|
|
التاريخ: آذار ١١, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
بوتفليقة يعود من جنيف مع تصاعد الحراك ضد «العهدة الخامسة» |
مسيرات ومظاهرات كبيرة مستمرة في كل أنحاء البلاد للأسبوع الثالث |
الجزائر: بوعلام غمراسة
مع عودة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، من المستشفى في جنيف الذي دخله في 24 من الشهر الماضي، شهدت عاصمة الجزائر وكل مناطق البلاد بما فيها الجنوب «الهادئ»، إضرابا شلَ قطاعات واسعة من النشاط الاقتصادي والتعليمي. وجرى ذلك في سياق المظاهرات ضد ترشح الرئيس لولاية الخامسة، المتواصلة للأسبوع الثالثة.
وحطت طائرة بوتفليقة في المطار العسكري في ضواحي العاصمة بعد الظهر بعدما ظل الجزائريون مشدودين إلى أخبار الرحلة منذ إقلاع الطائرة الرئاسية من جنيف حاملة بوتفليقة بعد إقامة في المستشفى السويسري استمرت أسبوعين وأثارت جدلا وتكهنات عن مدى قدرته على الترشح. وكانت الرئاسة تحدثت في 24 من الشهر الماضي عن «فحوصات طبية روتينية»، يجريها الرئيس بجنيف. وتسبب طول إقامته في الخارج في تأجيج الشارع الجزائري، الذي تشكلت لديه قناعة راسخة بأن الرئيس لن يمكنه الترشح لـ«عهدة خامسة»، وأن إصرار المقربين منه على تمديد حكمه، يعكس حرصا منهم على الحفاظ على مصالحهم الشخصية.
وسبقت وصول الطائرة إلى الجزائر إشاعات ترددت في شبكة التواصل الاجتماعي عن أنها حملته إلى مصحة غرونوبل جنوب فرنسا، حيث درج على العلاج منذ إصابته بجلطة دماغية في 27 أبريل (نيسان) 2013.
«عصيان» يثير التباسا
وعلى صعيد «مظاهرات رفض العهدة الخامسة»، نزل الآلاف من طلاب الكليات والمعاهد التابعة لجامعة الجزائر العاصمة، إلى «البريد المركزي» وسط المدينة، في تحد واضح للحكومة التي أصدرت أمرا بخروجهم في عطلة الربيع بدءا من أمس، بينما كانت الإجازة مقررة كما هو الحال كل عام في 21 من الشهر. ومددتها الحكومة عشرة أيام كاملة، إذ كانت 10 أيام وأصبحت 20 يوما. ورفض الطلاب وأساتذة التعليم العالي وقف الدراسة، ونددوا بـ«خطة الحكومة الهادفة إلى كسر احتجاج الجامعة ومنعها من مواصلة انخراطها في الحراك الشعبي المندد بالنظام».
وعرفت ولايات وهران وسيدي بلعباس ومعسكر بالغرب، والطارف وعنابة وقسنطينة بالشرق، والمدية وتيزي وزو بالوسط، وأدرار والوادي بالجنوب، مظاهرات ومسيرات جرت بالشوارع الرئيسية، وأمام المقار الحكومية تعبيرا عن استمرار الحراك الشعبي.
وشلَ إضراب للتجار ولايات تشهد حركة اقتصادية وتجارية كبيرة، مثل سطيف وبرج بوعريريج بالشرق، وغرداية بالجنوب ووهران بالغرب. وحدث لبس كبير لدى الجزائريين، أمس، بين الإضراب على سبيل الاحتجاج ضد «العهدة الخامسة»، والدعوة إلى «عصيان مدني»، ما يعيد إلى الأذهان مشاهد احتلال الشارع على مدار الساعة، من طرف الإسلاميين مطلع تسعينات القرن الماضي.
وحذَر قادة أحزاب وناشطون من الانسياق وراء التحريض على العصيان، على أساس أن ذلك «يصب في مصلحة السلطة التي تريد أن يخرج الحراك عن أبعاده السلمية». «والعصيان المدني»، عنوان كتاب شهير لقيادي «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة سعيد مخلوفي، ظهر عام 1992 وصار مؤلفه زعيم ما سمي «حركة الدولة الإسلامية»، التي دخلت في مواجهة مسلحة مع الجيش وقتلت رجال الأمن. ولهذا السبب، فنشطاء الحراك رفضوا بشدة تداوله.
الحل في حل البرلمان وإقالة الحكومة
وكتب المحلل ياسين عمران عن تطور حالة السخط الشعبي: «يمضي الوقت وتضيق مساحة فرصة الإنقاذ يوما بعد يوم... أتفهم تردد المؤسسة العسكرية حتى الآن والجيوش تتعامل مع المُعطى الخارجي وليس الداخلي ولا أرى في الأفق سوى مخرجين قانونيين أحلاهما مرّ هما: استقالة الرئيس وقبل ذلك إقالة الطاقم الحكومي وحل البرلمان بغرفتيه، ومن ثم تأجيل الانتخابات، وهنا سنكون أمام فراغ دستوري رهيب، أو إعلان حالة الطوارئ وهذا سيناريو مخيف، وكلاهما لا يأتيان إلا مع مزيد من التعفن في الوضع».
وبحسب المحلل فإن «قبول المجلس الدستوري ملف ترشح الرئيس المريض يعني التوجه نحو الكارثة، ورفضه لدواع صحية يعني حتما إعلان حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، ومن ثم سنكون تحت رئاسة رئيس مجلس الأمة (عبد القادر بن صالح) وهو من التجمع الوطني الديمقراطي (يرأسه رئيس الوزراء أحمد أويحيى غير المحبوب شعبيا)، وسنكون تحت رئاسة أويحيى للحكومة بقوة القانون، لأن الدستور يمنع إقالة الحكومة في حال إعلان عجز الرئيس، فتبقى تمارس مهامها حتى يبدأ الرئيس الجديد في ممارسة مهامه». وأضاف: «الشارع يضغط يوما بعد يوم، والسلطة تهرب إلى الأمام أكثر فأكثر، ودعوات العصيان المدني هي الانتحار ذاته في هكذا ظروف. الوقت يمر وما يمكن القيام به اليوم لن يكون متاحا غداً».
أما فضيل بومالة الكاتب الصحافي، الناشط بقوة في المظاهرات الشعبية، فيقول: «الدعوة للإضراب جاءت في سياق مطالب نقابية قديمة متجددة، لم تجد أي آذان صاغية من جهة السلطة. وهي حق دستوري وقانوني جاء في المرحلة الراهنة للانخراط في حراك الشعب الهادف للتغيير الجذري. وهو أمر طبيعي ورسالة هامة في العمل النقابي الحر، المدافع عن الشعب عموما والفئات العمالية خصوصا. أما ما يسمى بالعصيان المدني فمؤامرة من النظام، وجماعاته لضرب حراك الشعب والتشكيك في سلميته وروحه الحضارية ومحاولة الطعن في مصدره، وإحداث الارتباك والبلبلة في أوساط الناس. إنها استراتيجية واضحة من داخل النظام وأحزابه وعصابات المال الفاسد، للإيحاء بالرجوع لمطلع التسعينات من القرن الماضي».
وأضاف بومالة: «إن النظام العنيف لم يهضم بعد سلمية الحراك وأخلاق المتظاهرين العالية. كما لم يتقبل بعد الحراك الوطني وتجاوزه لكل أسباب التمييز والفرقة بين المناطق والجزائريين التي زرعها النظام وأجهزته في المجتمع. وإذا كان هذا النظام لا يقبل بأي تغيير، فإن جزائر الشعب بأجيالها المختلفة قد تغيرت وتطورت من حيث وعيها ووطنيتها، وإدراكها للرهانات الداخلية والإقليمية والدولية وتفهم جيدا استراتيجيات النظام وحلفائه».
وقال الكاتب الروائي ورئيس حزب «الوطنيين الأحرار»، عبد العزيز غرمول: «فكرة الدعوة إلى إسقاط النظام فيها الكثير من الخطورة والمغامرة. فالنظام ليس أفرادا وإنما مؤسسات دولة، أو في الحقيقة مؤسسات الشعب، وإسقاطها يعني المساس مباشرة بأمن واستقرار البلد. وفِي رأيي أن المطلب الصحيح هو المطالبة بإسقاط «العصابة الحاكمة» وهي معروفة كأشخاص ومكروهة كممارسات. الفكرة الثانية هي فكرة «العصيان المدني» وهي بدورها خطيرة، تؤدي حتما إلى الصدام بين الشعب ومؤسساته الأمنية، وتخلق وضعا خطيرا لا يسمح للطرفين بالمشاركة السلمية في التغيير، والانتقال بالجزائر إلى ما يصبو إليه الشعب ومن ورائه هذا الحراك المبارك. وجهة نظري هي الضغط على الجماعة الحاكمة من خلال إضراب واسع وشامل، محدود في الزمان والقطاعات كي لا نمسّ بحاجات المواطنين».
من جهة أخرى، قال رئيس أركان الجيش، الفريق قايد صالح أمس، أثناء وجوده بمنشأة عسكرية بالعاصمة، بأنه «يعلم علم اليقين أن الشعب الجزائري الأصيل والواعي، الذي برهن في كافة الأوقات والظروف على أنه شعب مواقف، قد عرف وسيعرف كيف يحافظ على وطنه، ولا شك أن الجزائر محظوظة بشعبها ولا شك أيضا أن الجيش الوطني الشعبي هو أيضا محظوظ بشعبه». وعدَ كلامه «إعلانا غير صريح» عن دعمه للحراك الشعبي.
وكان خطاب صالح خاليا من أي إشادة بالرئيس، على غير عادته. وهاجم العسكري النافذ في الحكم المتظاهرين، يوم 26 من الشهر الماضي، فوصفهم بـ«المغرر بهم» ودافع بشدة عن بوتفليقة. غير أن وزارة الدفاع طلبت من وسائل الإعلام عدم نشره خوفا من رد فعل شعبي سلبي. |
|