم شاركوا في تلك اللقاءات.

وقاد «توفيق» لسنوات طويلة جهازاً استخباراتياً، مثّل أحد «أضلاع» السلطة في الجزائر، إلى جانب الرئاسة وقيادة أركان الجيش. وكان لافتاً في هذا الإطار أن بياناً وزّع باسم مسؤول في الرئاسة أعلن عن تنحية قائد صالح من منصبه، وهو أمر نفته قيادة الجيش ومسؤول الرئاسة نفسه. لكن اللغط الذي أثاره البيان المزور أشار بوضوح إلى أن هناك من يحاول اللعب على وتر خلافات متوهمة أو حقيقية، بين أركان الحكم الجزائري.