|
|
التاريخ: آذار ١٦, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
مجزرة نيوزيلندا: العالم يتحد ضد الكراهية |
منفذ الهجوم الإرهابي يبرر جريمته بهدف {حقن دماء البيض} |
لندن: «الشرق الأوسط»
هزّ هجوم إرهابي بشع نفّذه عنصري أسترالي وراح ضحيته ما لا يقل عن 49 شخصاً في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا، العالم بأسره أمس، ووحده حول التنديد بالتطرف والعنف، بينما شددت مدن غربية التدابير الأمنية حول المساجد وأماكن العبادة للمسلمين.
وأطلق مسلح واحد على الأقل مزوّد بأسلحة نصف آلية، النار عشوائياً على المصلين داخل مسجدين في مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية، ما أدى إلى مقتل 49 شخصاً وإصابة العشرات، في أسوأ حادث إطلاق نار في تاريخ البلاد.
وتحدّثت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن عن «أحلك يوم» في تاريخ هذا البلد، الواقع في جنوب المحيط الهادي والمعروف بأمنه، وصنّفت الهجوم مباشرة أنه «إرهابي». والمسجدان المستهدفان هما مسجد النور في وسط المدينة حيث قضى 41 شخصاً بحسب الشرطة المحلية، ومسجد آخر في ضاحية لينوود حيث قتل 7 أشخاص، وقضى شخص متأثراً بجروحه في المستشفى. كما نُقل نحو 50 مصاباً إلى المستشفيات، 20 منهم في حالة خطرة، بحسب رئيسة الوزراء. وبين القتلى نساء وأطفال.
وبثّ المهاجم مباشرة على الإنترنت مقاطع من الاعتداء، حيث كان يطلق النار حتى على الجرحى الذين يحاولون الهرب منه. وقالت الشرطة إنها أوقفت أسترالياً يبلغ من العمر 28 عاماً، ووجهت إليه تهماً بالقتل. ومن المقرر أن يكون قد مثل أمام محكمة مقاطعة كرايست تشيرش. وأوقف رجلان آخران لكن لم تعرف بعد التهم الموجهة إليهما، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
ونشر المشتبه به الأساسي «بياناً» عنصرياً على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن ينفذ الهجوم على المسجدين. ويبدو أنه «استوحى» في بيانه من نظريات منتشرة في أوساط اليمين المتطرف، التي تعتبر أن «الشعوب الأوروبية» يجري استبدال مهاجرين غير أوروبيين بها، يصفهم بـ«الغزاة». ويفصّل البيان مرحلة عامين من التحوّل إلى التطرف، ومن التحضيرات قبل التنفيذ.
وقالت الشرطة النيوزيلندية إن المقاطع التي نشرها منفذ الهجوم «مؤلمة جداً»، فيما حذّرت السلطات بأن من ينشر تلك المقاطع قد يعاقب بالسجن إلى ما يصل لـ10 سنوات. وظهر في الفيديو الذي صوره المهاجم بتثبيت كاميرا على جسمه رجل أبيض حليق يقود سيارته حتى مسجد النور. ثم يدخل إلى المسجد ويطلق النار على الموجودين منتقلاً من قاعة إلى أخرى.
وبالإضافة إلى الفيديو، أظهرت صور مرتبطة بمنفذ الهجوم على مواقع التواصل أسلحة شبه آلية كُتب عليها أسماء شخصيات تاريخية عسكرية، بينهم أوروبيون قاتلوا القوات العثمانية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
كما أشارت تقارير إلى أن اسم لوكا ترايني، وهو إيطالي يميني متشدد مسجون لإدانته بتنفيذ عمليات قتل ذات دوافع عنصرية العام الماضي، كان محفوراً على قطعة سلاح استخدمت في مجزرة كرايست تشيرش. وسارع محامي ترايني إلى التأكيد عبر الإذاعة أن موكله تاب و«ينأى بنفسه بشدة» عن منفذ عملية نيوزيلندا.
وقبل وقت قصير من وقوع الهجوم، أفاد منشور من شخص مجهول على منتدى «إنفنيت تشان» المعروف بتقديم محتوى متنوع يشمل خطاب الكراهية، بأن كاتب المنشور «سينفذ هجوماً ضد الغزاة». وتضمن المنشور، وفق وكالة «رويترز»، روابط لموقع للبث الحي على «فيسبوك» ظهرت عليها لقطات هجوم أمس وبيان الإرهابي. وأفيد بأن منفذ الهجوم الإرهابي ضد مسجد النور غادر بعد الانتهاء من تنفيذ جريمته وقاد سيارته إلى مسجد آخر في ضاحية لينود حيث نفّذ جريمته الثانية ضد المصلين هناك.
وفرضت قوات الأمن حصاراً في مدينة كرايست تشيرش، قبل أن ترفع تلك الإجراءات بعد بضع ساعات. وطلبت الشرطة من المسلمين تفادي الذهاب إلى المساجد «في جميع أنحاء نيوزيلندا». ورفعت البلاد مستوى الإنذار فيها إلى «عالٍ». وكإجراء وقائي، فجرت الشرطة حقيبتين بدا أنهما متروكتان قرب محطة قطار في أوكلاند. ودهمت الشرطة كذلك منزلاً له علاقة بالهجوم، وأخلت الحي الذي يوجد فيه.
وأثار الهجوم صدمة عارمة في نيوزيلندا، هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 5 ملايين نسمة، 1 في المائة فقط منهم مسلمون. وهي لا تسجل سوى خمسين جريمة قتل في المتوسط في السنة، وتفخر بأنها مكان آمن.
وروى شاهد لموقع الأخبار النيوزيلندي «ستاف» أنه كان يؤدي الصلاة في مسجد النور على جادة «دينز»، عندما سمع صوت إطلاق النار. ولدى محاولته الهرب، شاهد جثة زوجته صريعة أمام المسجد. وقال رجل آخر إنه شاهد أطفالاً يُقتلون، متابعاً أن «الجثث كانت في كلّ مكان». وقال شاهد لإذاعة «راديو نيوزيلاند» إنه سمع إطلاق النار، ورأى أربعة أشخاص ممدّدين على الأرض «والدماء في كل مكان».
وروى فلسطيني كان موجوداً في أحد المسجدين أنه رأى رجلاً يفارق الحياة بعدما تلقّى رصاصة في الرأس. وقال هذا الرجل، الذي لم يشأ الكشف عن هويته، لوكالة الصحافة الفرنسية: «سمعت ثلاث طلقات نارية سريعة، وبعد عشر ثوانٍ، بدأ كل هذا. لا بد أنه سلاح آلي فلا أحد يستطيع أن يضغط على الزناد بهذه السرعة». وتابع: «بعد ذلك بدأ الناس يخرجون وهم يركضون، وبعضهم كان مغطى بالدماء». بدوره، قال رجل كان داخل مسجد النور لوسائل إعلام إن المسلح أشقر وكان يرتدي خوذة وسترة واقية من الرصاص. واقتحم الرجل المسجد بينما كان المصلون راكعين، وفق ما نقلت «رويترز». وذكر أحمد المحمود: «كانت معه بندقية كبيرة، دخل وفتح النار على الجميع في المسجد في كل اتجاه». وأضاف أنه تمكن من الهرب مع آخرين «بعد أن حطموا بابا زجاجيا».
وأكّدت السفارة السعودية في العاصمة النيوزيلندية ويلنغتون أنه في إطار متابعتها لحادثي إطلاق النار في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش وما نتج عنهما من قتلى وإصابات، «تبيّن إصابة مواطن سعودي بجروح طفيفة، حيث تم الاطمئنان على صحته وسلامته»، في حين ذكرت تقارير مساء أن هناك سعودياً بين قتلى الاعتداء الإرهابي. وطالبت السفارة جميع المواطنين الموجودين في المدينة بضرورة توخي الحيطة والحذر، كما دعت إلى متابعة ما تصدره السلطات المحلية من تعليمات بهذا الشأن، والبقاء في المنازل في الوقت الحالي، لحين عودة الوضع إلى طبيعته، والتواصل معها عبر هاتف للطوارئ.
بدورها، أكدت سفارة الإمارات في نيوزيلندا أن جميع الطلبة بخير. وقال السفير صالح أحمد سالم الزريم السويدي، إن البعثة تواصلت مع طلبة الإمارات، واطمأنت عليهم وحرصت على تنبيههم بضرورة اتخاذ الحيطة والحذر خلال هذه الظروف الاستثنائية، واتّباع تعليمات الشرطة النيوزيلندية في كل الأحوال.
إلى ذلك، أشار السفير الفلسطيني لدى أستراليا ونيوزيلندا عزت عبد الهادي إلى وجود معلومات أولية تشير إلى مقتل وإصابة عدد من الفلسطينيين في الهجومين. وذكر السفير في اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الفلسطينية أن الجالية الفلسطينية أبلغته بمقتل فلسطيني على الأقل، وإصابة عدد آخر في الهجومين، موضحا أن السفارة تتابع اتصالاتها مع الجهات المختصة في نيوزيلندا للحصول على معلومات وبيانات رسمية.
من جانبه، أكّد مصدر في وزارة الخارجية الأردنية في بيان أن «عدد الضحايا الأردنيين الذين استشهدوا جراء الحادث الإرهابي في نيوزيلندا قد ارتفع إلى شهيدين». وأضاف أنه «تم إبلاغ ذويهما»، مشيرا إلى أن «سفارتنا في أستراليا ما زالت تتابع الأحداث هناك».كذلك أفادت تقارير ليبية بسقوط ضحايا ليبيين في مذبحة المسجدين.
ونجا منتخب بنغلاديش للكريكيت من إطلاق النار الذي استهدف أحد المسجدين. وكان فريق بنغلاديش للكريكيت على وشك دخول أحد المسجدين حينما بدأ إطلاق الرصاص، وقال مدرب الفريق لوكالة «رويترز» إنهم جميعا بخير. وكان المنتخب في زيارة لنيوزيلندا لخوض ثلاث مباريات ضد المنتخب المحلي، وقال المدير التنفيذي لاتحاد الكريكيت في بنغلاديش نظام الدين تشودهوري: «فريقنا كان يتجه نحو المسجد لأداء صلاة الجمعة، الهجوم وقع قبل أن يصل فريقنا للمكان». وقد أُلغيت المباراة المقررة اليوم بين منتخبي بنغلاديش ونيوزيلندا للكريكيت لضمان أمن اللاعبين.
وأثار اعتداء استهدف مسجدين في نيوزيلندا حالة من الصدمة والاشمئزاز والاستياء حول العالم. وكانت رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرن، أول من وصف المذبحة البشعة بـ«الهجوم إرهابي»، متحدثة عن «أحد أحلك الأيام» في تاريخ البلاد.
واقتداء بالإجراءات الأمنية في نيوزيلندا، أعلنت شرطة لندن «تعزيز دوريات الحماية في محيط المساجد وزيادة الانخراط مع المجتمعات من جميع العقائد وتقديم النصائح بشأن الكيفية التي يمكن للأشخاص والأماكن حماية أنفسهم من خلالها». وفي أستراليا، أكدت الشرطة في نيو ساوث ويلز أنها ستكثف الدوريات في محيط المساجد كإجراء احترازي. وقالت الشرطة إنه «لا يوجد تهديد محدد قائم حاليا تجاه أي مسجد أو دار عبادة».
كما قال وزير الداخلية الفرنسي، كريستوف كاستانير، إن السلطات شددت إجراءات الأمن قرب دور العبادة.
وفي أستراليا، أعلن رئيس الوزراء سكوت موريسون أن أحد منفذي الهجومين مواطن أسترالي وصفه بأنه «إرهابي متطرف يميني عنيف». وتابع أن أجهزة الأمن الأسترالية تحقق بشأن روابط محتملة بين أستراليا والهجوم، مؤكدا دعمه الكامل لنيوزيلندا.
وأدان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الهجوم، وقال عبر «تويتر»: «أعرب عن أحر مشاعر المواساة وأطيب التمنيات للنيوزيلنديين بعد المجزرة المروعة في المسجدين. توفي 49 شخصا بريئا بشكل عبثي للغاية، وتعرض كثيرون لإصابات بالغة». فيما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز: «نتضامن مع أهالي نيوزيلندا وحكومتهم ضد فعل الشر والكراهية هذا»، مؤكدة أن الولايات المتحدة «تدين بشدة الاعتداء الذي وقع في كرايست تشيرش».
كما أدان وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو، خلال مؤتمر صحافي أمس، الهجوم على
المسجدين، وأكد استعداد واشنطن لتقديم أي مساعدة لنيوزيلندا، فيما قال جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي إن «الولايات المتّحدة على اتصال بالمسؤولين النيوزيلنديين لتقديم المساعدة». وتوالت تعليقات الإدانة من عدد كبير من أعضاء الكونغرس والوزراء والشخصيات العامة الأميركية، بينهم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي قال عبر «تويتر»: «ميشيل وأنا نرسل تعازينا القلبية إلى الشعب النيوزيلندي، ونحزن معهم ومع المجتمعات المسلمة ونقف في وجه كل أشكال الكراهية».
بدورها، حضّت رئيسة الوزراء النرويجية إيرنا سولبرغ المجتمع الدولي على مكافحة جميع أشكال التطرف بعد اعتداء كرايست تشيرش، الذي أعاد إحياء الذكريات الأليمة لعملية القتل التي نفّذها اليميني المتطرف أندرس بيرينغ بريفيك في النرويج عام 2011. وقالت إنه «أمر محزن بكل المقاييس. يعيد الذكريات الأليمة التي اختبرناها في 22 يوليو (تموز) 2011، أصعب لحظة في فترة ما بعد الحرب في النرويج».
كما أدانت والدة فتاة سويدية قُتلت في اعتداء استوكهولم، الذي وقع عام 2017، مجزرة نيوزيلندا بعدما أعلن المهاجم في بيان أنه نفذ العملية للرد على مقتل الطفلة البالغة من العمر 11 عاما. وقالت جينيت أكرلوند، والدة الفتاة، لقناة «إي في تي» السويدية إن الاعتداء في نيوزيلندا «يناقض كل ما كانت إيبا تمثله».
بدوره، أعرب وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني عن «إدانته الكاملة» لمجزرة نيوزيلندا. فيما أعربت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن تعازيها الخالصة «بعد الهجوم الإرهابي المروع في كرايست تشيرش. أتضامن مع كل من تأثّر بعمل العنف المقزز هذا».
وأرسلت كل من الملكة إليزابيث الثانية وزوجها الأمير فيليب تعازيهما لعائلات وأصدقاء القتلى. وقالت الملكة: «شعرت بحزن عميق جراء الأحداث الفظيعة في كرايست تشيرش (...) أتضامن وأصلي لجميع النيوزيلنديين في هذه المأساة».
إلى ذلك، أكّد البابا فرنسيس «تضامنه الخالص» مع كل النيوزيلنديين والمسلمين منهم بشكل خاص. وقال وزير خارجية الفاتيكان، بيترو بارولين، في برقية، إن البابا «يشعر بحزن عميق لعلمه بالإصابات والخسارة في الأرواح الناجمة عن أعمال العنف العبثية».
ووصف رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الأنباء من نيوزيلندا بشأن الاعتداء بـ«المروعة»، مؤكدا أن «الهجوم الوحشي (...) لن يضعف التسامح واللياقة اللتين تعرف بهما نيوزيلندا». ونعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع النيوزيلنديين «مواطنيهم الذين تعرضوا للهجوم والقتل الناجم عن الكراهية العنصرية».
بينما ندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كذلك بالهجوم «الشنيع»، مؤكدا أن بلاده «تقف ضد جميع أشكال التطرف». أما رئيس الوزراء الإسباني نيدرو سانشيز فأعرب عن تضامنه مع الضحايا وعائلاتهم والحكومة النيوزيلندية بعد الهجمات التي نفذها «متعصبون ومتطرفون يريدون تدمير مجتمعاتنا».
واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن «الاعتداء على أناس مسالمين تجمعوا للصلاة هو أمر صادم بقسوته وخبثه»، معربا عن أمله بأن «يعاقب المتورطون بشدة». فيما قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبيرغ، إن الحلف «يقف إلى جانب صديقتنا وشريكتنا نيوزيلندا في الدفاع عن مجتمعاتنا المنفتحة وقيمنا المشتركة».
وأدانت اليابان بشدة «عملية إطلاق النار الوحشية التي وقعت في كرايست تشيرش»، وفق بيان صادر عن رئيس وزرائها شينزو آبي، الذي شدد على أن طوكيو «عازمة على الوقوف في وجه الإرهاب». وأعرب رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد عن أمله في أن «توقف (نيوزيلندا) هؤلاء الإرهابيين، وتتّخذ الإجراءات اللازمة بموجب قوانين البلاد». أما جوكو ويدودو رئيس إندونيسيا، فقال: «ندين بشدة هذا النوع من أعمال العنف».
منفذ الهجوم الإرهابي يبرر جريمته بهدف {حقن دماء البيض}
نشر برينتون تارانت المنفذ المفترض لهجوم المسجدين في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية، بيانا عبر الإنترنت، شرح فيه «دوافعه» للجريمة، وأقر فيه بأنه أقدم على الإجرام بدافع «الإرهاب». وفي البيان المكون من 74 صفحة اعتبر تارانت أن تدفق المهاجرين على الدول الغربية يشكل أخطر تهديد لمجتمعاتها، ويرقى إلى ما وصفه بـ«الإبادة الجماعية للبيض»، وأن وقف الهجرة وإبعاد «الغزاة» الموجودين على أراضيها ليس «مسألة رفاهية لشعوب هذه الدول، بل هو قضية بقاء ومصير». وفيما يتعلق بأهداف الهجوم، يؤكد تارانت أنه جاء من أجل «إقناع الغزاة بأن أراضينا لن تصبح لهم أبدا»، وانتقاما لـ«ملايين الأوروبيين الذين قتلهم الغزاة الأجانب عبر التاريخ وآلاف الأوروبيين الذين قضوا في هجمات إرهابية على الأراضي الأوروبية». أما الأهداف العملية، حسب تارانت، فهي تقليص الهجرة بترهيب «الغزاة» وترحيلهم، وإثارة رد فعل عنيف من «أعداء شعبي كي يتعرضوا لمزيد من العنف في نهاية الأمر». كما ذكر تارانت أنه يسعى لدق إسفين بين أعضاء حلف الناتو الأوروبيين وتركيا، بهدف «إعادتها إلى مكانتها الطبيعية كقوة غريبة ومعادية». وحول اختيار نيوزيلندا موقعا لتنفيذ الهجوم، كتب تارانت أنه جاء للفت الأنظار إلى «حقيقة الاعتداء على حضارتنا»، التي ليست في مأمن من خطر المهاجرين حتى في «أبعد بقعة منها». ويؤكد تارانت أنه لا يشعر بالندم و«يتمنى فقط أن يستطيع قتل أكبر عدد ممكن من الغزاة والخونة أيضا»، وأنه «ليس هناك من بريء بين المستهدفين، لأن كل من يغزو أرض الغير يتحمل تبعات فعلته». وذكر تارانت أنه يدعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب «كرمز للهوية البيضاء المتجددة والهدف المشترك وليس بصفته السياسة». ولم يعرف بعد ما إذا كان تارانت المنفذ الوحيد للهجوم، حيث قالت الشرطة إنها ألقت القبض على 4 أشخاص على خلفية الاعتداء. وحسب المعلومات الأخيرة، بلغت حصيلة ضحايا الهجوم 49 قتيلا و20 جريحا على الأقل. وأصدر سفاح مسجدي نور ولينوود في نيوزيلندا الذي قتل 49 مصليا وجرح العشرات بينهم أطفال، بيانا في 74 صفحة قبل ساعات من مجزرته وشرح برينتون تارانت البالغ 28 عاما في بيانه «الاستبدال العظيم» خطته بالتفصيل لقتل المصلين في المسجدين ووصف الإرهابي نفسه بأنه «رجل أبيض عادي ولد في أستراليا من طبقة عاملة، وينتمي لعائلة ذات دخل منخفض».
وكشف كيف استوحى فكرة الهجوم الإرهابي من سفاح النرويج أندرس بريفيك الذي قتل 77 شخصا في هجوم 2011. وبريفيك هو إرهابي متطرف نرويجي من مواليد 13 فبراير (شباط) 1979. ارتكب مذبحة النرويج عام 2011. وينتمي لليمين المتطرف ويعرف عنه عداؤه للإسلام.
وفي 22 يوليو (تموز) 2011، فتح النار على مراهقين في معسكر في جزيرة أوتايا بالنرويج، ما أسفر عن مقتل 69 شخصا، كما ألقى قنبلة على مقر الحكومة في أوسلو ما أودى بحياة 8 أشخاص.
واعترف بريفيك خلال محاكمته بارتكاب المجزرة، إلا أنه ادعى البراءة وبرر عمله بأنه «فظيع لكنه ضروري» ويهدف لحماية النرويج من «الاجتياح الإسلامي»، وأنه هاجم العماليين الذين يحكمون البلاد والسياسة التي ينتهجونها في مجال الهجرة، وسعيهم لتعزز التعددية الثقافية. وفي 16 أبريل (نيسان) 2012 حكم على أندريس بهرنغ بريفيك بعد تسعة أشهر من الجريمة بالسجن 21 عاما بجرم «الإرهاب».
وارتدى منفذ الهجوم كاميرا وقام بتسجيل واقعة إطلاق النار وتحميلها على مواقع التواصل الاجتماعي. وذكرت شركة «فيسبوك» أنها «سارعت بحجب حسابات منفذ الهجوم على موقعي «فيسبوك» وإنستغرام، بالإضافة إلى مقطع الفيديو بعد تلقي إخطار من الشرطة. ويظهر في المقطع، الذي تبلغ مدته 17 دقيقة، رجلا أبيض يرتدي ملابس مموهة وسوداء، وهو يقود سيارته نحو ما بدا أنه مسجد النور. ويبدو أن منفذ الهجوم أطلق النار على 24 شخصا، على الأقل، داخل المسجد بالإضافة إلى اثنين آخرين في الشارع.
الهجوم بدأ ونُفّذ على الإنترنت
كرايستشيرش (نيوزيلندا): «الشرق الأوسط»:
نشرت حسابات الإنترنت المرتبطة بهجومين مسلحين وقعا أمس على مسجدين في نيوزيلندا وأسفرا عن مقتل 49 شخصاً، وإصابة أكثر من 40 آخرين مواد خلال الأيام الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات عن سيادة العرق الأبيض ورسائل لليمين المتطرف تحتفي بالعنف ضد المسلمين والأقليات. وبث مسلح لقطات حية على «فيسبوك» للهجوم على أحد المسجدين. وقالت الشرطة في وقت لاحق: إن أربعة أشخاص احتجزوا، وإن واحداً وجهت له تهمة القتل في أسوأ حادث قتل جماعي بالرصاص تشهده البلاد حتى الآن. ونشر حساب «برينتونتارانت» على «تويتر» يوم الأربعاء صوراً لبندقية استخدمت فيما بعد في الهجوم على المسجدين بمدينة كرايست تشيرش. وظهرت صورة البندقية وقد غطتها حروف بيضاء اللون لأسماء أشخاص آخرين ارتكبوا أعمال قتل على أساس عرقي أو ديني، وإشارات سلافية وأرمينية وجورجية إلى شخصيات وأحداث تاريخية، وعبارة تسخر من كتيب أعدته الأمم المتحدة لكيفية التعامل مع المهاجرين. وكُتب على جانب البندقية أيضاً رقم (14)، في إشارة إلى شعار يستخدمه العنصريون البيض يتألف من 14 كلمة.
وتضمنت تغريدات أخرى نشرها المستخدم نفسه في ذلك اليوم إشارات إلى تراجع معدل الخصوبة لدى البيض، ومقالات عن المتطرفين اليمينيين في دول مختلفة، وقصصاً عن جرائم مزعومة لمهاجرين غير شرعيين.
ونشر هذا الحساب، الذي أنشئ الشهر الماضي، 63 تغريدة وبلغ عدد متابعيه 318 متابعاً.
وفي نحو الساعة الواحدة والنصف بالتوقيت المحلي (0030 بتوقيت جرينتش) أمس (الجمعة) قال المستخدم المجهول للمجموعة «سوف أنفذ الهجوم على الغزاة، وسأقوم أيضاً بنشر بث حي للهجوم على (فيسبوك)». واشتملت التعليقات المؤيدة للمنشور على صور وشعارات نازية.
واشتمل منشور هذا المستخدم المجهول على رابط لبيان من 74 صفحة، جاء فيه، أن ما دفعه لتنفيذ الهجوم هو «الإبادة الجماعية للبيض»، وهي عبارة يستخدمها العنصريون البيض لوصف آثار الهجرة والزيادة في أعداد سكان أقليات.
كما تضمن المنشور أيضاً رابطاً لحساب مستخدم على «فيسبوك» يسمى «برينتون تارانت»، وهو الحساب الذي نشر عليه البث الحي للهجوم على أحد المسجدين. ونشر «يوتيوب» المملوك لـ«جوجل» على «تويتر» أيضاً «روعتنا المأساة البشعة التي وقعت اليوم في نيوزيلندا». وقال ممثل لـ«تويتر»: إن الشركة «تشعر ببالغ الحزن» لما حدث من أعمال قتل. وقالت الشركة في بيان بعثت به بالبريد الإلكتروني: «لدى (تويتر) آليات شديدة الدقة وفريق متفانٍ للتعامل مع الحالات الملحة والطارئة». وتابع البيان «نتعاون أيضاً مع الأجهزة الأمنية لتيسير تحقيقاتها كما ينبغي». |
|