التاريخ: نيسان ٢٥, ٢٠١٢
المصدر: جريدة الحياة
مركز دراسات «الربيع العربي» - زياد الدريس

ما زالت الشعوب العربية تعاني من أعراض الربيع العربي وآلامه المبرحة. كلما اندمل جرح، أو ظننا أنه اندمل كما في تونس وليبيا خصوصاً، انفتق من جديد نازفاً بالدماء والدموع. أما الجروح التي لم تندمل، ولا يبدو أنها ستندمل قريباً كما في سورية خصوصاً، فهي حكاية أخرى من الدماء والآلام والأسئلة!
 
الذين كانوا ضد «الربيع العربي» منذ البدء يفرحون كثيراً بهذه المضاعفات التي يكتوي بها الجسد العربي المريض أصلاً.
 
في حين أن الذين مع «الربيع العربي» منذ البدء ما زالوا يعذّرون ويفسرون ويضربون الأمثال بالثورة الفرنسية التي طالت حتى استوت على سوقها، يفعلون هذا من أجل إعطاء مزيد من الوقت للربيع كي تتفتق زهوره وتعبق عطوره.
 
لكن الناس المستضعفين لا تعطيهم رائحة الدماء فسحة من أجل التفكير في رائحة الزهور المنتظرة!
 
الاختلاف على جدوى «الربيع العربي» من أجل الخروج من أزمة التخلف والاستبداد لم يقتصر على فئة واحدة من المتابعين، فوجهتا النظر، المع والضد، متوافرتان بالتزامن عند المحللين السياسيين وعند المثقفين وعند الإسلاميين وعند الذين لا هم من هؤلاء ولا من هؤلاء!
 
البعض يتحفظ على تسمية ما يجري الآن أنه «ربيع» ، هو بالأصح «تسونامي عربي» قد يعقبه ربيع أو خريف ... ما زالت الصورة غير واضحة.
 
يغشى المفكر محمد جابر الأنصاري هذا القلق من الربيع «الشبابي» حين ينادي ويحذر من أن «التمرد من أجل التمرد والثورة من أجل الثورة والرفض من أجل الرفض .. كل ذلك يمثل حالة مرضية غير صحية. لا بد من أن يكون ثمة «مشروع» سياسي وراء ذلك كله. هذا ما توصل إليه جيلنا - أي جيل الأنصاري! - وبعد طول معاناة وبعد تكاثر الهزائم والنكسات».(«الحياة» 22 آذار / مارس 2012)
 
الأنصاري الخبير والثائر سابقاً يحذّر، بتحنان وقلق في مقالته، من أن يقع الشباب الآن في ما وقع فيه جيل شباب الستينات الثائر من الخيبات والخيانات التي قضت على آمالهم التقدمية.
 
ليس بعيداً عن قلق الأنصاري القلق والتثبيط بل والتشكيك الذي يبثه المفكر عبدالاله بلقزيز في كل سانحة له للحديث عن (العام 2011)، ربما كان من أوضحها ما ذكره في مقالته التي عنونها (حقائق ثلاث لقراءة مشهد الثورات) التي يمكن إيجازها في: أن مفهوم الثورة يعني التغيير الجذري للنظام الاجتماعي والاقتصادي وليس للنظام السياسي فحسب... أي مجرد تغيير طاقم حاكم بآخر سيعيد إنتاج النظام الاجتماعي نفسه. وأن الديموقراطية ليست صناديق اقتراع فحسب، بل هي تتعدى هذا بكثير. وأن الثورة أو التغيير الاجتماعي لأوضاع سياسية قائمة لا يتحصل المشروعية إلا متى كانا بإرادة من الشعب وقواه الاجتماعية الفاعلة ( صحيفة «الاتحاد» الإماراتية 9 كانون الثاني / يناير 2012).
 
الشوائب والشبهات الثلاث التي يثيرها بلقزيز وجيهة ومثيرة لشهية نقاش مستفيض، قد ينحو في بعض لحظاته إلى تراتبية البيضة والدجاجة!
 
التشكيك في «الربيع العربي» وصل ببعض الكارهين له إلى حد نصرة بشار الأسد «الكافر» على الشعب السوري المضطهد، هكذا كتبوا، من منطلق أن الاستبداد أخف وطأة من الفوضى!
 
الذي يبدو أن «الربيع العربي» سيظل باقياً معنا لسنوات قادمة بأفراحه وأتراحه ... بنجاحاته وإفشالاته ... بمحبيه وكارهيه. لكن هل يجب أن تؤدي النخبة المفكرة، من أمثال الأنصاري وبلقزيز، دور المتفرج الذي يتابع عن بعد ويقول رأيه بصوت خافت؟
 
ألا يستحق هذا الربيع المثير للجدل مركزاً نخبوياً مستقلاً يحلل ويؤثر في القرار الاستراتيجي الملازم للحدث؟
 
إلى متى سيستمر العالم العربي من دون مراكز استرتيجية مستقلة وجادة وقادرة على التأثير، كما هي حال المراكز الغربية الاستراتيجية المساندة والمشاركة في القرار السيادي؟
 
إذا لم يقم الآن مركز استراتيجي يختص بدراسات «الربيع العربي» فمتى ستقوم لنا قائمة ... أو قيامة؟!
 
* كاتب سعودي