التاريخ: آذار ٩, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
نساء "داعش" غير نادمات ويتوّعدن بـ"فتوحات" جديدة
عند مشارف بلدة الباغوز في شرق سوريا، تصيح نساء "الله أكبر" و"باقية وتتمدد"، يحملن أحذيتهنّ أمام كاميرات الصحافيين ويوجهن الشتائم اليهم، ويتوعدن بـ"الانتقام" وبـ"فتح جديد"، وذلك بعد ساعات من خروجهن من الجيب الأخير لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

بين الآلاف الذين تدفقوا خلال الأيام الأخيرة من البقعة الصغيرة قرب الحدود العراقية، نساء وأطفال والكثير من الجرحى. يبدو واضحاً أن أكثر المتشددين هم آخر الخارجين من القرية التي تحاصرها "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. يبدو الخارجون منهكين وجائعين ومتألمين من الهزيمة التي لحقت بتنظيم وعدهم بـ"خلافة" مترامية الأطراف. على رغم ذلك، لا يقر كثيرون منهم بانتهاء "الدولة الإسلامية".

فور رؤيتهنّ صحافيين تجمعوا في المكان، بدأت نحو عشر نساء يعرضن، وحمل بعضهن أحذيتهنّ أمام كاميرات المصدّرين، فيما رشقت أخريات الكاميرات بالحجار. وصحن "الله أكبر"، و"باقية وتتمدّد".

كنّ في طريقهن إلى الباصات لنقلهنّ إلى مخيم الهول في الحسكة بشمال شرق البلاد. فقد أبطأت "قسد" هجومها مجددا خلال الأيام الاخيرة نظراً الى خروج دفعات جديدة من الرجال والنساء والأطفال من الباغوز.

وقالت إحداهنّ :"سننتقم وسيصل الدم إلى الركب"، مضيفة: "خرجنا، لكن فتوحات جديدة مقبلة".

واعترضت النساء على تمضيتهن ليلة في العراء وفي البرد غداة خروجهن من الباغوز ومصادرة "قسد" هواتفهنّ النقالة وكل الأجهزة الإلكترونية التي حملنها.

على الأرض، جلست بعضهن ينتظرن تحرك الباصات. بينهنّ أم محمد (47 سنة)، العراقية من الأنبار، التي قالت: "ننتظر الفتح بإذن الله، خرج الأنذال والخائفون وخرجنا نحن لأننا نشكل ثقلاً على الرجال". تتردد في الإجابة عن مكان زوجها المنضوي في صفوف التنظيم، وتكتفي بالقول: "الحمد لله، حياً كان أو ميتاً".

في مكان قريب، انهمكت أمرأة بالصلاة وأخرى بقراءة القرآن، فيما كان طفل يردّد بصوت خافت أغنية لـ"داعش" وهو يسير إلى جانب والدته.

وكرّرت امرأة عراقية رفضت التعريف عن نفسها: "باقية بإذن الله تعالى رغم أنوفهم"، بينما قالت أخرى اكتفت بذكر عمرها (60 سنة): "لا تنتهي دولة الخلافة، لأنها انطبعت في دماغ وقلب الرضيع والصغير". وأكدت كثيرات أنهنّ يردن تربية أولادهنّ على "نهج الخلافة".

لم يكن في الإمكان تبين وجوههن تحت النقاب الأسود الطويل الذي تظهر منه العينان فقط. وبغضب، خاطبت إحداهنّ صحافية قائلة: "لعن الله من تشبهت بالرجال"، في إشارة إلى لباسها، بينما أمسكت أخرى بخصلة من شعر الصحافية، وقالت لها: "ألم تقرأي القرآن، ألا تختشين؟".

ولا تسمح "قسد" للصحافيين بالاقتراب كثيرا من الرجال الذين يفصلون عن النساء للتوسع في التحقيق معهم والتأكد مما إذا كانوا مقاتلين في صفوف التنظيم المتطرف أم لا.

وفي الجزء المخصص للرجال، جلس عدد من المشتبه فيهم على الأرض.

وقال أبو مريم (28 سنة) المتحدر من طرطوس في غرب سوريا: "ما دفع الناس إلى الخروج هو التعب. كل من في الداخل يريدون الخروج، لكنّهم خائفون". وروى أنه فقد زوجته وطفليه وسياراته وأمواله، وكل ما يريده الآن "الذهاب بعيداً من هنا... لأريح رأسي".

ارتدى أبو مريم عباءة صوفية فوق ثيابه، وكان يتحدث بصوت خافت. الى جانبه، قال عبد المنعم ناجية إنه تأخر في الخروج لأنه كان يخشى الأسر، خصوصاً أن أولاد عمّه، كما قال، مقاتلون في صفوف التنظيم. أفاد أنه خلال الأيام الاخيرة "سرت شائعة مفادها أن جميع الرجال سيخرجون إلى إدلب (في شمال غرب سوريا الذي لا يزال خارجا عن سيطرة قوات النظام السوري) من غير أن يتعرض لهم أحد، لكنها لم تكن صحيحة، وما حصل هو أن الكلّ خرج إلى الأسر".

أوضح ناجية أنه في الثلاثين، لكنه بدا أكبر سناً بكثير، وقد طغى الشيب على شعره وذقنه. ووجه أصابع الاتهام في ما آلت إليه الأمور الى الفساد الذي حل في التنظيم، وحمل زعيمه أبو بكر البغدادي المسؤولية. وقال: "كان هناك تطبيق لشرع الله، لكن بات هناك ظلم وقيادات سرقت الأموال وتركت العوام، رعية أمير المؤمنين... هربوا، وبقينا نحن إلى أن وصل الرصاص إلى فوق رؤوسنا".

وتحدث عن فرار عدد كبير من قادة التنظيم إلى إدلب وتركيا والعراق، قائلاً: "كل فترة، نسمع خبراً أن الأمير الفلاني +قطع+ أي أنه ترك الجماعة".

أما أبو بكر البغدادي فلم يره يوماً، وقد يكون حالياً في العراق، في رأيه. "تركنا أمانة لأناس خذلونا وذهبوا... هو يتحمل مسؤولية، كونه بنظرنا القدوة... لمن تركنا؟" وأكد أنه لم يبق في الداخل اليوم سوى قادة "ضعفاء".

على رغم ذلك، كان يدعو لـ"الخلافة الإسلامية" وللبغدادي نفسه، متمنياً له السلامة و"الفتوحات". وخلال السنتين الاخيرتين، مُني "داعش" الذي كان استولى على منطقة واسعة توازي مساحة بريطانيا في سوريا والعراق في 2014 بهزائم متتالية. وانحسرت أماكن وجوده تدريجاً، ليحاصر أخيراً في بقعة صغيرة من قرية نائية غير معروفة في أقصى الشرق السوري، بات اليوم اسمها على كل لسان.

في منطقة الفرز، فقد أحد الرجال فجأة أعصابه أمام الصحافيين، ووقف على رغم إصابة في رجله، وصاح متهماً التحالف الدولي الذي يشن غارات مكثفة على الباغوز دعماً لهجوم "قسد"، بـ"الإرهاب".

ثم قال: "أنا استسلمت بسبب إصابتي، وإلا كنت بقيت، فأنا واكبت تنظيم الدولة الإسلامية منذ البداية. خرجت الآن، لأنه لم يبق أي شيء".